11 - (قل) لهم (يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) أي يقبض أرواحكم (ثم إلى ربكم ترجعون) أحياء فيجازيكم بأعمالكم
يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله: يتوفاكم ملك الموت، يقول: يستوفي عددكم بقبض أرواحكم ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم، ومنه قول الراجز:
إن بني الأدرم ليسوا من أحد ولا توفاهم قريش في العدد
" ثم إلى ربكم ترجعون " يقول: من بعد قبض ملك الموت أرواحكم إلى ربكم يوم القيامة، تردون أحياء كهيئتهم قبل وفاتكم فيجازي المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم " قال: ملك الموت يتوفاكم، ومعه أعوان من الملائكة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله " يتوفاكم ملك الموت " قال: حويت له الأرض، فجعلت له مثل الطست يتناول منها حين يشاء.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، بنحوه.
فيه مسألتين: الأولى: قوله تعالى: "قل يتوفاكم ملك الموت" لما ذكر استبعادهم للبعث ذكر توفيهم وأنه يعيدهم. "يتوفاكم" من توفى العدد والشيء إذا استوفاه وقبضه جميعاً. يقال: توفاه الله أي استوفى روحه ثم قبضه. وتوفيت مالي من فلان أي استوفيته. "ملك الموت" واسمه عزرائيل ومعناه عبد الله، كما تقدم في البقرة. وتصرفه كله بأمر الله تعالى وبخلقه واختراعه. وروي في الحديث: "أن البهائم كلها يتوفى الله أرواحها دون ملك الموت" كأنه يعدم حياتها، ذكره ابن عطية.
قلت: وقد روي خلافه، وأن ملك الموت يتوفى أرواح جميع الخلائق حتى البرغوث والبعوضة. روى جعفر بن محمد عن أبيه قال:النبي صلى الله عليه وسلم: "ارفق بصاحبي فإنه مؤمن" فقال ملك الموت عليه السلام: يا محمد، طب نفساً وقر عيناً فإني بكل مؤمن رفيق. واعلم كل يوم خمس مرات حتى لأنا أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم. والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها. قال جعفر بن محمد بن علي: بلغني أنه يتصفحهم عند مواقيت الصلوات، ذكره الماوردي. وذكر الخطيب أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي قال: حدثني أبو محمد الحسن بن محمد الخلال قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن عثمان الصفار قال حدثنا أبو بكر حامد المصري قال حدثنا يحيى بن أيوب العلاف قال حدثنا سليمان بن مهير الكلابي قال: حضرت مالك بن أنس رضي الله عنه فأتاه رجل فسأله: أبا عبد الله، البراغيث أملك الموت يقبض أرواحها، " الله يتوفى الأنفس حين موتها" الزمر:42. وقال ابن عطية بعد ذكره الحديث: وكذلك الأمر في بني آدم، إلا إنه نوع شرف بتصرف ملك وملائكة معه في قبض أرواحهم. فخلق الله تعالى ملك الموت وخلق على يديه قبض الأرواح، واستلالها من الأجسام وإخراجها منها. وخلق الله تعالى جنداً يكونون معه يعلمون عمله بأمره، فقال تعالى: "ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة" الأنفال: 50 ، وقال تعالى: "توفته رسلنا" وقد مضى هذا المعنى في الأنعام. والبارئ خالق الكل، الفاعل حقيقة لكل فعل، قال الله تعالى: "الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها". "الذي خلق الموت والحياة" الملك:2 . "يحيي ويميت". فلملك الموت يقبض والأعوان يعالجون والله تعالى يزهق الروح. وهذا هو الجمع بن الآي والحديث، لكنه لما كان ملك الموت متولي ذلك بالوساطة والمباشرة أضيف التوفي إليه كما أضيف الخلق للملك، كما تقدم في الحج. وروي عن مجاهد أن الدنيا بين يدي ملك الموت كالطست بين يدي الإنسان يأخذ من حيث شاء وقد روي هذا المعنى مرفوعاً، وقد ذكرناه في كتاب التذكرة. وروي أن ملك الموت لما وكله الله تعالى بقبض الأرواح قال: رب جعلتني أذكر بسوء ويشتمني بنو آدم. فقال الله تعالى له: إني أجعل للموت عللاً وأسباباً من الأمراض والأسقام ينسبون الموت إليها فلا يذكرك أحد إلا بخير. وقد ذكرناه في التذكرة مستوفى - وقد ذكرنا أنه يدعو الأرواح فتجيئه ويقبضها، ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة أو العذاب - بما فيه شفاء لمن أراد الوقوف على ذلك.
الثانية: استدل بهذه الآية بعض العلماء على جواز الوكالة من قوله: "وكل بكم" أي يقبض الأرواح. قال ابن العربي: وهذا أخذ من لفظه لا من معناه، ولو اطرد ذلك لقلنا في قوله تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا" الأعراف:158 : إنها نيابة عن الله تبارك وتعالى ووكالة في تبليغ رسالته، ولقلنا أيضاً في قوله تبارك وتعالى: "آتوا الزكاة" البقرة:43 إنه وكالة، فإن الله تعالى ضمن الرزق لكل دابة وخص الأغنياء بالأغذية وأوعز إليهم بأن رزق الفقراء عندهم، وأمر بتسليمه إليهم مقداراً معلوماً في وقت معلوم، دبره بعلمه، وأنفذه من حكمه، وقدره بحكمته. والأحكام لا تتعلق بالألفاظ إلا أن ترد على موضوعاتها الأصلية في مقاصدها المطلوبة، فإن ظهرت في غير مقصدها لم تعلق عليها. ألا ترى أن البيع والشراء معلوم اللفظ والمعنى، وقد قال تعالى: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" ولا يقال: هذه الآية دليل على جواز مبابعة السيد لعبده، لأن المقصدين مختلفان. أما إنه إذا لم يكن بد من المعاني فيقال: إن هذه الآية دليل على أن للقاضي أن يستنيب من يأخذ الحق ممن هو عليه قسراً دون أن يكون له في ذلك فعل، أو يرتبط به رضاً إذا وجد ذلك.
يقول تعالى مخبراً عن المشركين في استبعادهم المعاد حيث قالوا " أإذا ضللنا في الأرض " أي تمزقت أجسامنا وتفرقت في أجزاء الأرض وذهبت " أإنا لفي خلق جديد " أي أإنا لنعود بعد تلك الحال ؟ يستعبدون ذلك , وهذا إنما هو بعيد بالنسبة إلى قدرتهم العاجزة لا بالنسبة إلى قدرة الذي بدأهم وخلقهم من العدم, الذي إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون, ولهذا قال تعالى: "بل هم بلقاء ربهم كافرون" ثم قال تعالى: "قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم" الظاهر من هذه الاية أن ملك الموت شخص معين من الملائكة, كما هو المتبادر من حديث البراء المتقدم ذكره في سورة إبراهيم, وقد سمي في بعض الاثار بعزرائيل وهو المشهور, قاله قتادة وغير واحد وله أعوان, وهكذا ورد في الحديث أن أعوانه ينتزعون الأرواح من سائر الجسد حتى إذا بلغت الحلقوم وتناولها ملك الموت, قال مجاهد : حويت له الأرض فجعلت مثل الطست يتناول منها متى يشاء, ورواه زهير بن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه مرسلاً, وقاله ابن عباس رضي الله عنهما.
وروى ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا يحيى بن أبي يحيى المقري , حدثنا عمر بن سمرة عن جعفر بن محمد قال: سمعت أبي يقول: " نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن فقال ملك الموت: يا محمد طب نفساً وقر عيناً, فإني بكل مؤمن رفيق, واعلم أن ما في الأرض بيت مدر ولا شعر في بر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات, حتى إني أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم,والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الامر بقبضها " . قال جعفر : بلغني أنه إنما يتصفحهم عند مواقيت الصلاة, فإذا حضرهم عند الموت فإن كان ممن يحافظ على الصلاة دنا منه الملك ودفع عنه الشيطان, ولقنه الملك لا إله إلا الله محمد رسول الله في تلك الحال العظيمة. وقال عبد الرزاق : حدثنا محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة قال سمعت مجاهداً يقول: " ما على ظهر الأرض من بيت شعر أو مدر إلا وملك الموت يطوف به كل يوم مرتين " . وقال كعب الأحبار : والله ما من بيت فيه أحد من أهل الدنيا إلا وملك الموت يقوم على بابه كل يوم سبع مرات ينظر هل فيه أحد أمر أن يتوفاه, رواه ابن أبي حاتم . وقوله تعالى: "ثم إلى ربكم ترجعون" أي يوم معادكم وقيامكم من قبوركم لجزائكم.
ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم الحق ويرد عليهم ما زعموه من الباطل، فقال: 11- "قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم" يقال: توفاه الله واستوفى روحه إذا قبضه إليه، وملك الموت هو عزرائيل، ومعنى وكل بكم: وكل بقبض أرواحكم عند حضور آجالكم "ثم إلى ربكم ترجعون" أي تصيرون إليه أحياء بالبعث والنشور لا إلى غيره، فيجازيكم بأعمالكم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "يدبر الأمر" الآية قال: هذا في الدنيا تعرج الملائكة في يوم مقداره ألف سنة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه في قوله: "في يوم كان مقداره ألف سنة". قال: من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه عن عبد الله بن أبي مليكة قال: دخلت على عبد الله بن عباس أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان، فقال له ابن فيروز: يا أبا عباس. قوله: "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة" فكأن ابن عباس اتهمه فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ قال: إنما سألتك لتخبرني، فقال ابن عباس: هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما، وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم، فضرب الدهر من ضرباته حتى جلست إلى ابن المسيب، فسأله عنهما إنسان فلم يخبره ولم يدر. فقلت: ألا أخبرك بما حضرت من ابن عباس؟ قال بلى، فأخبرته فقال للسائل: هذا ابن عباس قد أبى أن يقول فيها، وهو أعلم مني. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "كان مقداره ألف سنة" قال: لا يتنصف النهار في مقدار يوم من أيام الدنيا في ذلك اليوم حتى يقضي بين العباد، فينزل أهل الجن الجنة وأهل النار النار، ولو كان إلى غيره لم يفرغ في خمسين ألف سنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في قوله: "ثم يعرج إليه في يوم" من أيامكم هذه، ومسيرة ما بين السماء والأرخض خمسمائة عام. وأخرج ابن أبي شيبة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ "الذي أحسن كل شيء خلقه" قال: ما رأيت القردة ليست بحسنة، ولكنه أحكم خلقها. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية أنه قال: أما إن است القردة ليست بحسنة ولكنه أحكم خلقها، وقال: "خلقه" صورته. وقال: "أحسن كل شيء" القبيح والحسن والعقارب والحيات وكل شيء مما خلق، وغيره لا يحسن شيئاً من ذلك. وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال "بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لقينا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة قد أسبل، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بناحية ثوبه، فقال: يا رسول الله إني أحمش الساقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمرو بن زرارة إن الله عز وجل قد أحسن كل شيء خلقه، يا عمرو بن زرارة إن الله لا يحب المسبلين". وأخرج أحمد والطبراني عن الشريد بن سويد قال "أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قد أسبل إزاره، فقال: ارفع إزارك، فقال: يا رسول الله إني أحنف تصطك ركبتاي، فقال: ارفع إزارك كل خلق الله حسن".
11- "قل يتوفاكم"، يقبض أرواحكم، "ملك الموت الذي وكل بكم"، أي: وكل يقبض أرواحكم وهو عزرائيل، والتوفي استيفاء العدد، معناه أنه يقبض أرواحهم حتى لا يبقى أحد من العدد الذي كتب عليه الموت. وروي أن ملك الموت جعلت له الدنيا مثل راحة اليد يأخذ منها صاحبها ما أحب من غير مشقة، فهو يقبض أنفس الخلق في مشارق الأرض ومغاربها، وله أعوان من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب.
وقال ابن عباس: إن خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب.
وقال مجاهد: جعلت له الأرض مثل طست يتناول منها حيث يشاء.
وفي بعض الأخبار: أن ملك الموت على معراج بين السماء والأرض فينزع أعوانه روح الإنسان فإذا بلغ ثغره نحره فقبضه ملك الموت.
وروى خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال: إن لملك الموت حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب، وهو يتصفح وجوه الناس، فما من أهل بيت إلا وملك الموت يتصفحهم في كل يوم مرتين، فإذا رأى إنساناً قد انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة، وقال: الآن يزار بك عسكر الأموات.
قوله: "ثم إلى ربكم ترجعون"، أي: تصيرون إليه أحياءً فيجزيكم بأعمالكم.
11ـ " قل يتوفاكم " يستوفي نفوسكم لا يترك منها شيئاً ولا يبقى منكم أحداً ، والتفعل والاستفعال يلتقيان كثيراً كتقصيته واستقصيته وتعجلته واستعجلته . " ملك الموت الذي وكل بكم " بقبض أرواحكم وإحصاء آجالكم . " ثم إلى ربكم ترجعون " للحساب والجزاء .
11. Say: The angel of death, who hath charge concerning you, will gather you, and afterward unto your Lord ye will be returned.
11 - Say: The Angel of Death, put in charge of you, will (duly) take your souls: then shall ye be brought back to your Lord.