1 - هذه (سورة أنزلناها وفرضناها) مخففة ومشددة لكثرة المفروض فيها (وأنزلنا فيها آيات بينات) واضحات الدلالات (لعلكم تذكرون) بإدغام التاء الثانية في الذال تتعظون
قال أبو جعفر : يعني بقوله تعلى ذكره " سورة أنزلناها " وهذه السورة أنزلناها ، وإنما قلنا معنى ذلك كذلك ، لأن العرب لا تكاد تبتدئ بالنكرات قبل أخبارها إذا لم تكن جوابا ، لأنها توصل كما يوصل الذي ، ثم يخبر عنها بخبر سوى الصلة ، فيستقبح الابتداء بها قبل الخبر إذا لم تكن موصولة ، إذ كان يصير خبرها إذا ابتدئ بها كالصلة لها ، ويصير السامع خبرها كالمتوقع خبرها ، بعد إذ كان الخبر عنها بعدها ، كالصلة لها ، وإذا ابتدئ بالخبر عنها قبلها ، لم يدخل الشك على سامع الكلام في مراد المتكلم ... وقد بينا فيما مضى قبل أن السورة وصف لما ارتفع بشواهده ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
وأما قوله " وفرضناها " فإن القراء اختلفت في قراءته ، فقرأه بعض قراء الحجاز والبصرة وفرضناها ويتأولونه : وفصلناها ونزلنا فيها فرائض مختلفة . وكذلك كان مجاهد يقرؤه ويتأوله .
حدثني أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا ابن مهدي ، عن عبد الوارث يبن سعيد ، عن حميد ، عن مجاهد ، أنه كان يقرؤها وفرضناها يعني بالتشديد .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله وفرضناها قال : الأمر بالحلال ، والنهي عن الحرام .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . وقد يحتمل ذلك إذا قرئ بالتشديد وجها غير الذي ذكرنا عن مجاهد ، وهو أن يوجه إلى أن معناه : وفرضناها عليكم وعلى من بعدكم من الناس إلى قيام الساعة . وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة والشأم " وفرضناها " بتخفيف الراء ، بمعنى : أوجبنا ما فيها من الأحكام عليكم ، وألزمناكموه وبينا ذلك لكم .
والصواب من القول في ذلك : أنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وذلك أن الله قد فصلها ، وأنزل فيها ضروبا من الأحكام ، وأمر فيها ونهى ، وفرض على عبده فيها فرائض ، ففيها المعنيان كلاهما : التفريض ، والفرض ، فلذلك قلنا بأية القراءتين قرأ القارئ فمصيب الصواب .
ذكر من تأول ذلك بمعنى الفرض والبيان من أهل التأويل :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : " وفرضناها " يقول : بيناها .
حدثني يونس ، قال :أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " سورة أنزلناها وفرضناها " قال : فرضناها لهذا الذي يتلوها مما فرض فيها ، وقرأ " فيها آيات بينات لعلكم تذكرون " .
وقوله " وأنزلنا فيها آيات بينات " يقول تعالى ذكره : وأنزلنا في هذه السورة علامات ودلالات على الحق بينات ، يعين واضحات لمن تأملها وفكر فيها بعقل ، أنها من عند الله ، فإنها الحق المبين ، وإنها تهدي إلى الصراط المستقيم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج " وأنزلنا فيها آيات بينات " قال : الحلال والحرام والحدود " لعلكم تذكرون " يقول : لتتذكروا بهذه الآيات البينات التي أنزلناها .
مدنية بالإجماع
مقصود هذه السورة ذكر أحكام العفاف والستر. وكتب عمر رض الله عنه إلى أهل الكوفة: علموا نساءكم سورة النور. وقالت عائشة رضي الله عنها: لا تنزلوا النساء الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن سورة النور والغزل. " وفرضناها " قرىء بتخفيف الراء، أي فرضنا عليكم وعلى من بعدكم ما فيها من الأحكام. وبالتشديد: أي أنزلنا فيها فرائض مختلفة. وقرأ أبو عمرو: " وفرضناها " بالتشديد أي قطعناها في الإنزال نجماً نجماً. والفرض القطع، ومنه فرضة القوس. وفرائض الميراث وفرض النفقة. وعنه أيضاً " فرضناها " فصلناها وبيناها.، وقيل: هو على التكثير، لكثرة ما فيها من الفرائض. والسورة في اللغة اسم للمنزلة الشريفة، ولذلك سميت السورة من القرآن سورة. قال زهير:
ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب
وقد مضى في مقدمة الكتاب القول فيها. وقرىء " سورة " بالرفع على أنها مبتدأ وخبرها " أنزلناها "، قاله أبو عبيدة و الأخفش. وقال الزجاج و الفراء والمبرد: " سورة " بالرفع لأنها خبر الابتداء، لأنها نكرة لا يبتدأ بالنكرة في كل موضع، أي هذه سورة. ويحتمل أن يكون قوله " سورة " ابتداء وما بعدها صفة لها أخرجتها عن حد النكرة المحضة فحسن الابتداء لذلك، ويكون الخبر في قوله: " الزانية والزاني " وقرىء " سورة " بالنصب، على تقدير أنزلنا سورة أنزلناها. وقال الشاعر:
والذئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الرياح والمطرا
أو تكون منصوبة بإضمار فعل، أي اتل سورة. وقال الفراء : هي حال من الهاء والألف، والحال من المكنى يجوز أن يتقدم عليه.
سورة النور
بسم الله الرحمـن الرحيم
يقول تعالى: هذه "سورة أنزلناها" فيه تنبيه على الاعتناء بها ولا ينفي ما عداها "وفرضناها". قال مجاهد وقتادة : أي بينا الحلال والحرام والأمر والنهي والحدود. وقال البخاري : ومن قرأ فرضناها, يقول فرضناها عليكم وعلى من بعدكم "وأنزلنا فيها آيات بينات" أي مفسرات واضحات "لعلكم تذكرون", ثم قال تعالى: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" هذه الاية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد, وللعلماء فيه تفصيل ونزاع, فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكراً وهو الذي لم يتزوج, أو محصناً وهو الذي قد وطى في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل, فأما إذا كان بكراً لم يتزوج, فإن حده مائة جلدة كما في الاية, ويزاد على ذلك أن يغرب عاماً عن بلده عند جمهور العلماء خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله, فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام: إن شاء غرب وإن شاء لم يغرب, وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين من رواية الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في الأعرابيين اللذين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال أحدهما: يا رسول الله إن ابني هذا كان عسيفاً ـ يعني أجيراً ـ على هذا, فزنى بامرأته, فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة, فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام, وأن على امرأة هذا الرجم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى, الوليدة والغنم رد عليك, وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام, واغد يا أنيس ـ لرجل من أسلم ـ إلى امرأة هذا, فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها", ففي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلد مائة إذا كان بكراً لم يتزوج, فأما إذا كان محصناً وهو الذي قد وطى في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل فإنه يرجم.
كما قال الإمام مالك حدثني محمد بن شهاب , أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن عباس أخبره أن عمر قام فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: أما بعد, أيها الناس فإن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق, وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم, فقرأناها ووعيناها, ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده, فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل لا نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله, فالرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء, إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف. أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك مطولاً, وهذه قطعة منه فيها مقصودنا ههنا.
وروى الإمام أحمد عن هشيم عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس : حدثني عبد الرحمن بن عوف أن عمر بن الخطاب خطب الناس فسمعته يقول: ألا وإن أناساً يقولون مابال الرجم ؟ في كتاب الله الجلد, وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده, ولولا أن يقول قائل أو يتكلم متكلم أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت به وأخرجه النسائي من حديث عبيد الله بن عبد الله به, وقد روى الإمام أحمد أيضاً عن هشيم عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر الرجم, فقال: لا تخدعن عنه فإنه حد من حدود الله تعالى, ألا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمنا بعده, ولولا أن يقول قائلون: زاد عمر في كتاب الله ما ليس فيه لكتبت في ناحية من المصحف وشهد عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وفلان وفلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمناه بعده, ألا إنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم, وبالدجال وبالشفاعة, وبعذاب القبر, وبقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا.
وروى أحمد أيضاً عن يحيى القطان عن يحيى الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب "إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم" الحديث رواه الترمذي من حديث سعيد عن عمر , وقال صحيح . وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري , حدثنا يزيد بن زريع , حدثنا ابن عون عن محمد هو ابن سيرين , قال: نبئت عن كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان وفينا زيد , فقال زيد بن ثابت : كنا نقرأ: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة", قال مروان : ألا كتبتها في المصحف ؟ قال: ذكرنا ذلك وفينا عمر بن الخطاب , فقال: أنا أشفيكم من ذلك, قال: قلنا فكيف ؟ قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكر كذا وكذا وذكر الرجم, فقال: يا رسول الله اكتب لي آية الرجم, قال "لا أستطيع الان" هذا أو نحو ذلك. وقد رواه النسائي من حديث محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن كثير بن الصلت عن زيد بن ثابت به, وهذه طرق كلها متعددة ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلاوتها وبقي حكمها معمولاً به, والله أعلم.
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم هذه المرأة وهي زوجة الرجل الذي استأجر الأجير لما زنت مع الأجير, ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزاً والغامدية, وكل هؤلاء لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم جلدهم قبل الرجم, وإنما وردت الأحاديث الصحاح المتعددة الطرق والألفاظ بالإقتصار على رجمهم وليس فيها ذكر الجلد, ولهذا كان هذا مذهب جمهور العلماء, وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله, وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أنه يجب أن يجمع على الزاني المحصن بين الجلد للاية, والرجم للسنة.
كما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه لما أتى بسراحة, وكانت قد زنت وهي محصنة, فجلدها يوم الخميس, ورجمها يوم الجمعة, فقال: جلدتها بكتاب الله, ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد روى الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة و مسلم من حديث قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً, البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام, والثيب بالثيب جلد مائة والرجم". وقوله تعالى: "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" أي في حكم الله, أي لا ترحموهما وترأفوا بهما في شرع الله, وليس المنهي عنه الرأفة الطبيعية على إقامة الحد, وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد فلا يجوز ذلك. قال مجاهد " ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله " قال: إقامة الحدود إذا رفعت إلى السلطان فتقام ولا تعطل, وكذا روي عن سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح . وقد جاء في الحديث "تعافوا الحدود فيما بينكم, فما بلغني من حد فقد وجب", وفي الحديث الاخر "لحد يقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحاً". وقيل المراد "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" فلا تقيموا الحد كما ينبغي من شدة الضرب الزاجر عن المأثم, وليس المراد الضرب المبرح.
قال عامر الشعبي "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" قال: رحمة في شدة الضرب. وقال عطاء : ضرب ليس بالمبرح. وقال سعيد بن أبي عروبة عن حماد بن أبي سليمان : يجلد القاذف وعليه ثيابه والزاني تخلع ثيابه, ثم تلا "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" فقلت هذا في الحكم ؟ قال: هذا في الحكم, والجلد يعني في إقامة الحد وفي شدة الضرب. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي , حدثنا وكيع عن نافع عن ابن عمرو عن ابن أبي مليكة , عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أن جارية لابن عمر زنت فضرب رجليها, قال نافع : أراه قال وظهرها, قال قلت "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" قال: يا بني ورأيتني أخذتني بها رأفة إن الله لم يأمرني أن أقتلها, ولا أن أجعل جلدها في رأسها, وقد أوجعت حين ضربتها. وقوله تعالى: " إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر " أي فافعلوا ذلك وأقيموا الحدود على من زنى, وشددوا عليه الضرب ولكن ليس مبرحاً ليرتدع هو ومن يصنع مثله بذلك, وقد جاء في المسند عن بعض الصحابة أنه قال: يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها: فقال "ولك في ذلك أجر".
وقوله تعالى: "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" هذا فيه تنكيل للزانيين إذا جلدا بحضرة الناس, فإن ذلك يكون أبلغ في زجرهما وأنجع في ردعهما, فإن في ذلك تقريعاً وتوبيخاً وفضيحة إذا كان الناس حضوراً. قال الحسن البصري في قوله "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" يعني علانية: ثم قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"الطائفة الرجل فما فوقه. وقال مجاهد : الطائفة رجل إلى ألف, وكذا قال عكرمة , ولهذا قال أحمد : إن الطائفة تصدق على واحد, وقال عطاء بن أبي رباح : اثنان, وبه قال إسحاق بن راهويه , وكذا قال سعيد بن جبير "طائفة من المؤمنين" قال: يعني رجلين فصاعداً, وقال الزهري : ثلاثة نفر فصاعداً.
وقال عبد الرزاق : حدثني ابن وهب عن الإمام مالك في قوله "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" قال: الطائفة أربعة نفر فصاعداً, لأنه لا يكفي شهادة في الزنا دون أربعة شهداء فصاعداً, وبه قال الشافعي . وقال ربيعة: خمسة. وقال الحسن البصري : عشرة وقال قتادة : أمر الله أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين, أي نفر من المسلمين ليكون ذلك موعظة وعبرة ونكالاً. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا يحيى بن عثمان , حدثنا بقية قال: سمعت نصر بن علقمة يقول في قوله تعالى: "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" قال: ليس ذلك للفضيحة, إنما ذلك ليدعى الله تعالى لهما بالتوبة والرحمة.
هي مدنية، وآياتها أربع وستون آية
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير قالا: أنزلت سورة النور بالمدينة. أخرج الحاكم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عائشة مرفوعاً: "لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة: يعني النساء، وعلموهن الغزل وسورة النور". أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"علموا رجالكم سورة المائدة، وعلموا نساءكم سورة النور" وهو مرسل. وأخرج أبو عبيد في فضائله عن حارثة بن مضرب قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب أن تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور.
السورة في اللغة اسم للمنزلة الشريفة، ولذلك سميت السورة من القرآن سورة، ومنه قول زهير:
ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب
أي منزلة، قرأ الجمهور 1- "سورة" بالرفع وفيه وجهان: أحدهما أن تكون خبراً لمبتدأ محذوف: أي هذه السورة، ورجحه الزجاج والفراء والمبرد، قالوا: لأنها نكرة، ولا يبتدأ بالنكرة في كل موضع. والوجه الثاني أن تكون مبتدأ وجاز الابتداء بالنكرة لكونها موصوفة بقوله: "أنزلناه" والخبر "الزانية والزاني" ويكون المعنى: السورة المنزلة المفروضة كذا وكذا، إذ السورة عبارة عن آيات مسرودة لها مبدأ ومختم، وهذا معنىً صحيح، ولا وجه لما قاله الأولون من تعليل المنع من الابتداء بها كونها نكرة فهي نكرة مخصصة بالصفة، وهو مجمع على جواز الابتداء بها. وقيل هي مبتدأ محذوف الخبر على تقدير: فيما أوحينا إليك سورة، ورد بأن مقتضى المقام ببيان شأن هذه السورة الكريمة، لا بيان أن في جملة ما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم سورة شأنها كذا وكذا. وقرأ الحسن بن عبد العزيز وعيسى الثقفي وعيسى الكوفي ومجاهد وأبو حيوة وطلحة بن مصرف بالنصب، وفيه أوجه: الأول أنها منصوبة بفعل مقدر غير مفسر بما بعده، تقديره اتل سورة، أو اقرأ سورة. والثاني أنها منصوبة بفعل مضمر يفسره ما بعده على ما قيل في باب اشتغال الفعل عن الفاعل بضميره: أي أنزلنا سورة أنزلناها، فلا محل لأنزلناها هاهنا لأنها جملة مفسرة، بخلاف الوجه الذي قبله فإنها في محل نصب على أنها صفة لسورة. الوجه الثالث أنها منصوبة على الإغراء: أي دونك سورة قاله صاحب الكشاف. ورده أبو حيان بأنه لا يجوز حذف أداة الإغراء. الرابع أنها منصوبة على الحال من ضمير أنزلناها، قال الفراء: هي حال من الهاء والألف والحال من المكنى يجوز أن تتقدم عليه، وعلى هذا فالضمير في أنزلناها ليس عائداً على سورة، بل على الأحكام، كأنه قيل: أنزلنا الأحكام حال كونها سورة من سور القرآن. قرأ ابن كثير وأبو عمر "وفرضناها" بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف. قال أبو عمرو: "فرضناها" بالتشديد: أي قطعناها في الإنزال نجماً نجماً، والفرض القطع، ويجوز أن يكون التشديد للتكثير أو المبالغة، ومعنى التخفيف أوجبناها وجعلناها مقطوعاً بها، وقيل ألزمناكم العمل بها، وقيل قدرنا ما فيها من الحدود، والفرض التقدير، ومنه "إن الذي فرض عليك القرآن" "وأنزلنا فيها آيات بينات" أي أنزلنا في غضونها وتضاعيفها، ومعنى كونها بينات أنها واضحة الدلالة على مدلولها، وتكرير أنزلنا لكمال العناية بإنزال هذه السورة، لما اشتملت عليه من الأحكام.
1- "سورة"، أي: هذه سورة، "أنزلناها وفرضناها"، قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: وفرضناها بتشديد الراء، وقرأ الآخرون بالتخفيف، أي: أوجبنا ما فيها من الأحكام وألزمناكم العمل بها. وقيل: معناه قدرنا ما فيها من الحدود، والفرض: التقدير: قال الله عز وجل: "فنصف ما فرضتم" (البقرة-237)، أي: قدرتم، ودليل التخفيف قوله عز وجل: "إن الذي فرض عليك القرآن" (القصص-85)، وأما التشديد فمعناه:/ وفصلناه وبيناه. وقيل: هو بمعنى الفرض الذي هو بمعنى الإيجاب أيضاً، والتشديد للتكثير لكثرة ما فيها من الفرائض، أي: أوجبناها عليكم وعلى من بعدكم إلى قيام الساعة. "وأنزلنا فيها آيات بينات"، واضحات، "لعلكم تذكرون"، تتعظون.
1-" سورة " أي هذه سورة أو فيما أوحينا إليك سورة . " أنزلناها " صفتها ومن نصبها جعله مفسراً لناصبها فلا يكون له محل إلا إذا قدر اتل أو دونك نحوه " وفرضناها " وفرضنا ما فيها من الأحكام ، وشدده ابن كثير وأبو عمرو لكثرة فرائضها أو المفروض عليهم ، أو للمبالغة في إيجابها . " وأنزلنا فيها آيات بينات " واضحات الدلالة " لعلكم تذكرون " فتتقون المحارم وقرئ بتخفيف الذال .
Surah 24. An-Nur
1. (Here is) a Surah which We have revealed and enjoined, and wherein We have revealed plain tokens, that haply we may take heed.
SURA 24: NUR
1 - A Sura which We have sent down and which We have ordained: in it have We sent down Clear Signs, in order that ye may receive admonition.