109 - (ويخرون للأذقان يبكون) عطف بزيادة صفة (ويزيدهم) القرآن (خشوعا) تواضعا لله
يقول تعالى ذكره : ويخر الذين أوتوا العلم من مؤمني أهل الكتابين من قبل نزول الفرقان ، إذا يتلى عليهم القرآن لأذقانهم يبكون ، ويزيدهم ما في القرآن من المواعظ والعبر خشوعاً، يعني خضوعاً لأمر الله وطاعته ، واستكانة له .
حدثنا أحمد بن منيع ، قال : ثنا عبد الله بن المبارك ، قال : أخبرنا مسعر ، عن عبد الأعلى التيمي ، أن من أوتي من العلم ما لم يبكه لخليق أن لا يكون أوتي علماً ينفعه ، لأن الله نعت العلماء فقال " إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان " . . . الآيتين .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال ثنا عبد الله بن المبارك ، عن مسعر بن كدام ، عن عبد الأعلى التيمي بنحوه ، إلا أنه قال " إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان " ثم قال : ويخرون للأذقان يبكون . . . الاية .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد " ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً" قال : هذا جواب وتفسير للآية التي في كهيعص " إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكيا ":
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " ويخرون للأذقان يبكون " هذه مبالغة في صفتهم ومدح لهم وحق لكل من توسم بالعلم وحصل منه شيئاً أين يجري إلى هذه المرتبة ، فيخشع عند استماع القرآن ويتواضع ويذل ، وفي مسند الدارمي أبي محمد عن التيمي قال : من أوتي من العلم ما لم يبكه لخليق ألا يكون أوتي علماً ، لأن الله تعالى نعت العلماء ،ثم تلا هذه الآية ، ذكره الطبري أيضاً ، والأذقان جمع ذقن ، وهو مجتمع اللحيين ، وقال الحسن : الأذقان عبارة عن اللحى ، أي يضعونها على الأرض في حال السجود ، وهو غاية التواضع ، واللام بمعنى على ، تقول سقط لفيه أي على فيه ، وقال ابن عباس : ( ويخرون للأذقان سجداً ) أي للوجوه ، وإنما خص الأذقان بالذكر لأن الذقن أقرب شيء من وجه الإنسان قال ابن خويز منداد ، ولا يجوز السجود على الذقن ، لأن الذقن ها هنا عبارة عن الوجه وقد يعبر بالشيء عما جاوره وببعضه عن جميعه ، فيقال : خر لوجهه ساجداً وإن كان لم يسجد على خده ولا عينه ، ألا ترى إلى قوله :
فخر صريعاً لليدين وللفم
فإنما أراد : خر صريعاً على وجهه ويديه .
الثانية : قوله تعالى : " يبكون " دليل على جواز البكاء في الصلاة من خوف الله تعالى ، أو على معصيته في دين الله ، وأن ذلك لا يقطعها ولا يضرها ذكر ابن المبارك عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء ، وفي كتاب أبي داود : وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء .
الثالثة : واختلف الفقهاء في الأنين ، فقال مالك : الأنين لا يقطع الصلاة للمريض وأكرهه للصحيح ، وبه قال الثوري ، وروى ابن الحكم عن مالك : التنحنح والأنين والنفخ لا يقطع الصلاة ، وقال ابن القاسم : يقطع وقال الشافعي : إن كان له حروف تسمع وتفهم يقطع الصلاة ، وقال أبو حنيفة : إن كان من خوف الله لم يقطع ، وإن كان من وجع قطع ، وروي عن أبي يوسف أن صلاته في ذلك كله تامة ، لأنه لا يخلو مريض ولا ضعيف من أنين .
الرابعة : قوله تعالى : " ويزيدهم خشوعا " تقدم القول في الخشوع في البقرة ويأتي .
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم "قل" يا محمد لهؤلاء الكافرين بما جئتهم به من هذا القرآن العظيم "آمنوا به أو لا تؤمنوا" أي سواء آمنتم به أم لا, فهو حق في نفسه أنزله الله ونوه بذكره في سالف الأزمان في كتبه المنزلة على رسله, ولهذا قال: "إن الذين أوتوا العلم من قبله" أي من صالحي أهل الكتاب الذين تمسكوا بكتابهم ويقيمونه ولم يبدلوه ولا حرفوه "إذا يتلى عليهم" هذا القرآن "يخرون للأذقان" جمع ذقن وهو أسفل الوجه "سجداً" أي لله عز وجل شكراً على ما أنعم به عليهم من جعله إياهم أهلاً أن أدركوا هذا الرسول الذي أنزل عليه هذا الكتاب, ولهذا يقولون "سبحان ربنا" أي تعظيماً وتوقيراً على قدرته التامة وأنه لا يخلف الميعاد الذي وعدهم على ألسنة الأنبياء المتقدمين عن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا قالوا "سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا". وقوله: "ويخرون للأذقان يبكون" أي خضوعاً لله عز وجل وإيماناً وتصديقاً بكتابه ورسوله "ويزيدهم خشوعاً" اي إيماناً وتسليماً, كما قال: "والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم". وقوله: "ويخرون" عطف صفة على صفة لا عطف السجود على السجود, كما قال الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
ثم ذكر أنهم خروا لأذقانهم باكين فقال: 109- "ويخرون للأذقان يبكون" وكرر ذكر الخرور للأذقان لاختلاف السبب، فإن الأول لتعظيم الله سبحانه وتنزيهه، والثاني للبكاء بتأثير مواعظ القرآن في قلوبهم ومزيد خشوعهم، ولهذا قال: "ويزيدهم" أي سماع القرآن، أو القرآن بسماعهم له "خشوعاً" أي لين قلب ورطوبة عين.
وقد أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "تسع آيات" فذكر ما ذكرناه عن أكثر المفسرين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال: يده، وعصاه، ولسانه، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وأخرج الطيالسي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن قانع والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي وابن مردويه عن صفوان بن عسال "أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه: انطلق بنا إلى هذا النبي نسأله، فأتياه فسألاه عن قول الله: "ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات" فقال: لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرفوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة. أو قال: لا تفروا من الزحف، شك شعبة، وعليكم يا يهود خاصة أن لا تعتدوا في السبت، فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبي الله، قال: فما يمنعكما أن تسلما؟ قالا: إن داود دعا الله أن لا يزال في ذريته نبي، وإنا نخاف إن أسلمنا أن يقتلنا اليهود". وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغضب عن أنس بن مالك أنه سئل عن قوله: "وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً" قال: مخالفاً، وقال: الأنبياء أكرم من أن تلعن أو تسب. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس مثبوراً قال: ملعوناً. وأخرج الشيرازي في الألقاب وابن مردويه عنه قال: قليل العقل. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً لفيفاً قال: جميعاً. وأخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس أنه قرأ "وقرآناً فرقناه" مثقلاً قال: نزل القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من رمضان جملة واحدة، فكان المشركون إذا أحدثوا شيئاً أحدث الله لهم جواباً، ففرقه الله في عشرين سنة. وقد روي نحو هذا عنه من طرق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً "فرقناه" قال: فصلناه على مكث بأمد "يخرون للأذقان" يقول للوجوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد "إذا يتلى عليهم" قال: كتابهم.
109 - " ويخرون للأذقان يبكون " ، أي : يقعون على الوجوه يبكون ، البكاء مستحب عند قراءة القرآن ، " ويزيدهم " ، نزول القرآن ، " خشوعاً " ، خضوعاً لربهم . نظيره قوله تعالى : " إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً " ( مريم - 58 ) .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو عمروا بن بكر محمد المزني ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الجنيد ، حدثنا الحسن بن الفضل البجلي ، أخبرنا عاصم ، عن علي بن عاصم ، حدثنا المسعودي ، هو عبد الرحمن بن عبد الله ، عن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يلج النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبداً ".
أخبرنا أبو القاسم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري ، أخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن ، أخبرنا أحمد بن بكر بن محمد بن حمدان ، حدثنا محمد بن يونس الكديمي ، أنبأنا عبد الله بن محمد الباهلي ، حدثنا أبو حبيب الغنوي ، حدثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " حرمت النار على ثلاث أعين : عين بكت من خشية الله ، وعين سهرت في سبيل الله ، وعين غضت عن محارم الله " .
109."ويخرون للأذقان يبكون"كرره لاختلاف الحال والسبب فإن الأول للشكر عند إنجاز الوعد والثاني لما أثر فيهم من مواعظ القرآن حال كونهم باكين من خشية الله، وذكر الذقن لأنه أول ما يلقى الأرض من وجه الساجد، واللام فيه لاختصاص الخرور به."ويزيدهم "سماع القرآن"خشوعاً"كما يزيدهم علماً ويقيناً بالله .
109. They fall down on their faces, weeping, and it increaseth humility in them.
109 - They fall down on their faces in tears, and it increases their (earnest) humility.