11 - (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير)
يقول تعالى ذكره : إن الذين أقروا بتوحيد الله ، وهم هؤلاء القوم الذين حرقهم أصحاب الأخدود وغيرهم من سائر أهل التوحيد " وعملوا الصالحات " يقول : وعملوا بطاعة الله ، وأتمروا لأمره ، وانتهوا عما نهاهم عنه " لهم جنات تجري من تحتها الأنهار " يقول : لهم في الآخرة عند الله بساتين تجري من تحتها الأنهار والخمر واللبن والعسل " ذلك الفوز الكبير " يقول : هذا الذي هو لهؤلاء المؤمنين في الآخرة ، هو الظفر الكبير بما طلبوا والتمسوا بإيمانهم بالله في الدنيا ، وعملهم بما أمرهم الله به فيها ورضيه منهم .
قوله تعالى: " إن الذين آمنوا " أي هؤلاء الذين كانوا آمنوا بالله، أي صدقوا به وبرسله. " وعملوا الصالحات لهم جنات" أي بساتين. " تجري من تحتها الأنهار" من ماء غير آسن ومن لبن لم يتغير طعمه، ومن خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى. " ذلك الفوز الكبير " أي العظيم، الذي لا فوز يشبهة.
يخبر تعالى عن عباده المؤمنين أن "لهم جنات تجري من تحتها الأنهار" بخلاف ما أعد لأعدائه من الحريق والجحيم, ولهذا قال: "ذلك الفوز الكبير" ثم قال تعالى: "إن بطش ربك لشديد" أي إن بطشه وانتقامه من أعدائه الذين كذبوا رسله وخالفوا أمره لشديد عظيم قوي, فإنه تعالى ذو القوة المتين الذي ما شاء كان كما يشاء في مثل لمح البصر أو هو أقرب, ولهذا قال تعالى: " إنه هو يبدئ ويعيد " أي من قوته وقدرته التامة يبدىء الخلق ويعيده كما بدأه بلا ممانع ولا مدافع "وهو الغفور الودود" أي يغفر ذنب من تاب إليه وخضع لديه ولو كان الذنب من أي شيء كان, والودود قال ابن عباس وغيره: هو الحبيب "ذو العرش" أي صاحب العرش العظيم العالي على جميع الخلائق, والمجيد فيه قراءتان: الرفع على أنه صفة للرب عز وجل, والجر على أنه صفة للعرش وكلاهما معنى صحيح "فعال لما يريد" أي مهما أراد فعله لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل لعظمته وقهره وحكمته وعدله كما روينا عن أبي بكر الصديق أنه قيل له وهو في مرض الموت: هل نظر إليك الطبيب ؟ قال: نعم. قالوا فما قال لك ؟ قال: قال لي إني فعال لما أريد.
وقوله تعالى: "هل أتاك حديث الجنود * فرعون وثمود" أي هل بلغك ما أحل الله بهم من البأس وأنزل عليهم من النقمة التي لم يردها عنهم أحد ؟ وهذا تقرير لقوله تعالى: "إن بطش ربك لشديد" أي إذا أخذ الظالم أخذه أخذاً أليماً شديداً أخذ عزيز مقتدر قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة تقرأ "هل أتاك حديث الجنود" فقام يستمع فقال: "نعم قد جاءني" وقوله تعالى: "بل الذين كفروا في تكذيب" أي هم في شك وريب وكفر وعناد "والله من ورائهم محيط" أي هو قادر عليهم قاهر لا يفوتونه ولا يعجزونه "بل هو قرآن مجيد" أي عظيم كريم "في لوح محفوظ" أي هو في الملأ الأعلى محفوظ من الزيادة والنقص والتحريف والتبديل.
قال ابن جرير : حدثنا عمرو بن علي , حدثنا قرة بن سليمان , حدثنا حرب بن سريج , حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك في قوله تعالى: " بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ " قال: إن اللوح المحفوظ الذي ذكر الله "بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ" في جبهة إسرافيل. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو صالح , حدثنا معاوية بن صالح أن أبا الأعبس هو عبد الرحمن بن سلمان قال: ما من شيء قضى الله: القرآن, فما قبله وما بعده إلا وهو في اللوح المحفوظ, واللوح المحفوظ بين عيني إسرافيل لا يؤذن له بالنظر فيه, وقال الحسن البصري : إن هذا القرآن المجيد عند الله في لوح محفوظ ينزل منه ما يشاء على من يشاء من خلقه, وقد روى البغوي من طريق إسحاق بن بشر : أخبرني مقاتل وابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن في صدر اللوح لا إله إلا الله و حده, دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله, فمن آمن بالله وصدق بوعده واتبع رسله أدخله الجنة, قال: واللوح لوح من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض, وعرضه ما بين المشرق والمغرب, وحافتاه من الدر والياقوت, ودفتاه ياقوتة حمراء, وقلمه نور, وكلامه معقود بالعرش, وأصله في حجر ملك.
وقال مقاتل : اللوح المحفوظ عن يمين العرش, وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة , حدثنا منجاب بن الحارث , حدثنا إبراهيم بن يوسف , حدثنا زياد بن عبد الله عن ليث عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء صفحاتها من ياقوتة حمراء, قلمه نور وكتابه نور, لله فيه في كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة, يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويفعل ما يشاء" آخر تفسير سورة البروج, ولله الحمد والمنة.
ثم ذكر سبحانه ما أعد للمؤمنين الذين أحرقوا بالنار فقال: 11- "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات" وظاهر الآية العموم، فيدخل في ذلك المحرقون في الأخدود بسبب إيمانهم دخولاً أولياً، والمعنى: أن الجامعين بين الإيمان وعمل الصالحات "لهم جنات تجري من تحتها الأنهار": أي لهم بسبب الإيمان والعمل الصالح جنات متصفة بهذه الصفة. وقد تقدم كيفية جري الأنهار من تحت الجنات في غير موضع، وأوضحنا أنه إن أريد بالجنات الأشجار فجري الأنهار من تحتها واضح، وإن أريد بها الأرض المشتملة عليها فالتحتية باعتبار جزئها الظاهر وهو الشجر لأنها ساترة لساحتها، والإشارة بقوله: "ذلك" إلى ما تقدم ذكره مما أعده الله لهم: أي ذلك المذكور "الفوز الكبير" الذي لا يعدله فوز ولا يقاربه ولا يطانيه، والفوز الظفر بالمطلوب.
ثم ذكر ما أعد للمؤمنين فقال: 11- "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير".
واختلفوا في جواب القسم: فقال بعضهم: جوابه: "قتل أصحاب الأخدود"، يعني لقد قتل.
وقيل: فيه تقديم وتأخير، تقديره: قتل أصحاب الأخدود والسماء ذات البروج.
11-" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير " إذ الدنيا وما فيها تصغر دونه .
11. Lo! those who believe and do good works, theirs will be Gardens underneath which rivers flow. That is the Great Success.
11 - For those who believe and do righteous deeds, will be Gardens beneath which Rivers flow: that is the great Salvation, (the fulfillment of all desires),