100 - (لهم) للعابدين (فيها زفير وهم فيها لا يسمعون) شيئا لشدة غليانها ونزل لما قال ابن الزبعري عبد العزيز والمسيح والملائكة فهم في النار على مقتضى ما تقدم
يعني تعالى ذكره بقولهم " لهم " المشركين و آلهتهم و الهاء و الميم في قوله " لهم " من ذكر كل التي في قوله " وكل فيها خالدون " يقول تعالى ذكره : لكلهم في جهنم زير " وهم فيها لا يسمعون" يقول : وهم في النار لا يسمعون .
وكان ابن مسعود يتأول في قوله " وهم فيها لا يسمعون " ما :
حدثنا القاسم ، قال :ثنا الحسين ، قال :ثني حجاج ، عن المسعودي ، عن يونس بن خباب ، قال قرأ ابن مسعود هذه الآية " لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون " قال: إذا ألقي في النار من يخلد فيها جعلوا ف يتوابيت من نار ، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخرى ، ثم جعلت التوابيت في توابيت أخرى فيها مسامير من نار ، فلا يرى أحد منهم أن في النار أحدا يعذب غيره ،ثم قرأ " لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون "
و أما قوله " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني به ، فقال بعضهم : عني به كل من سبعت له من الله السعادة من خلقه أنه عن النار مبعد .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ،قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال: ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن يوسف بن سعد و ليس بـ ابن ماهك ، عن محمد بن حاطب ،قال: سمعت عليا يخطب فقرأ هذه الآية " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " . قال: عثمان رضي الله عنه منهم .
و قال آخرون : بل عني : من عبد من دون الله ، و هو لله طائع ، و لعبادة من يعبد كاره .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، و حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " أولئك عنها مبعدون " قال: عيسى ،و عزير ، و الملائكة .
حدثنا القاسم ، قال ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن أبن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
قال ابن جريج :قوله " إنكم وما تعبدون من دون الله " ثم استثنى فقال " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى " .
حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ، و الحسن البصري ، قالا : قال في سورة الأنبياء " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون * لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون * لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون " ثم استثنى فقال " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " فقد عبدت الملائكة من دون الله و عزير و عيسى من دون الله .
حدثنا أبو كريب ، قال: ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، " أولئك عنها مبعدون " قال: عيسى .
حدثني إسماعيل بن سيف ،قال: ثنا علي بن مسهر ، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى " قال: عيسى ، و أمه ، و عزير ،و الملائكة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال:جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني يوما مع الوليد بن المغيرة ، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم و في المجلس غير واحد من رجال قريش ،فتكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فعض له النضر بن الحارث ، و كلمه رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أفحمه ، ثم تلا عليه و عليهم " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون * لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون" ... إلى قوله " و هم فيها لا يسمعون " ثم قام رسول الله صلى الله عليه و سلم، و أقبل عبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عدي السهمي ، حتى جلس ، فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزبعرى : و الله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا ، و ما قعد ، و قد زعم أنا و ما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم ، فقال عبد الله بن الزبعري : أما و الله لو وجدته لخصمته ، فسلوا محمدا :أكل من عبد دون الله في جهنم مع من عبده ؟ فنحن نعبد الملائكة ، و اليهود تعبد عزيرا ، و النصارى تعبد المسيح عيسى ابن مريم ، فعجب الوليد بن المغيرة ، و من كان في المجلس من قول عبد الله بن الزبعري ،فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم كل من أحب أني يعبد من دون الله ، فهو مع من عبده ، إنما يعبدو الشياطين و من أمرهم بعبادته ، فأنزل الله عليه " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " ... إلى " خالدون " : أي عيسى ابن مريم ، و عزير ، و من عبدوا من الأحبار و الرهبان الذين مضوا على طاعة الله ،فاتخذهم من بعدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله فأنزل الله فيما ذكروا أنهم يعبدون الملائكة ، و أنها بنات الله و " قالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون " ... إلى قوله " نجزي الظالمين " .
حدثت عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال: سمعت الضحاك ، قال : يقول ناس من الناس " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " يعني من الناس أجمعين ، فليس كذل ك، إنما يعني من يعبد الآلهة ، و هو لله مطيع مثل عيسى ، و أمه ، و عزير ، و الملائكة ، و استثنى الله هؤلاء الآلهة المعبودة ، التي هي و من يعبدها في النار .
حدثنا ابن سنان القزاز ، قال: ثنا الحسن بن الحسين الأشقر ، قال : ثنا أبو كدينة ،عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال: لما نزلت " إنكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون " قال المشركون : فإن عيسى يعبد و عزير و الشمس يعبدون ،فأنزل الله " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " لعيسى و غيره .
و أولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب :قول من قال: عنى بقوله : " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " ما كان من معبود كان المشركون يعبدونه ، و المعبود لله مطيع ، و عابدون بعبادتهم إياه بالله كفار ، لأن قوله تعالى ذكره " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى " : ابتداء كلام محقق لأمر كان ينكره قوم ، على نحو الذي ذكرنا في الخبر ، عن ابن عباس ، فكأن المشركين قالوا لنبي الله صلى الله عليه و سلم ، إذ قال لهم " إنكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم " ما الأمر كما تقول ، لأنا نعبد الملائكة ، و يعبد آخرون المسيح و عزيرا ، فقال عز و جل ردا عليهم قولهم : بل ذلك كذلك ، وليس الذين سبقت لهم منا الحسنى هم عنها مبعدو ن لأنهم غير معنيين بقولنا " إنكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم " . فأما قول الذين قالوا ذلك استثناء من قوله " إنكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم " فقول لا معنى له ، لأن الاستثناء إنما هو إخراج المستثنى من المستثنى منه ، و لا شك أن الذين سبقت لهم منا الحسنى ، غنما هم إما ملائكة ، و إما إنس أو جان و كل هؤلاء إذا ذكرتها العرب فإن أكثر ما تذكرها بمن ، لا بما ، و الله تعالى ذكره إنما ذكر المعبودين الذين أخبر أنهم حصب جهنم بما ، قال : " إنكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم " إنما أريد به ما كانوا يعبدونه من الأصنام و الآلهة من الحجارة و الخشب ، لا من كان من الملائكة و الإنس .فإذا كان ذلك كذلك لما وصفناه ، فقوله " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى " جواب من الله للقائلين ما ذكرنا من المشركين مبتدأ . و أما الحسنى فإنه الفعلى من الحسن ، و إنما عني بها السعادة السابقة من الله لهم .
كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ،في قوله " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى " قال الحسنى : السعادة ، و قال : سبقت السعادة لأهلها من الله ، و سبق الشقاء لأهله من الله .
قوله تعالى: " لهم فيها زفير " أي لهؤلاء الذين وردوا النار من الكفار والشياطين، فأما الأصنام فعلى الخلاف فيها، هل يحييها الله تعالى ويعذبها حتى يكون لها زفير أو لا؟ قولان: والزفير صوت نفس المغموم يخرج من القلب. وقد تقدم في ((هود)). " وهم فيها لا يسمعون " قيل: في الكلام حذف، والمعنى وهم فيها لا يسمعون شيئاً، لأنهم يحشرون صماً، كما قال الله تعالى: " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما " [الإسراء: 97]. وفي سماع الأشياء روح وأنس، فمنع الله الكفار ذلك في النار. وقيل: لا يسمعون ما يسرهم، بل يسمعون صوت من يتولى تعذيبهم من الزبانية. وقيل: إذا قيل لهم " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " [المؤمنون: 108] يصيرون حينئذ صماً بكما، كما قال ابن مسعود: إذا بقي من يخلد في النار في جهنم جعلوا في توابيت من نار، ثم جعلت التوابيت في توابيت أخرى فيها مسامير من نار، فلا يسمعون شيئاً، ولا يرى أحد منهم أن في النار من يعذب غيره.
يقول تعالى مخاطباً لأهل مكة من مشركي قريش ومن دان بدينهم من عبدة الأصنام والأوثان: "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم" قال ابن عباس : أي وقودها يعني كقوله: "وقودها الناس والحجارة" وقال ابن عباس أيضاً: حصب جهنم يعني شجر جهنم, وفي رواية قال: "حصب جهنم" يعني حطب جهنم بالزنجية. وقال مجاهد وعكرمة وقتادة : حطبها, وهي كذلك في قراءة علي وعائشة رضي الله عنهما, وقال الضحاك : حصب جهنم أي ما يرمى به فيها, وكذا قال غيره, والجميع قريب. وقوله: "أنتم لها واردون" أي داخلون " لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها " يعني لو كانت هذه الأصنام والأنداد التي اتخذتموها من دون الله آلهة صحيحة لما وردوا النار وما دخلوها "وكل فيها خالدون" أي العابدون ومعبوداتهم كلهم فيها خالدون "لهم فيها زفير" كما قال تعالى: "لهم فيها زفير وشهيق" والزفير خروج أنفاسهم, والشهيق ولوج أنفاسهم "وهم فيها لا يسمعون".
قال ابن أبي حاتم , حدثنا أبي , حدثنا علي بن محمد الطنافسي , حدثنا ابن فضيل , حدثنا عبد الرحمن يعني المسعودي عن أبيه قال: قال ابن مسعود : إذا بقي من يخلد في النار جعلوا في توابيت من نار فيها مسامير من نار, فلا يرى أحد منهم أنه يعذب في النار غيره, ثم تلا عبد الله "لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون" ورواه ابن جرير من حديث حجاج بن محمد عن المسعودي عن يونس بن خباب عن ابن مسعود , فذكره.
وقوله: "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى" قال عكرمة : الرحمة. وقال غيره السعادة "أولئك عنها مبعدون" لما ذكر تعالى أهل النار وعذابهم بسبب شركهم بالله, عطف بذكر السعداء من المؤمنين بالله ورسله, وهم الذين سبقت لهم من الله السعادة وأسلفوا الأعمال الصالحة في الدنيا, كما قال تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" وقال: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" فكما أحسنوا العمل في الدنيا أحسن الله مآبهم وثوابهم, ونجاهم من العذاب وحصل لهم جزيل الثواب, فقال: " أولئك عنها مبعدون * لا يسمعون حسيسها " أي حريقها في الأجساد.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا محمد بن عمار , حدثنا عفان , حدثنا حماد بن سلمة عن أبيه عن الحريري عن أبي عثمان "لا يسمعون حسيسها" قال: حيات على الصراط تلسعهم, فإذا لسعتهم قال حس حس. وقوله: " وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون " فسلمهم من المحذور والمرهوب, وحصل لهم المطلوب والمحبوب. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أحمد بن أبي سريج , حدثنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني عن ليث بن أبي سليم عن ابن عم النعمان بن بشير عن النعمان بن بشير قال: وسمر مع علي ذات ليلة, فقرأ "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون" قال: أنا منهم وعمر منهم وعثمان منهم والزبير منهم وطلحة منهم وعبد الرحمن منهم, أو قال: سعد منهم, قال: أقيمت الصلاة, فقام وأظنه يجر ثوبه وهو يقول: "لا يسمعون حسيسها".
وقال شعبة عن أبي بشر عن يوسف المكي عن محمد بن حاطب قال: سمعت علياً يقول في قوله: "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى" قال: عثمان وأصحابه, ورواه ابن أبي حاتم أيضاً, ورواه ابن جرير من حديث يوسف بن سعد , وليس بابن ماهك عن محمد بن حاطب عن علي فذكره ولفظه عثمان منهم, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون" فأولئك أولياء الله يمرون على الصراط مراً هو أسرع من البرق, ويبقى الكفار فيها جثياً, فهذا مطابق لما ذكرناه, وقال آخرون: بل نزلت استثناء من المعبودين, وخرج منهم عزير والمسيح, كما قال حجاج بن محمد الأعور عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون" ثم استثنى فقال: "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى" فيقال: هم الملائكة وعيسى, ونحو ذلك مما يعبد من دون الله عز وجل, وكذا قال عكرمة والحسن وابن جريج . وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله: "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى " قال نزلت في عيسى ابن مريم وعزير عليهما السلام, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا الحسين بن عيسى بن ميسرة , حدثنا أبو زهير , حدثنا سعد بن طريف عن الأصبغ عن علي في قوله: "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى" قال: كل شيء يعبد من دون الله في النار إلا الشمس والقمر وعيسى بن مريم إسناده ضعيف. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد "أولئك عنها مبعدون" قال: عيسى وعزير والملائكة. وقال الضحاك : عيسى ومريم والملائكة والشمس والقمر, وكذا روي عن سعيد بن جبير وأبي صالح وغير واحد, وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثاً غريباً جداً, فقال: حدثنا الفضل بن يعقوب الرخاني , حدثنا سعيد بن مسلمة بن عبد الملك , حدثنا الليث بن أبي سليم عن مغيث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " قال: " عيسى وعزير والملائكة ", وذكر بعضهم قصة ابن الزبعري ومناظرة المشركين قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن علي بن سهل , حدثنا محمد بن حسن الأنماطي , حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة , حدثنا يزيد بن أبي حكيم , حدثنا الحكم يعني ابن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تزعم أن الله أنزل عليك هذه الاية "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون" فقال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا ؟ فنزلت " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون * وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون " ثم نزلت "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون" رواه الحافظ أبو عبد الله في كتابه الأحاديث المختارة, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا قبيصة بن عقبة , حدثنا سفيان يعني الثوري عن الأعمش عن أصحابه عن ابن عباس قال: لما نزلت: "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون" قال المشركون: فالملائكة وعزير وعيسى يعبدون من دون الله فنزلت "لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها" الالهة التي يعبدون "وكل فيها خالدون" وروي عن أبي كدينة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثل ذلك وقال: فنزلت "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون" وقال محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله في كتاب السيرة: وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني يوماً مع الوليد بن المغيرة في المسجد, فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم, وفي المسجد غير واحد من رجال قريش, فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه, وتلا عليه وعليهم " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون * لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون * لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون " ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عبد الله بن الزبعري السهمي حتى جلس معهم, فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزبعري : والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفاً ولا قعد, وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم, فقال عبد الله بن الزبعري : أما والله لو وجدته لخصمته, فسلوا محمداً كل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده, فنحن نعبد الملائكة, واليهود تعبد عزيراً, والنصارى تعبد المسيح عيسى ابن مريم, فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبد الله بن الزبعري ورأوا أنه قد احتج وخاصم, فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده, إنهم إنما يعبدون الشيطان ومن أمرهم بعبادته" وأنزل الله " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون * لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون " أي عيسى وعزير ومن عبدوا من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله, فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة أرباباً من دون الله, ونزل فيما يذكرون أنهم يعبدون الملائكة وأنهم بنات الله " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون " إلى قوله " ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين " ونزل فيما ذكر من أمر عيسى وأنه يعبد من دون الله, وعجب الوليد ومن حضره من حجته وخصومته " ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون * وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون * إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل * ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون * وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها " أي ما وضعت على يديه من الايات من إحياء الموتى وابراء الأسقام, فكفى به دليلاً على علم الساعة, يقول: " فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم " وهذا الذي قاله ابن الزبعري خطأ كبير, لأن الاية إنما نزلت خطاباً لأهل مكة في عبادتهم الأصنام التي هي جماد لاتعقل, ليكون ذلك تقريعاً وتوبيخاً لعابديها, ولهذا قال: "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم" فكيف يورد على هذا المسيح وعزير ونحوهما ممن له عمل صالح ولم يرض بعبادة من عبده, وعول ابن جرير في تفسيره في الجواب على أن "ما" لما لا يعقل عند العرب, وقد أسلم عبد الله بن الزبعري بعد ذلك, وكان من الشعراء المشهورين, وقد كان يهاجي المسلمين أولاً ثم قال معتذراً:
يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور
إذ أجاري الشيطان في سنن الغي ومن مال ميله مثبور
وقوله : "لا يحزنهم الفزع الأكبر" قيل: المراد بذلك الموت, رواه عبد الرزاق عن يحيى بن ربيعة عن عطاء وقيل: المراد بالفزع الأكبر النفخة في الصور, قاله العوفي عن ابن عباس وأبو سنان سعيد بن سنان الشيباني , واختاره ابن جرير في تفسيره, وقيل: حين يؤمر بالعبد إلى النار, قاله الحسن البصري , وقيل: حين تطبق النار على أهلها, قاله سعيد بن جبير وابن جريج , وقيل: حين يذبح الموت بين الجنة والنار, قاله أبو بكر الهذلي فيما رواه ابن أبي حاتم عنه, وقوله "وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون" يعني تقول لهم الملائكة تبشرهم يوم معادهم إذا خرجوا من قبورهم "هذا يومكم الذي كنتم توعدون" أي فأملوا ما يسركم.
100- "لهم فيها زفير" أي لهؤلاء الذين وردوا النار، والزفير صوت نفس المغموم، والمراد هنا الأنين والتنفس الشديد، وقد تقدم بيان هذا في هود "وهم فيها لا يسمعون" أي لا يسمع بعضهم زفير بعض لشدة الهول، وقيل لا يسمعون شيئاً، لأنهم يحشرون صماً كما قال سبحانه "ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً"، وإنما سلبوا السماع، لأن فيه بعض تروح وتأنس، وقيل لا يسمعون ما يسرهم، بل يسمعون ما يسوءهم.
100. " لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون "، قال ابن مسعود: في هذه الآية إذا بقى في النار من يخلد فيها في توابيت من نار، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخرى [ثم تلك التوابيت في توابيت أخر] عليها مسامير من نار، فلا يسمعون شيئاً ولا يرى أحد منهم أن في النار أحداً يعذب غيره، ثم استثنى فقال:
100ـ " لهم فيها زفير " أنين وتنفس شديد وهو من إضافة فعل البعض إلى الكل للتغلب إن أريد" ما تعبدون " الأصنام . " وهم فيها لا يسمعون " من الهول وشدة العذاب . وقيل " لا يسمعون " ما يسرهم .
100. Therein wailing is their portion, and therein they hear not.
100 - There, sobbing will be their lot, nor will they there hear (aught else).