10 - (الذي جعل لكم الأرض مهدا) فرشا كالمهد للصبي (وجعل لكم فيها سبلا) طرقا (لعلكم تهتدون) إلى مقاصدكم في أسفاركم
" الذي جعل لكم الأرض مهداً " يقول : الذي مهد لكم الأرض ، فجعلها لكم وطاء توطئونها بأقدامكم ، وتمشون عليها بأرجلكم " وجعل لكم فيها سبلاً " يقول : وسهل لكم فيها طرقاً تتطرقونها من بلدة إلى بلدة ، لمعايشكم ومتاجركم .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وجعل لكم فيها سبلاً " أي طرقاً .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " الذي جعل لكم الأرض مهداً " قال : بساطاً " وجعل لكم فيها سبلاً " قال : الطرق " لعلكم تهتدون " يقول : لكي تهتدوا بتلك السبل إلى حيث أردتم من البلدان والقرى والأمصار ، لولا ذلك لم تطيقوا براح أفنيتكم ودوركم ، ولكنها نعمة أنعم بها عليكم .
قوله تعالى : " الذي جعل لكم الأرض مهدا " وصف نفسه سبحانه بكمال القدرة ، وهذا ابتداء إخبار منه عن نفسه ، ولو كان هذا إخباراً عن قول الكفار لقال الذي جعل لنا الأرض " مهادا " فراشاً وبساطاً ، وقد تقدم وقرأ الكوفيون (( مهداً )) " وجعل لكم فيها سبلا " أي معايش ، وقيل طرقاً ، لتسلكوا منها إلى حيث أردتم ، " لعلكم تهتدون " فتستدلون بمقدوراته على قدرته ، وقيل : (( لعلكم تهتدون )) في أسفاركم ، قاله ابن عيسى وقيل : لعلكم تعرفون نعمة الله عليكم ، قاله سعيد بن جبير ، وقيل : تهتدون إلى معايشكم .
يقول تعالى: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله, العابدين معه غيره "من خلق السموات والأرض ؟ ليقولن خلقهن العزيز العليم" أي ليعترفن بأن الخالق لذلك هو الله وحده لا شريك له, وهم مع هذا يعبدون معه غيره من الأصنام والأنداد, ثم قال تعالى: "الذي جعل لكم الأرض مهداً" أي فراشاً قراراً ثابتة تسيرون عليها وتقومون وتنامون وتنصرفون, مع أنها مخلوقة على تيار الماء, لكنه أرساها بالجبال لئلا تميد هكذا ولا هكذا "وجعل لكم فيها سبلاً" أي طرقاً بين الجبال والأودية "لعلكم تهتدون" أي في سيركم من بلد إلى بلد, وقطر إلى قطر, "والذي نزل من السماء ماء بقدر" أي بحسب الكفاية لزروعكم وثماركم وشربكم لأنفسكم ولأنعامكم.
وقوله تبارك وتعالى: "فأنشرنا به بلدة ميتاً" أي أرضاً ميتة, فلما جاءها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج, ثم نبه تعالى بإحياء الأرض على إحياء الأجساد يوم المعاد بعد موتها, فقال: "كذلك تخرجون" ثم قال عز وجل: "والذي خلق الأزواج كلها" أي مما تنبت الأرض من سائر الأصناف من نبات وزروع وثمار وأزاهير وغير ذلك. ومن الحيوانات على اختلاف أجناسها وأصنافها "وجعل لكم من الفلك" أي السفن "والأنعام ما تركبون" أي ذللها لكم وسخرها ويسرها لأكلكم لحومها وشربكم ألبانها وركوبكم ظهورها, ولهذا قال جل وعلا: "لتستووا على ظهوره" أي لتستووا متمكنين مرتفعين "على ظهوره" أي على ظهور هذا الجنس "ثم تذكروا نعمة ربكم" أي فيما سخر لكم "إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين" أي مقاومين, ولولا تسخير الله لنا هذا ما قدرنا عليه. قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والسدي وابن زيد: مقرنين, أي مطيقين, "وإنا إلى ربنا لمنقلبون" أي لصائرون إليه بعد مماتنا وإليه سيرنا الأكبر, وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الاخرة, كما نبه بالزاد الدنيوي على الزاد الأخروي في قوله تعالى: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" وباللباس الدنيوي على الأخروي في قوله تعالى: "وريشاً ولباس التقوى ذلك خير".
ذكر الأحاديث الواردة عند ركوب الدابة
(حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) رضي الله عنه. قال الإمام: حدثنا يزيد, حدثنا شريك بن عبد الله عن أبي إسحاق, عن علي بن ربيعة قال: رأيت علياً رضي الله عنه أتى بدابة, فلما وضع رجله في الركاب قال: باسم الله, فلما استوى عليها قال: الحمد لله "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون" ثم حمد الله تعالى ثلاثاً وكبر ثلاثاً, ثم قال: سبحانك لا إله إلا أنت قد ظلمت نفسي فاغفر لي ثم ضحك, فقلت له: مم ضحكت يا أمير المؤمنين ؟ فقال رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثلما فعلت ثم ضحك, فقلت: مم ضحكت يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "يعجب الرب تبارك وتعالى من عبده إذا قال رب اغفر لي, ويقول علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري" وهكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي الأحوص, زاد النسائي ومنصور عن أبي إسحاق السبيعي عن علي بن ربيعة الأسدي الوالبي به. وقال الترمذي: حسن صحيح, وقد قال عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة: قلت لأبي إسحاق السبيعي: ممن سمعت هذا الحديث ؟ قال: من يونس بن خباب, فلقيت يونس بن خباب فقلت: ممن سمعته ؟ فقال: من رجل سمعه من علي بن ربيعة, ورواه بعضهم عن يونس بن خباب عن شقيق بن عقبة الأسدي عن علي بن ربيعة الوالبي به.
(حديث عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة "حدثنا أبو بكر بن عبد الله عن علي بن أبي طلحة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما, قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه على دابته, فلما استوى عليها كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وحمد ثلاثاً, وهلل واحدة, ثم استلقى عليه وضحك, ثم أقبل عليه فقال ما من امرىء مسلم يركب فيصنع كما صنعت, إلا أقبل الله عز وجل عليه, فضحك إليه كما ضحكت إليك" تفرد به أحمد.
(حديث عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل, حدثنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن علي بن عبد الله البارقي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب راحلته كبر ثلاثاً ثم قال "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ـ ثم يقول ـ اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى, ومن العمل ما ترضى, اللهم هون علينا السفر واطو لنا البعيد, اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل, اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا". وكان صلى الله عليه وسلم إذا رجع إلى أهله قال: "آيبون تائبون إن شاء الله عابدون لربنا حامدون" وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث ابن جريج, والترمذي من حديث حماد بن سلمة, كلاهما عن أبي الزبير به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن عمرو بن الحكم بن ثوبان عن أبي لاس الخزاعي قال: حملنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة إلى الحج, فقلنا: يا رسول الله ما نرى أن تحملنا هذه, فقال صلى الله عليه وسلم: "ما من بعير إلا في ذروته شيطان, فاذكروا اسم الله عليها إذا ركبتموها كما آمركم, ثم امتهنوها لأنفسكم فإنما يحمل الله عز وجل" أبو لاس اسمه محمد بن الأسود بن خلف.
(حديث آخر) في معناه ـ قال أحمد: حدثنا عتاب, أخبرنا عبد الله, وعلي بن إسحاق , أخبرنا عبد الله يعني ابن المبارك, أخبرنا أسامة بن زيد, أخبرني محمد بن حمزة أنه سمع أباه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "على ظهر كل بعير شيطان فإذا ركبتموها فسموا الله عز وجل ثم لا تقصروا عن حاجاتكم".
ثم وصف سبحانه نفسه بما يدل على عظيم نعمته على عباده وكمال قدرته في مخلوقاته فقال: 10- " الذي جعل لكم الأرض مهدا " وهذا كلام مبتدأ غير متصل بما قبله، ولو كان متصلاً بما قبله من جملة مقول الكفار لقالوا الذي جعل لنا الأرض مهاداً، والمهاد الفراش والبساط، وقد تقدم بيانه، قرأ الجمهور "مهاداً" وقرأ الكوفيون "مهداً" "وجعل لكم فيها سبلاً" أي طرقاً تسلكونها إلى حيث تريدون، وقيل معايش تعيشون بها "لعلكم تهتدون" بسلوكها إلى مقاصدكم ومنافعكم.
10. " الذي جعل لكم الأرض مهداً وجعل لكم فيها سبلاً لعلكم تهتدون ". إلى مقاصدكم في أسفاركم.
10-" وجعل لكم فيها سبلاً " تسلكونها . " لعلكم تهتدون " لكي تهتدوا إلى مقاصدكم ، أو إلى حكمة الصانع بالنظر في ذلك .
10. Who made the earth a resting place for you, and placed roads for you therein, that haply ye may find your way;
10 - (Yea, the same that) has made for you the earth (like a carpet) spread out, and has made for you roads (and channels) therein, in order that ye may find guidance (on the way);