11 - (بل كذبوا بالساعة) القيامة (وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا) نارا مسعرة أي مشتدة
يقول تعالى ذكره : ما كذب هؤلاء المشركون بالله ، و أنكروا ما جئتهم به يا محمد من الحق ، من أجل أنك تأكل الطعام ، و تمشي في الأسواق ، و لكن من أجل أنهم لا يوقنون بالمعاد ، و لا يصدقون بالثواب و العقاب ، تكذيبا منهم بالقيامة ، و بعث الله الأموات أحياء لحشر القيامة . و أعتدنا : يقول : و أعددنا لمن كذب ببعث الله الأموات أحياء بعد فنائهم لقيام الساعة ، نارا تسعر عليهم ، و تتقد إذا رأتهم من مكان بعيد ، يقول : إذا رأت هذه النار التي أعتدناها لهؤلاء المكذبين ، أشخاصهم من مكان بعيد ، تغيظت عليهم ، و ذلك أن تغلي و تفور ، يقال ك فلان تغيط على فلان ، و ذلك إذ غضب عليه ، فغلى صدره من الغضب عليه ، و تبين في كلامه ، وزفيرا ، هو صوتها .
فإن قال قائل : و كيف قيل " سمعوا لها تغيظا " و التغيظ : لا يسمع ؟ قيل : معنى ذلك : سمعوا لها صوت التغيظ ، من التلهب والتوقد ، كما :
حدثني محمود بن خداش ، قال : ثنا محمد بن يزيد الواسطي ، قال : ثنا أصبع بن زيد الوراق ، عن خالد بن كثير ، عن فديك ، عن رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم ، قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من يقول علي ما لم أقل فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا قالوا : يا رسول الله ، و هل لها من عين ؟ قال : ألم تسمعوا إلى قول الله " إذا رأتهم من مكان بعيد " " ... الآية .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر في قوله " سمعوا لها تغيظا و زفيرا " .
قال : أخبرني المنصور بن المعتمر ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير ، قال : إن جهنم لتزفر زفرة لا يلقى ملك و لا نبي إلا خر ترعد فرائصه حتى إن إبراهيم ليجثو على ركبتيه ، فيقول : يا رب لا أسألك اليوم إلا نفسي .
حدثن أحمد بن إبراهيم الدورقي ، قال ك ثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل نعن أبي يحيى ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : إن الرجل ليجر إلى النار ، فتنزوي ، و ينقبض بعضها إلى بعض ، فيقول لها الرحمن : ما لك ؟ فتقول : إنه ليستجير مني ، فيقول : أرسلوا عبدي ، و إن الرجل ليجر إلى النار ، فيقول : يا رب ما كان هذا الظن بك ، فيقول : فما كان ظنك ؟ فيقول : أن تسغني رحمتك ، قال : فيقول أرسلوا عبدي . و إن الرجل ليجر إلى النار ، فتشهق إليه النار شهوق البغلة إلى الشعير ، و تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف .
قوله تعالى : " بل كذبوا بالساعة " يريد يوم القيامة . " وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيراً " يريد جهنم تتلظى عليهم " إذا رأتهم من مكان بعيد " أي من مسيرة خمسمائة عام . " سمعوا لها تغيظاً وزفيراً " قيل : المعنى إذا رأيتهم جهنم سمعوا لها صوت التغيظ عليهم . وقيل : المعنى إسيذا رأتهم خزانها سمعوا لهم تغيضاً وزفيراً حرصاً على عذابهم . والأول أصح ، لما روي مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كذب علي متعمداً فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً " قيل : يا رسول الله ولها عينان ؟ قال : ( أما سمعتم الله عز وجل يقول .
يخبر تعالى عن تعنت الكفار وعنادهم وتكذيبهم للحق بلا حجة ولا دليل منهم, وإنما تعللوا بقولهم " مال هذا الرسول يأكل الطعام " يعنون كما نأكله ويحتاج إليه كما نحتاج إليه "ويمشي في الأسواق" أي يتردد فيها وإليها طلباً للتكسب والتجارة "لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً" يقولون: هلا أنزل إليه ملك من عند الله فيكون له شاهداً على صدق ما يدعيه, وهذا كما قال فرعون " فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين " وكذلك قال هؤلاء على السواء تشابهت قلوبهم, ولهذا قالوا "أو يلقى إليه كنز" أي علم كنز ينفق منه "أو تكون له جنة يأكل منها" أي تسير معه حيث سار, وهذا كله سهل يسير على الله ولكن له الحكمة في ترك ذلك وله الحجة البالغة "وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً" قال الله تعالى: "انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا" أي جاءوا بما يقذفونك به ويكذبون به عليك من قولهم ساحر مسحور مجنون كذاب شاعر, وكلها أقوال باطلة, كل أحد ممن له أدنى فهم وعقل يعرف كذبهم وافتراءهم في ذلك, ولهذا قال "فضلوا" عن طريق الهدى "فلا يستطيعون سبيلاً" وذلك أن كل من خرج عن الحق وطريق الهدى, فإنه ضال حيثما توجه, لأن الحق واحد ومنهجه متحد يصدق بعضه بعضاً.
ثم قال تعالى مخبراً نبيه أنه إن شاء لاتاه خيراً مما يقولون في الدنيا وأفضل وأحسن, فقال "تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك" الاية, قال مجاهد : يعني في الدنيا, قال: وقريش يسمون كل بيت من حجارة قصراً كبيراً كان أو صغيراً, قال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن خيثمة : " قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم نعطه نبياً قبلك, ولا نعطي أحداً من بعدك ولا ينقص ذلك مما لك عند الله, فقال : اجمعوها لي في الاخرة" فأنزل الله عز وجل في ذلك "تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك" الاية.
وقوله "بل كذبوا بالساعة" أي إنما يقول هؤلاء هكذا تكذيباً وعناداً لا أنهم يطلبون ذلك تبصراً واسترشاداً بل تكذيبهم بيوم القيامة يحملهم على قول ما يقولونه من هذه الأقوال "وأعتدنا" أي أرصدنا "لمن كذب بالساعة سعيراً" أي عذاباً أليماً حاراً لا يطاق في نار جهنم. قال الثوري عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير "السعير" واد من قيح جهنم. وقوله "إذا رأتهم" أي جهنم "من مكان بعيد" يعني في مقام المحشر. قال السدي : من مسيرة مائة عام "سمعوا لها تغيظاً وزفيراً" أي حنقاً عليهم, كما قال تعالى: " إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور * تكاد تميز من الغيظ " أي يكاد ينفصل بعضها عن بعض من شدة غيظها على من كفر بالله.
وروى ابن أبي حاتم : حدثنا إدريس بن حاتم بن الأحنف الواسطي أنه سمع محمد بن الحسن الواسطي عن أصبغ بن زيد عن خالد بن كثير , عن خالد بن دريك بإسناده عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال رسول الله: من يقل علي ما لم أقل, أو ادعى إلى غير والديه, أو انتمى إلى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار ـ وفي رواية ـ فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً . قيل: يا رسول الله وهل لها من عينين ؟ قال : أما سمعتم الله يقول "إذا رأتهم من مكان بعيد" الاية " , ورواه ابن جرير عن محمد بن خداش عن محمد بن يزيد الواسطي به. وقال أيضاً: حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي , حدثنا أبو بكر بن عياش عن عيسى بن سليم عن أبي وائل قال: خرجنا مع عبد الله يعني ابن مسعود ومعنا الربيع بن خيثم , فمروا على حداد, فقام عبد الله ينظر إلى حديدة في النار, ونظر الربيع بن خيثم إليها, فتمايل الربيع ليسقط, فمر عبد الله على أتون على شاطىء الفرات, فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه, قرأ هذه الاية "إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً" فصعق, يعني الربيع , وحملوه إلى أهل بيته, فرابطه عبد الله إلى الظهر, فلم يفق رضي الله عنه.
وحدثنا أبي , حدثنا عبد الله بن رجاء , حدثنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن العبد ليجر إلى النار فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشعير, ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف, هكذا رواه ابن أبي حاتم بأسناده مختصراً, وقد رواه الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي , حدثنا عبيد الله بن موسى , أخبرنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن الرجل ليجر إلى النار فتنزوي وتنقبض بعضها إلى بعض, فيقول لها الرحمن: ما لك ؟ قالت: إنه يستجير مني, فيقول: أرسلوا عبدي, وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يا رب ما كان هذا الظن بك, فيقول: فما كان ظنك ؟ فيقول: أن تسعني رحمتك, فيقول: أرسلوا عبدي, وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهقة البغلة إلى الشعير, وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف, وهذا إسناد صحيح.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله "سمعوا لها تغيظاً وزفيراً" قال: إن جهنم لتزفر زفرة لايبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر لوجهه ترتعد فرائصه, حتى إن إبراهيم عليه السلام ليجثو على ركبتيه ويقول: رب لاأسألك اليوم إلا نفسي. وقوله " وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين " قال قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال: مثل الزج في الرمح, أي من ضيقه, وقال عبد الله بن وهب : أخبرني نافع بن يزيد عن يحيى بن أبي أسيد يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, " أنه سئل عن قول الله "وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين" قال : والذي نفسي بيده, إنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط " .
وقوله "مقرنين" قال أبو صالح : يعني مكتفين "دعوا هنالك ثبوراً" أي بالويل والحسرة والخيبة " لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا " الاية. روى الإمام أحمد : حدثنا عفان , حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن أنس بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أول من يكسى حلة من النار إبليس, فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من بعده, وهو ينادي ياثبوراه, وينادون ياثبورهم حتى يقفوا على النار, فيقول يا ثبوراه ويقولون ياثبورهم, فيقال لهم لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً, وادعوا ثبوراً كثيراً" لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة. ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان عن عفان به, ورواه ابن جرير من حديث حماد بن سلمة به. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله " لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا " الاية, أي لاتدعوا اليوم ويلاً واحداً, وادعوا ويلاً كثيراً, وقال الضحاك : الثبور الهلاك, والأظهر أن الثبور يجمع الهلاك والويل والخسار والدمار, كما قال موسى لفرعون " وإني لأظنك يا فرعون مثبورا " أي هالكاً. وقال عبد الله بن الزبعري :
إذ أجاري الشيطان في سنن الغـ ـي ومن مال ميله مثبور
11- "بل كذبوا بالساعة" أي بل أتوا بأعجب من ذلك كله. وهو تكذيبهم بالساعة، فلهذا لا ينتفعون بالدلائل ولا يتأملون فيها. ثم ذكر سبحانه ما أعده لمن كذب بالساعة فقال: "وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيراً" أي ناراً مشتعلة متسعرة، والجملة في محل نصب على الحال: أي بل كذبوا بالساعة، والحال أنا أعتدنا. قال أبو مسلم: أعتدنا: أي جعلناه عتيداً ومعداً لهم.
قوله عز وجل: 11- "بل كذبوا بالساعة"، بالقيامة، "وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيراً"، ناراً مستعرة.
11ـ " بل كذبوا بالساعة " فقصرت أنظارهم على الحطام الدنيوية وظنوا أن الكرامة إنما هي بالمال فطعنوا فيك لفقرك ، أو فلذلك كذبوك لا لما تمحلوا من المطاعن الفاسدة ، أو فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب ويصدقونك بما وعد الله لك في الآخرة ، أو فلا تعجب من تكذيبهم إياك فإنه أعجب منه . " وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيراً " ناراً شديدة الاستعار ، وقيل هو اسم لجهنم فيكون صرفه باعتبار المكان .
11. Nay, but they deny (the coming of) the Hour, and for those who deny (the coming of) the Hour We have prepared a Same.
11 - Nay, they deny the Hour (of the Judgment to come): but We have prepared a Blazing Fire for such as deny the Hour: