11 - (وأنا منا الصالحون) بعد استماع القرآن (ومنا دون ذلك) أي قوم غير صالحين (كنا طرائق قددا) فرقا مختلفين مسلمين وكافرين
يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيلهم " وأنا منا الصالحون " وهم المسلمون العاملون بطاعة الله " ومنا دون ذلك " يقول : ومنا دون الصالحين " كنا طرائق قددا " يقول : وأنا كنا أهواء مختلفة ، وفرقاً شتى ، منا المؤمن والكافر ، والطرائق : جمع طريقة ، وهي طريقة الرجل ومذهبه ، والقدد : جمع قدة ، وهي الضروب والأجناس المختلفة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن حميد الرازي ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ، في قوله " طرائق قددا " يقول : أهواء مختلفة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا " يقول : أهواء شتى ، منا المسلم ، ومنا المشرك .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " كنا طرائق قددا " كان القوم على أهواء شتى .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " طرائق قددا " قال : أهواء .
حدثني ابن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله " كنا طرائق قددا " قال : مسلمين وكافرين .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان " كنا طرائق قددا " قال : شتى ، مؤمن وكافر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " كنا طرائق قددا " قال صالح وكافر ، وقرأ قول الله " وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك " .
قوله تعالى : " وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك" هذا من قول الجن، أي قال بعضهم لبعض لما دعوا أصحابهم الى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وإنا كنا قبل استماع القرآن منا الصالحون ومنا الكافرون. وقيل : (( ومنا دون ذلك )) أي ومن دون الصالحين في الصلاح وهو اشبه من حمله على الإيمان والشرك. " كنا طرائق قددا" أي فرقاً شتى، قاله السدي. الضحاك: أدياناً مختلفة. قتادة : أهواء متباينة، ومنه قول الشاعر :
القابض الباسط الهادي بطاعته في فتنة الناس إذ أهواؤهم قدد
والمعنى : أي لم يكن كل الجن كفاراً بل كانوا مختلفين : منهم كفار، ومنهم مؤمنون صلحاء، ومنهم مؤمنون غير صلحاء. وقال المسيب: كنا مسلمين ويهود ونصارى ومجوس. وقال السدي في قوله تعالى : " طرائق قددا" قال : في الجن مثلكم قدرية، ومرجئة، وخوارج، ورافضة، وشيعة، وسنية. وقال قوم : أي وإنا بعد استماع القرآن مختلفون: من ا لمؤمنون و منا الكافرون, أي ومنا الصالحون، ومنا مؤمنون لم يتناهوا في الصلاح. والأول احسن، لأنه كان في الجن من ىمن بموسى وعيسى، وقد أخبر الله عنهم أنهم قالوا :" إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه" [ الأحقاف: 30] وهذا يدل على إيمان قوم منهم بالتوارة، وكان هذا مبالغة منهم في دعاء من دعوهم الى الإيمان. وايضاً لا فائدة في قولهم: نحن الآن منقسمون الى مؤمن وإلى كافر. والطرائق : جمع الطريقة وهي مذهب الرجل، أي كنا فرقاً مختلفة. ويقال : لقوم طرائق أي على مذاهب شتى. والقدد: نحو من الطرائق وهو توكيد لها، واحدها: قدة. يقال : لكل طريق قدة، وأصلها من قد السيور، وهو قطعها، قال لبيد يرثي أخاه أربد:
لم تبلغ العين كل نهمتها ليلة تمسية الجياد كالقدد
وقال آخر :
ولقد قلت وزيد حاسر يوم ولت خيل عمرو قددا
والقد بالكسر : سير يقد من جلد غير مدبوغ، ويقال: ما له قد ولا قحف، فالقد: إناء من جلد، والقحف : من خشب.
يقول تعالى مخبراً عن الجن أنهم قالوا مخبرين عن أنفسهم "وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك" أي غير ذلك "كنا طرائق قدداً" أي طرائق متعددة مختلفة وآراء متفرقة, قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد "كنا طرائق قدداً" أي منا المؤمن ومنا الكافر. وقال أحمد بن سليمان النجاد في أماليه: حدثنا أسلم بن سهل بحشل , حدثنا علي بن الحسن بن سليمان وهو أبو الشعثاء الحضرمي شيخ مسلم , حدثنا أبو معاوية قال: سمعت الأعمش يقول تروح إلينا جني فقلت له: ما أحب الطعام إليكم ؟ فقال الأرز, قال: فأتيناهم به فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى أحداً, فقلت فيكم من هذه الأهواء التي فينا ؟ قال: نعم فقلت فما الرافضة فيكم ؟ قال: شرنا. عرضت هذا الإسناد على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزني فقال هذا إسناد صحيح إلى الأعمش , وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال: سمعت بعض الجن وأنا في منزل لي بالليل ينشد:
قلوب براها الحب حتى تعلقت مذاهبها في كل غرب وشارق
تهيم بحب الله والله ربها معلقة بالله دون الخلائق
وقوله تعالى: "وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هرباً" أي نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا وأنا لا نعجزه في الأرض, ولو أمعنا في الهرب فإنه علينا قادر لا يعجزه أحد منا "وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به" يفتخرون بذلك وهو مفخر لهم وشرف رفيع وصفة حسنة, وقولهم "فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً" قال ابن عباس وقتادة وغيرهما: فلا يخاف أن ينقص من حسناته أو يحمل عليه غير سيئاته كما قال تعالى: "فلا يخاف ظلماً ولا هضماً" " وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون " أي منا المسلم ومنا القاسط, وهو الجائر عن الحق الناكب عنه, بخلاف المقسط فإنه العادل "فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً" أي طلبوا لأنفسهم النجاة "وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً" أي وقوداً تسعر بهم.
وقوله تعالى: " وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه " اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين: (أحدهما) وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها "لأسقيناهم ماء غدقاً" أي كثيراً, والمراد بذلك سعة الرزق, كقوله تعالى: " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " وكقوله تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" وعلى هذا يكون معنى قوله: "لنفتنهم فيه" أي لنختبرهم, كما قال مالك عن زيد بن أسلم : لنفتنهم لنبتليهم من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية.
(ذكر من قال بهذا القول) قال العوفي عن ابن عباس : " وألو استقاموا على الطريقة " يعني بالاستقامة الطاعة, وقال مجاهد " وألو استقاموا على الطريقة " قال: الإسلام وكذا قال سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعطاء والسدي ومحمد بن كعب القرظي, وقال قتادة " وألو استقاموا على الطريقة " يقول: لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا وقال مجاهد : " وألو استقاموا على الطريقة " أي: طريقة الحق, وكذا قال الضحاك واستشهد على ذلك بالايتين اللتين ذكرناهما, وكل هؤلاء أو أكثرهم قالوا في قوله: "لنفتنهم فيه" أي لنبتليهم به. وقال مقاتل : نزلت في كفار قريش حين منعوا المطر سبع سنين.
(والقول الثاني) " وألو استقاموا على الطريقة " الضلال "لأسقيناهم ماء غدقاً" أي لأوسعنا عليهم الرزق استدراجاً, كما قال تعالى: "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" وكقوله: " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " وهذا قول أبي مجلز لاحق بن حميد , فإنه قال في قوله تعالى: " وألو استقاموا على الطريقة " أي طريقة الضلالة, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم , وحكاه البغوي عن الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان وله اتجاه, ويتأيد بقوله لنفتنهم فيه. وقوله: "ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً" أي عذاباً مشقاً شديداً موجعاً مؤلماً, قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن زيد : "عذاباً صعداً" أي مشقة لا راحة معها, وعن ابن عباس : جبل في جهنم, وعن سعيد بن جبير : بئر فيها.
وليس من قول إبليس كما قال ابن زيد: 11- "وأنا منا الصالحون" أي قال بعض لبعض لما دعوا أصحابهم إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم: وأنا كنا قبل استماع القرآن منا الموصوفون بالصلاح "ومنا دون ذلك" أي قوم دون ذلك: أي دون الموصوفين بالصلاح، وقيل أراد بالصالحون المؤمنين، وبمن هم دون ذلك الكافرين، والأول أولى، ومعنى "كنا طرائق قدداً" أي جماعات متفرقة وأصنافاً مختلفة، والقدة: القطعة من الشيء، وصار القوم قدداً: إذا تفرقت أحوالهم، ومنه قول الشاعر:
القابض الباسط الهادي لطاعته في فتنة الناس إذ أهواؤهم قدد
والمعنى: كنا ذوي طرائق قدداً، أو كانت طرئقنا طرائق قدداً، أو كنا مثل طارئق قدداً، ومن هذا قول لبيد:
لم تــبلغ العــين كــل نهمتهـا يـــوم تمشــي الجيــاد بــالقـدد
وقوله أيضاً:
ولقد قلت وزيد حــاسـر يــوم ولت خيــل عمرو قـدداً
قال السدي والضحاك: أدياناً مختلفة، وقال قتادة: أهواء متباينة. وقال سعيد بن المسيب: كانوا مسلمين ويهود ونصارى ومجوس، وكذا قال مجاهد. قال الحسن: الجن أمثالكم قدرية ومرجئة ورافضة وشيعة، وكذا قال السدي.
أأأ
11- "وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك"، دون الصالحين، "كنا طرائق قدداً"، أي: جماعات متفرقين وأصنافاً مختلفة، والقدة: القطعة من الشيء، يقال: صار القوم قدداً إذا اختلفت حالاتهم، وأصلها من القد وهو القطع. قال مجاهد: يعنون: مسلمين وكافرين.
وقيل: ذوو أهواء مختلفة، وقال الحسن والسدي: الجن أمثالكم فمنهم قدرية ومرجئة ورافضة.
وقال ابن كيسان: شيعاً وفرقاً لكل فرقة هوى كأهواء الناس.
وقال سعيد بن جبير: ألواناً شتى، وقال أبو عبيدة: أصنافاً.
11-" وأنا منا الصالحون " المؤمنون الأبرار . " ومنا دون ذلك " أي قوم دون ذلك فحذف الموصوف وهم المقتصدون . " كنا طرائق " ذوي طرائق أي مذاهب ، أو مثل طرائق في اختلاف الأحوال أو كانت طرائقنا طرائق . " قدداً " متفرقة مختلفة جمع قدة من قد إذا قطع .
11. And among us there are righteous folk and among us there are far from that. We are sects having different rules.
11 - There are among us some that are righteous, and some the contrary: we follow divergent paths.