10 - (وأصبح فؤاد أم موسى) لما علمت بالتقاطه (فارغا) مما سواه (إن) مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي إنها (كادت لتبدي به) بأنه ابنها (لولا أن ربطنا على قلبها) بالصبر أي سكناه (لتكون من المؤمنين) المصدقين بوعد الله وجواب لولا دل عليه ما قبله
اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عنى الله أنه أصبح منه فؤاد أم موسى فارغاً، فقال بعضهم: الذي عنى جل ثناؤه أنه أصبح منه فؤاد أم موسى فارغاً: كل شيء سوى ذكر ابنها موسى.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن العلاء، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا الأعمش ، عن مجاهد، وحسان أبي الأشرس عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " قال: فرغ من كل شيء إلا من ذكر موسى.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش ، عن حسان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " قال: فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى.
حدثنا محمد بن عمارة، قال: ثنا عبد الله، قال، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل، عن ابن عباس " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " قال: فارغاً من كل شيء إلا من هم موسى.
حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي عن ابن عباس، قوله " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " قال: يقول: لا تذكر إلا موسى.
حدثنا محمد بن عمارة، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " قال: من كل شيء غير ذكر موسى.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " قال: فرغ من كل شيء إلا من ذكر موسى.
حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي، قال: ثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، عن مطر، في قوله " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " قال: فارغاً من كل شيء إلا من هم موسى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ": أي لاغياً من كل شيء، إلا من ذكر موسى.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " قال: فرغ من كل شيء غير ذكر موسى.
وقال آخرون: بل عنى أن فؤادها أصبح فارغاً من الوحي الذي كان الله أوحاه إليها، إذ أمرها أن تلقيه في اليم فقال " ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين " قال: فحزنت ونسيت عهد الله إليها، فقال الله عز وجل " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " من وحينا الذي أوحيناه إليها.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " قال: فارغاً من الوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر، ولا تخاف ولا تحزن، قال: فجاءها الشيطان، فقال: يا أم موسى،كرهت أن يقتل فرعون موسى، فيكون لك أجره وثوابه وتوليت قتله، فألقيته في البحر وغرقتيه، فقال الله " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " من الوحي الذي أوحاه إليها.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، قال: ثني الحسن، قال: أصبح فارغاً من العهد الذي عهدنا إليها، والوعد الذي وعدناها أن نرد عليها ابنها، فنسيت ذلك كله، حتى كادت أن تبدي به لولا أن ربطنا على قلبها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: قد كانت أم موسى ترفع له حين قذفته في البحر، هل تسمع له بذكر، حتى أتاها الخبر بأن فرعون أصاب صبياً في النيل في التابوت، فعرفت الصفة، ورأت أنه وقع في يدي عدوه الذي فرت به منه، وأصبح فؤادها فارغاً من عهد الله إليها فيه قد أنساها عظيم البلاء ما كان من العهد عندها من الله فيه. وقال بعض أهل المعرف بكلام العرب: معنى ذلك: " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " من الحزن، لعلمها، بأنه لم يغرق. قال: وهو من قولهم: دم فرغ: أي لا قود ولا دية، وهذا قول لا معنى له لخلافه قول جميع أهل التأويل.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: معناه: " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " من كل شيء إلا من هم موسى.
وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب لدلالة قوله " إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها " لو كان عني بذلك: فراغ قلبها من الوحي لم يعقب بقوله " إن كادت لتبدي به " لأنها إن كانت قاربت أن تبدي الوحي، فلم تكد أن تبديه إلا لكثرة ذكرها إياه، وولعها به، ومحال أن تكون به ولعة إلا وهي ذاكرة. وإذا كان ذلك كذلك بطل القول بأنها كانت فارغة القلب مما أوحي إليها، وأخرى أن الله تعالى ذكره أخبر عنها أنها أصبحت فارغة القلب، ولم يخصص فراغ قلبها من شيء دون شيء، فذلك على العموم إلا ما قامت حجته أن قلبها لم يفرغ منه. وقد ذكر عن فضالة بن عبيد أنه كان يقرؤه " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " من الفزع.
وقوله " إن كادت لتبدي به " اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عادت عليه الهاء في قوله " به " فقال بعضهم: هي من ذكر موسى، وعليه عادت.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا الأعمش ، عن مجاهد وحسان أبي الأشرس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس " إن كادت لتبدي به " أن تقول: يا ابناه.
قال: ثني يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن الأعمش ، عن حسان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس " إن كادت لتبدي به " أن تقول: يا ابناه.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش ، عن حسان بن سعيد بن جبير، عن ابن عباس " إن كادت لتبدي به " أن تقول: يا ابناه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " إن كادت لتبدي به " أي لتبدي به أنه ابنها من شدة وجدها.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي ، قال: لما جاءت أمه أخذ منها، يعني الرضاع، فكادت أن تقول: هو ابني، فعصمها الله، فذلك قول الله " إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ".
وقال آخرون: ( بما أوحينا إليها ): أي تظفر.
والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين ذكرنا قولهم أنهم قالوا: إن كادت لتقول: يا بنياه لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك، وأنه عقيب قوله " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " فلأن يكون لو لم يكن ممن ذكرنا في ذلك إجماع على ذلك من ذكر موسى، لقربه منه، أشبه من أن يكون من ذكر الوحي.
وقال بعضهم: بل معنى ذلك " إن كادت لتبدي " بموسى فتقول: هو ابني قال وذلك أن صدرها ضاق إذ نسب إلى فرعون، وقيل ابن فرعون. وعنى بقوله " لتبدي به " لتظهره وتخبر به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله " إن كادت لتبدي به " لتشعر به.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " إن كادت لتبدي به " قال: لتعلن بأمره لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين.
وقوله " لولا أن ربطنا على قلبها " يقول: لولا أن عصمناها من ذلك بتثبيتناها وتوفيقناها للسكوت عنه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الله " لولا أن ربطنا على قلبها ": أي بالإيمان " لتكون من المؤمنين ".
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي ، قال: كادت تقول: هو ابني فعصمها الله، فذلك قول الله " إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ".
وقوله " لتكون من المؤمنين " يقول تعالى ذكره: عصمناها من إظهار ذلك وقيله بلسانها، وثبتناها للعهد الذي عهدنا إليها " لتكون من المؤمنين " بوعد الله، الموقنين به.
قوله تعالى : " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " قال ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد و عكرمة و قتادة و الضحاك و أبو عمران الجوني وأبو عبيدة : " فارغا " أي خالياً من ذكر كل شيء في الدنيا إلا من ذكر موسى . وقال الحسن أيضاً و إبن إسحاق و ابن زيد : " فارغا " من الوحي إذ أنحي إليها حين أمرت أن تلقيه في البحر " ولا تخافي ولا تحزني " والعهد الذي عهده إليها أن يردكه ويجعله من المرسلين ، فقال لها الشيطان : يا أم موسى كرهت أن يقتل فرعون موسى فغرقتيه أنت ! ثم بلغها أن ولدها وقع في يد فرعون فانساها عظم البلاء ما كان من عهد الله إليها . وقال أبو عبيدة : ( فارغاً ) نافراً . الكسائي : ناسياً ذاهلاً . وقيل : والهاً ، رواه سعيد بن جبير ابن القاسم عن مالك : هو ذهاب العقل ، والمعن ى أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طاء عقلها من فرط الجزع والدهش ، ونحوه قوله تعالى : " وأفئدتهم هواء " [ إبراهيم : 43] أي جوف لا عقول لها كما تقدم في سورة ( إبراهيم ) . وذلك أن القلوب راكز العقول ، ألاترى إلى قوله تعالى : " فتكون لهم قلوب يعقلون بها " [ الحج: 46] ويدل عليها قراءة من قرأ : ( فزعاً ) . النحاس أصح هذه الأقوال الأول ، والذي قالوه أعلم بكتاب الله عزوجل ، فإذا كان فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى فهو فارغ من الوحي . وقول أبي عبيدة فارغاً من الغم غلط قبيح ، لأن إلا بعده " إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها " . روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كادت تقول وابناه وقرأ فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه و محمد بن السميقع و أبو العالية و ابن محيصن : ( فزعاً ) بالفاء والعين المهملة من الفزع ، أي خائفة عليه أن يقتل . وابن عباس : ( قرعاً ) بالقاف والراء والعين المهملتين ، وهي راجعة إلى قراءة الجماعة ( فارغاً ) ولذلك قيل للرأس الذي لا شعر عليه : أقرع ، لغراغه من الشعر . وحكى قطرب أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : ( فرغاً ) بالفاء والراء والغين المعجمية من غير ألف ، وهو كقولك : هدراً وباطلاً ، يقال : دماؤهم بينهم فرغ تأي هدر ، والمعنى بطل قلبها وذهب وبقيت لا قلب لها من شدة ما ورد عليها . وفي قوله تعالى : " وأصبح " وجهان أحدهم ا: أنها ألقته ليلاً فأصبح فؤادها في النهار فارغاً . الثاني : أنها ألقته نهاراً ومعنى : ( أصبح ) أي صار ، كما قال الشاعر :
مضى الخلفاء بالأمر الرشيد وأصبحت المدينة للوليد
" إن كادت " أي إنها كادت ، فلما حذفت الكناية سكنت النون . وفهي ( إن ) المخففة ولذلك دخلت اللام في " لتبدي به " أي لتظهر أمره ، من بدا بيدو إذا ظهر . قال ابن عباس : أي تصيح عند إلقائه : واابناه . السدي : كادت تقول لما حملت لإرضاعه وحضانته هو ابني . وقيل : إنه لما شب سمعت الناس يقولون موسى بن فرعون ، فشق عليها وضاق صدرها ، وكادت تقول هو ابني . وقيل : الهاء في ( به ) عائدة إلى الوحي تقديره :إن كانت لتبدي بالوحي الذي أوحيناه إليها أن نرده عليها . والأول أظهر . قال ابن مسعود : كادت تقول أنا أمه . وقال الفراء : إن كادت لتبدي باسمه لضيق صدرها . " لولا أن ربطنا على قلبها " قال قتادة : بالإيمان . السدي : بالعصمة . وقيل : بالصبر . والربط على القلب : إلهام الصبر . " لتكون من المؤمنين " أي من المصدقين بوعد الله حين قال لها : " إنا رادوه إليك " . وقال : ( لتبدي به ) ولم يقل : لتبديه ، لأن حروف الصفات قد تزاد في الكلام ، تقول : أخذت الحبل وبالحبل . وقيل : أي لتبدي القول به .
يقول تعالى مخبراً عن فؤاد أم موسى حين ذهب ولدها في البحر أنه أصبح فارغاً, أي من كل شيء من أمور الدنيا إلا من موسى, قاله ابن عباس ومجاهد, وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو عبيدة, والضحاك والحسن البصري وقتادة وغيرهم. "إن كادت لتبدي به" أي إن كادت من شدة وجدها وحزنها وأسفها لتظهر أنه ذهب لها ولد, وتخبر بحالها لولا أن الله ثبتها وصبرها, قال الله تعالى: "لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين * وقالت لأخته قصيه" أي أمرت ابنتها وكانت كبيرة تعي ما يقال لها, فقالت لها: "قصيه" أي اتبعي أثره, وخذي خبره, وتطلبي شأنه من نواحي البلد, فخرجت لذلك "فبصرت به عن جنب" قال ابن عباس : عن جانب. وقال مجاهد : بصرت به عن جنب عن بعد.
وقال قتادة : جعلت تنظر إليه وكأنها لا تريده, وذلك أنه لما استقر موسى عليه السلام بدار فرعون وأحبته امرأة الملك واستطلقته منه, عرضوا عليه المراضع التي في دارهم فلم يقبل منها ثدياً, وأبى أن يقبل شيئاً من ذلك, فخرجوا به إلى السوق لعلهم يجدون امرأة تصلح لرضاعته, فلما رأته بأيديهم عرفته ولم تظهر ذلك ولم يشعروا بها. قال الله تعالى: "وحرمنا عليه المراضع من قبل" أي تحريماً قدرياً, وذلك لكرامته عند الله وصيانته له أن يرتضع غير ثدي أمه, ولأن الله سبحانه وتعالى جعل ذلك سبباً إلى رجوعه إلى أمه لترضعه, وهي آمنة بعد ما كانت خائفة, فلما رأتهم حائرين فيمن يرضعه "قالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون" قال ابن عباس : فلما قالت ذلك, أخذوها وشكوا في أمرها, وقالوا لها: وما يدريك بنصحهم له وشفقتهم عليه ؟ فقالت لهم: نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في سرور الملك ورجاء منفعته, فأرسلوها, فلما قالت لهم ذلك وخلصت من أذاهم, ذهبوا معها إلى منزلهم فدخلوا به على أمه فأعطته ثديها فالتقمه, ففرحوا بذلك فرحاً شديداً, وذهب البشير إلى امرأة الملك, فاستدعت أم موسى وأحسنت إليها وأعطتها عطاء جزيلاً, وهي لا تعرف أنها أمه في الحقيقة, ولكن لكونه وافق ثديها, ثم سألتها آسية أن تقيم عندها فترضعه, فأبت عليها وقالت: إن لي بعلاً وأولاداً, ولا أقدر على المقام عندك, ولكن إن أحببت أن أرضعه في بيتي فعلت, فأجابتها امرأة فرعون إلى ذلك, وأجرت عليها النفقة والصلات والكساوى والإحسان الجزيل, فرجعت أم موسى بولدها راضية مرضية قد أبدلها الله بعد خوفها أمناً, في عز وجاه ورزق دار. ولهذا جاء في الحديث "مثل الذي يعمل ويحتسب في صنعته الخير, كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها" ولم يكن بين الشدة والفرج إلا القليل يوم وليلة أو نحوه, والله أعلم, فسبحان من بيده الأمر, ما شاء كان, وما لم يشأ لم يكن, الذي يجعل لمن اتقاه بعد كل هم فرجاً وبعد كل ضيق مخرجاً, ولهذا قال تعالى: "فرددناه إلى أمه كي تقر عينها" أي به "ولا تحزن" أي عليه "ولتعلم أن وعد الله حق" أي فيما وعدها من رده إليها وجعله من المرسلين, فحينئذ تحققت برده إليها أنه كائن منه رسول من المرسلين, فعاملته في تربيته ما ينبغي له طبعاً وشرعاً. وقوله تعالى: "ولكن أكثرهم لا يعلمون" أي حكم الله في أفعاله وعواقبها المحمودة التي هو المحمود عليها في الدنيا والاخرة, فربما يقع الأمر كريهاً إلى النفوس وعاقبته محمودة في نفس الأمر, كما قال تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم" وقال تعالى: "فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً".
ويكفي في رده ضعف إسناده 10- "وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً" قال المفسرون: معنى ذلك أنه فارغ من كل شيء إلا من أمر موسى كأنها لم تهتم بشيء سواه. قال أبو عبيدة: خالياً من ذكر كل شيء في الدنيا إلا من ذكر موسى وقال الحسن وابن إسحاق وابن زيد: فارغاً مما أوحي إليها من قوله لا تخافي ولا تحزني وذلك لما سول الشيطان لها من غرقه وهلاكه. وقال الأخفش: فارغاً من الخوف والفم لعلمها أنه لم يغرق بسبب ما تقدم من الوحي إليها، وروي مثله عن أبي عبيدة أيضاً. وقال الكسائي: ناسياً ذاهىً. وقال العلاء بن زياد نافراً. وقال سعيد بن جبير: والهاً كادت تقول واإبناه من شدة الجزع. وقال مقاتل: كادت تصيح شفقة عليه من الغرق. وقيل المعنى: أنها لما سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها من فرط الجزع والدهش. قال النحاس: وأصح هذه الأقوال الأول، والذين قالوه أعلم بكتاب الله، فإذا كان فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى فهو فارغ من الوحي، وقول من قال فارغاً من الغم غلط قبيح لأن بعده "إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها" وقرأ فضالة بن عبيد النصاري ومحمد بن السميفع والعالية وابن محيصن فزعاً: بالفاء والزاي والعين المهملة من الفزع: أي خائفاً وجلاً. وقرأ ابن عباس قرعاً بالقاف المفتوحة والراء المهملة المكسورة والعين المهملة من قرع رأسه: إذا انحسر سعره، ومعنى وأصبح: وصار، كما قال الشاعر:
مضى الخلفاء في أمر رشيد وأصبحت المدينة للوليد
"إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها" أن هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير شأن محذوف: أي إنها كادت لتظهر أمر موسى وأنه ابنها من فرط ما دهمها من الدهش والخوف والحزن، من بدا يبدو: إذا ظهر، وأبدى يبدي: إذا أظهر، وقيل الضمير في به عائد إلى الوحي الذي أوحي إليها، والأول أولى. وقال الفراء: إن كانت لتبدي باسمه لضيق صدرها لولا أن ربطنا على قلبها. قال الزجاج: ومعنى الربط على القلب: إلهام الصبر وتقويته، وجواب لولا محذوف: أي لولا أن ربطنا على قلبها لأبدت، واللام في "لتكون من المؤمنين" متعلق بربطنا، والمعنى: ربطنا على لبها لتكون من المصدقين بوعد الله وهو قوله إنا رادوه إليك قيل والباء في لتبدي به زائدة للتأكيد. والمعنى: لتبديه كما تقول أخذت الحبل بالحبل.
وقوله تعالى: 10- "وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً"، أي: خالياً من كل شيء إلا من ذكر موسى وهمه، وهذا قول أكثر المفسرن.
وقال الحسن:فارغاً أي: ناسياً للوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرا أن تلقيه في البحر ولا تخاف ولا تحزن، والعهد الذي عهد أن بكون يرده إليها ويجعله من المرسلين، فجاءهاالشيطان فقال: كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجره وثوابه وتوليت أنت قتله فألقيته في البحر، وأغرقته، ولما أتاها الخبر بأن فرعون أصابه في النيل قالت: إنه وقع في يد عدوه الذي فررت منه، فأنساها عظيم البلاء ما كان من عهد الله إليها.
وقال أبو عبيدة: فارغاً أي: فارغاً من الحزن، لعلمها بصدق وعد الله تعالى، وأنكر القتيبي هذا، وقال: كيف يكون هذا والله تعالى يقول: " إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها "؟ والأول أصح.
قوله عز وجل: " إن كادت لتبدي به "، قبل الهاء في به راجعة إلى موسى، أي: كادت لتبدي به أنه ابنها من شدة / وجدها. وقال عكرمة عن ابن عباس: كادت تقول: واإبناه. وقال مقاتل:لما رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر خشيت عليه الغرق فكادت تصيح من شفقتها. وقال الكلبي: كادت تظهر أنه ابنها، وذلك حين سمعت الناس يقولون لموسى بعدما شب: موسى ابن فرعون، فشق عليها فكادت تقول: بل هو ابني. وقال بعضهم: الهاء عائدة إلى الوحي أي: كادت تبدي بالوحي الذي أوحى الله إليها أن يرده إليها.
"لولا أن ربطنا على قلبها"، بالعصمة والصبر والتثبيت، "لتكون من المؤمنين"، المصدقين لوعد الله حين قال لها: "إنا رادوه إليك".
10 -" وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً " صفراً من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوعه في يد فرعون كقوله تعالى : " وأفئدتهم هواء " أي خلاء لا عقول فيها ، ويؤيده أنه قرئ (( فراغاً )) من قولهم دماؤهم بينهم فرغ أي هدر ، أو من الهم لفرط وثوقها بوعد الله تعالى أو سماعها أن فرعون عطف عليه وتبناه . " إن كادت لتبدي به " أنها كادت لتظهر بموسى أي بأمره وقصته من فرط الضجر أو الفرح لتبنيه . " لولا أن ربطنا على قلبها " بالصبر والثبات . " لتكون من المؤمنين " من المصدقين بوعد الله ، أو من الواثقين بحفظه لا بتبني فرعون وعطفه .، وقرئ موسى إجراء للضمة في جوار الواو مجرى ضمتها في استدعاء همزها همز واو وجوه وهو علة الربط ، وجواب " لا " محذوف دل عليه ما قبله .
10. And the heart of the mother of Moses became void, and she would have betrayed him if We had not fortified her heart, that she might be of the believers.
10 - But there came to be a void in the heart of the mother of Moses: She was going almost to disclose his (case), had We not strengthened her heart (with faith), so that she might remain a (firm) believer.