11 - (فلا) فهلا (اقتحم العقبة) اجتازها
وقوله : " فلا اقتحم العقبة " يقول تعالى ذكره : فلم يركب العقبة ، فيقطعها ويجوزها . وذكر أن العقبة : جبل في جهنم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا يحيى بن كثير ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، عن ا لحسن ، في قوله " فلا اقتحم العقبة " قال : عقبة في جهنم .
حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد ، قال : ثنا عبد الله بن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية ، عن ابن عمر ، في قوله " فلا اقتحم العقبة " جبل في جهنم .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله " فلا اقتحم العقبة " قال : جهنم .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " فلا اقتحم العقبة " إنها قحمة شديدة ، فاقتحموها بطاعة الله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " فلا اقتحم العقبة " قال : : للنار عقبة دون الجسر .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا وهب بن جرير ، قال : ثنا أبي ، قال : سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزي بن أبي حبيب ، عن شعيب بن زرعة ، عن حنش ، عن كعب ، أنه قال " فلا اقتحم العقبة " قال : هو سبعون درجة في جهنم .
وأفرد قوله " فلا اقتحم العقبة " بذكر ( لا) مرة واحدة ، والعرب لا تكاد تفردها في كلام في مثل هذا الموضع ، حتى يكرروها مع كلام آخر ، كما قال " فلا صدق ولا صلى " [ القيامة : 31] " ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " [ البقرة : 112] . وإنما فعل ذلك كذلك في هذا الموضع ، استغناء بدلالة لآخر الكلام على معناه ، من إعاتها مرة أخرى ، وذلك قوله إذا فسر اقتحام العقبة ، قال : " فك رقبة * أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة * ثم كان من الذين آمنوا " ، ففسر ذلك بأشياء ثلاثة ، فكان كأنه في أول الكلام ، قال : فلا فعل ذا ولا ذا . وتأول ذلك ابن زيد ، بمعنى : أفلا ، ومن تأوله كذلك ، لم يكن به حاجة إلى أن يزعم أن في الكلام متروكاً .
ذكر الخبر بذلك عن ابن زيد :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، وقرأ قول الله " فلا اقتحم العقبة " قال : أفلا سلك الطريق التي منها النجاة والخير ، ثم قال" وما أدراك ما العقبة " ؟
قوله تعالى:" فلا اقتحم العقبة " أي فهلا أنفق ماله الذي أنفقه في عداوة محمد، هلا أنفقه لاقتحام العقبة فيأمن! والاقتحام: الرمي بالنفس في شيء من غير روية، يقال منه: قحم في الأمر قحوماً: أي رمى بنفسه فيه من غير روية. وقحم الفرس فارسه تقحيماً على وجهه: إذا رماه. وتقحيم النفس في الشيء: إدخالها فيه من غير روية. والقحمة (بالضم)المهلكة، والسنة الشديدة. يقال: أصابت الأعراب القحمة: إذا أصابهم قحط، فدخلوا الريف. والقحم: صعاب الطريق. وقال الفراء والزجاج: وذكر (لا) مرة واحدة، والعرب لا تكاد تفرد (لا) مع الفعل الماضي في مثل هذا الموضع، حتى يعيدوها في كلام آخر، كقوله تعالى:" فلا صدق ولا صلى" [ القيامة:31] " ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" [ البقرة:62]. وإنما أفردوها لدلالة آخر الكلام على معناه، فيجوز أن يكون قوله:" ثم كان من الذين آمنوا" قائماً مقام التكرير، كأنه قال: فلا اقتحم العقبة ولا آمن. وقيل: هو جارمجرى الدعاء، كقوله : لا نجا ولا سلم. قوله تعالى:" وما أدراك ما العقبة"؟ قال سفيان بن عيينة: كل شيء قال فيه (وما أدراك)؟ فإنه أخبر به، وكل شيء قال فيه (وما يدريك)؟ فإنه لم يخبر به. وقال: معنى" فلا اقتحم العقبة" أي فلم يقتحم العقبة، كقول زهير:
وكان طوى كشحا على مستكنة فلا هو أبداها ولم يتقدم
أي فلم يبدها ولم يتقدم. وكذا قال المبرد وأبو علي (لا): بمعنى لم . وذكره البخاري عن مجاهد. أي فلم يقتحم العقبة في الدنيا، فلا يحتاج إلى التكرير، ثم فسر العقبة وركوبها فقال: " فك رقبة" وكذا وكذا، فبين وجوهاً من القرب المالية. وقال ابن زيد وجماعة من المفسرين: معنى الكلام الاستفهام الذي معناه الإنكار، تقديره: أفلا اقتحم العقبة، أو هلا اقتحم العقبة. يقول: هلا أنفق ماله الإنكار، تقديره: أفلا اقتحم العقبة، أو هلا اقتحم العقبة. يقول: ماله في فك الرقاب، وإطعام السغبان، ليجاوز به العقبة، فيكون خيراً له من إنفاقه في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم. ثم قيل: اقتحام العقبة ها هنا ضرب مثل، أي هل تحمل عظام الأمور في إنفاقه ماله في طاعة ربه، والإيمان به. وهذا إنما يليق بقول من حمل" فلا اقتحم العقبة" على الدعاء، أي فلا نجا ولا سلم من لم ينفق ماله في كذا وكذا. وقيل: شبه عظم الذنوب وثقلها وشدتها بعقبة، فإذا أعتق رقبة وعمل صالحاً، كان مثله كمثل من اقتحم العقبة، وهي الذنوب التي أن العقبة مصعدها سبعة آلاف سنة، ومهبطها سبعة آلاف سنة. وقال الحسن وقتادة : هي عقبة شديدة في النار دون الجسر، فاقتحموها بطاعة الله. وقال مجاهد والضحاك والكلبي: هي الصراط يضرب على جهنم كحد السيف، مسيرة ثلاثة آلاف سنة، سهلاً وصعوداً وهبوطاً. واقتحامه على المؤمن كما بين صلاة العصر إلى العشاء. وقيل: اقتحامه عليه قدر ما يصلي صلاة المكتوبة. وروي عن أبي الدرداء أنه قال: إن وراءنا عقبة، أنجي الناس منها أخفهم حملاً. وقيل النار نفسها هي العقبة. فروى أبو رجاء عن الحسن قال: بلغنا انه ما من مسلم يعتق رقبة إلا كانت فداءه من النار. وعن عبد الله بن عمر قال: من أعتق رقبة أعتق الله عز وجل بكل عضو منها عضواً منه. "وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:(من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً من أعضائه من النار، حتى فرجه بفرجه). "وفي الترمذي " عن أبي أمامه وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلماً، كان فكاكه من النارن يجزي كل عضو منه عضواً منه، وأيما امرأة أعتق مسلمة، كانت فكاكها من النار، يجزي كل عضو منها عضواً منها). " قال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقيل: العقبة خلاصة من هول العرض. وقال قتادة وكعب : هي نار دون الجسر. وقال الحسن: هي والله عقبة شديدة: مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان. وأنشد بعضهم:
إني بليت بأربع يرميني بالنبل قد نصبوا علي شراكا
إبليس والدنيا ونفسي والهوى من أين أرجو بينهن فكاكا
يا رب ساعدني بعفو إنني أصبحت لا أرجو لهن سواكا
هذا قسم من الله تبارك وتعالى بمكة أم القرى في حال كون الساكن فيها حالاً لينبه على عظمة قدرها في حال إحرام أهلها, قال خصيف عن مجاهد "لا أقسم بهذا البلد" لا رد عليهم. أقسم بهذا البلد. وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس "لا أقسم بهذا البلد" يعني مكة "وأنت حل بهذا البلد" قال أنت با محمد يحل لك أن تقابل به, وكذا روي عن سعيد بن جبير وأبي صالح وعطية والضحاك وقتادة والسدي وابن زيد , وقال مجاهد ما أصبت فيه فهو حلال لك, وقال قتادة : "وأنت حل بهذا البلد" قال: أنت به من غير حرج ولا إثم, وقال الحسن البصري أحلها الله له ساعة من نهار, وهذا المعنى الذي قالوه ورد به الحديث المتفق على صحته. "إن هذا البلد حرم الله يوم خلق السموات والأرض, فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه, وإنما أحلت لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس, ألا فليبلغ الشاهد الغائب" وفي لفظ آخر: "فإن أحد ترخص بقتال رسول الله فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم".
وقوله تعالى: "ووالد وما ولد" قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا ابن عطية عن شريك عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: "ووالد وما ولد" الوالد الذي يلد وما ولد العاقر الذي لا يولد له, ورواه ابن أبي حاتم من حديث شريك وهو ابن عبد الله القاضي به, وقال عكرمة الوالد العاقر وما ولد الذي يلد رواه ابن أبي حاتم . وقال مجاهد وأبو صالح وقتادة والضحاك وسفيان الثوري وسعيد بن حبير والسدي والحسن البصري وخصيف وشرحبيل بن سعد وغيرهم: يعني بالوالد آدم وما ولد ولده, وهذا الذي ذهب إليه مجاهد وأصحابه حسن قوي, لأنه تعالى لما أقسم بأم القرى وهي أم المساكن أقسم بعده بالساكن وهو آدم أبو البشر وولده, وقال أبو عمران الجوني : هو إبراهيم وذريته, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم , واختار ابن جرير أنه عام في كل والد وولده وهو محتمل أيضاً.
وقوله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في كبد" روي عن ابن مسعود وابن عباس وعكرمة ومجاهد وإبراهيم النخعي وخيثمة والضحاك وغيرهم يعني منتصباً, زاد ابن عباس في رواية عنه منتصباً في بطن أمه, والكبد الاستواء والاستقامة, ومعنى هذا القول لقد خلقناه سوياً مستقيماً كقوله تعالى: " يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك " وكقوله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" وقال ابن ابي نجيح وجريج وعطاء عن ابن عباس : في كبد قال في شدة خلق ألم تر إليه وذكر مولده ونبات أسنانه, وقال مجاهد "في كبد" نطفة ثم علقة ثم مضغة يتكبد في الخلق, قال مجاهد : وهو كقوله تعالى: "حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً" وأرضعته كرهاً ومعيشته كره فهو يكابد ذلك, وقال سعيد بن جبير "لقد خلقنا الإنسان في كبد" في شدة وطلب معيشه, وقال عكرمة : في شدة وطول, وقال قتادة : في مشقة. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام حدثنا أبو عاصم أخبرنا عبد الحميد بن جعفر سمعت محمد بن علي أبا جعفر الباقر سأل رجلاً من الأنصار عن قول الله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في كبد" قال: في قيامه واعتداله فلم ينكر عليه أبو جعفر , وروي من طريق أبي مودود سمعت الحسن قرأ هذه الاية "لقد خلقنا الإنسان في كبد" قال: يكابد أمراً من أمر الدنيا وأمراً من أمر الاخرة, وفي رواية: يكابد مضايق الدنيا وشدائد الاخرة, وقال ابن زيد : "لقد خلقنا الإنسان في كبد" قال: آدم خلق في السماء فسمي ذلك الكبد, واختار ابن جرير أن المراد بذلك مكابدة الأمور ومشاقها.
وقوله تعالى: "أيحسب أن لن يقدر عليه أحد" قال الحسن البصري : يعني "أيحسب أن لن يقدر عليه أحد" يأخذ ماله. وقال قتادة "أيحسب أن لن يقدر عليه أحد" قال: ابن آدم يظن أن لن يسأل عن هذا المال من أين اكتسبه, وأين أنفقه, وقال السدي "أيحسب أن لن يقدر عليه أحد" قال الله عز وجل, وقوله تعالى: "يقول أهلكت مالاً لبداً" أي يقول ابن آدم أنفقت مالاً لبداً أي كثيراً قاله مجاهد والحسن وقتادة والسدي وغيرهم "أيحسب أن لم يره أحد" قال مجاهد أي أيحسب أن لم يره الله عز وجل وكذا قال غيره من السلف: وقوله تعالى: "ألم نجعل له عينين" أي يبصر بهما "ولساناً" أي ينطق به فيعبر عما في ضميره "وشفتين" يستعين بهما على الكلام وأكل الطعام وجمالاً لوجهه وفمه.
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي الربيع الدمشقي عن مكحول قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى يا ابن آدم قد أنعمت عليك نعماً عظاماً لا تحصي عددها ولا تطيق شكرها, وإن مما أنعمت عليك أن جعلت لك عينين تنظر بهما وجعلت لهما غطاء, فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك, وإن رأيت ما حرمت عليك فأطبق عليهما غطاءهما, وجعلت لك لساناً وجعلت له غلافاً فانطق بماأمرتك وأحللت لك, فإن عرض عليك ما حرمت عليك فأغلق عليك لسانك. وجعلت لك فرجاً وجعلت لك ستراً, فأصب بفرجك ما أحللت لك, فإن عرض عليك ماحرمت عليك فأرخ عليك سترك, ابن آدم إنك لا تحمل سخطي ولا تطيق انتقامي". "وهديناه النجدين" الطريقين قال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله هو ابن مسعود "وهديناه النجدين" قال: الخير والشر, وكذا روي عن علي وابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبي وائل وأبي صالح ومحمد بن كعب والضحاك وعطاء الخراساني في آخرين,وقال عبد الله بن وهب : أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هما نجدان فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير" تفرد به سنان بن سعد , ويقال سعد بن سنان , وقد وثقه ابن معين , وقال الإمام أحمد والنسائي والجوزجاني منكر الحديث,وقال أحمد : تركت حديثه لاضطرابه , وروى خمسة عشر حديثاً منكرة كلها ما أعرف منها حديثاً واحداً يشبه حديثه حديث الحسن ـ يعني البصري ـ لا يشبه حديث أنس . وقال ابن جرير : حدثني يعقوب حدثنا ابن علية عن أبي رجاء قال: سمعت الحسن يقول "وهديناه النجدين" قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "يا أيها الناس إنهما النجدان نجد الخير ونجد الشر, فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير" وكذا رواه حبيب بن الشهيد ومعمر ويونس بن عبيد وأبو وهب عن الحسن مرسلاً, وهكذا أرسله قتادة وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا عيسى بن عفان عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى: "وهديناه النجدين" قال الثديين, وروي عن الربيع بن خثيم وقتادة وأبي حازم مثل ذلك, ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن وكيع عن عيسى بن عقال به ثم قال: والصواب القول الأول, ونظير هذه الاية قوله تعالى: "إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً * إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً".
11- "فلا اقتحم العقبة" الاقتحام: الرمي بالنفس في شيء من غير روية، يقال منه: قحم في الأمر قحوماً: أي رمى بنفسه فيه من غير روية، وتقحيم النفس في الشيء: إدخالها فيه من غير روية، والقحمة بالضم المهلكة. والعقبة في الأصل الطريق التي في الجبل، سميت بذلك لصعوبة سلوكها، وهو مثل ضربه سبحانه لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة. قال الفراء والزجاج: ذكر سبحانه هنا لا مرة واحدة، والعرب لا تكاد تفرد لا مع الفعل الماضي في مثل هذا الموضع حتى يعيدوها في كلام آخر كقوله: "فلا صدق ولا صلى" وإنما أفرها هنا لدلالة آخر الكلام على معناه، فيجوز أن يكون قوله: ثم كان من الذين آمنوا قائماً مقام التكرير كأنه قال: فلا اقتحم العقبة، ولا آمن. قال المبرد وأبو علي الفارسي: إن لا هنا بمعنى لم: أي فلم يقتحم العقبة، وروي نحو ذلك عن مجاهد، فلهذا لم يحتج إلى التكرير، ومنه قول زهير:
وكان طوى كشحاً على مستكنة فلا هو أبداها ولم يتقدم
أي فلم يبدها ولم يتقدم، وقيل هو جار مجرى الدعاء كقولهم: لا نجاء. قال أبو زيد وجماعة من المفسرين: معنى الكلام هنا الاستفهام الذي بمعنى الإنكار، تقديره: أفلا اقتحم العقبة، أو هلا اقتحم العقبة.
11- "فلا اقتحم العقبة"، يقول: فهلا أنفق ماله فيما يجوز به من فك الرقاب وإطعام السبغان، فيكون خيراً له من إنفاقه على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم، هذا قول ابن زيد وجماعة.
وقيل: "فلا اقتحم العقبة" أي لم يقتحمها ولا جاوزها. والاقتحام: الدخول في الأمر الشديد، وذكر العقبة ها هنا مثل ضربه الله لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة، يقول: لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة ولا طعام، وهذا معنى قول قتادة.
وقيل: إنه شبه ثقل الذنوب على مرتكبها بعقبة، فإذا أعتق رقبة وأطعم كان كمن اقتحم العقبة وجاوزها.
وروي عن ابن عمر: أن هذه العقبة جبل في جهنم.
وقال الحسن وقتادة: عقبة شديدة في النار دون الجسر، فاقتحموها بطاعة الله تعالى.
وقال مجاهد، والضحاك، والكلبي: هي صراط يضرب على جهنم كحد السيف، مسيرة ثلاث آلاف سنة سهلاً وصعوداً وهبوطاً، وإن بجنبتيه كلاليب وخطاطيف كأنها شوك السعدان، فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكردس في النار منكوس، فمن الناس من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح العاصف، ومنهم من يمر كالفارس، ومنهم من يمر عليه كالرجل يعدو، ومنهم من يمر كالرجل يسير، ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم الزالون، ومنهم من يكردس في النار.
قال ابن زيد: يقول فهلا سلك الطريق التي فيها النجاة.
11-" فلا اقتحم العقبة " أي فلم يشكر تلك الأيادي باقتحام العقبة وهو الدخول في أمر شديد ، و " العقبة " الطريق في الجبل استعارها بما فسرها عز وجل به من الفك والإطعام في قوله :
11. But he hath not attempted the Ascent
11 - But he hath made no haste on the path that is steep.