108 - (وأما الذين سعدوا) بفتح السين وضمها (ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا) غير (ما شاء ربك) كما تقدم ، ودل عليه فيهم قوله (عطاء غير مجذوذ) مقطوع ، وما تقدم من التأويل هو الذي ظهر وهو خال من التكلف والله أعلم بمراده
قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قرأة ذلك .
فقرأته عامة قرأة المدينة والحجاز والبصرة وبعض الكوفيين : وأما الذين سعدوا ، بفتح السين .
وقرأ ذلك جماعة من قرأة الكوفة : "وأما الذين سعدوا" ، بضم السين ، بمعنى : رزقوا السعادة .
قال ابو جعفر : والصواب من القول في ذلك ، أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب .
فإن قال قائل : وكيف قيل :"سعدوا" ، فيما لم يسم فاعله ، ولم يقل : أسعدوا ، وأنت لا تقول في الخبر فيما سمي فاعله : سعده الله ، بل إنما تقول : أسعده الله ؟ .
قيل ذلك نظير قولهم : هو مجنون ، و محبوب ، فيما لم يسم فاعله ، فإذا سموا فاعله قيل : أجنة الله و أحبه ، والعرب تفعل ذلك كثيراً . وقد بينا بعض ذلك فيما مضى من كتابنا هذا .
وتأويل ذلك : وأما الذين سعدوا برحمة الله فهم في الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض ، يقول : ابداً ، "إلا ما شاء ربك" .
فاختلف أهل التأويل في معنى ذلك .
فقال بعضهم : "إلا ما شاء ربك" ، من قدر ما مكثوا في النار قبل دخولهم الجنة . قالوا : وذلك فيمن أخرج من النار من المؤمنين فأدخل الجنة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ،عن الضحاك في قوله : "وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك" ، قال : هو أيضاً في الذين يخرجون من النار فيدخلون الجنة . يقول : خالدين في الجنة ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك . يقول : إلا ما مكثوا في النار حتى أدخلوا الجنة .
وقال آخرون : معنى ذلك : "إلا ما شاء ربك" ، من الزيادة على قدر مدة السموات والأرض . قالوا : وذلك هو الخلود فيها أبداً .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب ، عن ابي مالك ـ يعني ثعلبة ـ عن ابي سنان : "وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك" ، قال : ومشيئته خلودهم فيها ، ثم أتبعها فقال : "عطاء غير مجذوذ" .
واختلف أهل العربية في وجه الاستثناء في هذا الموضع .
فقال بعضهم : في ذلك معنيان :
أحدهما : أن يجعله استثناءً يستثنيه ولا يفعله ، كقولك : والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك ، وعزمك على ضربه . قال : فكذلك قال : "خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك" ، ولا يشاؤه ، وهو أعلم .
قال : والقول الآخر أن العرب إذا استثنت شيئاً كثيراً مع مثله ، أو مع ما هو أكثر منه ، كان معنى إلا ومعنى الواو سواء . فمن كان قوله : "خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض" ، سوى ما شاء الله من زيادة الخلود ، فيجعل إلا مكان سوى ، فيصلح ، وكأنه قال : خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض سوى ما زادهم من الخلود والأبد ، ومثله في الكلام أن تقول : لي عليك ألف إلا ألفين اللذين من قبل فلان ، أفلا ترى أنه في المعنى : لي عليك ألف سوى الألفين ؟ قال : وهذا أحب الوجهين إلي ، لأن الله لا خلف لوعده . وقد وصل الاستثناء لهم في الخلود غير منقطع عنهم .
وقال آخر منهم بنحو هذا القول . وقالوا : جائز فيه وجه ثالث : وهو أن يكون استثنى من خلودهم في الجنة ، احتباسهم عنها ما بين الموت والبعث ، وهو البرزخ ، إلى ان يصيروا إلى الجنة ، ثم هو خلود الأبد .
يقول : فلم يغيبوا عن الجنة إلا بقدر إقامتهم في البرزخ .
وقال آخر منهم : جائز أن يكون دوام السموات والأرض ، بمعنى : الأبد ، على ما تعرف العرب وتستعمل ، وتستثني المشيئة من دوامها ، لأن أهل الجنة وأهل النار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السموات والأرض في الدنيا ، لا في الجنة ،فكأنه قال : خالدين في الجنة ، وخالدين في النار ، دوام السماء والأرض ، إلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك .
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، القول الذي ذكرته عن الضحاك وهو : "وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك" ، من قدر مكثهم في النار ،من لدن دخلوها ، إلى أن أدخلوا الجنة ، وتكون الآية معناها الخصوص ، لأن الأشهر من كلام العرب في إلا توجيهها إلى معنى الاستثناء ، وإخراج معنى ما بعدها مما قبلها ، إلا أن يكون معها دلالة تدل على خلاف ذلك . ولا دلالة في الكلام ، أعني في قوله : "إلا ما شاء ربك" ، تدل على أن معناها غير معنى الاستثناء المفهوم في الكلام ، فيوجه إليه .
وأما قوله : "عطاء غير مجذوذ" ، فإنه يعني :عطاءً من الله غير مقطوع عنهم .
من قولهم : جذذت الشيء أجذه جذا ، إذا قطعته ، كما قال النابغة :
تجذ السلوقي المضاعف نسجه ويوقدن بالصفاح نار الحباحب
يعني بقوله : تجذ ، تقطع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : "عطاء غير مجذوذ" ، قال : غير مقطوع .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "عطاء غير مجذوذ" ، يقول : غير منقطع .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : "عطاء غير مجذوذ" ، يقول : عطاء غير مقطوع .
حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عبد الله عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " مجذوذ " قال مقطوع .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "عطاء غير مجذوذ" ، قال : غير مقطوع .
قال ، حدثنا أبوحذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، مثله .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
قال ، حدثني حجاج ، عن ابي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قوله : "عطاء غير مجذوذ" ، قال : أما هذه فقد أمضاها ، يقول : عطاء غير منقطع .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "عطاء غير مجذوذ" ، غير منزوع منهم .
وقرأ الأعمش وحفص وحمزة و الكسائي ( وأما الذين سعدوا) بضم السين. وقال أبو عمرو: والدليل على أنه سعدوا أن الأول شقوا ولم يقل أشقوا. قال النحاس : ورأيت علي بن سليمان يتعجب من قراءة الكسائي ( سعدوا) مع علمه بالعربية! إذ كان هذا لحناً لا يجوز، لأنه إنما يقال: سعد فلان وأسعده الله، وأسعد مثل أمرض، وإنما احتج الكسائي بقولهم: مسعود ولا حجة له فيه، لأنه يقال: مكان مسعود فيه، ثم يحذف فيه ويسمى به. قال المهدوي : ومن ضم السين من ( سعدوا) فهو محمول على قولهم: مسعود وهو شاذ قليل، لأنه لا يقال: سعده الله، إنما يقال: أسعده الله. وقال الثعلبي : ( سعدوا) بضم السين أي رزقوا السعادة، يقال: سعد وأسعد بمعنى واحد وقرأ الباقون ( سعدوا) بفتح السين قياساً على ( شقوا) واختاره أبو عبيد وأبو حاتم. وقال الجوهري : والسعادة خلاف الشقاوة، تقول: منه سعد الرجل بالكسر فهو سعيد، مثل سلم فهو سليم، وسعد فهو مسعود، ولا يقال فيه: مسعد، كأنهم استغنوا عنه بمسعود. وقال القشيري أبو نصر عبد الرحيم: وقد ورد سعده الله فهو مسعود، وأسعده الله فهو مسعد، فهذا يقوي قول الكوفيين. وقال سيبويه : لا يقال سعد فلان كما لا يقال شقي فلان، لأنه مما لا يتعدى. " عطاء غير مجذوذ " أي غير مقطوع، من جذه يجذه أي قطعه، قال النابغة :
تجد السلوقي المضاعف نسجه وتوقد بالصفاح نار الحباحب
يقول تعالى: "وأما الذين سعدوا" وهم أتباع الرسل "ففي الجنة" أي فمأواهم الجنة "خالدين فيها" أي ماكثين فيها أبداً "ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك" معنى الاستثناء ههنا أن دوامهم فيما هم فيه من النعيم ليس أمراً واجباً بذاته بل هو موكول إلى مشيئة الله تعالى فله المنة عليهم دائماً ولهذا يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس. وقال الضحاك والحسن البصري هي في حق عصاة الموحدين الذين كانوا في النار ثم أخرجوا منها وعقب ذلك بقوله "عطاء غير مجذوذ" أي غير مقطوع قاله مجاهد وابن عباس وأبو العالية وغير واحد لئلا يتوهم متوهم بعد ذكره المشيئة أن ثم انقطاعاً أو لبساً أو شيئاً بل حتم له بالدوام وعدم الانقطاع كما بين هناك أن عذاب أهل النار في النار دائماً مردود إلى مشيئته وأنه بعدله وحكمته عذبهم ولهذا قال "إن ربك فعال لما يريد" كما قال: "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" وهنا طيب القلوب وثبت المقصود بقوله: "عطاء غير مجذوذ" وقد جاء في الصحيحين "يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت, ويا أهل النار خلود فلا موت " وفي الصحيح أيضاً "فيقال يا أهل الجنة إن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبداً وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً".
108- "وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض". قرأ الأعمش وحفص وحمزة والكسائي "سعدوا" بضم السين. وقرأ الباقون بفتح السين، واختار هذه القراءة أبو عبيدة وأبو حاتم. قال سيبويه: لا يقال سعد فلان كما لا يقال شقي فلان لكونه مما لا يتعدى. قال النحاس: ورأيت علي بن سليمان يتعجب من قراءة الكسائي بضم السين مع علمه بالعربية، وهذا لحن لا يجوز، ومعنى الآية كما مر في قوله: "فأما الذين شقوا". قوله: "إلا ما شاء ربك" قد عرف من الأقوال المتقدمة ما يصلح لحمل هذا الاستثناء عليه "عطاء غير مجذوذ" أي يعطيهم الله عطاء غير مجذوذ، والمجذوذ: المقطوع، من جذه يجذه إذا قطعه، والمعنى: أنه ممتد إلى غير نهاية.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "يقدم قومه يوم القيامة" يقول: أضلهم فأوردهم النار. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: فرعون يمضي بين أيدي قومه حتى يهجم بهم على النار. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "فأوردهم النار" قال: الورود الدخول. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "بئس الرفد المرفود" قال: لعنة الدنيا والآخرة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه "منها قائم وحصيد" يعني قرى عامرة وقرى خامدة. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة: منها قائم يرى مكانه، وحصيد لا يرى له أثر. وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج: منها قائم خاو على عروشه، وحصيد ملصق بالأرض. وأخرج أبو الشيخ عن أبي عاصم "فما أغنت عنهم" قال: ما نفعت. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عمر في قوله: "وما زادوهم غير تتبيب" أي هلكة. وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد قال: تخسير. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة معناه. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله سبحانه
وتعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد"". وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: "إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة" يقول: إنا سوف نفي لهم بما وعدناهم في الآخرة كما وفينا للأنبياء أنا ننصرهم. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود" قال: يوم القيامة. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد مثله. وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: "يوم يأت" قال: ذلك اليوم. وأخرج الترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال:" لما نزلت "فمنهم شقي وسعيد" قلت: يا رسول الله فعلام نعمل على شيء قد فرغ منه، أو على شيء لم يفرغ منه؟ قال: بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر، ولكن كل ميسر لما خلق له". وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: هاتان من المخبآت قول الله: "فمنهم شقي وسعيد" و "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا" أما قوله: "فمنهم شقي وسعيد" فهم قوم من أهل الكتاب من أهل هذه القبلة يعذبهم الله بالنار ما شاء بذنوبهم، ثم يأذن في الشفاعة لهم فيشفع لهم المؤمنون فيخرجهم من النار فيدخلهم الجنة، فسماهم أشقياء حين عذبهم في النار " فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق * خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك " حين أذن في الشفاعة لهم وأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة وهم هم "وأما الذين سعدوا" يعني بعد الشقاء الذي كانوا فيه "ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك" يعني الذين كانوا في النار. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن قتادة أنه تلا هذه الآية: "فأما الذين شقوا" فقال: حدثنا أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج قوم من النار ولا نقول كما قال أهل حروراء: إن من دخلها بقي فيها". وأخرج ابن مردويه عن جابر قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "فأما الذين شقوا" إلى قوله: "إلا ما شاء ربك" قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شاء الله أن يخرج أناساً من الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن خالد بن معدان في قوله: "إلا ما شاء ربك" قال: إنها في التوحيد من أهل القبلة. وأخرج عبد الرزاق وابن الضريس
وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله، أو عن أبي سعيد الخدري أو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "إلا ما شاء ربك" قال: هذه الآية قاضية على القرآن كله، يقول حيث كان في القرآن خالدين فيها تأتي عليه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن أبي نضرة قال: ينتهي القرآن كله إلى هذه الآية "إن ربك فعال لما يريد". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ما دامت السموات والأرض" قال: لكل جنة سماء وأرض. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن نحوه أيضاً. وأخرج البيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس في قوله: "إلا ما شاء ربك" قال: فقد شاء ربك أن يخلد هؤلاء في النار وأن يخلد هؤلاء في الجنة. وأخرج ابن جرير عنه في قوله: "إلا ما شاء ربك" قال: استثنى الله من النار أن تأكلهم. وأخرج أبو الشيخ عن السدي في الآية قال: فجاء بعد ذلك من مشيئة الله ما نسخها، فأنزل بالمدينة: "إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً" إلى آخر الآية، فذهب الرجاء لأهل النار أن
يخرجوا منها، وأوجب لهم خلود الأبد. وقوله: "وأما الذين سعدوا" الآية. قال: فجاء بعد ذلك من مشيئة الله ما نسخها، فأنزل بالمدينة "والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات" إلى قوله: "ظلاً ظليلاً" فأوجب لهم خلود الأبد. وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال: قال عمر: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه. وأخرج إسحاق بن راهويه عن أبي هريرة قال: سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد، وقرأ: "فأما الذين شقوا" الآية. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم قال: ما في القرآن آية أرجى لأهل النار من هذه الآية "خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك". قال: وقال ابن مسعود: ليأتين عليها زمان تخفق أبوابها. وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال: جهنم أسرع الدارين عمراناً وأسرعهما خراباً. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "إلا ما شاء ربك" قال: الله أعلم بتثنيته على ما وقعت. وقد روي عن جماعة من السلف مثل ما ذكره عمر وأبو هريرة وابن مسعود كابن عباس وعبد الله بن عمر وجابر وأبي سعيد من الصحابة، وعن أبي مجلز وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهما من التابعين.
وورد في ذلك حديث في معجم الطبراني الكبير عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي، وإسناده ضعيف. ولقد تكلم صاحب الكشاف في هذا الموضع بما كان له في تركه سعة، وفي السكوت عنه غنى، فقال: ولا يخدعنك قول المجبرة إن المراد بالاستثناء خروج أهل الكبائر من النار، فإن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم، وما ظنك بقوم نبذوا كتاب الله لما روي لهم بعض الثوابت عن ابن عمرو: ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد، ثم قال: وأقول ما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما يشغله عن تسيير هذا الحديث انتهى.
وأقول: أما الطعن علىمن قال بخروج أهل الكبائر من النار، فالقائل بذلك يا مسكين رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صح عنه في دواوين الإسلام التي هي دفاتر السنة المطهرة، وكما صح عنه في غيرها من طريق جماعة من الصحابة يبلغون عدد التواتر، فما لك والطعن على قوم عرفوا ما جهلته وعملوا بما أنت عنه في مسافة بعيدة، وأي مانع من حمل الاستثناء على هذا الذي جاءت به الأدلة الصحيحة الكثيرة كما ذهب إلى ذلك وقال به جمهور العلماء من السلف والخلف، وأما ما ظننته من أن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم فلا مناداة ولا مخالفة، وأي مانع من حمل الاستثناء في الموضعين على العصاة من هذه الأمة، فالاستثناء الأول يحمل على معنى إلا ما شاء ربك من خروج العصاة من هذه الأمة من النار، والاستثناء الثاني يحمل على معنى إلا ما شاء ربك من عدم خلودهم في الجنة كما يخلد غيرهم، وذلك لتأخر خلودهم إليها مقدار المدة التي لبثوا فيها في النار، وقد قال بهذا من أهل العلم من قدمنا ذكره، وبه قال ابن عباس حبر الأمة. وأما الطعن على صاحب رسول الله وحافظ سنته وعابد الصحابة عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، فإلى أين يا محمود، أتدري ما صنعت، وفي أي واد وقعت،
وعلى أي جنب سقطت؟ ومن أنت حتى تصعد إلى هذا المكان وتتناول نحوم السماء بيديك القصيرة ورجلك العرجاء، أما كان لك في مكسري طلبتك من أهل النحو واللغة ما يردك عن الدخول فيما لا تعرف والتكلم بما لا تدري، فيا لله العجب ما يفعل القصور في علم الرواية والبعد عن معرفتها إلى أبعد مكان من الفضيحة لمن لم يعرف قدر نفسه ولا أوقفها حيث أوقفها الله سبحانه.
108- "وأما الذين سعدوا"، قرأ حمزة و الكسائي و حفص "سعدوا" بضم السين وكسر العين، أي: رزقوا السعادة، وسعد وأسعد بمعنى واحد. وقرأ الآخرون بفتح السين قياسا علىشقوا. "ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك"، قال الضحاك: إلا ما مكثوا في النار حتى إذا أدخلوا الجنة. قال قتادة: الله أعلم بثنياه. "عطاءً غير مجذوذ"، أي غير مقطوع. قال ابن زيد: أخبرنا الله تعالى بالذي يشاء لأهل الجنة، فقال: "عطاءً غير مجذوذ"، ولم يخبرنا بالذي يشاء وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد، وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه مثله.
ومعناه عند أهل السنة إن ثبت: أن لا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان. وأما مواضع الكفار فممتلئة أبدا.
108." وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ "غير مقطوع ، وهو تصريح بأن الثواب لا ينقطع وتنبيه على أن المراد من الاستثناء في الثواب ليس الانقطاع ،ولأجله فرق بين الثواب والعقاب بالتأييد .وقرأحمزة والكسائي وحفص"سعدوا"على البناء للمفعول من سعده الله بمعنى أسعده ، و"عطاءً"نصب على المصدر المؤكد أي أعطوا عطاء او الحال من الجنة .
108. And as for those who will be glad (that day) they will be in the Garden, abiding there so long as the heavens and the earth endure save for that which thy Lord willeth: a gift unfailing.
108 - And those who are blessed shall be in the garden: they will dwell therein for all the time that the heavens and the earth endure, except as thy Lord willth: a gift without break