11 - (ثم استوى) قصد (إلى السماء وهي دخان) بخار مرتفع (فقال لها وللأرض ائتيا) إلى مرادي منكما (طوعا أو كرها) في موضع الحال أي طائعتين أو مكرهتين (قالتا أتينا) بمن فينا (طائعين) فيه تغليب المذكر العاقل أو نزلتا لخطابهما منزلته
وقوله : " ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين " يعني تعالى ذكره : ثم استوى إلى السماء ، ثم ارتفع إلى السماء . وقد بينا أقوال أهل العلم في ذلك فيما مضى قبل .
وقوله : " فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً " يقول جل ثناؤه : فقال الله للسماء والأرض : جيئا بما خلقت فيكما ، أما أنت يا سماء فأطلعي ما خلقت فيك من الشمس والقمر والنجوم ، وأما أنت يا أرض فأخرجي ما خلقت فيك من الأشجار والثمار والنبات ، وتشققي عن الأنهار " قالتا أتينا طائعين " جئنا بما أحدثت فينا من خلقك ، ومستجيبين لأمرك لا نعصي أمرك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا أبن يمان ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، عن مجاهد ، عن ابن عباس " فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين " قال : قال الله للسموات : أطلعي شمسي وقمري ، وأطلعي نجومي ، وقال للأرض : شققي أنهارك وأخرجي ثمارك فقالتا : أعطينا طائعين .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قا ل: ثنا ابن علية ، عن ابن جريج ، عن سليمان الأحول ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، في قوله : " ائتيا " : أعطيا . وفي قوله : " قالتا أتينا " قالتا : أعطينا . وقيل : أتينا طائعين ، ولم يقل طائعتين ، والسماء والأرض مؤنثتان ، لأن النون والألف اللتين هما كناية أسمائهما في قوله : " أتينا " نظيره كناية أسماء المخبرين من الرجال عن أنفسهم ، فأجرى قوله : " طائعين " على ما جرى به الخبر عن الرجال كذلك . وقد كان بعض أهل العربية يقول : ذهب به إلى السموات والأرض ومن فيهن .
وقال آخرون منهم : قيل ذلك كذلك لأنهما لما تكلمتا أشبهتا الذكور من بني آدم .
قوله تعالى : " ثم استوى إلى السماء وهي دخان " أي عمد إلى خلقها وقصد لتسويتها . والاستواء من صفة الأفعال على أكثر الأقوال ، يدل عليه قوله تعالى : " ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات " [ البقرة : 29] وقد مضى القول هناك . وروى أبو صالح عن ابن عباس في قوله : " ثم استوى إلى السماء " يعني صعد أمره إلى السماء ، وقاله الحسن . ومن قال : إنه صفة ذاتية زائدة قال : استوى في الأزل بصفاته . ( ثم ) ترجع إلى نقل السماء منصفة الدخان إلى حالة الكثافة ، وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس ، على مامضى في (البقرة ) عن ابن مسعود وعيره . " فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها " أي جيئا بما خلقت فيكما من المنافع والمصالح وأخرجاها لخلقي . قال بان عباس : قال الله تعالى للسماء : أطلعي شمسك وقمرك وكواكبك ، وأجري رياحك وسحابك ، وقلا للأرض : شقي أنهارك وأخرجي شجرك وثمارك طائعتين أو كارهتين ( قالتا أتينا طائعين ) وفي الكلام حذف أي أتينا أمرك ( طائعين ) . وقيل : معنى هذا الأمر التسخير ، أي كونا فكانتا كما قال تعالى : " إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " [النحل : 40] فعلى هذا قال ذلك قبل خلقهما. وعلى القول الأول قال ذلك بعد خلقهما . وهو قول الجمهور .وفي قوله تعالى لهما وجهان : أحدهم اأنه قول تكلم به . والثاني أنها قدرة منه ظهرت لهما فقالم مقام الكلام في بلوغ المراد ، ذكره الماوردي . ( قالتا أتينا طائعين ) فيه أيضاً وجهان : أحدهما أنه ظهور الطاعة منهما حيث انقادا وأجابا فقام مقام قولهما ، ومنه قول الراجز :
املأ الحوض وقال قطني مهلاً رويداً قد ملأت بطني
يعني ظهر ذلك فيه . وقال أكثر أهل العلم : بل خلق الله فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد تعالى ، قال أبو نصر الكسكي : فنطق من الأرض موضع الكعبة ، ونقطق من السماء ما بحيالها ، فوضع الله تعالى فيه حرمه . وقال : ( طائعين ) ولم يقل طائتعين على اللفظ ولا طائعات على المعنى ، لأنهما سموات وأرضون ، لأن أخبر عنهم اوعمن فيهما . وقيل : لما وضفهن بالقول والإجابة وذلك من صفات من يعقل أجراهما في الكناية مجرى من يعقل ،ومقله " رأيتهم لي ساجدين " [ يوسف : 4] وقد تقدم . وفي حديث إن موسى عليه السلام قال : يا رب لو أن السموات والأرض حين قلت لهما ( أئتيا طوعاً أو كرهاً ) عصياك ما كنت صانعاً بهما ؟ قال : كنت آمر دابة من دوابي فتبلعهما . قال : يا رب وأين تلك الدابة ؟قال : في مرج من مروجء . قال : يا رب واين ذلك المرج ؟ قال : علم من علمي . ذكره الثعلبي . وقررأ ابن عباس و مجاهد و سعيد بن جبير و عكرمة (آتيا )بالمد والفتح . وكذلك قوله : " أتينا طائعين " على معنى أعطيا الطاعة من أنفسكما ( قالتا) أعطينا ( طائعين ) فحذف المفعولين جميعاً . ويجوز وهو أحسن أن يكون (آتينا ) فاعلنا فحذف مفعول واحد . ومن قرأ (آتينا ) فالمعنى جئنا بما فينا ، على ما تقدم بيانه في غيؤر ما موضع والحمد لله .
هذا إنكار من الله تعالى على المشركين الذين عبدوا معه غيره وهو الخالق لكل شيء القاهر لكل شيء المقتدر على كل شيء فقال: " قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا " أي نظراء وأمثالاً تعبدونها معه "ذلك رب العالمين" أي الخالق للأشياء هو رب العالمين كلهم. وهذا المكان فيه تفصيل لقوله تعالى: "خلق السموات والأرض في ستة أيام" ففصل ههنا ما يختص بالأرض مما اختص بالسماء فذكر أنه خلق الأرض أولاً لأنها كالأساس والأصل أن يبدأ بالأساس ثم بعده بالسقف كما قال عز وجل: " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات " الاية فأما قوله تعالى: "أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها * متاعاً لكم ولأنعامكم" ففي هذ الاية أن دحي الأرض كان بعد خلق السماء, فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص وبهذا أجاب ابن عباس رضي الله عنه فيما ذكره البخاري عند تفسير هذه الاية من صحيحه فإنه قال: وقال المنهال عن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما إني لأجد في القرآن أشياء تختلف علي, قال: "فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون" "ولا يكتمون الله حديثاً" "والله ربنا ما كنا مشركين" فقد كتموا في هذه الاية وقال تعالى: " أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والأرض بعد ذلك دحاها " فذكر خلق السماء قبل الأرض ثم قال تعالى: " قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين " إلى قوله " طائعين " فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء قال: "وكان الله غفوراً رحيماً" "عزيزاً حكيماً" "سميعاً بصيراً" فكأنه كان ثم مضى فقال ابن عباس رضي الله عنهما "فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون" في النفخة الأولى, ثم نفخ في الصور "فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله" فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون بينهم في النفخة الأخرى "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون" وأما قوله: "والله ربنا ما كنا مشركين" "ولا يكتمون الله حديثاً" فإن الله تعالى يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فيقول المشركون تعالوا نقول لم نكن مشركين فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم فعند ذلك يعرف أن الله تعالى لا يكتم حديثاً, وعنده "يود الذين كفروا" الاية, وخلق الأرض في يومين ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم دحى الأرض ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والرمال والجماد والاكام وما بينهما في يومين آخرين فذلك قوله تعالى دحاها وقوله: "خلق الأرض في يومين" فخلق الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلق السموات في يومين "وكان الله غفوراً رحيماً" سمى نفسه بذلك وذلك قوله أي لم يزل كذلك فإن الله تعالى لم يرد شيئاً إلا أصاب به الذي أراد فلا يختلفن عليك القرآن فإن كلاً من عند الله عز وجل. قال البخاري حدثنيه يوسف بن عدي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال هو ابن عمرو بالحديث. وقوله: "خلق الأرض في يومين" يعني يوم الأحد ويوم الإثنين "وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها" أي جعلها مباركة قابلة للخير والبذر والغراس وقدر فيها أقواتها وهو ما تحتاج أهلها إليه من الأرزاق والأماكن التي تزرع وتغرس يعني يوم الثلاثاء والأربعاء فهما مع اليومين السابقين أربعة ولهذا قال: "في أربعة أيام سواء للسائلين" أي لمن أراد السؤال عن ذلك ليعلمه وقال عكرمة ومجاهد في قوله عز وجل: "وقدر فيها أقواتها" جعل في كل أرض ما لا يصلح في غيرها ومنه العصب باليمن والسابوري بسابور والطيالسة بالري وقال ابن عباس وقتادة والسدي في قوله تعالى: "سواء للسائلين" أي لمن أراد السؤال عن ذلك وقال ابن زيد معناه وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين أي على وفق مراده من له حاجة إلى رزق أو حاجة فإن الله تعالى قدر له ما هو محتاج إليه وهذا القول يشبه ما ذكروه في قوله تعالى: "وآتاكم من كل ما سألتموه" والله أعلم وقوله تبارك وتعالى: "ثم استوى إلى السماء وهي دخان" وهو بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض "فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً" أي استجيبا لأمري وانفعلا لفعلي طائعتين أو مكرهتين قال الثوري عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: "فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً" قال: قال الله تبارك وتعالى للسموات أطلعي شمسي وقمري والنجوم وقال للأرض شققي أنهارك وأخرجي ثمارك "قالتا أتينا طائعين" واختاره ابن جرير رحمه الله قالتا أتينا طائعين أي بل نستجيب لك مطيعين بما فينا مما تريد خلقه من الملائكة والجن والإنس جميعاً مطيعين لك, حكاه ابن جرير عن بعض أهل العربية قال وقيل تنزيلاً لهن معاملة من يعقل بكلامهما وقيل إن المتكلم من الأرض بذلك هو مكان الكعبة ومن السماء ما يسامته منها والله أعلم وقال الحسن البصري لو أبيا عليه أمره عليه لعذبهما عذاباً يجدان ألمه رواه ابن أبي حاتم " فقضاهن سبع سماوات في يومين " أي ففرغ من تسويتهن سبع سموات في يومين أي آخرين وهما يوم الخميس ويوم الجمعة "وأوحى في كل سماء أمرها" أي ورتب مقرراً في كل سماء ما تحتاج إليه من الملائكة وما فيها من الأشياء التي لا يعلمها إلا هو "وزينا السماء الدنيا بمصابيح" وهي الكواكب المنيرة المشرقة على أهل الأرض "وحفظاً" أي حرساً من الشياطين أن تستمع إلى الملأ الأعلى "ذلك تقدير العزيز العليم" أي العزيز الذي قد عز كل شيء فغلبه وقهره العليم بجميع حركات المخلوقات وسكناتهم قال ابن جرير حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي سعيد البقال عن عكرمة عن ابن عباس قال هناد: قرأت سائر الحديث أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السموات والأرض فقال صلى الله عليه وسلم: "خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد ويوم الإثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران فهذه أربعة " قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين " لمن سأله قال وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه وفي الثانية ألقى الافة على كل شيء مما ينتفع به الناس وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة" ثم قالت اليهود ثم ماذا يا محمد قال "ثم استوى على العرش" قالوا قد أصبت لو أتممت, قالوا ثم استراح, فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً فنزل "ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب * فاصبر على ما يقولون" هذا الحديث فيه غرابة فأما حديث ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: "خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة فيما بين العصر إلى الليل" فقد رواه مسلم والنسائي في كتابيهما من حديث ابن جريج به وهو من غرائب الصحيح وقد علله البخاري في التاريخ فقال رواه بعضهم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار وهو الأصح.
ثم لما ذكر سبحانه خلق الأرض وما فيها ذكر كيفية خلق للسموات فقال: 11- "ثم استوى إلى السماء" أي عمد وقصد نحوها قصداً سوياً. قال الرازي: هو من قولهم: استوى إلى مكان كذا: إذ توجه إليه توجهاً لا يلتفت معه إلى عمل آخر، وهو من الاستواء الذي هو ضد الاعوجاج، ونظيره قولهم استقام إليه، ومنه قوله تعالى: "فاستقيموا إليه"، والمعنى: ثم دعاه داعي الحكمة إلى خلق السموات بعد خلق الأرض وما فيها. قال الحسن: معنى الآية صعد أمره إلى السماء "وهي دخان" الدخان ما ارتفع من لهب النار، ويستعار لما يرى من بخار الأرض. قال المفسرون: هذا الدخان هو بخار الماء، وخص سبحانه الاستواء إلى السماء مع كون الخطاب المترتب على ذلك متوجهاً إليها وإلى الأرض كما يفيده قوله: "فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً" استغناء بما تقدم من ذكر تقديرها وتقدير ما فيها، ومعنى ائتيا: افعلا ما آمركما به وجيئاً به، كما يقال ائت ما هو الأحسن أي افعله. قال الواحدي: قال المفسرون: إن الله سبحانه قال: أما أنت يا سماء فاطلعي شمسك وقمرك ونجومك وأما أنت يا أرض فتشققي أنهارك وأخرجي ثمارك ونباتك. قرأ الجمهور "ائتيا" أمراً من الإتيان. وقرأ ابن عباس وابن جبير ومجاهد آتيا قالتا آتينا بالمد فيهما، وهو إما من المؤاتاة، وهي الموافقة: أي لتوافق كل منكما الأخرى أو من الإيتاء وهو الإعطاء فوزنه على الأول فاعلاً كقاتلاً، وعلى الثاني افعلا كأكرما "طوعاً أو كرهاً" مصدران في موضع الحال: أي طائعين أو مكرهتين، وقرأ الأعمش كرهاً بالضم. قال الزجاج: أطيعا طاعة أو تكرهان كرهاً. قيل ومعنى هذا الأمر لهما التسخير: أي كونا فكانتا، كما قال تعالى: "إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون" فالكلام من باب التمثيل لتأثير قدرته واستحالة امتناعها "قالتا أتينا طائعين" أي أتينا أمرك منقادين وجمعهما جمع من يعقل لخطابهما بما يخاطب به العقلاء. قال القرطبي: قال أكثر أهل العلم إن الله سبحانه خلق فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد سبحانه وقيل هو تمثيل لظهور الطاعة منهما وتأثير القدرة الربانية فيهما.
11. " ثم استوى إلى السماء "، أي: عمد إلى خلق السماء، " وهي دخان "، وكان ذلك الدخان بخار الماء، " فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً "، أي: ائتيا ما آمركما أي: افعلاه، كما يقال: ائت ما هو الأحسن، أي: افعله.
وقال طاووس عن ابن عباس: ائتيا: أعطيا، يعني أخرجا ما خلقت فيكما من المنافع لمصالح العباد.
[قال ابن عباس]: قال الله عز وجل: أما أنت ياسماء فأطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وأنت يا أرض فشقي أنهارك وأخرجي ثمارك ونباتك، وقال لهما: افعلا ما آمركما طوعاً وإلا ألجأتكما إلى ذلك [حتى تفعلاه كرهاً] فأجابتا بالطوع، و " قالتا أتينا طائعين "، [ولم يقل طائعتين]، لأنه ذهب به إلى السموات والأرض ومن فيهن، مجازه: أئتيا بما فينا طائعين، فلما وصفهما بالقول أجراهما في الجمع مجرى من يعقل.
11-" ثم استوى إلى السماء " قصد نحوها من قولهم استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توحهاً لا يلوي على غيره ، والظاهر أن ثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخي في المدة لقوله : " والأرض بعد ذلك دحاها " ودحوها على خلق الجبال من فوقها . " وهي دخان " أمر ظلماني ،ولعله أراد به مادتها أو الأجزاء المصغرة التي كتب منها " فقال لها وللأرض ائتيا " بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر وأبرزا ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة . أو " ائتيا " في الوجود على أن الخلق السابق بمعنى التقدير أو الترتيب للرتبة ، أو الإخبار أو إتيان السماء حدوثها وإتيان الأرض أن تصير مدحوة ، وقد عرفت ما فيه أو لتأت كل منكما الأخرى في حدوث ما أريد منكما ويؤيده قراءة آتيا في المؤاتاة أي كل واحدة أختها فيما أردت منكما . " طوعاً أو كرهاً " شئتما ذلك أو أبيتما والمراد إظهار كمال قدرته ووجوب وقوع مراده لا إثبات الطوع والكره لهما ، وهما مصدران وقعا موقع الحال . " قالتا أتينا طائعين " منقادين بالذات ، والأظهر أن المراد تصوير تأثير قدرته فيهما وتأثرهما بالذات عنها ، وتمثيلهما بأمر المطاع وإجابة المطيع إنما الطائع كقوله : " كن فيكون " وما قيل من أنه تعالى خاطبهما وأقدرهما على الجواب إنما يتصور على الوجه الأول والأخير ، وإنما قال طائعين على المعنى باعتبار كونهما مخاطبتين كقوله : " ساجدين " .
11. Then turned He to the heaven when it was smoke, and said unto it and unto the earth: Come both of you, willingly or loth. They said: We come, obedient.
11 - Moreover He comprehended in His design the sky, and it had been (as) smoke: He said to it and to the earth: Come ye together, willingly or unwillingly. They said: We do come (together), in willing obedience.