1 - (الحمد لله) حمد الله تعالى نفسه كما بين في أول سبأ (فاطر السماوات والأرض) خالقهما على غير مثال سبق (جاعل الملائكة رسلا) إلى الأنبياء (أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق) في الملائكة وغيرها (ما يشاء إن الله على كل شيء قدير)
يقول تعالى ذكره: الشكر الكامل للمعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له، ولا ينبغي أن تكون لغيره خالق السماوات السبع والأرض، " جاعل الملائكة رسلا " إلى من يشاء من عباده، وفيما شاء من أمره ونهيه " أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع " يقول: أصحاب أجنحة: يعني ملائكة، فمنهم من له اثنان من الأجنحة، ومنهم من له ثلاثة أجنجة، ومنهم من له أربعة.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع " قال بعضهم: له جناحان، وبعضهم: ثلاثة، وبعضهم أربعة.
واختلف أهل العربية في علة ترك إجراء مثنى وثلاث ورباع، وهي ترجمة عن أجنحة، وأجنحة نكرة، فقال بعض نحويي البصرة: ترك إجراؤهن لأنهن مصروفات عن وجوههن، وذلك أن مثنى مصروف عن اثنين، وثلاث عن ثلاثة، ورباع عن أربعة، فصرف نظير عمر، وزفر، إذ صرف هذا عن عامر إلى عمر، وهذا عن زافر إلى زفر، وأنشد بعضهم في ذلك:
ولقد قتلتكم ثناء وموحدا وتركت مرة مثل أمس المدبر
وقال آخر منهم: لم يصرف ذلك لأنه يوهم به الثلاثة والأربعة، قال: وهذا لا يستعمل إلا في حال العدد. وقال بعض نحويي الكوفة: هن منصروفات عن المعارف، لأن الألف واللام لا تدخلها، والإضافة لا تدخلها الإضافة والألف واللام لكانت نكرة، وهي ترجمة عن النكرة، قال: وكذلك ما كان في القرآن، مثل ( أن تقوموا لله مثنى وفرادى) ( سبأ: 46)، وكذلك وحاد وأحاد، وما أشبه من مصروف العدد.
وقوله " يزيد في الخلق ما يشاء " وذلك زيادته تبارك وتعالى في خلق هذا الملك من الأجنحة على الآخر ما يشاء، ونقصانه عن الآخر ما أحب، وكذلك ذلك في جميع خلقه يزيد ما يشاء في خلق ما شاء منه، وينقص ما شاء من خلق ما شاء، له الخلق والأمر، وله القدرة والسلطان " إن الله على كل شيء قدير " يقول: إن الله تعالى ذكره قدير على زيادة ما شاء من ذلك فيما شاء، ونقصان ما شاء منه ممن شاء، وغير ذلك من الأشياء كلها، لا يمتنع عليه فعل شيء أراده سبحانه وتعالى.
قوله تعالى: " الحمد لله فاطر السماوات والأرض" يجوز في فاطر ثلاثة أوجه: الخفض على النعت، والرفع على إضمار مبتدأ، والنصب على المدح. وحكى سيبويه: الحمد لله أهل الحمد مثله وكذا جاعل الملائكة. والفاطر: الخالق. وقد مضى في يوسف وغيرها. والفطر. الشق عن الشيء يقال: فطرته فانفطر. ومنه: فطر ناب البعير طلع، فهو بعير فاطر. وتفطر الشيء تشقق. وسيف فطار، أي فيه تشقق. قال عنترة:
وسيفي كالعقيقة فهو كمعي سلاحي لا أفل ولا فطارا
والفطر: الابتداء والاختراع. قال ابن عباس: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي أنا ابتدأتها. والفطر: حلب الناقة بالسبابة والإبهام. والمراد بذكر السموات والأرض العالم كله، ونبه بهذا على أن من قدر على الابتداء قادر على الإعادة. "جاعل الملائكة" لا يجوز فيه التنوين، لأنه لما مضى. "رسلا" مفعول ثان، ويقال على إضمار فعل لأن فاعلاً إذا كان لما مضى لم يعمل فيه شيئاً، وإعماله على أنه مستقبل حذف التنوين منه تخفيفاً. وقرأ الضحاك الحمد لله فطر السموات والأرض على الفعل الماضي. جاعل الملائكة رسلاً الرسل منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، صلى الله عليهم أجمعين. وقرأ الحسن: جاعل الملائكة لما بالرفع. وقرأ خليد بن نشيط جعل الملائكة وكله ظاهر. "أولي أجنحة" نعت، أي أصحاب أجنحة. "مثنى وثلاث ورباع " أي اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة. قال قتادة : بعضهم له جناحان، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة ينزلون بها من السماء إلى الأرض، ويعرجون من الأرض إلى السماء، وهي مسيرة كذا في وقت واحد، أي جعلهم رسلاً. قال يحيى بن سلام: إلى الأنبياء. وقال السدي: إلى العباد برحمة أو نقمة. وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن" النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح ". وعن الزهري أن جبريل عليه السلام قال له: يا محمد، لو رأيت إسرافيل إن له لاثني عشر ألف جناح منها جناح بالمشرق وجناح بالمغرب وإن العرش لعلى كاهله وإنه في الأحايين ليتضاءل لعظمة الله حتى يعود مثل الوصع والوصع عصفور صغير حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته . وأولو اسم جمع لذو، كما أن هؤلاء اسم جمع لذا، ونظيرهما في المتمكنة: المخاض والخلفة. وقد مضى الكلام في مثنى وثلاث ورباع في النساء وأنه غير منصرف. "يزيد في الخلق ما يشاء" أي في خلق الملائكة، في قول أكثر المفسرين ذكره المهدوي. وقال الحسن: يزيد في الخلق أي في أجنحة الملائكة ما يشاء. وقال الزهري وابن جريج: يعني حسن الصوت. وقد مضى القول فيه في مقدمة الكتاب . وقال الهيثم الفارسي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي، فقال: أنت الهيثم الذي تزين القرآن بصوتك جزاك الله خيراً. وقال قتادة: يزيد في الخلق ما يشاء الملاحة في العينين والحسن في الأنف والحلاوة في الفم. وقيل: الخط الحسن. وقال مهاجر الكلاعي قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الخط الحسن يزيد الكلام وضوحاً". وقيل: الوجه الحسن. وقيل في الخبر في هذه الآية: هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن ذكره القشيري.النقاش: هو الشعر الجعد. وقيل: العقل والتمييز. وقيل: العلوم والصنائع. "إن الله على كل شيء قدير" من النقصان والزيادة. الزمخشري: والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق من طول قامة، واعتدال صورة، وتمام في الأعضاء، وقوة في البطش، وحصافة في العقل، وجزالة في الرأي، وجرأة في القلب، وسماحة في النفس، وذلاقة في اللسان، ولباقة في التكلم، وحسن تأت في مزاولة الأمور وما أشبه ذلك مما لا يحيط به وصف.
تفسير سورة فاطر
وهي مكية
بسم الله الرحمـن الرحيم
قال سفيان الثوري عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعربيان يختصمان في بئر, فقال أحدهما لصاحبه: أنا فطرتها أي بدأتها. وقال ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً "فاطر السموات والأرض" أي بديع السموات والأرض. وقال الضحاك : كل شيء في القرآن فاطر السموات والأرض, فهو خالق السموات والأرض. وقوله تعالى: "جاعل الملائكة رسلاً" أي بينه وبين أنبيائه "أولي أجنحة" أي يطيرون بها ليبلغوا ما أمروا به سريعاً "مثنى وثلاث ورباع" أي منهم من له جناحان, ومنهم من له ثلاثة, ومنهم من له أربعة, ومنهم من له أكثر من ذلك, كما جاء في الحديث " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام ليلة الإسراء وله ستمائة جناح, بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب " , ولهذا قال جل وعلا: "يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير" قال السدي : يزيد في الأجنحة وخلقهم ما يشاء وقال الزهري وابن جريج في قوله تعالى: "يزيد في الخلق ما يشاء" يعني حسن الصوت, رواه عن الزهري البخاري في الأدب, و ابن أبي حاتم في تفسيره, وقرىء في الشاذ "يزيد في الخلق" بالحاء المهلة, والله أعلم.
هي خمس وأربعون آية
وهي مكية. قال القرطبي: في قول الجميع. وأخرج البخاري وابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: أنزلت سورة فاطر بمكة.
الفطر: الشق عن الشيء، يقال فطرته فانفطر، ومنه فطر ناب البعير إذا طلع فهو بعير فاطر، وتفطر الشيء تشقق، والفطر الابتداء والاختراع، وهو المراد هنا، والمعنى 1- "الحمد لله" مبدع "السموات والأرض" ومخترعهما، والمقصود من هذا أن من قدر على ابتداء هذا الخلق العظيم فهو قادر عل الإعادة. قرأ الجمهور فاطر على صيغة اسم الفاعل، وقرأ الزهري والضحاك فطر على صيغة الفعل الماضي، فعلى القراءة الأولى هو نعت لله لأن إضافته مخضة لكونه بمعنى الماضي، وإن كانت غير محضة كان بدلاً، ومثله "جاعل الملائكة رسلاً" يجوز فيه الوجهان، وانتصاب رسلاً بفعل مضمر على الوجه الأول، لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي لا يعمل، وجوز الكسائي عمله. وأما على الوجه الثاني فهو منصوب بجاعل، والرسل من الملائكة هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. وقرأ الحسن جاعل بالرفع، وقرأ خليل بن نشيط ويحيى بن يعمر جعل على صيغة الماضي. وقرأ الحسن وحميد رسلاًبسكون السين ، وهي لغة تميم " أولي أجنحة " صفة لرسلا ، والأجنحة جمع جناح " مثنى وثلاث ورباع " صفة لأجنحة، وقد تقدم الكلام في مثنى وثلاث ورباع في النساء. قال قتادة: بعضهم له جناحان. وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة ينزلون بها من السماء إلى الأرض ويعرجون بها من الأرض إلى السماء. قال يحيى بن سلام: يرسلهم الله إلى الأنبياء. وقال السدي: إلى العباد بنعمه أو نقمه، وجملة "يزيد في الخلق ما يشاء" مستأنفة مقررة لما قبلها من تفاوت أحوال الملائكة، والمعنى: أنه يزيد في خلق الملائكة ما يشاء، وهو قول أكثر المفسرين، واختاره الفراء والزجاج: وقيل إن هذه الزيادة في الخلق غير خاصة بالملائكة فقال الزهري وابن جريج: إنها حسن الصوت. وقال قتادة: الملاحة في العينين والحسن في الأنف والحلاوة في الفم، وقيل الوجه الحسن، وقيل الخط الحسن، وقيل الشعر الجعد، وقيل العقل والتمييز، وقيل العلوم والصنائع ولا وجه لقصر ذلك على نوع خاص بل يتناول كل زيادة، وجملة "إن الله على كل شيء قدير" تعليل لما قبلها من أنه يزيد في الخلق ما يشاء.
1- "الحمد لله فاطر السموات والأرض"، خالقها ومبدعها على غير مثال سبق، "جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة"، ذوي أجنحة "مثنى وثلاث ورباع"، قال قتادة ومقاتل: بعضهم له جناحان، وبعضهم له ثلاثة أجنحة، وبعضهم له أربعة أجنحة، ويزيد فيها ما يشاء وهو قوله، "يزيد في الخلق ما يشاء".
وقال ابن مسعود في قوله عز وجل: "لقد رأى من آيات ربه الكبرى" (النجم-18)، قال رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح.
وقال ابن شهاب في قوله: "يزيد في الخلق ما يشاء" قال: حسن الصوت.
وعن قتادة قال: هو الملاحة في العينين. وقيل: هو العقل والتمييز.
"إن الله على كل شيء قدير".
1 -" الحمد لله فاطر السموات والأرض " مبدعهما من الفطر بمعنى الشق كأنه شق العدم بإخراجهما منه ، والإضافة محضة لأنه بمعنى الماضي . " جاعل الملائكة رسلاً " وسائط بين الله وبين أنبيائه والصالحين من عباده ، يبلغون إليهم رسالاته بالوحي والإلهام والرؤيا الصادقة ، أو بينه وبين خلقه يوصلون إليهم آثار صنعه . " أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع " ذوي أجنحة متعددة متفاوتة بتفاوت ما لهم من المراتب ينزلون بها ويعرجون ، أو يسرعون بها نحو ما وكلهم الله عليه فيتصرفون فيه على أمرهم به ، ولعله لم يرد به خصوصية الإعداد ونفي ما زال عليها ، لما روي " أنه عليه الصلاة والسلام رأى جبريل ليلة المعراج وله ستمائة جناح " " يزيد في الخلق ما يشاء " استئناف للدلالة على أن تفاوتهم في ذلك بمقتضى مشيئته ومؤدى حكمته لا أمر تستدعيه ذواتهم ، لأن اختلاف الأصناف ، والأنواع بالخواص والفصول إن كان لذواتهم المشتركة لزم تنافي لوازم الأمور المتفقة وهو محال ، والآية متناولة زيادات الصور والمعاني كملاحة الوجه وحسن الصوت وحصافة العقل وسماحة النفس . " إن الله على كل شيء قدير " وتخصيص بعض الأشياء بالتحصيل دون بعض ، إنما هو من جهة الإرادة .
Surah 35. Fatir
1. Praise be to Allah, the Creator of the heavens and the earth, who appointeth the angels messengers having wings two, three and four. He multiplieth in creation what He will. Lo! Allah is Able to do all things.
SURA 35: FATIR
1 - Praise be to God, Who created (out of nothing) the heavens and the earth, Who made the angels messengers with wings, two, or three, or four (Pairs): He adds to Creation as He pleases: for God has power over all things.