11 - (له) للإنسان (معقبات) ملائكة تتعقبه (من بين يديه) قدامه (ومن خلفه) ورائه (يحفظونه من أمر الله) أي بأمره من الجن وغيرهم (إن الله لا يغير ما بقوم) لا يسلبهم نعمته (حتى يغيروا ما بأنفسهم) من الحالة الجميلة بالمعصية (وإذا أراد الله بقوم سوء) عذاباً (فلا مرد له) من المعقبات ولا غيرها (وما لهم) لمن أراد الله بهم سوءاً (من دونه) أي غير الله (من) زائدة (وال) يمنعه عنهم
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : معناه : لله تعالى ذكره معقبات . قالوا : الهاء في قوله : "له" ، من ذكر اسم الله .
و المعقبات ، التي تعتقب على البعد . وذلك أن ملائكة الليل إذا صعدت بالنهار أعقبتها ملائكة النهار، فإذا انقضى النهار صعدت ملائكة النهار ثم أعقبتها ملائكة الليل . وقالوا : قيل : "معقبات" ، و الملائكة ، جمع ملك مذكر غير مؤنث ، وواحد الملائكة معقب ، وجماعتها معقبة ، ثم جمع جمعه ـ أعني جمع معقب ، بعد ما جمع معقبة ـ وقيل معقبات ، كما قيل : سادات سعد ، ورجالات بني فلان ، جمع رجال .
وقوله : "من بين يديه ومن خلفه" ، يعني بقوله : "من بين يديه" ، من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار ، "ومن خلفه" ، من وراء ظهره .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن منصور ـ يعني ابن زاذان ـ ، عن الحسن في هذه الآية : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه" ، قال : الملائكة .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري قال ، حدثنا علي بن جرير ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن كنانة العدوي قال : "دخل عثمان بن عفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أخبرني عن العبد كم معه من ملك ؟ قال : ملك على يمينك على حسناتك ، وهو أمين على الذي على الشمال ، فإذا عملت حسنة كتبت عشراً . وإذا عملت سيئة ، قال الذي على الشمال للذي على اليمين : اكتب ، قال : لا ، لعله يستغفر الله ويتوب ، فإذا قال ثلاثاً قال : نعم أكتب ، أراحنا الله منه ،فبئس القرين ، ما أقل مراقبته لله ، وأقل استحياءه منا ، يقول الله : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ، وملكان من بين يديك ومن خلفك ، يقول الله : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله" ، وملك قابض على ناصيتك ، فإذا تواضعت لله رفعك ، وإذا تجبرت على الله قصمك . وملكان على شفتيك ، ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على محمد . وملك قائم على فيك لا يدع الحية تدخل في فيك ، وملكان على عينيك ، فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي ،ينزلون ملائكة الليل على ملائكة النهار ،لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار ، فهؤلاء عشرون ملكاً على كل آدمي ، وإبليس بالنهار وولده بالليل" .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه" ، الملائكة ، "يحفظونه من أمر الله" .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد في قوله : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه" ، قال : مع كل إنسان حفظة يحفظونه من أمر الله .
قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله :"له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله" ، فالمعقبات هن من أمر الله ، وهي الملائكة .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ،عن عكرمة ، عن ابن عباس :"يحفظونه من أمر الله" ، قال : ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، فإذا جاء قدره خلوا عنه .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله" ، فإذا جاء القدر خلوا عنه .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم في هذه الآية ، قال : الحفظة .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابي ،عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله" ، قال : ملائكة .
حدثنا أحمد بن حازم قال ، حدثنا يعلى قال ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله : "له معقبات" ، قال : ملائكة الليل ، يعقبون ملائكة النهار .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه" ، هذه ملائكة الليل يتعاقبون فيكم بالليل والنهار . وذكر لنا أنهم يجتمعون عند صلاة العصر وصلاة صبح . وفي قراءة أبي بن كعب : له معقبات من بين يديه ورقيب من خلفه يحفظونه من أمر الله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قوله : "له معقبات من بين يديه" ، قال : ملائكة يتعاقبونه .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه" ، قال : الملائكة ، قال ابن جريج : "معقبات" ، قال : الملائكة تعاقب الليل والنهار . وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يحتمعون فيكم عند صلاة العصر وصلاة الصبح" ، وقوله : (يحفظونه من بين يديه ومن خلفه) ، قال ابن جريج : مثل قوله : ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) . قال : الحسنات من بين يديه ، والسيئات من خلفه . الذي عن يمينه يكتب الحسنات ، والذي عن شماله يكتب السيئات .
حدثنا سوار بن عبد الله قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان قال ، سمعت ليثاً يحدث ، عن مجاهد أنه قال : ما من عبد إلا له ملك موكل يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام ، فما منها شيء يأتيه يريده إلا قال : وراءك ، إلا شيئاً يأذن الله فيه فيصيبه .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني ابي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه" ، قال : يعني الملائكة .
وقال آخرون : بل عني بـ المعقبات في هذا الموضع ،الحرس الذي يتعاقب على الأمير .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال ، حدثني ابن يمان قال ، حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه" ، قال : ذلك ملك من ملوك الدنيا ، له حرس من دونه حرس .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي وقال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه" ، يعني ولي الشيطان ، يكون عليه الحرس .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن شرقي : أنه سمع عكرمة يقول في هذه الآية : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه" ، قال : هؤلاء الأمراء .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا عمر بن نافع قال : سمعت عكرمة يقول : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه" ، قال : المواكب من بين يديه ومن خلفه .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله" ، قال : هو السلطان المحترس من الله ، وهم أهل الشرك .
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين في ذلك بالصواب ، قول من قال : الهاء ، في قوله : "له معقبات" ، من ذكر من التي في قوله : "ومن هو مستخف بالليل" ، وأن المعقبات "من بين يديه ومن خلفه" ، هي حرسه وجلاوزته ، كما قال ذلك من ذكرنا قوله .
وإنما قلنا : ذلك أولى التأويلين بالصواب ، لأن قوله : "له معقبات" ، أقرب إلى قوله : "ومن هو مستخف بالليل" ، منه إلى "عالم الغيب" ، فهي لقربها منه أولى بأن تكون من ذكره ، وأن يكون المعني بذلك هذا ،مع دلالة قول الله : "وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له" ، على أنهم المعنيون بذلك .
وذلك أنه جل ثناؤه ذكر قوماً أهل معصية له وأهل ريبة ، يستخفون بالليل ويظهرون بالنهار ، ويمتنعون عند أنفسهم بحرس يحرسهم ومنعة تمنعهم من أهل طاعته أن يحولوا بينهم وبين ما يأتون من معصية الله . ثم أخبر أن الله تعالى ذكره إذا أراد بهم سوءاً لم ينفعهم حرسهم ، ولا يدفع عنهم حفظهم .
وقوله : "يحفظونه من أمر الله" ، اختلف أهل التأويل في تأويل هذا الحرف على نحو اختلافهم في تأويل قوله : "له معقبات" .
فمن قال : المعقبات ، هي الملائكة ، قال : الذين يحفظونه من أمر الله ايضاً الملائكة .
ومن قال : المعقبات ، هي الحرس والجلاوزة من بني آدم ، قال : الذين يحفظونه من أمر الله ، هم أولئك الحرس .
واختلفوا ايضاً في معنى قوله : "من أمر الله" .
فقال بعضهم : حفظهم إياه من أمره .
وقال بعضهم : "يحفظونه من أمر الله" : بأمر الله .
ذكر من قال : الذين يحفظونه هم الملائكة ، ووجه قوله : بأمر الله إلى معنى أن حفظها إياه من أمر الله :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "يحفظونه من أمر الله" ، يقول: بإذن الله ، فالمعقبات هي من أمر الله ، وهي الملائكة .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : "يحفظونه من أمر الله" ، قال : الملائكة الحفظة ، وحفظهم إياه من أمر الله .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا محمد بن عبيد قال ، حدثني عبد الملك ، عن ابن عبيد الله ، عن مجاهد في قوله : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله" ، قال : الحفظة هم من أمر الله .
قال ، حدثنا علي ـ يعني ابن عبد الله بن جفعر ـ قال ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن ابن عباس : "له معقبات من بين يديه" ، رقباء ، "ومن خلفه" ، من أمر الله ، يحفظونه .
قال ، حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الجارود ، عن ابن عباس : "له معقبات من بين يديه" رقيب ، "ومن خلفه" .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن خصيف ، عن مجاهد : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله" ، قال : الملائكة من أمر الله .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : "يحفظونه من أمر الله" ، قال : الملائكة من أمر الله .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله" ، قال : الحفظة .
ذكر من قال عني بذلك : يحفظونه بأمر الله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "يحفظونه من أمر الله" ، أي : بأمر الله .
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "يحفظونه من أمر الله" ، وفي بعض القراءات : بأمر الله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد في قوله : "له معقبات من بين يديه ومن خلفه" ، قال : مع كل إنسان حفظة يحفظونه من أمر الله .
ذكر من قال : تحفظه الحرس من بني آدم من أمر الله :
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني ابي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "يحفظونه من أمر الله" ، يعني ولي الشيطان ، يكون عليه الحرس يحفظونه من بين يديه ومن خلفه . يقول الله عز وجل : يحفظونه من أمري ، فإني إذا أردت بقوم سوءاً فلا مرد له ، وما لهم من دونه من وال .
حدثني أبو هريرة الضبعي قال ، حدثنا أو قتيبة قال ، حدثنا شعبة ، عن شرقي ، عن عكرمة :"يحفظونه من أمر الله" ، قال : الجلاوزة .
وقال آخرون : معنى ذلك : يحفظونه من أمر الله ، و "أمر الله" ، الجن ومن يبغي أذاه ومكروهه قبل مجيء قضاء الله . فإذا جاء قضاؤه ، خلوا بينه وبينه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا سوار بن عبد الله قال ، حدثنا المعتمر قال ، سمعت ليثا يحدث ، عن مجاهد أنه قال : ما من عبد إلا له ملك موكل يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام ، فما منهم شيء يأتيه يريده إلا قال : وراءك ، إلا شيئاً يأذن الله فيصيبه .
حدثنا الحسن بن عرفة قال ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن محمد بن زياد الألهاني ، عن يزيد بن شريح ، عن كعب الأحبار قال : لو تجلى لابن آدم كل سهل وحزن لرأى على كل شيء من ذلك شياطين . لولا أن الله وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم . إذاً لتخطفتم .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا عمارة بن أبي حفصة ، عن أبي مجلز قال : جاء رجل من مراد إلى علي رضي الله عنه وهو يصلي ، فقال : احترس ، فإن ناساً من مراد يريدون قتلك ، فقال : إن مع كل رجل ملكين يحفظانه ما لم يقدر ، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه ، وإن الأجل جنة حصينة .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عبد الوهاب ، عن الحسن بن ذكوان ، عن أبي غالب ،عن أبي أمامة قال : ما من آدمي إلا ومعه ملك موكل يذود عنه حتى يسلمه للذي قدر له .
وقال آخرون : معنى ذلك : يحفظونه عليه من الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ،عن ابن جريج : "يحفظونه من أمر الله" ، قال : يحفظونه عليه من الله .
قال أبو جعفر : يعني ابن جريج بقوله : يحفظونه عليه ، الملائكة الموكلة بابن آدم ، بحفظ حسناته وسيئاته ، وهي المعقبات عندنا ،تحفظ على ابن آدم حسناته وسيئاته من أمر الله .
قال ابو جعفر : وعلى هذا القول يجب أن يكون معنى قوله : "من أمر الله" ، أن الحفظة من أمر الله ، أو تحفظ بأمر الله ، ويجب أن تكون الهاء التي في قوله : "يحفظونه" ، وحدت وذكرت وهي مراد بها الحسنات والسيئات ، لأنها كناية عن ذكر من الذي هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ، وأن يكون المستخفي بالليل ، أقيم ذكره مقام الخبر عن سيئاته وحسناته ، كما قيل : ( واسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها ) .
وكان عبد الرحمن بن زيد يقول في ذلك ، خلاف هذه الأقوال .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "ومن هو مستخف بالليل و سارب بالنهار" ، قال : "أتى عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عامر :ما تجعل لي إن أنا اتبعتك ؟ قال : أنت فارس ، أعطيك أعنة الخيل . قال : لا . قال : فما تبغي ؟ قال : لي الشرق ولك الغرب . قال : لا . قال : فلي الوبر ولك المدر . قال : لا . قال : لأملأنها عليك إذاً خيلاً ورجالاً . قال : يمنعك الله ذاك وابنا قيلة" ، يريد الأوس والخزرج . قال : فخرجا ، فقال عامر لأربد :إن كان الرجل لنا لممكناً ، لو قتلناه ما انتطحت فيه عنزان ، ولرضوا بأن نعقله لهم ، وأحبوا السلم وكرهوا الحرب إذا رأوا أمراً قد وقع . فقال الآخر : إن شئت . فتشاوروا ، وقال : ارجع وأنا أشغله عنك بالمجادلة ، وكن وراءه فاضربه بالسيف ضربة واحدة . فكانا كذلك : واحد وراء النبي صلى الله عليه وسلم ، والآخر قال : اقصص علينا قصصك . قال : ما تقول ؟ قال : قرآنك ! فجعل يجادله ويستبطئه ، حتى قال : مالك حشمت ؟ قال : وضعت يدي على قائم سيفي فيبست ، فما قدرت على أن أحلي ولا أمر ولا أحركها . قال : فخرجا ، فلما كانا بالحرة ، سمع بذلك سعد بن معاذ وأسيد بن حضير ، فخرجا إليهما ، على كل منهما لأمته ، ورمحه بيده ، وهو متقلد سيفه . فقالا لعامر بن الطفيل : يا أعور حسا يا أبلخ ، أنت الذي يشرط على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ لولا أنك في أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رمت المنزل حتى نضرب عنقك ، ولكن لا تسعفن . وكان أشد الرجلين عليه أسيد بن الحضير ، فقال :من هذا ؟ فقالوا : أسيد بن حضير ! فقال : لو كان أبوه حياً لم يفعل بي هذا ! ثم قال لأربد : اخرج أنت يا أربد إلى ناحية عدنة ، وأخرج أنا إلى نجد ، فنجمع الرجال فنلتقي عليه . فخرج أربد حتى إذا كان بالرقم ، بعث الله سحابة من الصيف فيها صاعقة فأحرقته . قال : وخرج عامر حتى إذا كان بواد يقال له الجرير ، أرسل الله عليه الطاعون ، فجعل يصيح : يا آل عامر ، أغدة كغدة البكر تقتلني ! يا آل عامر ، أغدة كغدة البكر تقتلني ، وموت أيضاً في بيت سلولية ! وهي امرأة من قيس . فذلك قول الله : "سواء منكم من أسر القول ومن جهر به" ، فقرأ حتى بلغ : "يحفظونه" ، تلك المعقبات من أمر الله ، هذا مقدم ومؤخر ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، تلك المعقبات من أمر الله . وقال لهذين :
"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ،فقرأ حتى بلغ : "ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء" ، الآية ، فقرأ حتى بلغ : "وما دعاء الكافرين إلا في ضلال" . قال : وقال لبيد في أخيه أربد وهو يبكيه :
أخشى على أربد الحتوف ولا أرهب نوء السماك والأسد
فجعني الرعد والصواعق بالـ فارس يوم الكريهة النجد
قالأبو جعفر : وهذا القول الذي قاله ابن زيد في تأويل هذه الآية ، قول بعيد من تأويل الآية ، مع خلافه أقوال من ذكرنا قوله من أهل التأويل .
وذلك أنه جعل الهاء في قوله "له معقبات" ، من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يجر له في الآية التي قبلها ولا في التي قبل الأخرى ذكر ، إلا أن يكون أراد أن يردها على قوله : "إنما أنت منذر ولكل قوم هاد" ، "له معقبات" ، فإن كان ذلك ، فذلك بعيد ، بما بينهما من الآيات بغير ذكر الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإذا كان ذلك ، فكونها عائدة على من التي في قوله : "ومن هو مستخف بالليل" ، أقرب ،لأنه قبلها ، والخبر بعدها عنه .
فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : سواء منكم ، أيها الناس ، من أسر القول ومن جهر به عند ربكم ، ومن هو مستخف بفسقه وريبته في ظلمة الليل ، وسارب يذهب ويجيء في ضوء النهار ممتنعاً بجنده وحرسه الذين يتعقبونه من أهل طاعة الله أن يحولوا بينه وبين ما يأتي من ذلك ، وأن يقيموا حد الله عليه ، وذلك قوله : "يحفظونه من أمر الله" .
وقوله : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ، يقول تعالى ذكره : "إن الله لا يغير ما بقوم" ، من عافية ونعمة ، فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم ، "حتى يغيروا ما بأنفسهم" ، من ذلك ،بظلم بعضهم بعضا ، واعتداء بعضهم على بعض ، فتحل بهم حينئذ عقوبته وتغييره .
وقوله : "وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له" ، يقول :وإذا أراد الله ، بهؤلاء الذين يستخفون بالليل ويسربون بالنهار ، لهم جند ومنعة من بين أيديهم ومن خلفهم يحفظونهم من أمر الله ، هلاكاً وخزياً في عاجل الدنيا ، "فلا مرد له" ، يقول : فلا يقدر على رد ذلك عنهم أحد غير الله . يقول تعالى ذكره : "وما لهم من دونه من وال" ، يقلو : وما لهؤلاء القوم ، و الهاء والميم في "له" ، من ذكر القوم الذين في قوله : "وإذا أراد الله بقوم سوءا" ، من دون الله ، "من وال" ، يعني :من وال يليهم ويلي أمرهم وعقوبتهم .
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول : السوء ، الهلكة ، ويقول : كل جذام وبرص وعمى وبلاء عظيم فهو سوء ، مضموم الأول ، وإذا فتح أوله فهو مصدر : سؤت ، ومنه قولهم : رجل سوء .
واختلف أهل العربية في معنى قوله : "ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار" .
فقال بعض نحويي أهل البصرة : معنى قوله : "ومن هو مستخف بالليل" ، ومن هو ظاهر بالليل ، من قولهم : خفيت الشيء ، إذا أظهرته ، وكما قال امرؤ القيس :
فإن تكتموا الداء لا نخفه وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
وقال : وقد قرىء ( أكاد أخفيها ) ، بمعنى : أظهرها .
وقال في قوله : "وسارب بالنهار" ، السارب ، هو المتواري ، كأنه وجهه إلى أنه صار في السرب بالنهار مستخفياً .
وقال بعض نحويي البصرة والكوفة :إنما معنى ذلك : "ومن هو مستخف" ، أي مستتر بالليل ، من الاستخفاء ، "وسارب بالنهار" ، وذاهب بالنهار ،من قولهم : سربت الإبل إلى الرعي ، وذلك ذهابها إلى المراعي وخروجها إليها .
وقيل إن السروب بالعشى ، و السروح ، بالغداة .
واختلفوا أيضاً في تأنيث "معقبات" ، وهي صفة لغير الإناث .
فقال بعض نحويي البصرة : إنما أنثت لكثرة ذلك منها ، نحو : نسابة ، و علامة ، ثم ذكر لأن المعني مذكر ، فقال : "يحفظونه" .
وقال بعض نحويي الكوفة : إنما هي : ملائكة معقبة ، ثم جمعت "معقبات" ، فهو جمع جمع ،ثم قيل : "يحفظونه" .
وقد تقدم قولنا في معنى : المستخفي بالليل والسارب بالنهار .
وأما الذي ذكرناه عن نحويي البصريين في ذلك ، فقول ، وإن كان له في كلام العرب وجه ، خلاف لقول أهل التأويل . وحسبه من الدلالة على فساده ، خروجه عن قول جميعهم .
وأما : المعقبات ، فإن التعقيب ، في كلام العرب ، العود بعد البدء ، والرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه ، من قول الله تعالى : ( ولى مدبرا ولم يعقب ) ، أي : لم يرجع ، وكما قال سلامة بن جندل :
وكرنا الخيل في آثارهم رجعا كن السنابك من بدء وتعقيب
يعني : في عزو ثان عقبوا ، وكما قال طرفة :
ولقد كنت عليكم عاتبا فعقبتم بذنوب غير مر
يعني بقوله : عقبتم ، رجعتم .
وأتاها التأنيث عندنا ،وهي من صفة الحرس الذين يحرسون المستخفي بالليل والسارب بالنهار ، لأنه عني بها حرس معقبة ، ثم جمعت المعقبة فقيل "معقبات" ، فذلك جمع جمع المعقب ، و المعقب ، واحد المعقبة ، كما قال لبيد :
حتى تهجر في الرواح وهاجه طلب المعقب حقه المظلوم
و المعقبات ، جمعها . ثم قال : يحفظونه ، فرد الخبر إلى تذكير الحرس والجند .
وأما قوله : "يحفظونه من أمر الله" ، فإن أهل العربية اختلفوا في معناه .
فقال بعض نحويي الكوفة : معناه : له معقبات من أمر الله يحفظونه ، وليس من أمره يحفظونه ، إنما هو تقديم وتأخير . قال : ويكون يحفظونه ذلك الحفظ من أمر الله وبإذنه ، كما تقول للرجل : أجبتك من دعائك إياي ، وبدعائك إياي .
وقال بعض نحويي البصريين ، معنى ذلك : يحفظونه عن أمر الله ، كما قالوا : أطعمني من جوع ، وعن جوع ، و كسائي عن عري ، ومن عري .
وقد دللنا فيما مضى على أن أولى القول بتأويل ذلك أن يكون قوله : "يحفظونه من أمر الله" ، من صفة حرس هذا المستخفي بالليل ، وهي تحرسه ظناً منها أنها تدفع عنه أمر الله . فأخبر تعالى ذكره أن حرسه ذلك لا يغني عنه شيئاً إذا جاء أمره ، فقال : "وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال" .
قوله تعالى: " له معقبات " أي لله ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار، فإذا صعدت ملائكة الليل أعقبتها ملائكة النهار. وقال: ( معقبات) والملائكة ذكران لأنه جمع معقبة، يقال: ملك معقب، وملائكة معقبة، ثم معقبات جمع الجمع. وقرأ بعضهم - ( له معاقيب من بين يديه ومن خلفه). ومعاقيب جمع معقب، وقيل للملائكة معقبة على لفظ الملائكة. وقيل: أنث لكثرة ذلك منهم، نحو نسابة وعلامة ورواية، قاله الجوهري وغيره. والتعقب العود بعد البدء، قال الله تعالى: " ولى مدبرا ولم يعقب " ( النمل: 10) أي لم يرجع، وفي الحديث: " معقبات لا يخيب قائلهن - أو - فاعلهن " فذكر التسبيح والتحميد والتكبير. قال أبو الهيثم: سمين ( معقبات) لأنهن عادت مرة بعد مرة، فعل من عمل عملاً ثم عاد إليه فقد عقب. والمعقبات من الإبل اللواتي يقمن عند أعجاز الإبل المعتركات على الحوض، فإذا انصرفت ناقة دخلت مكانها أخرى. وقوله " من بين يديه " أي المستخفي بالليل والسارب بالنهار. " يحفظونه من أمر الله " اختلف في هذا الحفظ، فقيل: يحتمل أن يكون توكيل الملائكة بهم لحفظهم من الوحوش والهوام والأشياء المضرة، لطفاً منه به، فإذا جاء القدر خلوا بينه وبينه، قاله ابن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما. قال أبو مجلز: جاء رجل من مراد إلى علي فقال: احترس فإن ناساً من مراد يريدون قتلك، فقال: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه ما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبين قدر الله، وإن الأجل حصن حصينة، وعلى هذا، ( يحفظونه من أمر الله) أي بأمر الله وبإذنه، فـ ( ـمن) بمعنى الباء، وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض. وقيل: ( من) بمعنى ( عن)، بمعنى الباء، وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض. وقيل ( من) بمعنى ( عن)، أي يحفظونه عن أمر الله، وهذا قريب من الأول، أي حفظهم عن أمر الله لا من عند أنفسهم، وهذا قول الحسن، تقول: كسوته عن عري ومن عري، ومنه قوله عز وجل: " أطعمهم من جوع " ( قريش: 4) أي عن جوع. وقيل: يحفظونه من ملائكة العذاب، حتى لا تحل به عقوبة، لأن الله لا يغير ما بقوم من النعمة والعافية حتى يغيروا ما بأنفسهم بالإصرار على الكفر، فإن أصروا حان الأجل المضروب ونزلت بهم النقمة، وتزول عنهم الحفظة المعقبات. وقيل: يحفظونه من الجن، قال كعب: لولا أن الله وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتم لتخطفتكم الجن. وملائكة العذاب من أمر الله، وخصهم بأن قال: ( من أمر الله) لأنهم غير معاينين، كما قال: " قل الروح من أمر ربي " ( الإسراء: 85) أي ليس مما تشاهدونه أنتم. وقال الفراء: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره، له معقبات من أمر الله من يديه ومن خلفه يحفظونه، وهو مروي عن مجاهد وابن جريج و النخعي ، وعلى أن ملائكة العذاب والجن من أمر الله لا تقديم فيه ولا تأخير، وقال ابن جريج: إن المعنى يحفظون عليه عمله، فحذف المضاف. وقال قتادة: يكتبون أقواله وأفعاله. ويجوز إذا كانت المعقبات الملائكة أن تكون الهاء في ( له) لله عز وجل، كما ذكرنا، ويجوز أن تكون للمستخفي، فهذا قول. وقيل: ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه) يعني به النبي صلى الله عليه وسلم، أي أن الملائكة تحفظه من أعدائه، وقد جرى ذكر الرسول في قوله: ( لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر) أي سواء منكم من أسر القول ومن جهر به في أنه لا يضر النبي صلى الله عليه وسلم، بل له معقبات يحفظونه عليه السلام، ويجوز أني يرجع هذا إلى جميع الرسل، لأنه قد قال: ( ولكل قوم هاد) أي يحفظون الهادي من بين يديه ومن خلفه وهو قول رابع: أن المراد بالآية السلاطين والأمراء الذي لهم قوم من بين أيديهم ومن خلفهم يحفظونهم، فإذا جاء أمر الله لم يغنوا عنهم من الله شيئاً، قاله ابن عباس وعكرمة، وكذلك قال الضحاك : هو السلطان المحترس من أمر الله، المشرك. وقد قيل: إن في الكلام على هذا التأويل نفياً محذوفاً، تقديره: لا يحفظونه من امر الله تعالى، ذكره الماوردي . قال المهدوي : ومن جعل المعقبات الحرس فالمعنى: يحفظونه من أمر الله على ظنه وزعمه. وقيل: سواء من أسر القول ومن جهر به فله حراس وأعوان يتعاقبون عليه فيحملونه على المعاصي، ويحفظونه من أن ينجع فيه وعظ، قال القشيري : وهذا لا يمنع الرب من الإمهال إلى أن يحق العذاب، وهو إذا غير هذا العاصي ما بنفسه بطول الإصرار فيصير ذلك سبباً للعقوبة، فكأنه الذي يحل العقوبة بنفسه، فقوله: ( يحفظونه من أمر الله) أي من امتثال أمر الله. وقال عبد الرحمن بن زيد: المعقبات ما يتعاقب من أمر الله تعالى وقضائه في عباده، قال الماوردي : ومن قال بهذا القول ففي تأويل قوله: ( يحفظون من أمر الله) وجهان: أحدهما: يحفظونه من الموت ما لم يأت أجل، قاله الضحاك . الثاني: يحفظونه من الجن والهوام المؤذية، ما لم يأت قدر، - قاله أبو أمامة وكعب الأحبار - فإذا جاء المقدور خلواً عنه، والصحيح أن المعقبات الملائكة، وبه قال الحسن ومجاهد وقتادة وابن جريج، وروي عن ابن عباس، واختاره النحاس ، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار " الحديث، رواه الأئمة. وروى الأئمة عن عمرو عن ابن عباس قرأ - معقبات من بين يديه ورقباء من خلفه من أمر الله يحفظونه فهذا قد بين المعنى. وقال كنانة العدوي: دخل عثمان رضي الله تعالى عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أخبرني عن العبد كم معه من ملك؟ قال: ملك عن يمينك يكتب الحسنات وآخر عن الشمال يكتب السيئات والذي على اليمين أمير على الذي على الشمال فإذا عملت حسنة كتبت عشراً وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين أأكتب قال لا لعله يستغفر الله تعالى أو يتوب إلأيه فإذا قال ثلاثاً قال نعم أكتب أراحنا الله تعالى منه فبئس القرين هو ما أقل مراقبته لله عز وجل وأقل استحياء منا يقول الله تعالى " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " ( ق~: 18) وملكان من بين يديك ومن خلفك يقول الله تعالى ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) وملك قابض على ناصيتك فإذا تواضعت لله رفعك وإذا تجبرت على الله قصمك وملكان على شفتيك وليس يحفظان عليك إلا الصلاة على محمد وآله وملك قائم على فيك لا يدع أن تدخل الحية في فيك وملكان على عينيك فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي يتداولون ملائكة الليل على ملائكة النهار لأن ملائكة الليل ليسوا بملائكة النهار فهؤلاء عشرون ملكاً على كل آدمي وإبليس مع ابن آدم بالنهار وولده بالليل . ذكره الثعلبي . قال الحسن: المعقبات أربعة أملاك يجتمعون عند صلاة الفجر. واختيار الطبري : أن المعقبات المواكب بين أيدي الأمراء وخلفهم، والهاء في ( له) لهن، على ما تقدم. وقال العلماء رضوان الله عليهم: إن الله سبحانه جعل أوامره على وجهين: أحدهما: قضى حلوله ووقوعه بصاحبه، فذلك لا يدفعه أحد ولا يغيره. والآخر: قضى مجيئه ولم يقض حلوله ووقوعه، بل قضى صرفه بالتوبة والدعاء والصدقة والحفظ.
قوله تعالى: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يغير ما بقوم حتى يقع منهم تغيير، إما منهم أو من الناظر لهم، أو ممن هو منهم بسبب، كما غير الله بالمنهزمين يوم أحد بسبب تغيير الرماة بأتفسهم، إلى غير هذا من أمثلة الشريعة، فليس معنى الآية أنه ليس ينزل بأحد عقوبة إلا بأن يتقدم منه ذنب، بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير، كما "قال صلى الله عليه وسلم - وقد سئل أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث ". والله أعلم.
قوله تعالى: " وإذا أراد الله بقوم سوءا " أي هلاكاً وعذاباً، " فلا مرد له ". وقيل: إذا أراد بهم بلاء من أمراض وأسقام فلا مرد لبلائه. وقيل: إذا أراد الله بقوم سوءاً أعمى أبصارهم حتى يختاروا ما فيه البلاء ويعملوه، فيمشون إلى هلاكهم بأقدامهم، حتى يبحث أحدهم عن حتفة بكفه، ويسعى بقدمه إلى إراقة دمه. " وما لهم من دونه من وال " أي ملجأ، وهو معنى قول السدي . وقيل: من ناصر يمنعهم من عذابه، وقال الشاعر:
ما في السماء سوى الرحمن من وال
ووال وولي كقادر وقدير.
يخبر تعالى عن إحاطة علمه بجميع خلقه, وأنه سواء منهم من أسر قوله أو جهر به, فإنه يسمعه لا يخفى عليه شيء, كقوله: "وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى", وقال: "ويعلم ما تخفون وما تعلنون", قالت عائشة رضي الله عنها: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات, والله لقد جاءت المجادلة تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأنا في جنب البيت, وإنه ليخفى علي بعض كلامها, فأنزل الله "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير" وقوله "ومن هو مستخف بالليل" أي مختف في قعر بيته في ظلام الليل, "وسارب بالنهار" أي ظاهر ماش في بياض النهار وضيائه, فإن كليهما في علم الله على السواء, كقوله تعالى: "ألا حين يستغشون ثيابهم" الاية.
وقوله تعالى: " وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ".
وقوله: "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله" أي للعبد ملائكة يتعاقبون عليه, حرس بالليل وحرس بالنهار, يحفظونه من الأسواء والحادثات , كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر, ملائكة بالليل وملائكة بالنهار, فاثنان عن اليمين والشمال يكتبان الأعمال, صاحب اليمين يكتب الحسنات, وصاحب الشمال يكتب السيئات, وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه, واحد من ورائه وآخر من قدامه, فهو بين أربعة أملاك بالنهار, وأربعة أملاك بالليل, بدلاً حافظان وكاتبان, كما جاء في الصحيح "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار, ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر, فيصعد إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون, وتركناهم وهم يصلون". وفي الحديث الاخر "إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع, فاستحيوهم وأكرموهم" .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله" والمعقبات من الله هي الملائكة, وقال عكرمة عن ابن عباس "يحفظونه من أمر الله" قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه, فإذا جاء قدر الله خلوا عنه, وقال مجاهد: ما من عبد إلا له ملك موكل, يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام, فما منها شيء يأتيه يريده, إلا قال له الملك وراءك, إلا شيء أذن الله فيه فيصيبه.
وقال الثوري عن حبيب بن أبي ثابت, عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: "له معقبات من بين يديه ومن خلفه" قال: ذلك ملك من ملوك الدنيا, له حرس من دونه حرس, وقال العوفي عن ابن عباس: "له معقبات من بين يديه ومن خلفه" يعني ولي الشيطان يكون عليه الحرس. وقال عكرمة في تفسيرها: هؤلاء الأمراء المواكب بين يديه ومن خلفه, وقال الضحاك في الاية: هو السلطان المحروس من أمر الله, وهم أهل الشرك, والظاهر ـ والله أعلم ـ أن مراد ابن عباس وعكرمة والضحاك بهذا أن حرس الملائكة للعبد يشبه حرس هؤلاء لملوكهم وأمرائهم.
وقد روى الإمام أبو جعفر بن جرير ههنا حديثاً غريباً جداً, فقال حدثني المثنى, حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري, حدثنا علي بن جرير عن حماد بن سلمة عن عبد الحميد بن جعفر عن كنانة العدوي قال: دخل عثمان بن عفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه من ملك ؟ فقال "ملك على يمينك على حسناتك, وهو أمير على الذي على الشمال, فإذا عملت حسنة كتبت عشراً, وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين أكتبها ؟ قال: لا, لعله يستغفر الله ويتوب فيستأذنه ثلاث مرات, فإذا قال ثلاثاً, قال: اكتبها أراحنا الله منه فبئس القرين, ما أقل مراقبته لله وأقل استحياءه منا, يقول الله: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" وملكان من بين يديك ومن خلفك, يقول الله تعالى: "له معقبات من بين يديه ومن خلفه" الاية وملك قابض على ناصيتك, فإذا تواضعت لله رفعك, وإذا تجبرت على الله قصمك, وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم. وملك قائم على فيك لا يدع أن تدخل الحية في فيك, وملكان على عينيك, فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي, ينزلون ملائكة الليل على ملائكة النهار, لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار, فهؤلاء عشرون ملكاً على كل آدمي, وإبليس بالنهار وولده بالليل".
وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا أسود بن عامر, حدثنا سفيان, حدثني منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه, عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة" قالوا: وإياك يارسول الله ؟ قال: "وإياي, ولكن الله أعانني عليه, فلا يأمرني إلا بخير", انفرد بإخراجه مسلم. وقوله: "يحفظونه من أمر الله" قيل: المراد حفظهم له من أمر الله, رواه علي بن أبي طلحة وغيره عن ابن عباس, وإليه ذهب مجاهد وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وغيرهم. وقال قتادة: "يحفظونه من أمر الله" قال: وفي بعض القراءات يحفظونه بأمر الله, وقال كعب الأحبار: لو تجلى لابن لادم كل سهل وكل حزن, لرأى كل شيء من ذلك شياطين, لولا أن الله وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذاً لتخطفتم. وقال أبو أمامة: ما من آدمي ومعه ملك يذود عنه حتى يسلمه للذي قدر له, وقال أبو مجلز: جاء رجل من مراد إلى علي رضي الله عنه وهو يصلي فقال: احترس: فإن ناساً من مراد يريدون قتلك, فقال: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر, فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه, إن الأجل جنة حصينة.
وقال بعضهم "يحفظونه من أمر الله" بأمر الله, كما جاء في الحديث أنهم قالوا: يا رسول الله, أرأيت رقى نسترقي بها, هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ فقال "هي من قدر الله". وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا حفص بن غياث عن أشعث عن جهم, عن إبراهيم قال: أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل: أن قل لقومك: إنه ليس من أهل قرية ولا أهل بيت يكونون على طاعة الله فيتحولون منها إلى معصية الله, إلا حول الله عنهم ما يحبون إلى ما يكرهون, ثم قال: إن تصديق ذلك في كتاب الله "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". وقد ورد هذا في حديث مرفوع, فقال الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتابه صفة العرش: حدثنا الحسن بن علي, حدثنا الهيثم بن الأشعث السلمي, حدثنا أبو حنيفة اليماني الأنصاري عن عمير بن عبد الملك قال: خطبنا علي بن أبي طالب على منبر الكوفة قال: كنت إذا أمسكت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأني, وإذا سألته عن الخبر أنبأني, وإنه حدثني عن ربه عز وجل قال: "قال الرب: وعزتي وجلالي وارتفاعي فوق عرشي, ما من قرية ولا أهل بيت كانوا على ما كرهت من معصيتي ثم تحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي, إلا تحولت لهم عما يكرهون من عذابي إلى ما يحبون من رحمتي", وهذا غريب, وفي إسناده من لا أعرفه.
11- "له معقبات" الضمير في له راجع إلى من في قوله: من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف: أي لكل من هؤلاء معقبات، والمعقبات المتناوبات التي يخلف كل واحد منها صاحبه ويكون بدلاً منه، وهم الحفظة من الملائكة في قول عامة المفسرين. قال الزجاج: المعقبات ملائكة يأتي بعضهم بعقب بعض، وإنما قال: معقبات مع كون الملائكة ذكوراً لأن الجماعة من الملائكة يقال لها معقبة، ثم جمع معقبة على معقبات: ذكر معناه الفراء، وقيل أنث لكثرة ذلك منهم نحو نسابة وعلامة. قال الجوهري: والتعقب العود بعد البدء. قال الله تعالى: "ولى مدبراً ولم يعقب" وقرئ معاقيب جمع معقب "من بين يديه ومن خلفه" أي من بين يدي من له المعقبات والمراد إن الحفظة من الملائكة من جميع جوانبه، وقيل المراد بالمعقبات الأعمال، ومعنى من بين يديه ومن خلفه: ما تقدم منها وما تأخر "يحفظونه من أمر الله" أي من أجل أمر الله. وقيل يحفظونه من يأس الله إذا أذنب بالاستمهال له والاستغفار حتى يتوب. قال الفراء: في هذا قولان: أحدهما أنه على التقديم والتأخير، تقديره: له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه. والثاني أن كون الحفظة يحفظونه هو مما أمر الله به. قال الزجاج: المعنى حفظهم إياه من أمر الله: أي مما أمرهم به لا أنهم يقدرون أن يدفعوا أمر الله. قال ابن الأنباري: وفي هذا قول آخر. وهو أن من بمعنى الباء: أي يحفظونه بأمر الله، وقيل إن من بمعنى عن: أي يحفظونه عن أمر الله بمعنى من عند الله، لا من عند أنفسهم، كقوله: "أطعمهم من جوع" أي عن جوع، وقيل يحفظونه من ملائكة العذاب، وقيل يحفظونه من الجن. واختار ابن جرير أن المعقبات المواكب بين أيدي الأمراء. على معنى أن ذلك لا يدفع عنه القضاء "إن الله لا يغير ما بقوم" من النعمة والعافية "حتى يغيروا ما بأنفسهم" من طاعة الله. والمعنى: أنه لا يسلب قوماً نعمة أنعم بها عليهم حتى يغيروا الذي بأنفسهم من الخير والأعمال الصالحة، أو يغيروا الفطرة التي فطرهم الله عليها. قيل وليس المراد أنه لا ينزل بأحد من عباده عقوبة حتى يتقدم له ذنب، بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير كما في الحديث إنه "سأل رسول الله سائل فقال: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث"، "وإذا أراد الله بقوم سوءاً" أي هلاكاً وعذاباً "فلا مرد له" أي فلا رد له، وقيل المعنى: إذا أراد الله بقوم سوءاً أعمى قلوبهم حتى يختاروا ما فيه البلاء "وما لهم من دونه من وال" يلي أمرهم يلتجئون إليه، فيدفع عنهم ما ينزل بهم من الله سبحانه من العقاب، أو من ناصر ينصرهم ويمنعهم من عذاب الله. والمعنى: أنه لا راد لعذاب الله ولا ناقض لحكمه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: "وإن تعجب فعجب قولهم" قال: إن تعجب يا محمد من تكذيبهم إياك فعجب قولهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في الآية قال: إن تعجب يا محمد من تكذيبهم، وهم رأوا من قدرة الله وأمره، وما ضرب لهم من الأمثال وأراهم من حياة الموتى والأرض الميتة " فعجب قولهم أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد " أو لا يرون أنه خلقهم من نطفة، فالخلق من نطفة أشد من الخلق من تراب وعظام. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "وقد خلت من قبلهم المثلات" قال: العقوبات. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في المثلات قال: وقائع الله في الأمم فيمن خلا قبلكم. وأخرج ابن ابي حاتم عن ابن عباس قال: المثلات ما أصاب القرون الماضية من العذاب. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب قال: لما نزلت هذه الآية "وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ لأحد العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل أحد". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس "ولكل قوم هاد" قال: داع. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "إنما أنت منذر ولكل قوم هاد" قال: المنذر محمد صلى الله عليه وسلم: "ولكل قوم هاد" نبي يدعوهم إلى الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: محمد المنذر والهادي الله عز وجل. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن جرير عن مجاهد نحوه أيضاً. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المنذر وهو الهادي. وأخرج ابن جرير عن عكرمة وأبي الضحى نحوه. وأخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة والديلمي وابن عساكر وابن النجار عن ابن عباس قال: لما نزلت "إنما أنت منذر ولكل قوم هاد" "وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال: أنا المنذر، وأومأ بيده إلى منكب علي فقال: أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي" قال ابن كثير في تفسيره: وهذا الحديث فيه نكارة شديدة. وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه. وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب في الآية نحوه أيضاً. وأخرج ابن جرير عن الضحاك "الله يعلم ما تحمل كل أنثى" قال: كل أنثى من خلق الله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في الآية قال: يعلم ذكراً هو أو أنثى "وما تغيض الأرحام" قال: هي المرأة ترى الدم في حملها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "وما تغيض الأرحام" قال: خروج الدم "وما تزداد" قال: استمساكه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "وما تغيض الأرحام" قال: أن ترى الدم في حملها "وما تزداد" قال: في التسعة أشهر، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عنه في الآية قال: ما تزداد على تسعة، وما تنقص من التسعة. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عنه أيضاً في الآية "ما تغيض الأرحام" قال: السقط "وما تزداد" ما زادت في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماماً. وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر، ومنهن من تحمل تسعة أشهر، ومنهن من تنقص. فذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله، وكل ذلك يعلمه تعالى. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "عالم الغيب والشهادة" قال: السر والعلانية. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في قوله: "ومن هو مستخف بالليل" قال: راكب رأسه من المعاصي "وسارب بالنهار" قال: ظاهر بالنهار بالمعاصي. وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس "وسارب بالنهار" قال: الظاهر، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: هو صاحب ريبة مستخف بالليل، وإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه بريء من الإثم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء بن يسار عن ابن عباس أن سبب نزول الآية قدوم عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصة المشهورة، وأنه لما أصيب عامر بن الطفيل بالغدة نزل قوله تعالى: "الله يعلم ما تحمل كل أنثى" إلى قوله: "معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله" قال: المعقبات من أمر الله يحفظون محمداً صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر أربد بن قيس وما قتله، فقال: "هو الذي يريكم البرق" إلى قوله: "وهو شديد المحال". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "معقبات" الآية قال هذه للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه "يحفظونه من أمر الله" قال: ذلك الحفظ من أمر الله بأمر الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً "من أمر الله" قال: بإذن الله. وأخرج ابن جرير عن قتادة مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: ولي السلطان يكون عليه الحراس يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، يقول: يحفظونه من أمري، فإني إذا أردت بقوم سوءاً فلا مرد له. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في الآية قال: الملوك يتخذون الحرس يحفظونه من أمامه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله يحفظونه من القتل، ألم تسمع أن الله يقوله: "إذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له" أي إذا أراد سوءاً لم يغن الحرس عنه شيئاً. وأخرج ابن جرير عن عكرمة في الآية قال: هؤلاء الأمراء. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: هم الملائكة تعقب بالليل تكتب على ابن آدم. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خلوا عنه. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن علي في الآية قال: ليس من عبد إلا ومعه ملائكة يحفظونه من أن تقع عليه حائط، أو ينزوي في بئر، أو يأكله سبع أو غرق أو حرق، فإذا جاء القدر خلواً بينه وبين القدر، وقد ورد في ذكر الحفظة الموكلين بالإنسان أحاديث كثيرة مذكورة في كتب الحديث.
11- "له معقبات"، أي: لله تعالى ملائكة يتعاقبون فيكم بالليل والنهار، فإذا صعدت ملائكة الليل جاء في عقبها ملائكة النهار، وإذا صعدت ملائكة النهار جاء في عقبها ملائكة الليل.
والتعقيب: العود بعد البدء، وإنما ذكر بلفظ التأنيث لأن واحدها معقب، وجمعه معقبة، ثم جمع الجمع معقبات، كما قيل: ابناوات سعد ورجالات بكر.
أخرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصالة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم -وهو أعلم بهم-: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون".
قوله تعالى: "من بين يديه ومن خلفه"،يعني: من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار، ومن خلفه: من وراء ظهره، "يحفظونه من أمر الله"، يعني: بأمر الله، أي: يحفظونه بإذن الله تعالى ما لم يجيء المقدور، فإذا جاء المقدور خلوا عنه.
وقيل: يحفظونه من أمر الله: أي مما أمر الله به من الحفظ عنه.
قال مجاهد: ما من عبد إلا وله ملك موكل به، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منهم شيء يأتيه يريده إلا قال ورءك! إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه.
قال كعب الأحبار: لولا أن الله عز وجل وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفكم الجن.
وقال عكرمة: الآية في الأمراء وحرسهم يحفظونه من بين أيديهم ومن خلفهم.
وقيل: الآية في الملكين القاعدين عن اليمين وعن الشمال يكتبان الحسنات والسيئات، كما قال الله تعالى: "إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد" (ق-17).
قال ابن جريج: معنى يحفظونه أي: يحفظون عليه أعماله من أمر الله، يعني: الحسنات والسيئات.
وقيل: الهاء في قوله "له": راجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
روى جؤيبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال: له معقبات يعني لمحمد صلى الله عليه وسلم حراس من الرحمن من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله، يعني: من شر الجن وطوارق الليل والنهار.
وقال عبد الرحمن بن زيد: نزلت هذه الآيات في عامر بن الطفيل، وأربد بن ربيعة، وكانت قصتهما على ما روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة، وهما عامريان، يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالس في المسجد في نفر من أصحابه، فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور وكان من أجل الناس.
فقال رجل: يا رسول الله، هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك، فقال: دعه فإن يرد الله به خيرا يهده.
فأقبل حتى قام عليه، فقال: يا محمد مالي إن أسلمت؟
قال: لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين.
قال: تجعل لي الأمر بعدك.
قال: ليس ذلك إلي، إنما ذلك إلى الله عز وجل، يجعله حيث يشاء.
قال: فتجعلني على الوبر وأنت على المدر، قال: لا.
قال: فلماذا تجعل لي؟.
قال: أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها.
قال: أو ليس ذلك إلى اليوم؟ قم معي أكلمك. فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان عامر أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف، فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه فدار أربد من خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه، فاخترط من سيفه شبرا، ثم حبسه الله تعالى عنه، فلم يقدر على سله، وجعل عامر يومئ إليه، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما صنع بسيفه، فقال: اللهم أكفنيهما بما شئت.
فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صحو قائظ فأحرقته، وولى عامر هاربا وقال: يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يمنعك الله تعالى من ذلك، وأبناء قيلة يريد: الأوس والخزرج.
فنزل عامر بيت امرأة سلولية، فلما أصبح ضم عليه سلاحه وقد تغير لونه، فجعل يركض في الصحراء، ويقول: ابرز يا ملك الموت، ويقول الشعر، ويقول واللات والعزى لئن أبصرت محمدا وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذنهما برمحي، فأرسل الله إليه ملكا فلطمه بجناحه فأرداه في التراب وخرجت على ركبتيه في الوقت غدة عظيمة، فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية. ثم دعا بفرسه فركبه ثم أجراه حتى مات على ظهره فأجاب الله دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل عامر بن الطفيل بالطعن وأربد بالصاعقة، وأنزل الله عز وجل في هذه القصة قوله: " سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار * له معقبات من بين يديه "، يعني لرسول الله صلى الله عليه وسلم معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من أمر الله.
يعني تلك المعقبات من أمر الله، وفيه تقديم وتأخير.
وقال لهذين: "إن الله لا يغير ما بقوم"، من العافية والنعمة، "حتى يغيروا ما بأنفسهم". من الحال الجميلة فيعصوا ربهم.
"وإذا أراد الله بقوم سوءاً"، أي: عذابا وهلاكا "فلا مرد له" أي: لا راد له "وما لهم من دونه من وال"، أي: ملجأ يلجؤون إليه. وقيل: وال يلي أمرهم ويمنع العذاب عنهم.
11."له" لمن أسر أو جهر أو استخفى أو سرب."معقبات"ملائكة تعتقب في حفظه، جمع معقبة من عقبه مبالغة عقبه إذا جاء على عقبه كأن بعضهم يعقب بعضاً، أو لأنههم يعقبون أقواله وأفعاله فيكتبونها ، أو اعتقب فأدغمت التاء في القاف والتاء للمبالغة، أو لأن المراد بالمعقبات جماعات ، وقرئ معاقيب جمع معقب أو معقبة على تعويض الياء من حذف إحدى القافين . "من بين يديه ومن خلفه"من جوانبه أو من الأعمال ما قدم وأخر . "يحفظونه من أمر الله " من بأسه متى أذنب بالاستمهال أو الاستغفار له ، أو يحفظونه من المضار أو يراقبون أحوال من أجل أمر الله تعالى . وقد قرئ به وقيل من بمعنى الباء .وقيل من أمر الله صفة ثانية لـ"معقبات" . وقيل المعقبات الحرس والجلاوزة حول السلطان يحفظونه في توهمه من قضاء الله تعالى ."إن الله لا يغير ما بقوم "من العافية والنعمة . "حتى يغيروا ما بأنفسهم "من الأحوال الجملية بالأحوال القبيحة "وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له"فلا راد له فالعامل في"إذا"ما دل عليه الجواب ." وما لهم من دونه من وال "ممن يلي آمرهم فيدفع عنهم السوء ، وفيه دليل على أن خلاف مراد الله تعالى محال.
11. For him are angels ranged before him and behind him who guard him by Allah's command. Lo! Allah changeth not the condition of a folk until they (first) change that which is in their hearts; and if Allah willeth misfortune for a folk there is none that can repel it, nor have they a defender beside Him.
11 - For each (such person) there are (angels) in succession, before and behind him: they guard him by command of God. verily never will God change the condition of a people until they change it themselves (with their own souls). but when (once) God willeth a people's punishment, there can be no turning it back, nor will they find, besides him, any to protect