1 - (قل) يا محمد للناس (أوحي إلي) أي اخبرت بالوحي من الله تعالى (أنه) الضمير للشأن (استمع) لقراءتي (نفر من الجن) جن نصيبين وذلك في صلاة الصبح ببطن نخل موضع بين مكة والطائف وهم الذين ذكروا في قوله تعالى وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن الآية (فقالوا) لقومهم لما رجعوا إليهم (إنا سمعنا قرآنا عجبا) يتعجب منه من فصاحته وغزارة معانيه وغير ذلك
ك أخرج البخاري والترمذي وغيرهما عن ابن عباس قال ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم ولكنه انطلق في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعوا إلى قومهم فقالوا ما هذا إلا لشيء قد حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا هذا الذي حدث فانطلقوا فانصرف النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا فأنزل الله على نبيه قل أوحي إلي وإنما أوحي إليه قول الجن
وأخرج ابن الجوزي في كتاب صفوة الصفوة لسنده عن سهل بن عبد الله قال كنت في ناحية ديار عاد إذ رأيت مدينة من حجر منقور وسطها قصر من حجارة تأويه الجن فدخلت فإذا شيخ عظيم الخلق يصلي نحو الكعبة وعليه جبة صوف فيها طراوة فلم أتعجب من عظم خلقته كتعجبي من طراوة جبته فسلمت عليه فرد علي السلام وقال يا سهل إن الأبدان لا تخلق الثياب وإنما تخلقها روائح الذنوب ومطاعم السحت وإن هذه الجبة علي منذ سبعمائة سنة لقيت فيها عيسى ومحمدا عليهما الصلاة والسلام فآمنت بهما فقلت له ومن أنت قال من الذين نزلت فيهم قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن
يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد أوحى الله إلي " أنه استمع نفر من الجن " هذا القرآن " فقالوا " لقومهم لما سمعوه " إنا سمعنا قرآنا عجبا " .
مكية في قول الجميع .وهي ثمان وعشرون آية .
الأولى - قوله تعالى : " قل أوحي إلي " أي قل يا محمد لأمتك أوحى الله الي على لسان جبريل " أنه استمع" الي " نفر من الجن" وما كان عليه السلام عالما به قبل أن أوحي إليه. هكذا قال ابن عباس وغيره على ما يأتي. وقرأ ابن أبي عبلة (( أحي)) على الأصل ; يقال : أوحي إليه ووحى، فقلبت الواو همزة : ومنه قوله تعالى : "وإذا الرسل أقتت " [ المرسلات : 11 ] وهو من القلب المطلق جوازه في كل واو مضمونة. وقد اطلقه المازني في المكسورة أيضاً كإشاح وإسادة و(( إعادة أخيه )9 ونحوه.
الثانية - واختلف هل رآهم النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فظاهر القرآن يدل على أنه لم يرهم لقوله تعالى:" استمع" ، وقوله تعالى " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن " [ الأحقاف : 29] . وفي صحيح مسلم والترمذي عن ابن عباس قال : " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما رآهم، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين الى قومهم فقالوا : ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب ! قالوا : ما ذاك من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء؟ فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فمر النفر الذي اخذوا نحو تهامة وهو بنخلة عامدين الى سوق عكاظ، وهو يصلي باصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن اسمتمعوا له وقالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء. فرجعوا الى قومهم فقالوا : يا قومنا " إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا" فأنزل الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
" قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن" " رواه الترمذي "عن ابن عباس قال : قول الجن لقومهم " أنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا" قال : لما رأوه يصلي واصحابه يصلون بصلاته فيسجدون بسجوده قال : تعجبوا من طواعية أصحابه له، قالوا لقومهم : " لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا "" قال : هذا حديث حسن صحيح: ففي هذا الحديث دليل على أنه عليه السلام لم ير الجن ولكنهم حضروه وسمعوا قراءته. وفيه دليل على أن الجن كانوا مع الشياطين حين تجسسوا الخبر بسبب الشياطين لما رموا بالشهب. وكان المرميون بالشهب من الجن أيضا وقيل لهم شياطين كما قال : " شياطين الإنس والجن" [ الأنعام : 122 ] فإن الشيطان كل متمرد وخارج عن طاعة الله وفي الترمذي عن ابن عباس قال :" كان الجن يصعدون إلى السماء يسمتعون الى الوحي فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعاً، فأما الكلمة فتكون حقاً، وأما ما زادوا فيها، فيكون باطلاً. فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك فقال لهم ابليس: ما هذا الأمر الا من امر قد حدث في الأرض! فبعث جنوده فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي بن جبلين - اراه قال بمكة - فاتوه فأخبروه فقال هذا الحدث الذي حدث في الأرض " قال : هذا حديث حسن صحيح. فدل هذا الحديث على ان الجن رموا كما رميت الشياطين. وفي رواية السدي:"أنهم لما رموا أتوا ابليس فأخبروه بما كان من أمرهم فقال : ايتوني من كل أرض بقبضة من تراب اشمها فأتوه فشم فقال : صاحبكم بمكة. فبعث نفراً من الجن، قيل : كانوا سبعة. وقيل : تسعة منهم زوبعة". و" روي عاصم عن زر قال : قدم رهط زوبعة واصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الثمالي : بلغني انهم من بني الشيصبان، وهم اكثر الجن عدداً، واقواهم شوكة، وهم عامة جنود إبليس ". وروى ايضاً عاصم عن زر :" أنهم كانوا سبعة نفر: ثلاثة من أهل حران وأربعة من أهل نصيبين". وحكى جويبر عن الضحاك: "أنهم كانوا تسعة من أهل نصيبين" ( قرية باليمن غير التي بالعراق) . وقيل : ان الجن الذين أتوا مكة جن نصيبين، والذين اتوه بنخلة جن نينوى. وقد مضى بيان هذا في سورة (( الأحقاف)). قال عكرمة : والسورة التي كان يقرؤها رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقرأ باسم ربك" [ العلق : 1] وقد مضى في سورة (( الأحقاف)) التعريف باسم النفر من الجن، فلا معنى لإعادة ذلك.
وقيل : ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى الجن ليلة الجن وهو أثبت، روى عامر الشعبي قال : " سألت علقمة هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال علقمة : أنا سالت ابن مسعود فقلت: هل شهد احد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال : لا ، ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب، قلنا استطير او اغتيل، قال : فبتنا بشر ليلة ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا استطير او اغتيل، قال : فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما اصبح إذا هو يجيء من قبل حراء، فقلنا يا رسول الله ! فقدناك وطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فقال : (( اتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن )) فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة، فقال : (( لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم اوفر ما يكون لحما، وكل بعرة علف لدوابكم- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلا تستنجوا بهما، فإنهما طعام إخوانكم الجن))" قال ابن العربي : وابن مسعود اعرف من ابن عباس سمعه وليس الخبر كالمعاينة. وقد قيل : أن الجن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعتين : إحداهما بمكة وهي التي ذكرها ابن مسعود، والثانية بنخلة وهي التي ذكرها ابن عباص. قال البيهقي: الذي حكاه عبد الله بن عباس إنما هو في أول ما سمعت الجن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وعلمت بحاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم لم يرهم كما حكاه، ثم أتاه داعي الجن مرة اخرى فذهب معه وقرأ عليهم القرآن كما حكاه عبد الله بن مسعود. قال البيهقي :
والأحاديث الصحاح تدل على ان ابن مسعود لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، وإنما سار معه حين انطلق به وبغيره يريه آثار الجن و آثار نيرانهم. قال : وقد روي من غير وجه انه كان معه ليلتئذ، وقد مضى هذا المعنى في سورة ((الأحقاف)) والحمد لله . روي عن ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((" أمرت ان اتلو القرآن على الجن فمن يذهب معي ؟ فسكتوا، ثم قال الثانية، ثم قال عبد الله بن مسعود : أنا أذهب معك يا رسول الله، فانطلق حتى جاء الحجون عند شعب ابي دب فخط على خطا فقال : (( لا تجاوزة)) ثم مضى الى الحجون فانحدر عليه امثال الحجل يحدرون الحجارة بأقدامهم، يمشون يقرعون في دفوفهم كما تقرع النسوة في دفوفها، حتى غشوة فلا أراه، فقمت فأومى الي بيده ان اجلس، فتلا القرآن فلم يزل
صوته يرتفع، ولصقوا بالأرض حتى ما أراهم، فلما انفتل الى قال : (( أردت ان تأتيني))؟ قلت :نعم يا رسول الله. قال : (( ما كان ذلك لك، هؤلاء الجن أتوا يستمعون القرآن، ثم ولوا الى قومهم منذرين فسألوني الزاد فزودتهم العظم والبعر فلا يستطيبن احدكم بعظم ولا بعر)) "قال عكرمة : وكانوا اثني عشر الفاً من جزيرة الموصل. وفي رواية:
"انطلق بي عليه السلام حتى إذا جئنا المسجد الذي عند حائط عوف خط لي خطاً، فأتاه نفر منهم فقال أصحابنا كانهم رجال الزط وكأن وجوههم المكاكي ، فقالوا : ما انت؟ قال : (( انا نبي الله )) قالوا : فمن يشهد لك على ذلك ؟ قال : (( هذه الشجرة)) ماذا تشهدين)) قالت : أشهد انك رسول الله. فرجعت كما جاءت تجر بعروقها الحجارة، لها قعاقع حتى عادت كما كانت". ثم روي :" انه عليه السلام لما فرغ وضع رأسه على حجر ابن مسعود فرقد ثم استيقظ فقال : (( هل من وضوء)) قال : لا، الا ان معي إدواة فيها نبيذ. فقال : ((هل هو لإلا تمر وماء فتوضأ منه"
الثالثة - قد مضى الكلام في الماء في سورة (( الحجر )) وما يستنجى به في سورة ((براءة)) فلا معنى للإعادة.
الرابعة- واختلف اهل العلم، في أصل الجن، فروى اسماعيل عن الحسن البصري: ان الجن ولد ابليس، والإنس ولد آدم، ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون، وهم شركاء في الثواب والعقاب. فمن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمناً فهو ولي الله، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافراً فهو شيطان. وروى الضحاك عن ابن عباس : ان الجن هم ولد الجان وليسوا بشياطين، وهو يؤمنون: ومنهم المؤمن ومنهم الكافر، والشياطين هم ولد إبليس لا يموتون الا مع ابليس. واختلفوا في دخول مؤمني الجن الجنة، على حسب الاختلاف في أصلهم. فمن زعم انهم من الجان لا من ذرية ابليس قال : يدخلون الجنة بإيمانهم. ومن قال : انهم من ذرية ابليس فلهم فيه قولان: احدهما - وهو قول الحسن يدخلونها. الثاني- وهو رواية مجاهد لا يدخلونها وان صرفوا عن النار. حكاه الماوردي. وقد مضى في سورة (( الرحمن)) عند قوله تعالى : " لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان " [ الرحمن : 56] بيان انهم يدخلونها.
الخامسة - قال البيهقي في روايته : وسألوه الزاد وكانون من جن الجزيرة فقال : (( لكم كل عظم)) دليل على انهم يأكلون ويطعمون. وقد انكر جماعة من كفرة الأطباء والفلاسفة الجن، وقالوا: انهم بسائط، ولا يصح طعامهم، اجتراء على الله وافتراء، والقرآن والسنة ترد عليهم، وليس في المخلوقات بسيط مركب مزدوج، إنما الواحدالواحد سبحانه، وغيره مركب وليس في المخلوقات كيفما تصرف حاله. وليس يمتنع ان يراهم النبي صلى الله عليه وسلم في صورهم كما يرى الملائكة. واكثر ما يتصورون لنا في صور الحيات، ففي الموطأ: " أن رجلا حديث عهد بعرس استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار ان يرجع الى اهله...الحديث، وفيه: فإذا حية عظيمة منطوية على الفراش، فاهوى إليها بالرمح فانتظمها ". وذكر الحديث. وفي الصحيح انه عليه السلام قال:
"(( إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم منها شيئاً فحرجوا عليها ثلاثاً، فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر))". وقال ((" اذهبوا فادفنوا صاحبكم")) وقد مضى هذا المعنى في سورة البقرة وبيان التحريج عليهن. وقد ذهب قوم الى ان ذلك مخصوص بالمدينة، لقوله في الصحيح: (( "إن بالمدينة جنا قد أسلموا")) . وهذا لفظ مختص بها فيختص بحكمها. قلنا : هذا يدل على أن غيرها من البيوت مثلها، لأنه لم يعلل بحرمة المدينة، فيكون ذلك الحكم مخصوصاً بها، وإنما علل بالإسلام، وذلك عام في غيرها ألا ترى قوله في الحديث مخبراً عن الجن الذي لقي : (( وكانوا من جن الجزيرة))، وهذا بين يعضده قوله : (( ونهى عن عوامر البيوت))، وهذا عام. وقد مضى في سورة (( البقرة)) القول في هذا فلا معنى للإعادة.
قوله تعالى : " فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا " أي في فصاحة كلامه. وقيل : عجباً في بلاغه مواعظهز وقيل: عجباً في عظم بركته. وقيل قرآناً عزيزاً لا يوجد مثله. وقيل: يعنون عظيماً.
تفسير سورة الجن
بسم الله الرحمـن الرحيم
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر قومه أن الجن استمعوا القرآن, فآمنوا به وصدقوه وانقادوا له, فقال تعالى: "قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً * يهدي إلى الرشد" أي إلى السداد والنجاح "فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً" وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: "وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن" وقد قدمنا الأحاديث الواردة في ذلك بما أغنى عن إعادته ههنا.
وقوله تعالى: "وأنه تعالى جد ربنا" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: "جد ربنا" أي فعله وأمره وقدرته. وقال الضحاك عن ابن عباس : جد الله آلاؤه وقدرته ونعمته على خلقه, وروي عن مجاهد وعكرمة : جلال ربنا, وقال قتادة : تعالى جلاله وعظمته وأمره, وقال السدي : تعالى أمر ربنا: وعن أبي الدرداء ومجاهد أيضاً وابن جريج : تعالى ذكره وقال سعيد بن جبير : "تعالى جد ربنا" أي تعالى ربنا, فأما ما رواه ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى , حدثنا سفيان عن عمرو , عن عطاء , عن ابن عباس , قال: الجد أب ولو علمت الجن أن في الإنس جداً ما قالوا تعالى جد ربنا, فهذا إسناد جيد ولكن لست أفهم ما معنى هذا الكلام ولعله قد سقط شيء والله أعلم.
وقوله تعالى: "ما اتخذ صاحبة ولا ولداً" أي تعالى عن اتخاذ الصاحبة والأولاد, أي قالت الجن: تنزه الرب جل جلاله حين أسلموا وآمنوا بالقرآن عن اتخاذ الصاحبة والولد ثم قالوا "وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططاً" قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي "سفيهنا" يعنون إبليس "شططاً" قال السدي عن أبي مالك : "شططاً" أي جوراً, وقال ابن زيد : أي ظلماً كبيراً ويحتمل أن يكون المراد بقولهم سفيهنا اسم جنس لكل من زعم أن لله صاحبة أو ولداً, ولهذا قالوا "وأنه كان يقول سفيهنا" أي قبل إسلامه "على الله شططاً" أي باطلاً وزوراً, ولهذا قالوا "وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً" أي ما حسبنا أن الإنس والجن يتمالؤون على الكذب على الله تعالى في نسبة الصاحبة والولد إليه, فلما سمعنا هذا القرآن وآمنا به علمنا أنهم كانوا يكذبون على الله في ذلك.
وقوله تعالى: "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً" أي كنا نرى أن لنا فضلاً على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا وادياً أو مكاناً موحشاً من البراري وغيرها, كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسوؤهم, كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته, فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقاً أي خوفاً وإرهاباً وذعراً حتى بقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذاً بهم, كما قال قتادة "فزادوهم رهقاً" أي إثماً وازدادت الجن عليهم جراءة. وقال السدي : كان الرجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن أن أضر أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي, قال قتادة : فإذا عاذ بهم من دون الله رهقتهم الجن الأذى عند ذلك.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان , حدثنا وهب بن جرير , حدثنا أبي , حدثنا الزبير بن الخريت عن عكرمة قال: كان الجن يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشد, فكان الإنس إذا نزلوا وادياً هرب الجن فيقول سيد القوم نعوذ بسيد أهل هذا الوادي, فقال الجن نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون, فذلك قول الله عز وجل: "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً" أي إثماً. وقال أبو العالية والربيع وزيد بن أسلم "رهقاً" أي خوفاً وقال العوفي عن ابن عباس "فزادوهم رهقاً" أي إثماً, وكذا قال قتادة وقال مجاهد : زاد الكفار طغياناً.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا فروة بن أبي المغراء الكندي , حدثنا القاسم بن مالك ـ يعني المزني ـ عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال: خرجت مع أبي من المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة, فآوانا المبيت إلى راعي غنم, فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملاً من الغنم فوثب الراعي فقال: يا عامر الوادي جارك, فنادى مناد لا نراه يقول: يا سرحان أرسله. فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة. وأنزل الله تعالى على رسوله بمكة "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً" ثم قال: وروي عن عبيد بن عمير ومجاهد وأبي العالية والحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي نحوه وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحمل, وهو ولد الشاة, كان جنياً حتى يرهب الإنسي ويخاف منه, ثم رده عليه لما استجار به ليضله ويهينه ويخرجه عن دينه والله أعلم. وقوله تعالى: "وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً" أي لن يبعث الله بعد هذه المدة رسولاً, قاله الكلبي وابن جرير .
هي ثمان وعشرون آية
وهي مكية. قال القرطبي: في قول الجميع. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة الجن بمكة. وأخرج ابن مردويه عن عائشة وابن الزبير مثله.
قوله: 1- "قل أوحي إلي" قرأ الجمهور "أوحي" رباعياً. وقرأ ابن أبي عبلة وابن إياس والعتكي عن أبي عمرو وحي ثلاثيا، وهما لغتان. واختلاف هل رآهم النبي صلى الله عليه وسلم أم لم يرهم؟ فظاهر القرآن أنه لم يرهم، لأن المعنى: قل يا محمد لأمتك أوحي إلي على لسان جبريل "أنه استمع نفر من الجن" ومثله قوله: "وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن" ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيح عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما رآهم. قال عكرمة: والسورة التي كان يقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي "اقرأ باسم ربك الذي خلق" وقد تقدم في سورة الأحقاف ذكر ما يفيد زيادة في هذا. قوله: "أنه استمع نفر من الجن" هذا هو القائم مقام الفاعل، ولهذا فتحت أن، والضمير للشأن، وعند الكوفيين والأخفش يجوز أن يكون القائم مقام الفاعل الجار والمجرور، والنفر اسم للجماعة ما بين الثلاثة إلى العشرة. قال الضحاك: والجن ولد الجان وليسوا شياطين. وقال الحسن: إنهم ولد إبليس. قيل هم أجسام عاقلة خفية تغلب عليهم النازية والهوائية، وقيل نوع من الأرواح المجردة، وقيل هي النفوس البشرية المفارقة لأبدانها.
وقد اختلف أهل العلم في دخول مؤمني الجن الجنة، كما يدخل عصاتهم النار لقوله في سورة تبارك: "وجعلناها رجوماً للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير" وقول الجن فيما سيأتي في هذه السورة، "وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً" وغير ذلك من الآيات، فقال الحسن: يدخلون الجنة، وقال مجاهد: لا يدخلونها وإن صرفوا عن النار. والأول أولى لقوله في سورة الجن: "لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان" وفي سورة الرحمن آيات غير هذه تدل على ذلك فراجعها، وقد قدمنا أن الحق أنه لم يرسل الله إليهم رسلاً منهم، بل الرسل جميعاً من الإنس، وإن أشعر قوله: "ألم يأتكم رسل منكم" بخلاف هذا فهو مدفوع الظاهر بأيات كثيرة في الكتاب العزيز دالة على أن الله سبحانه لم يرسل الرسل من بني آدم، وهذه الأبحاث الكلام فيها يطول، والمراد الإشارة بأخصر عبارة "فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً" أي قالوا لقومهم لما رجعوا إليهم: أي سمعنا كلام مقروءاً عجباً في فصاحته وبلاغته، وقيل عجباً في مواعظه، وقيل في بركته، وعجباً مصدر وصف به للمبالغة، أو على حذف المضاف: أي ذا عجب أو المصدر بمعنى اسم الفاعل: أي معجباً.
1- "قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن"، وكانوا تسعة من جن نصيبين. وقيل سبعة، استمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ذكرنا خبرهم في سورة الأحقاف، "فقالوا"، لما رجعوا إلى قومهم: "إنا سمعنا قرآناً عجباً"، قال ابن عباس: بليغاً، أي: قرآناً ذا عجب يعجب منه لبلاغته.
1-" قل أوحي إلي " وقرئ أحي وأصله وحى من وحى إليه فقلبت الواو همزة لضمتها ووحى على الأصل وفاعله : " أنه استمع نفر من الجن " والنفر ما بين الثلاثة إلى العشرة ، و " الجن " أجسام عاقلة خفية يغلب عليهم النارية أو الهوائية . وقيل نوع من الأرواح المجردة وقيل نفوس بشرية مفارقة عن أبدانها ، وفيه دلالة على أنه عليه الصلاة والسلام ما رآهم ولم يقرأ عليهم وإنما اتفق حضورهم في بعض أوقات قراءته فسمعوها فاخبر الله به رسوله . " فقالوا " لما رجعوا إلى قومهم . " إنا سمعنا قرآناً " كتاباً . " عجباً " بديعاً مبايناً لكلام الناس في حسن نظمه ودقة معناه . وهو مصدر وصف به لللمبالغة .
Surah 72. Al-Jinn
1. Say (O Muhammad): It is revealed unto me that a company of the Jinn gave ear, and they said: Lo! it is a marvellous Quran,
SURA 72: JINN
1 - Say: It has been revealed to me that a company of Jinns listened (to the Quran). They said, We have really heard a wonderful Recital!