11 - (فاطر السماوات والأرض) مبدعهما (جعل لكم من أنفسكم أزواجا) حيث خلق حواء من ضلع آدم (ومن الأنعام أزواجا) ذكورا وإناثا (يذرؤكم) بالمعجمة يخلقكم (فيه) في الجعل المذكور أي يكثركم بسببه بالتوالد والضمير للأناسي والأنعام بالتغليب (ليس كمثله شيء) الكاف زائدة لأنه تعالى لا مثل له (وهو السميع) لما يقال (البصير) لما يفعل
يقول تعالى ذكره : " فاطر السماوات والأرض " ، خالق السموات السبع والأرض .
كما حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : " فاطر السماوات والأرض " قال خالق .
وقوله : " جعل لكم من أنفسكم أزواجاً " يقول تعالى ذكره : زوجكم ربكم من أنفسكم أزواجاً وإنما قال جل ثناؤه " من أنفسكم " لأنه خلق حواء من ضلع آدم ، فهو من الرجال " ومن الأنعام أزواجاً " يقول جل ثناؤه : وجعل لكم من الأنعام أزواجاً من الضأن اثنين ، ومن المعز اثنين ، ومن الإبل اثنين ، ومن البقر اثنين ، ذكوراً وإناثاً ، ومن كل جنس من ذلك " يذرؤكم فيه " : يقول يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم ، ويعيشكم فيما جعل لكم من الأنعام .
وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله : " يذرؤكم فيه " في هذا الموضع ، فقال بعضهم : معنى ذلك يخلقكم فيه .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " يذرؤكم فيه " قال : نسل بعد نسل من الناس والأنعام .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : " يذرؤكم " قال : يخلقكم .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد ، في قوله : " يذرؤكم فيه " قال : نسلاً بعد نسل من الناس والأنعام .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن منصور ، أنه قال في هذه الآية " يذرؤكم فيه " قال : يخلقكم .
وقال آخرون : بل معناه : يعيشكم فيه .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً يذرؤكم فيه " يقول : يجعل لكم فيه معيشة تعيشون بها .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " يذرؤكم فيه " قال : يعيشكم فيه .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " يذرؤكم فيه " قال : عيش من الله يعيشكم فيه . وهذان القولان وإن اختلفا في اللفظ من قائليهما فقد يحتمل توجيههما إلى معنى واحد وهو أن يكون القائل في معناه يعيشكم فيه ، أراد بقوله ذلك : يحييكم بعيشكم به كما يحيي من لم يخلق بتكوينه إياه ، ونفخه الروح فيه حتى يعيش حياً . وقد بينت معنى ذرء الله الخلق فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادته .
وقوله : " ليس كمثله شيء " فيه وجهان : أحدهما أن يكون معناه : ليس هو كشيء ، وأدخل المثل في الكلام توكيداً للكلام إذا اختلف اللفظ به وبالكاف ، وهما بمعنى واحد ، كما قيل .
ما إن نديت بشيء أنت تكرهه
فأدخل على < ما > وهي حرف جحد < إن > وهي أيضاً حرف جحد ، لاختلاف اللفظ بهما ، وإن اتفق معناهما توكيداً للكلام ، وكما قال أوس بن حجر :
وقتلي كمثل جذوع النخيل تغشاهم مسبل منهمر
ومعنى ذلك : كجذوع النخيل ، وكما قال الآخر :
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم ما إن كمثلهم في الناس من أحد
والآخر : أن يكون معناه : ليس مثله شيء ، وتكون الكاف هي المدخلة في الكلام ، كقول الراجز :
وصاليات ككما يؤثفين
فأدخل على الكاف كافاً توكيداً للتشبيه ، وكما قال الآخر :
تنفي الغياديق على الطريق قلص عن كبيضة في نيق
فأدخل الكاف مع < عن > ، وقد بينا هذا في موضع غير هذا المكان بشرح هو أبلغ من هذا الشرح ، فلذلك تجوزنا في البيان عنه في هذا الموضع .
وقوله : " وهو السميع البصير " يقول جل ثناؤه واصفاً نفسه بما هو به ، وهو يعني نفسه : السميع لما تنطق به خلقه من قول ، البصير لأعمالهم ، لا يخفى عليه من ذلك شيء ، ولا يعزب عنه علم شيء منه ، وهو محيط بجميعه ، محص صغيره وكبيره " لتجزى كل نفس بما كسبت " [ الجاثية : 22 ] من خير أو شر .
قوله تعالى : " فاطر السماوات والأرض " بالرفع على النعت لاسم الله ، أو على تقدير هو فاطر ، ويجوز النصب على النداء ، والجر على البدل من الهاء في (( عليه )) والفاطر : المبدع والخالق ، وقد تقدم ، " جعل لكم من أنفسكم أزواجا " قيل معناه إناثاً وإنما قال : (( من أنفسكم )) لأنه خلق حواء من ضلع آدم وقال مجاهد : نسلاً بعد نسل ، " ومن الأنعام أزواجا " يعني الثمانية التي ذكرها في (( الأنعام )) ذكور الإبل والبقر والضأن والمعز وإناثها ، " يذرؤكم فيه " أي يخلقكم وينشئكم (( فيه )) أي في الرحم ، وقيل : في البطن ، وقال الفراء و ابن كيسان : (( فيه )) بمعنى به ، وكذلك قال الزجاج : معنى (( يذرؤكم فيه )) يكثركم به ، أي يكثركم يجعلكم أزواجاً ، أي حلائل ، لأنهن سبب النسل ، وقيل : إن الهاء في (( فيه )) للجعل ، ودل عليه (( جعل )) ، فكأنه قال : يخلقكم ويكثركم في الجعل ، ابن قتيبة : (( يذرؤكم فيه )) أي في الزوج ، أي يخلقكم في بطون الإناث ، وقال : ويكون (( فيه )) في الرحم ، وفيه بعد ، لأن الرحم مؤنثة ولم يتقدم لها ذكر ، " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " قيل : إن الكاف زائدة للتوكيد ، أي ليس مثله شيء ، قال :
وصاليات ككما يوثفين
فأدخل على الكاف كافاً تأكيداً للتشبيه ، وقيل : المثل زائدة للتوكيد ، وهو قول ثعلب كهو شيء ، نحو قوله تعالى : " فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا " [ البقرة : 137 ] ، وفي حرف ابن مسعود (( فإن آمنوا بما آمنتم به فقد اهتدوا )) قال آوس بن حجر :
وقتلى كمثل جذوع النخـ ـيل يغشاهم مطر منهمر
أي كجذوع ، والذي يعتقد في هذا الباب أن الله جل اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى اسمائه وعلي صفاته ، لا يشبه شيئاً من مخلوقاته ولا يشبه به ، وإنما جاء مما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق ، فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقي ، إذ صفات القديم جل وعز بخلاف صفات المخلوق ، إذ صفاتهم لا تنفك عن الأغراض والأعراض ، وهو تعالى منزه عن ذلك ، بل لم يزل بأسمائه وبصفاته على ما بيناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى ، وكفى في هذا قوله الحق : " ليس كمثله شيء " وقد قال بعض العلماء المحققين : إثبات ذات غير مشبهة للذوات ولا معطلة من الصفات ، وزاد الواسطي رحمه الله بياناً فقال : ليس كذاته ذات ، ولا كأسمه اسم ، ولا كفعله فعل ، ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ ، وجعلت الذات القديمة أن يكون لها صفة حديثة ، كما استحال أن يكون للذات المحدثة صفة قديمة ، وهذا كله مذهب أهل الحق والسنة والجماعة ، رضي الله عنهم ! .
يقول تعالى منكراً على المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله ومخبراً أنه هو الولي الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده فإنه هو القادر على إحياء الموتى وهو على كل شيء قدير, ثم قال عز وجل: "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله" أي مهما اختلفتم فيه من الأمور وهذا عام في جميع الأشياء "فحكمه إلى الله" أي هو الحاكم فيه بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كقوله جل وعلا: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" "ذلكم الله ربي" أي الحاكم في كل شيء "عليه توكلت وإليه أنيب" أي أرجع في جميع الأمور, وقوله جل جلاله: "فاطر السموات والأرض" أي خالقهما وما بينهما "جعل لكم من أنفسكم أزواجاً" أي من جنسكم وشكلكم منة عليكم وتفضلاً جعل من جنسكم ذكراً وأنثى "ومن الأنعام أزواجاً" أي وخلق لكم من الأنعام ثمانية أزواج. وقوله تبارك وتعالى: "يذرؤكم فيه" أي يخلقكم فيه أي في ذلك الخلق على هذه الصفة لا يزال يذرؤكم فيه ذكوراً وإناثاً خلقاً من بعد خلق وجيلاً بعد جيل ونسلاً بعد نسل من الناس والأنعام وقال البغوي يذرؤكم فيه أي في الرحم وقيل في البطن وقيل في هذا الوجه من الخلقة. قال مجاهد نسلاً من الناس والأنعام, وقيل في بمعنى الباء أي يذرؤكم به "ليس كمثله شيء" أي ليس كخالق الأزواج كلها شيء لأنه الفرد الصمد الذي لا نظير له "وهو السميع البصير". وقوله تعالى: "له مقاليد السموات والأرض" تقدم تفسيره في سورة الزمر وحاصل ذلك أنه المتصرف الحاكم فيهما "يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر" أي يوسع على من يشاء ويضيق على من يشاء وله الحكمة والعدل التام "إنه بكل شيء عليم".
11- "جعل لكم من أنفسكم أزواجاً" أي خلق لكم من جنسكم نساءً، أو المراد حواء لكونها خلقت من ضلع آدم. وقال مجاهد: نسلاً بعد نسل "ومن الأنعام أزواجاً" أي وخلق للأنعام من جنسها إناثاً، أو خلق لكم من الأنعام أصنافاً من الذكور والإناث، وهي الثمانية التي ذكرها في الأنعام "يذرؤكم فيه" أي يبثكم فيه، من الذرء: وهو البث، أو يخلقكم وينشئكم، والضمير في يذرؤكم للمخاطبين والأنعام إلا أنه غلب فيه العقلاء، وضمير فيه راجع إلى الجعل المدلول عليه بالفعل، وقيل راجع إلى ما ذكر من التدبير. وقال الفراء والزجاج وابن كيسان: معنى يذرؤكم فيه يكثركم به: أي يكثركم بجعلكم أزواجاً لأن ذلك سبب النسل. وقال ابن قتيبة: يذرؤكم فيه: أي في الزوج، وقيل في البطن، وقيل في الرحم "ليس كمثله شيء" المراد بذكر المثل هنا المبالغة في النفي بطريق الكناية، فإنه إذا نفي عمن يناسبه كان نفيه عنه أولى: كقولهم: مثلك لا يبخل، وغيرك لا يجود، وقيل إن الكاف زائدة للتوكيد: أي ليس مثله شيء، وقيل إن مثل زائدة قاله ثعلب وغيره كما في قوله "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به" أي بما آمنتم به، ومنه قول أوس بن حجر:
وقتلى كمثل جذوع النخيـ ـل يغشاهم مطر منهمر
أي كجذوع، والأول أولى، فإن الكناية باب مسلوك للعرب ومهيع مألوف لهم، ومنه قول الشاعر:
ليس كمثل الفتى زهير خلق يوازيه في الفضائل
وقال آخر:
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه وإن بات من ليلى على اليأس طاويا
وقال آخر:
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم فما كمثلهم في الناس من أحد
قال ابن قتيبة: العرب تقيم المثل مقام النفس، فتقول: مثلي لا يقال له هذا: أي أنا لا يقال لي. وقال أبو البقاء مرجحاً لزيادة الكاف: إنها لو لم تكن زائدة لأفضى ذلك إلى المحال، إذ يكون المعنى: أن له مثلاً وليس لمثله مثل، وفي ذلك تناقض، لأنه إذا كان له مثل فلمثله مثل، وهو هو مع أن إثبات المثل لله سبحانه محال، وهذا تقرير حسن، ولكنه يندفع ما أورده بما ذكرنا من كون الكلام خارجاً مخرج الكناية ومن فهم هذه الآية الكريمة حق فهمها وتدبرها حق تدبرها مشى بها عند اختلاف المختلفين في الصفات على طريقة بيضاء واضحة، ويزداد بصيرة إذا تأمل معنى قوله: "وهو السميع البصير" فإن هذا الإثبات بعد ذلك النفي للمماثل قد اشتمل على برد اليقين وشفاء الصدور وانثلاج القلوب فاقدر يا طالب الحق قدر هذه الحجة النيرة والبرهان القوي، فإنك تحطم بها كثيراً من البدع وتهشم بها رؤوساً من الضلالة، وترغم بها آناف طوائف من المتكلفين، ولا سيما إذا ضممت إليه قول الله سبحانه: "ولا يحيطون به علماً" فإنك حينئذ قد أخذت بطرفي حبل ما يسمونه علم الكلام وعلم أصول الدين:
ودع عنك نهباً صيح في حجراته ولكن حديث ما حديث الرواحل
11. " فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً "، من مثل خلقكم حلائل، قيل: إنما قال ((من أنفسكم)) لأنه خلق حواء من ضلع آدم. " ومن الأنعام أزواجاً "، أصنافاً ذكوراً وإناثاً، " يذرؤكم "، يخلقكم، " فيه "، أي: في الرحم. وقيل: في البطن. وقيل: على هذا الوجه من الخلقة. قال مجاهد : نسلاً بعد نسل من الناس والأنعام. وقيل: ((في))، بمعنى الباء، أي: يذرؤكم به. وقيل: معناه يكثركم بالتزويج. " ليس كمثله شيء "، ((مثل)) صلة، أي: ليس هو كشيء، فأدخل المثل للتوكيد، كقوله: " فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به " (البقرة-137)، وقيل: الكاف صلة، مجازه: ليس مثله شيء. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس له نظير. " وهو السميع البصير ".
11-" فاطر السموات والأرض " خبر آخر لـ" ذلكم " أو مبتدأ خبره . " جعل لكم " وقرئ بالجر على البدل من الضمير أو الوصف لإلى الله . " من أنفسكم " من جنسكم . " أزواجاً " نساء . " ومن الأنعام أزواجاً " أي وخلق للأنعام من جنسها أزواجاً ، أو خلق لكم من الأنعام أصنافاً أو ذكوراً و أناثاً . " يذرؤكم " يكثركم من الذرء وهو البث وفي معناه الذر والذرو والضمير على الأول للناس ، و " الأنعام " على تغليب المخاطبين العقلاء . " فيه " في هذا التدبير وهو جعل الناس والأنعام يكون بينهم توالد ، فإنه كالمنبع للبث والتكثير . " ليس كمثله شيء " أي ليس مثله شيء يزاوجه ويناسبه ، والمراد من مثله ذاته كما في قولهم : مثلك لا يفعل كذا ، على قصد المبالغة في نفيه عنه فإنه إذا نفى عمن يناسبه ويسد مسده كان نفيه عنه أولى ، ونظيره قول رقيقة بنت صيفي في سقيا عبد المطلب : ألا وفيهم الطيب الطاهر لذاته . ومن قال الكاف فيه زائدة لعله عنى أنه يعطى معنى " ليس كمثله " غير أنه آكد لما ذكرناه . وقيل مثله صفته أي ليس كصفته صفة . " وهو السميع البصير " لكل ما يسمع ويبصر .
11. The Creator of the heavens and the earth. He hath made for you pairs of yourselves, and of the cattle also pairs, whereby He multiplieth you. Naught is as His likeness; and He is the Hearer, the Seer.
11 - (He is) the Creator of the heavens and the earth: He has made for you pairs from among yourselves, and pairs among cattle: by this means does He multiply you: there is nothing whatever like unto Him, and He is the One that hears and sees (all things).