(أو كلما عاهدوا) الله (عهداً) على الإيمان بالنبي إن خرج ، أو النبي أن لا يعاونوا عليه المشركين (نبذه) طرحه (فريق منهم) بنقضه ، جواب كلما وهو محل الاستفهام الإنكاري (بل) للانتقال (أكثرهم لا يؤمنون)
قال أبو جعفر: اختلف أهل العربية في حكم الواو التي في قوله:"أو كلما عاهدوا عهدا". فقال بعض نحويي البصريين: هي واو تجعل مع حروف الاستفهام، وهي مثل الفاء في قوله:"أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم" (البقرة: 87)، قال: وهما زائدتان في هذا الوجه، وهي مثل الفاء التي في قوله: فالله لتصنعن كذا وكذا، وكقولك للرجل: أفلا تقوم؟ . وإن شئت جعلت الفاء و الواو ها هنا حرف عطف.
وقال بعض نحوي الكوفيين: هي حرف عطف أدخل عليها حرف الأستفهام.
والصواب في ذلك عندي من القول أنها واو عطف، أدخلت عليها ألف الاستفهام، كأنه قال جل ثناؤه: وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور، خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا، قالوا: سمعنا وعصينا، وكلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم. ثم أدخل ألف الاستفهام على "وكلما" فقال: قالوا سمعنا وعصينا، أوكلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم.
وقد بينا فيما مضى أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله حرف لا معنى له، فأغنى ذلك عن إعادة البيان على فساد قول من زعم أن الواو و الفاء من قوله: "أو كلما" و أفكلما زائدتان لا معنى لهما.
وأما العهد، فإنه الميثاق الذي أعطته بنو إسرائيل ربهم ليعملن بما في التوراة مرة بعد أخرى، ثم نقض بعضهم ذلك مرة بعد أخرى. فوبخهم جل ذكره بما كان منهم من ذلك، وعير به أبناءهم، إذ سلكوا منهاجهم في بعض ما كان جل ذكره أخذ عليهم بالإيمان به من أمر محمد صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق، فكفروا وجحدوا ما في التوراة من نعته وصفته، فقال تعالى ذكره: أوكلما عاهد اليهود من بني إسرائيل ربهم عهدًا، وأوثقوه ميثاقًا، نبذه فريق منهم، فتركه ونقضه؟ كما:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قال مالك بن الصيف حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر ما أخذ عليهم من الميثاق، وما عهد الله إليهم فيه: والله ما عهد إلينا في محمد صلى الله عليه وسلم، وما أخذ له علينا ميثاقًا فأنزل الله جل ثناؤه:"أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون".
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا محمد بن إسحق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت، عن عكرمة مولى ابن عباس، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله.
قال أبو جعفر وأما النبذ فإن أصله في كلام العرب الطرح، ولذلك قيل للملقوط: المنبوذ، لأنه مطروح مرمي به. ومنه سمي النبيذ نبيذًا، لأنه زبيب أو تمر يطرح في وعاء، ثم يعالج بالماء. وأصله مفعول صرف إلى فعيل ، أعني أن النبيذ أصله منبوذ ثم صرف إلى فعيل فقيل: نبيذ، كما قيل: كف خضيب، ولحية دهين يعني: مخضوبة ومدهونة. يقال منه: نبذته أنبذه نبذًا، كما قال أبو الأسود الدئلي:
نظرت إلى عنوانه، فنبذته كنبذك نعلاً أخلقت من نعالكا
فمعنى قوله جل ذكره:"نبذه فريق منهم"، طرحه فريق منهم، فتركه ورفضه ونقضه، كما:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"نبذه فريق منهم" يقول: نقضه فريق منهم.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "نبذه فريق منهم"، قال: لم يكن في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه، ويعاهدون اليوم وينقضون غدًا. قال: وفي قراءة عبدالله: نقضه فريق منهم.
والهاء التي في قوله: نبذه، من ذكر العهد. فمعناه أوكلما عاهدوا عهدًا نبذ ذلك العهد فريق منهم.
والفريق: الجماعة، لا واحد له من لفظه، بمنزلة الجيش والرهط الذي لا واحد له من لفظه.
والهاء والميم اللتان في قوله:"فريق منهم"، من ذكر اليهود من بني إسرائيل.
وأما قوله:"بل أكثرهم لا يؤمنون" فإنه يعني جل ثناؤه: بل أكثر هؤلاء الذين كلما عاهدوا الله عهدًا وواثقوه موثقًا، نقضه فريق منهم لا يؤمنون.
ولذلك وجهان من التأويل: أحدهما: أن يكون الكلام دلالة على الزيادة والتكثير في عدد المكذبين الناقضين عهد الله، على عدد الفريق. فيكون الكلام حينئذ معناه: أوكلما عاهدت اليهود من بني إسرائيل ربها عهدًا نقض فريق منهم ذلك العهد؟ لا ما ينقض ذلك فريق منهم، ولكن الذي ينقض ذلك فيكفر بالله، أكثرهم، لا القليل منهم. فهذا أحد وجهيه.
والوجه الآخر: أن يكون معناه: أوكلما عاهدت اليهود ربها عهدًا، نبذ ذلك العهد فريق منهم؟ لا ما ينبذ ذلك العهد فريق منهم فينقضه، على الإيمان منهم بأن ذلك غير جائز لهم، ولكن أكثرهم لا يصدقون بالله ورسله، ولا وعده ووعيده. وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا معنى الإيمان، وأنه التصديق.
قوله تعالى : "أو كلما عاهدوا عهدا نبذه" الواو واو العطف ، دخلت عليها ألف الاستفهام كما تدخل على الفاء قوله : "أفحكم الجاهلية" ، "أفأنت تسمع الصم" ، "أفتتخذونه وذريته" . وعلى ثم كقوله : "أثم إذا ما وقع" هذا قول سيبويه . وقال الأخفش : الواو زائدة . ومذهب الكسائي أنها أو ، حركت الواو منها تسهيلاً . وقرأها قوم أو ، ساكنة الواو فتجيء بمعنى بل ، كما يقول القائل :لأضربنك ، فيقول المجيب : أو يكفي الله . قال ابن عطية : وهذا كله متكلف ، والصحيح قول سيبويه . كلما نصب على الظرف ، والمعنى في الآية مالك بن الصيف ، ويقال فيه ابن الضيف ، كان قد قال : والله ما أخذ علينا عهد في كتابنا أن نؤمن بمحمد ولا ميثاق ، فنزلت الآية . وقيل إن اليهود عاهدوا لئن خرج محمد لنؤمنن به ولنكونن معه على مشركي العرب ، فلما بعث كفروا به . وقال عطاء : هي العهود التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود فنقضوها ، كفعل قريظة والنضير ، دليله قوله تعالى : "الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون" .
قوله تعالى : "نبذه فريق منهم" النبذ : الطرح والإلقاء ، ومنه النبيذ والمنبوذ ، قال أبو الأسود :
وخبرني من نت أرسلت إنما أخذت كتابي معرضاً بشمالكا
نظرت إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلاً أخلقت من نعالكا
أخر :
إن الذين أمرتهم أن يعدلوا نبذوا كتابك واستحلوا المحرما
وهذا مثل يضرب لمن استحف بالشيء فلا يعمل به ، تقول العرب : أجعل هذا خلف ظهرك ، ودبراً منك ، وتحت قدمك ، أي أتركه وأعرض عنه ، قال الله تعالى : "واتخذتموه وراءكم ظهريا" . وأنشد الفراء :
تميم بن زيد لا تكونن حاجتي بظهر فلا يعيا علي جوابها
"بل أكثرهم" ابتداء . "لا يؤمنون" فعل مستقبل في موضع الخبر .
لقد أنزلنآ إليك آيات بينات وما يكفر بهآ إلا الفاسقون * أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون * ولمآ جآءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله ورآء ظهورهم كأنهم لا يعلمون * واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولـكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ومآ أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت قال الإمام أبو جعفر بن جرير في قوله تعالى: "ولقد أنزلنا إليك آيات بينات" الاية، أي أنزلنا إليك يا محمد علامات واضحات، دالات على نبوتك، وتلك الايات هي ماحواه كتاب الله من خفايا علوم اليهود ، ومكنونات سرائر أخبارهم وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل، والنبأ عما تضمنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم وما حرفه أوائلهم وأواخرهم وبدلوه من أحكامهم التي كانت في التوراة فأطلع الله في كتابه الذي أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فكان في ذلك من أمره الايات البينات لمن أنصف من نفسه ولم يدعها إلى هلاكها الحسد والبغي، إذ كان في فطرة كل ذي فطرة صحيحة تصديق من أتى بمثل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الايات البينات التي وصف من غير تعلم تعلمه من بشر ، ولا أخذ شيئاً منه عن آدمي، كما قال الضحاك عن ابن عباس "ولقد أنزلنا إليك آيات بينات" يقول: فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة وعشية وبين ذلك، وأنت عندهم أمي لم تقرأ كتاباً، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه، يقول الله تعالى في ذلك عبرة وبيان، وعليهم حجة لو كانوا يعلمون. وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس، قال: قال ابن صوريا القطويني لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد، ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل الله عليك من آية بينة فنتبعك، فأنزل الله في ذلك من قوله "ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون" وقال مالك بن الصيف حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم: وذكرهم ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد إليهم في محمد صلى الله عليه وسلم، والله ما عهد إلينا في محمد، وما أخذ علينا ميثاقاً، فأنزل الله تعالى "أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم" وقال الحسن البصري: في قوله"بل أكثرهم لا يؤمنون" قال: نعم، ليس في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه ونبذوه، يعاهدون اليوم وينقضون غداً. وقال السدي: لا يؤمنون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة: نبذه فريق منهم، أي نقضه فريق منهم. وقال ابن جرير : أصل النبذ الطرح والإلقاء ، ومنه سمي اللقيط منبوذاً، ومنه سمي النبيذ، وهو التمر والزبيب إذا طرحا في الماء ، قال أبو الأسود الدؤلي:نظرت إلى عنوانه فنبذبته كنبذك نعلاً أخلقت من نعالكا قلت: فالقوم ذمهم الله بنبذهم العهود التي تقدم الله إليهم في التمسك بها والقيام بحقها، ولهذا أعقبهم ذلك التكذيب بالرسول المبعوث إليهم وإلى الناس كافة الذي في كتبهم نعته وصفته وأخباره، وقد أمروا فيها باتباعه ومؤازرته ونصرته، كما قال تعالى: " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل " الاية، وقال ههنا "ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم" الاية، أي طرح طائفة منهم كتاب الله الذي بأيديهم مما فيه البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، أي تركوها كأنهم لا يعلمون ما فيها، وأقبلوا على تعلم السحر واتباعه، ولهذا أرادوا كيداً برسول الله صلى الله عليه وسلم وسحروه في مشط ومشاقة وجف طلعة ذكر تحت راعوفة ببئر أروان، وكان الذي تولى ذلك منهم رجل يقال له: لبيد بن الأعصم لعنه الله وقبحه، فأطلع الله على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم وشفاه منه وأنقذه، كما ثبت ذلك مبسوطاً في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، كما سيأتي بيانه. قال السدي "ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم" قال: لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم عارضوه بالتوراة، فخاصموه بها، فاتفقت التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف، وسحر هاروت وماروت، فلم يوافق القرآن فذلك قوله" كأنهم لا يعلمون " وقال قتادة في قوله " كأنهم لا يعلمون " قال: إن القوم كانوا يعلمون، ولكنهم نبذوا علمهم وكتموه وجحدوا به، وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس في قوله تعالى: "واتبعوا ما تتلوا الشياطين" الاية، وكان حين ذهب ملك سليمان ارتد فئات من الجن والإنس واتبعوا الشهوات، فلما أرجع الله إلى سليمان ملكه، وقام الناس على الدين كما كان، وأن سليمان ظهر على كتبهم فدفنها تحت كرسيه، وتوفي سليمان عليه السلام حدثان ذلك، فظهر الإنس والجن على الكتب بعد وفاة سليمان وقالوا: هذا كتاب من الله نزل على سليمان فأخفاه عنا، فأخذوا به فجعلوه ديناً، فأنزل الله تعالى "ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم" الاية واتبعوا الشهوات التي كانت تتلوا الشياطين، وهي المعازف واللعب وكل شيء يصد عن ذكر الله. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس، قال: كان آصف كاتب سليمان، وكان يعلم الاسم الأعظم، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين، فكتبوا بين كل سطرين سحراً وكفراً، وقالوا: هذا الذي كان سليمان يعمل بها. قال: فأكفره جهال الناس وسبوه، ووقف علماء الناس، فلم يزل جهال الناس يسبونه حتى أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم "واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا" وقال ابن جرير : حدثني أبو السائب سلم بن جنادة السوائي، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس، قال: كان سليمان عليه السلام إذا أراد أن يدخل الخلاء أو يأتي شيئاً من نسائه، أعطى الجرادة وهي امرأة خاتمه، فلما أراد الله أن يبتلي سليمان عليه السلام بالذي ابتلاه به، أعطى الجرادة ذات يوم خاتمه، فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال: هاتي خاتمي، فأخذه ولبسه، فلما لبسه دانت له الشياطين والجن والإنس. قال: فجاءها سليمان، فقال لها: هاتي خاتمي، فقالت: كذبت لست سليمان، قال: فعرف سليمان أنه بلاء ابتلي به. قال: فانطلقت الشياطين، فكتبت في تلك الأيام كتباً فيها سحر وكفر ، فدفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أخرجوها وقرؤوها على الناس وقالوا: إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب، قال فبرئ الناس من سليمان وكفروه حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم فأنزل عليه"وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا" ثم قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير عن حصين بن عبد الرحمن، عن عمران وهو ابن الحارث، قال: بينما نحن عند ابن عباس رضي الله عنهما، إذ جاء رجل فقال له: من أين جئت ؟ قال: من العراق، قال: من أية ؟ قال: من الكوفة، قال: فما الخبر ؟ قال: تركتهم يتحدثون أن علياً خارج إليهم ففزع، ثم قال: ما تقول لا أبا لك ؟ لو شعرنا ما نكحنا نساءه ولا قسمنا ميراثه، أما إني سأحدثكم عن ذلك، إنه كانت الشياطين يسترقون السمع من السماء فيجيء أحدهم بكلمة حق قد سمعها، فإذا جرب منه وصدق، كذب معها سبعين كذبة، قال: فتشربها قلوب الناس قال: فأطلع الله عليها سليمان عليه السلام، فدفنها تحت كرسيه، فلما توفي سليمان عليه السلام، قام شيطان الطريق، فقال: هل أدلكم على كنزه الممنع الذي لا كنز له مثله ؟ تحت الكرسي. فأخرجوه، فقال: هذا سحر ، فتناسخها الأمم حتى بقاياها ما يتحدث به أهل العراق، فأنزل الله عز وجل "واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا" الاية، وروى الحاكم في مستدركه عن أبي زكريا العنبري، عن محمد بن عبد السلام عن إسحق بن إبراهيم عن جرير به. وقال السدي في قوله تعالى: "واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان" أي على عهد سليمان، قال: كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتقعد منها مقاعد للسمع، فيستمعون من كلام الملائكة ما يكون في الأرض من موت أو غيب أو أمر ، فيأتون الكهنة فيخبرونهم، فتحدث الكهنة الناس فيجدونه كما قالوا، فلما أمنتهم الكهنة كذبوا لهم وأدخلوا فيه غيره، فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة، فاكتتب الناس ذلك الحديث في الكتب، وفشى ذلك في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب، فبعث سليمان في الناس، فجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق، ثم دفنها تحت كرسيه ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق، وقال: لا أسمع أحداً يذكر أن الشياطين يعلمون الغيب إلا ضربت عنقه، فلما مات سليمان، وذهبت العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان، وخلف من بعد ذلك خلف، تمثل الشيطان في صورة إنسان ثم أتى نفراً من بني إسرائيل فقال لهم: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبداً ؟ قالوا: نعم، قال: فاحفروا تحت الكرسي، فذهب معهم وأراهم المكان وقام ناحيته، فقالوا له: فادن، فقال: لا ولكنني ههنا في أيديكم، فإن لم تجدوه فاقتلوني، فحفروا فوجدوا تلك الكتب، فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والشياطين والطير بهذا السحر ثم طار وذهب وفشا في الناس أن سليمان كان ساحراً، واتخذت بنو إسرائيل تلك الكتب، فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم خاصموه بها فذلك حين يقول الله تعالى "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا"، وقال الربيع بن أنس: إن اليهود سألوا محمداً صلى الله عليه وسلم زماناً عن أمور من التوراة لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله سبحانه وتعالى ما سألوه عنه، فيخصمهم فلما رأوا ذلك قالوا: هذا أعلم بما أنزل الله إلينا منا. وإنهم سألوه عن السحر وخاصموه به، فأنزل الله عز وجل "واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر" وإن الشياطين عمدوا إلى كتاب فكتبوا فيه السحر والكهانة وما شاء الله من ذلك، فدفنوه تحت كرسي مجلس سليمان وكان عليه السلام لا يعلم الغيب، فلما فارق سليمان الدنيا استخرجوا ذلك السحر وخدعوا الناس وقالوا: هذا علم كان سليمان يكتمه ويحسد الناس عليه، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث فرجعوا من عنده وقد أدحض الله حجتهم، وقال مجاهد في قوله تعالى: "واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان" قال: كانت الشياطين تستمع الوحي فما سمعوا من كلمة زادوا فيها مائتين مثلها، فأرسل سليمان عليه السلام إلى ما كتبوا من ذلك، فلما توفي سليمان وجدته الشياطين وعلمته الناس وهو السحر ، وقال سعيد بن جبير : كان سليمان يتتبع ما في أيدي الشياطين من السحر فيأخذه منهم فيدفنه تحت كرسيه في بيت خزانته فلم تقدر الشياطين أن يصلوا إليه فدنت إلى الإنس فقالوا لهم أتدرون ما العلم الذي كان سليمان يسخر به الشياطين والرياح وغير ذلك ؟ قالوا: نعم، قالوا: فإنه في بيت خزانته وتحت كرسيه فاستشار به الإنس واستخرجوه وعملوا بها، فقال أهل الحجاز: كان سليمان يعلم بهذا وهذا سحر فأنزل الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم براءة سليمان عليه السلام فقال تعالى: "واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا" وقال محمد بن إسحاق بن يسار : عمدت الشياطين حين عرفت موت سليمان بن داود عليه السلام، فكتبوا أصناف السحر ، من كان يحب أن يبلغ كذا فليفعل كذا وكذا حتى إذا صنفوا أصناف السحر ، جعلوه في كتاب ثم ختموه بخاتم على نقش خاتم سليمان وكتبوا في عنوانه: هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم. ثم دفنوه تحت كرسيه واستخرجته بعد ذلك بقايا بني إسرائيل حتى أحدثوا ما أحدثوا فلما عثروا عليه قالوا: والله ما كان ملك سليمان إلا بهذا، فأفشوا السحر في الناس فتعلموه وعلموه، فليس هو في أحد أكثر منه في اليهود لعنهم الله، فلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نزل عليه من الله سليمان بن داود وعده فيمن عد من المرسلين، قال من كان بالمدينة من اليهود: ألا تعجبون من محمد يزعم أن ابن داود كان نبياً والله ما كان إلا ساحراً. وأنزل الله في ذلك من قولهم "واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا" الاية، وقال ابن جرير: حدثنا القاسم: حدثنا حسين حدثنا الحجاج عن أبي بكر عن شهر بن حوشب، قال: لما سلب سليمان ملكه كانت الشياطين تكتب السحر في غيبة سليمان، فكتبت من أراد أن يأتي كذا وكذا فليستقبل الشمس وليقل كذا وكذا، ومن أراد أن يفعل كذا وكذا فليستدبر الشمس وليقل كذا وكذا، فكتبته وجعلت عنوانه: هذا ما كتب آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود عليهما السلام من ذخائر كنوز العلم ثم دفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان عليه السلام، قام إبليس لعنه الله خطيباً فقال: ياأيها الناس إن سليمان لم يكن نبياً إنما كان ساحراً فالتمسوا سحره في متاعه وبيوته، ثم دلهم على المكان الذي دفن فيه، فقالوا: والله لقد كان سليمان ساحراً هذا سحره بهذا تعبدنا وبهذا قهرنا، فقال المؤمنون: بل كان نبياً مؤمناً، فلما بعث الله النبي محمداً صلى الله عليه وسلم وذكر داود وسليمان فقالت اليهود: انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل، يذكر سليمان مع الأنبياء إنما كان ساحراً يركب الريح، فأنزل الله تعالى "واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان" الاية، وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت عمران بن حدير عن أبي مجلز قال: أخذ سليمان عليه السلام من كل دابة عهداً فإذا أصيب رجل فسأل بذلك العهد خلي عنه، فزاد الناس السجع والسحر ، فقالوا: هذا يعمل به سليمان بن داود عليهما السلام، فقال الله تعالى: "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر"، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد حدثنا آدم حدثنا المسعودي عن زياد مولى ابن مصعب عن الحسن "واتبعوا ما تتلوا الشياطين" قال: ثلث الشعر وثلث السحر وثلث الكهانة، وقال: حدثنا الحسن بن أحمد حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار الواسطي حدثني سرور بن المغيرة عن عباد بن منصور عن الحسن "واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان" وتبعته اليهود على ملكه وكان السحر قبل ذلك في الأرض لم يزل بها، ولكنه إنما اتبع على ملك سليمان، فهذه نبذة من أقوال أئمة السلف في هذا المقام، ولا يخفى ملخص القصة والجمع بين أطرافها وأنه لا تعارض بين السياقات على اللبيب الفهم، والله الهادي. وقوله تعالى: "واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان" أي واتبعت اليهود الذين أوتوا الكتاب من بعد إعراضهم عن كتاب الله الذي بأيديهم، ومخالفتهم لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ما تتلوه الشياطين، أي ما ترويه وتخبر به وتحدثه الشياطين على ملك سليمان، وعداه بعلى لأنه تضمن تتلو تكذب، وقال ابن جرير على ههنا بمعنى في، أي تتلوا في ملك سليمان، ونقله عن ابن جريج وابن إسحاق (قلت) والتضمن أحسن وأولى، والله أعلم. وقول الحسن البصري رحمه الله وكان السحر قبل زمان سليمان بن داود ـ صحيح لا شك فيه، لأن السحرة كانوا في زمان موسى عليه السلام وسليمان بن داود بعده، كما قال تعالى " ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى " الاية، ثم ذكر القصة بعدها وفيها "وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة" وقال قوم صالح وهم قبل إبراهيم الخليل عليه السلام لنبيهم صالح إنما "أنت من المسحرين" أي المسحورين على المشهور ، وقوله تعالى "وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه" اختلف الناس في هذا المقام، فذهب بعضهم إلى أن ما نافية أعني التي في قوله: " وما أنزل على الملكين" قال القرطبي: ما نافية ومعطوف على قوله "وما كفر سليمان" ثم قال "ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين" وذلك أن اليهود كانوا يزعمون أنه نزل به جبريل وميكائيل فأكذبهم الله وجعل قوله "هاروت وماروت" بدلاً من الشياطين، قال: وصح ذلك إما لأن الجمع يطلق على الاثنين كما في قوله تعالى: "فإن كان له إخوة" أو لكونهما لهما أتباع أو ذكرا من بينهم لتمردهما تقدير الكلام عنده يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت. ثم قال: وهذا أولى ما حملت عليه الاية وأصح ولا يتلفت إلى ما سواه، وروى ابن جرير بإسناده من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله "وما أنزل على الملكين ببابل" الاية، يقول لم ينزل الله السحر وبإسناده عن الربيع بن أنس في قوله "وما أنزل على الملكين" قال: ما أنزل الله عليهما السحر ، قال ابن جرير فتأويل الاية على هذا "واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان" من السحر وما كفر سليمان ولا أنزل الله السحر على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت، فيكون قوله ببابل هاروت وماروت من المؤخر الذي معناه المقدم قال: فإن قال لنا قائل: كيف وجه تقديم ذلك ؟ قيل وجه تقديمه أن يقال "واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان" من السحر وما كفر سليمان وما أنزل الله السحر على الملكين، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت، فيكون معنياً بالملكين جبريل وميكائيل عليهما السلام، لأن سحرة اليهود فيما ذكرت كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود فأكذبهم الله بذلك، أخبر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر وبرأ سليمان عليه السلام مما نحلوه من السحر ، وأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين وأنها تعلم الناس ذلك ببابل، وأن الذين يعلمونهم ذلك رجلان: اسم أحدهما هاروت، واسم الاخر ماروت، فيكون هاروت وماروت على هذا التأويل ترجمة عن الناس ورداً عليهم. هذا لفظه بحروفه، وقد قال ابن أبي حاتم: حدثت عن عبيد الله بن موسى، أخبرنا فضيل بن مرزوق عن عطية "وما أنزل على الملكين" قال: ما أنزل الله على جبريل وميكائيل السحر ، قال ابن أبي حاتم: وأخبرنا الفضل بن شاذان، أخبرنا محمد بن عيسى، أخبرنا يعلى يعني ابن أسد، أخبرنا بكر يعني ابن مصعب، أخبرنا الحسن بن أبي جعفر : أن عبد الرحمن بن أبزى كان يقرؤها " وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت " وقال أبو العالية: لم ينزل عليهما السحر ، يقول: علما بالإيمان والكفر ، فالسحر من الكفر، فهما ينهيان عنه أشد النهي، رواه ابن أبي حاتم، ثم شرع ابن جرير في رد هذا القول، وأن ما بمعنى الذي، وأطال القول في ذلك وادعى أن هاروت وماروت ملكان أنزلهما الله إلى الأرض وأذن لهما في تعليم السحر اختباراً لعباده وامتحاناً بعد أن بين لعباده أن ذلك مما ينهى عنه على ألسنة الرسل، وادعى أن هاروت وماروت مطيعان في تعليم ذلك، لأنهما امتثلا ما أمرا به، وهذا الذي سلكه غريب جداً، وأغرب منه قول من زعم أن هاروت وماروت قبيلان من الجن، كما زعمه ابن حزم، وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن الضحاك بن مزاحم أنه كان يقرؤها "وما أنزل على الملكين" ويقول: هما علجان من أهل بابل، ووجه أصحاب هذا القول الإنزال بمعنى الخلق لا بمعنى الايحاء كما في قوله تعالى "وما أنزل على الملكين" كما قال تعالى: "وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج" "وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد"، "وينزل لكم من السماء رزقاً" وفي الحديث "ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء" وكما يقال "أنزل الله الخير والشر" وحكى القرطبي عن ابن عباس وابن أبزى والحسن البصري أنهم قرؤوا "وما أنزل على الملكين" بكسر اللام، قال ابن أبزى: وهما داود وسليمان، قال القرطبي: فعلى هذا تكون ما نافية أيضاً، وذهب آخرون إلى الوقف على قوله "يعلمون الناس السحر" وما نافية، قال ابن جرير : حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد وسأله رجل عن قول الله "يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت" فقال: الرجلان يعلمان الناس ما أنزل عليهما ويعلمان الناس ما لم ينزل عليهما، فقال القاسم: ما أبالي أيتهما كانت. ثم روى عن يونس عن أنس بن عياض عن بعض أصحابه أن القاسم قال في هذه القصة: لا أبالي أي ذلك كان، إني آمنت به، وذهب كثير من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء، وأنهما أنزلا إلى الأرض، فكان من أمرهما ما كان، وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه الإمام أحمد في مسنده رحمه الله كما سنورده إن شاء الله، وعلى هذا فيكون الجمع بين هذا وبين ما ورد من الدلائل على عصمة الملائكة أن هذين سبق في علم الله لهما هذا، فيكون تخصيصاً لهما فلا تعارض حينئذ كما سبق في علمه من أمر إبليس ما سبق، وفي قوله إنه كان من الملائكة لقوله تعالى " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى " إلى غير ذلك من الايات الدالة على ذلك، مع أن شأن هاروت وماروت على ما ذكر أخف مما وقع من إبليس لعنه الله تعالى. وقد حكاه القرطبي عن علي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وكعب الأحبار والسدي والكلبي .
والواو في قوله: 100- "أو كلما" للعطف دخلت عليها همزة الاستفهام كما تدخل على الفاء، ومن ذلك قوله تعالى: "أفحكم الجاهلية يبغون" "أفأنت تسمع الصم" "أفتتخذونه وذريته" وكما تدخل على ثم، ومن ذلك قوله تعالى: "أثم إذا ما وقع" وهذا قول سيبويه. وقال الأخفش: الواو زائدة. وقال الكسائي: إنها أو حركت الواو تسهيلاً. قال ابن عطية: وهذا كله متكلف، والصحيح قول سيبويه والمعطوف عليه المحذوف، والتقدير أكفروا بالآيات البينات وكلما عاهدوا. قوله: "نبذ فريق" قال ابن جرير: أصل النبذ الطرح والإلقاء، ومنه سمي اللقيط منبوذاً، ومنه سمي النبيذ وهو التمر والزبيب إذا طرحا في الماء، قال أبو الأسود:
نظرت إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلاً أخلقت من نعالكا
وقال آخر:
إن الذين أمرتهم أن يعدلوا نبذوا كتابك واستحل المحرم
100. قوله تعالى " أو كلما " واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام " عاهدوا عهداً " يعني اليهود عاهدوا لئن خرج محمد ليومنن به، فلما خرج كفروا به.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخذ الله عليهم (من الميثاق) وعهد إليهم في محمد أن يؤمنوا، به قال مالك بن الصيف: والله ما عهد إلينا في محمد عهد، فأنزل الله تعالى هذهالآية، يدل عليه قراءة أبي رجاء العطاردي (( أو كلما عوهدوا )) فجعلهم مفعولين، وقال عطاء : هي العهود التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود / أن لا يعاونوا المشركين على قتاله فنقضوها كفعل بني قريظة والنضير، دليله قوله تعالى " الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم " (56-الأنفال)، " نبذه" طرحه ونقضه " فريق " طوائف " منهم " من اليهود " بل أكثرهم لا يؤمنون ".
100-" أو كلما عاهدوا عهدا " الهمزة للإنكار ، والواو للعطف على محذوف تقديره أكفروا بالآيات وكلما عاهدوا ،وقرئ بسكون الواو على أن التقدير إلا الذين فسقوا ، " أو كلما عاهدوا " ، وقرئ عوهدوا و عهدوا . " نبذه فريق منهم " نقضه ، وأصل النبذ الطرح ، لكنه يغلب فيما ينسى ، وإنما قال فريق لأن بعضهم لم ينقض " بل أكثرهم لا يؤمنون " رد لما يتوهم من أن الفريق هم الأقلون ، أو أن من لم ينبذ جهاراً فهم مؤمنون به خفاء .
100. Is it ever so that when ye make a covenant a party of you set it aside? The truth is, most of them believe not.
100 - Is it not (the case) that every time they make a covenant, some party among them throw it aside? nay, most of them are faithless.