110 - (حتى) غاية لما دل عليه {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا} أي فتراخى نصرهم حتى (إذا استيأس) يئس (الرسل وظنوا) أيقن الرسل (أنهم قد كُذِّبوا) بالتشديد تكذيباً لا إيمان بعده ، والتخفيف أي ظن الأمم أن الرسل أخلفوا ما وعدوا به من النصر (جاءهم نصرنا فننجي) بنونين مشدداً ومخففاً وبنون مشدداً ماض (من نشاء ولا يرد بأسنا) عذابنا (عن القوم المجرمين) المشركين
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى" ، فدعوا من أرسلنا إليهم ،فكذبوهم وردوا ما أتوا به من عند الله ، "حتى إذا استيأس الرسل" ، الذين أرسلناهم إليهم منهم أن يؤمنوا بالله ، ويصدقونهم فيما أتوهم به من عند الله ، وظن الذين أرسلنا إليهم من الأمم المكذبة أن الرسل الذين أرسلناهم قد كذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله ، من وعده إياهم نصرهم عليهم ، "جاءهم نصرنا" .
وذلك قول جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو السائب بن جنادة قال ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس في قوله :"حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ، قال : لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم ،وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ، جاءهم النصر على ذلك ، فننجي من نشاء .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا أبو معاوية الضرير قال ، حدثنا الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس ، بنحوه ، غير أنه قال في حديثه ، قال : أيست الرسل ، ولم يقل : لما أيست .
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا مؤمل قال ، حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : "حتى إذا استيأس الرسل" ، أن يسلم قومهم ، وظن قوم الرسل أن الرسل قد كذبوا ، جاءهم نصرنا .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا مؤمل قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ، قال : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم ، وظن قوهم أن الرسل قد كذبوا ، "جاءهم نصرنا" .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن حصين ، عن عمران السلمي ، عن ابن عباس : "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ، قال : أيس الرسل من قومهم أن يصدقوهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال ، حدثنا جرير ، عن حصين ، عن عمران بن الحارث السلمي ، عن عبد الله ابن عباس في قوله : "حتى إذا استيأس الرسل" ، قال : استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم ، "وظنوا أنهم قد كذبوا" ، قال : ظن قومهم أنهم جاؤوهم بالكذب .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس قال ، سمعت حصيناً ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس : حتى إذا استيأس الرسل من أن يستجيب لهم قومهم ، وظن قومهم أن قد كذبوهم ، "جاءهم نصرنا" .
حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس قال ، حدثنا عبثر قال ، حدثنا حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس في هذه الآية : "حتى إذا استيأس الرسل" ، قال : استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم فيما وعدوا وكذبوا ، "جاءهم نصرنا" .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس قال : "حتى إذا استيأس الرسل" ، من نصر قومهم ،"وظنوا أنهم قد كذبوا" ، ظن قومهم أنهم قد كذبوهم .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا محمد بن الصباح قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس في قوله : "حتى إذا استيأس الرسل" ، قال : من قومهم أن يؤمنوا بهم ، وأن يستجيبوا له ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ، "جاءهم نصرنا" ، يعني الرسل .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ،عن حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس ، بمثله سواء .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن هرون ، عن عباد القرشي عن عبد الرحمن بن معاوية ، عن ابن عباس : "وظنوا أنهم قد كذبوا" ، خفيفة ، وتأويلها عنده : وظن القوم أن الرسل قد كذبوا .
حدثنا أبو بكر قال ، حدثنا طلق بن غنام ، عن زائدة ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن ابن عباس قال : "حتى إذا استيأس الرسل" ، من قومهم أن يصدقوهم ، وظن قومهم أن قد كذبتهم رسلهم ، "جاءهم نصرنا" .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ، يعني : أيس الرسل من أن يتبعهم قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا ، فينصر الله الرسل ، ويبعث العذاب .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا" ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يطيعوهم ويتبعوهم ، وظن قومهم أن رسلهم كذبوهم ، "جاءهم نصرنا" .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثني محمد بن فضيل ، عن حصين ، عن عمران بن الحارث ، عن ابن عباس : "حتى إذا استيأس الرسل" ، من قومهم ، "وظنوا أنهم قد كذبوا" ، قال : فما أبطأ عليهم إلا من ظن أنهم قد كذبوا .
قال ، حدثنا آدم العسقلاني قال ، حدثنا شعبة قال ، أخبرنا حصين بن عبد الرحمن ، عن عمران بن الحارث قال ، سمعت ابن عباس يقول : "وظنوا أنهم قد كذبوا" ، خفيفةً ، وقال ابن عباس : ظن القوم أن الرسل قد كذبوهم ، خفيفةً .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير في قوله : "حتى إذا استيأس الرسل" ، من قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم .
قال ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن خصيف قال ، سألت سعيد بن جبير عن قوله : "حتى إذا استيأس الرسل" ، من قومهم ، وظن الكفار أنهم هم كذبوا .
حدثني يعقوب و الحسن بن محمد قالا ، حدثنا إسماعيل بن علية قال ، حدثنا كلثوم بن جبر ، عن سعبد بن جبير قوله : "حتى إذا استيأس الرسل" ، من قومهم أن يؤمنوا ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عارم أبو النعمان قال ، حدثنا حماد بن زيد قال ، حدثنا شعيب قال ، حدثني إبراهيم بن أبي حرة الجزري قال : سأل فتى من قريش سعيد بن جبير فقال له : يا أبا عبد الله ،كيف تقرأ هذا الحرف ، فإني إذا أتيت عليه تمنيت أن لا أقرأ هذه السورة : "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ، قال : نعم ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم ،وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوا .
قال : فقال الضحاك بن مزاحم : ما رأيت كاليوم قط رجلاً يدعى إلى علم فيتلكأ ، لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلاً .
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج قال ، حدثنا ربيعة بن كلثوم قال ، حدثني أبي : أن مسلم بن يسار سأل سعيد بن جبير فقال: يا أبا عبد الله ، آية بلغت مني كل مبلغ : "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ، فهذا الموت ، أن تظن الرسل أنهم قد كذبوا ، أو تظن أنهم قد كذبوا ، مخففة ، قال : فقال سعيد بن جبير : يا أبا عبد الرحمن ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم ،وظن قومهم أن الرسل كذبتهم ، "جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين" ،قال : فقام مسلم إلى سعيد فاعتنقه وقال : فرج الله عنك كما فرجت عني .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا يحيى بن عباد قال ، حدثنا وهيب قال ، حدثنا أبو المعلى العطار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباد : "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ، قال : استيأس الرسل من إيمان قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ما كانوا يخبرونهم ويبلغونهم .
قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ،عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "حتى إذا استيأس الرسل" ، أن يصدقهم قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا ، جاء الرسل نصرنا .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ،مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج قال ، حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير في هذه الآية : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبت .
قال ، حدثنا حماد ، عن كلثوم بن جبر قال ، قال لي سعيد بن جبير : سألني سيد من ساداتكم عن هذه الآية فقلت : استيأس الرسل من قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبت .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ، قال : استيأس الرسل أن يؤمن قومهم بهم ،وظن قومهم المشركون أن الرسل قد كذبوا ما وعدهم الله من نصره إياهم عليهم ، وأخلفوا ، وقرأ : "جاءهم نصرنا" ، قال : جاء الرسل النصر حينئذ . قال : وكان أبي يقرؤها : "كذبوا" .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، عن أبي المتوكل ، عن أيوب بن أبي صفوان ، عن عبد الله بن الحارث أنه قال: "حتى إذا استيأس الرسل" ، من إيمان قومهم ، "وظنوا أنهم قد كذبوا" ، وظن القوم أنهم قد كذبوهم فيما جاؤوهم به .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عبد الوهاب ،عن جويبر ، عن الضحاك قال : ظن قومهم أن رسلهم قد كذبوهم فيما وعدوهم به .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن جحش بن زياد الضبي ، عن تميم بن حذلم قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية : "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" قال : استيأس الرسل من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم ، وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كذبوا ، بالتخفيف .
حدثنا ابو المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن ابي المعلى ، عن سعيد بن جبير في قوله : "حتى إذا استيأس الرسل" ، قال : استيأس الرسل من نصر قومهم ،وظن قوم الرسل أن الرسل قد كذبوهم .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير : حتى إذا استيأس الرسل أن يصدقوهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم .
قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : حتى إذا استيأس الرسل أن يصدقهم قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك في قوله : "حتى إذا استيأس الرسل" ، يقول : استيأسوا من قومهم أن يجيبوهم ويؤمنوا بهم ،"وظنوا" ، يقول : وظن قوم الرسل أن الرسل قد كذبوهم الموعد .
قال ابو جعفر : والقراءة على هذا التأويل الذي ذكرنا في قوله : "كذبوا" بضم الكاف وتخفيف الذال . وذلك أيضاً قراءة بعض قرأة أهل المدينة وعامة قرأة أهل الكوفة .
وإنما اخترنا هذا التأويل وهذه القراءة لأن ذلك ، عقيب قوله : "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم" ، فكان ذلك دليلاً على أن إياس الرسل كان من إيمان قومهم الذين أهلكوا ، وأن المضمر في قوله : "وظنوا أنهم قد كذبوا" ، إنما هو من ذكر الذين من قبلهم من الأمم الهالكة . وزاد ذلك وضوحاً أيضاً ، إتباع الله في سياق الخبر عن الرسل وأممهم قوله : "فنجي من نشاء" ، إذ الذين أهلكوا هم الذين ظنوا أن الرسل قد كذبتهم ، فكذبوهم ظناً منهم أنهم قد كذبوهم .
وقد ذهب قوم ممن قرأ هذه القراءة ، إلى غير التأويل الذي اخترنا ، ووجهوا معناه إلى : حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم ، وظنت الرسل أنهم كذبوا فيما وعدوا من النصر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عثمان بن عمر قال ، حدثنا ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة قال: قرأ ابن عباس : "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ، قال : كانوا بشراً ضعفوا ويئسوا .
قال ، حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج قال ، أخبرني ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس قرأ : "وظنوا أنهم قد كذبوا" ، خفيفة ، قال ابن جريج : أقول كما يقول : أخلفوا . قال عبد الله : قال لي ابن عباس : كانوا بشراً . وتلا ابن عباس : ( حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) ، قال ابن جريج : قال ابن أبي مليكة : ذهب بها إلى أنهم ضعفوا فظنوا أنهم أخلفوا .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا مؤمل قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ،عن مسروق عن عبد الله أنه قرأ : "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ، مخففة . قال عبد الله :هو الذي تكره .
قال ، حدثنا أبو عامر قال ، حدثنا سفيان ، عن سليمان ، عن أبي الضحى ، عن مسروق : أن رجلاً سأل عبد الله بن مسعود :"حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ، قال : هو الذي تكره ، مخففةً .
قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير : أنه قال في هذه الآية : "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ، قلت : "كذبوا" ، قال : نعم ، ألم يكونوا بشراً ؟
حدثنا الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ، قال : كانوا بشراً ، قد ظنوا .
قال أبو جعفر : وهذا تأويل وقول ، غيره من التأويل أولى عندي بالصواب ، وخلافه من القول أشبه بصفات الأنبياء . والرسل إن جاز أن يرتابوا بوعد الله إياهم ويشكوا في حقيقة خبره ، مع معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعاينه المرسل إليهم فيعذوا في ذلك ،فإن المرسل إليهم لأولى في ذلك منهم بالعذر . وذلك قول إن قاله قائل لا يخفى أمره .
وقد ذكر هذا التأويل الذي ذكرناه أخيراً عن ابن عباس لعائشة ،فأنكرته أشد النكرة فيما ذكر لنا .
ذكر الرواية بذلك عنها ، رضوان الله عليها .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عثمان بن عمر قال ، حدثنا ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة قال: قرأ ابن عباس : "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ، فقال : كانوا بشراً ، ضعفوا ويئسوا ، قال ابن أبي مليكة : فذكرت ذلك لعروة ، فقال :قالت عائشة : معاذ الله ، ما حدث الله ورسوله شيئاً قط إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت ، ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى ظن الأنبياء أن من تبعهم قد كذبوهم . فكانت تقرؤها : قد كذبوا ، تثقلها .
قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال ، أخبرني ابن أبي مليكة : أن ابن عباس قرأ :"وظنوا أنهم قد كذبوا" ، خفيفة ، قال عبد الله : ثم قال لي ابن عباس : كانوا بشراً ، وتلا ابن عباس : (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) ، قال ابن جريج : قال ابن أبي مليكة : يذهب بها إلى أنهم ضعفوا فظنوا أنهم أخلفوا . قال ابن جريج : قال ابن أبي مليكة : وأخبرني عروة عن عائشة أنها خالفت ذلك وأبته ، وقالت : ما وعد الله محمداً صلى الله عليه وسلم من شيء إلا وقد علم أنه سيكون حتى مات ،ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم . قال ابن أبي مليكة في حديث عروة : كانت عائشة تقرؤها : وظنوا أنهم قد كذبوا ، مثقلة ، للتكذيب .
قال حدثنا سليمان بن داود الهاشمي قال ، حدثنا إبراهيم بن سعد قال ، حدثني صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة قال : قلت لها : قوله :"حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ، قال : قالت عائشة : لقد استيقنوا أنهم قد كذبوا . قلت : "كذبوا" . قالت : معاذ الله ، لم تكن الرسل تظن بربها ، إنما هم أتباع الرسل ، لما استأجر عنهم الوحي ، واشتد عليهم البلاء ، ظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم ، "جاءهم نصرنا" .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم أن يصدقوهم ، وظنت الرسل أن من قد آمن من قومهم قد كذبوهم ، جاءهم نصر الله عند ذلك .
قال ابو جعفر : فهذا ما روي في ذلك عن عائشة ، غير أنها كانت تقرأ : كذبوا ، بالتشديد وضم الكاف ، بمعنى ما ذكرنا عنها : من أن الرسل ظنت بأتباعها الذين قد آمنوا بهم ، أنهم قد كذبوهم فارتدوا عن دينهم ، استبطاءً منهم للنصر .
وقد بينا أن الذي نختار من القراءة في ذلك والتأويل غيره في هذا الحرف خاصةً .
وقال آخرون ممن قرأ قوله : كذبوا ، بضم الكاف وتشديد الذال : معنى ذلك : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم ويصدقوهم ، وظنت الرسل ، بمعنى : واستيقنت ، أنهم قد كذبهم أممهم ، جاءت الرسل نصرتنا . وقالوا : الظن ، في هذا بمعنى العلم ، من قول الشاعر :
فظنوا بألفي فارس متلبب سراتهم في الفارسي المسرد
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ـ وهو قول قتادة : ـ حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم ، وظنوا أنهم قد كذبوا ، أي : استيقنوا أنه لا خبر عند قومهم ولا إيمان ، "جاءهم نصرنا" .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "حتى إذا استيأس الرسل" ، قال : من قومهم ، وظنوا أنهم قد كذبوا ، قال : وعلموا أنهم قد كذبوا ، "جاءهم نصرنا" .
قال أبو جعفر : وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قرأة المدينة والبصرة والشأم ،أعني بتشديد الذال من كذبوا ، وضم كافها .
وهذا التأويل الذي ذهب إليه الحسن و قتادة في ذلك ، إذا قرىء بتشديد الذال وضم الكاف ، خلاف لما ذكرنا من أقوال جميع من حكينا قوله من الصحابة ، لأنه لم يوجه الظن في هذا الموضع منهم احد إلى معنى العلم واليقين ، مع أن الظن إنما استعمله العرب في موضع العلم فيما كان من علم أدرك من جهة الخبر أو من غير وجه المشاهدة والمعاينة . فأما ما كان من علم أدرك من وجه المشاهدة والمعاينة ، فإنها لا تستعمل فيه الظن . لا تكاد تقول : أظنني حياً ، وأظنني إنساناً ، بمعنى : أعلمني إنساناً ، وأعلمني حياً . والرسل الذين كذبتهم أممهم ، لا شك أنها كانت لأممها شاهدة ، ولتكذيبها إياها منها سامعة ، فيقال فيها : ظنت بأممها أنها كذبتها .
وروي عن مجاهد في ذلك قول هو خلاف جميع ما ذكرنا من أقوال الماضين الذي سمينا أسماءهم وذكرنا أقوالهم ، وتأويل خلاف تأويلهم ، وقراءة غير قراءة جميعهم ، وهو أنه ، فيما ذكر عنه ، كان يقرأ : وظنوا أنهم قد كذبوا ، بفتح الكاف والذال وتخفيف الذال .
ذكر الرواية عنه بذلك :
حدثني أحمد بن يوسف قال ، حدثنا أبو عبيد قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد أنه قرأها : كذبوا ، بفتح الكاف بالتخفيف .
وكان يتأوله كما :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ،عن ابن جريج ، عن مجاهد : استيأس الرسل أن يعذب قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا ،"جاءهم نصرنا" ، قال : جاء الرسل نصرنا . قال مجاهد : قال في : المؤمن : ( فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم ) ، قال : قولهم : نحن أعلم منهم ولن نعذب ، وقوله : ( وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) ، قال : حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الحق .
قال ابو جعفر : وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها ، لإجماع الحجة من قرأة الأمصار على خلافها . لو جازت القراءة بذلك ، لاحتمل وجهاً من التأويل ، وهو أحسن مما تأوله مجاهد ، وهو : حتى إذا استيأس الرسل من عذاب الله قومها المكذبة بها ، وظنت الرسل أن قومها قد كذبوا وافتروا على الله بكفرهم بها ، ويكون الظن موجهاً حينئذ إلى معنى العلم ،على ما تأوله الحسن و قتادة .
وأما قوله : "فنجي من نشاء" ، فإن القرأة اختلفت في قراءته .
فقرأه عامة قرأة أهل المدينة ومكة والعراق : فننجي من نشاء . مخففة بنونين ، بمعنى : فننجي نحن من نشاء من رسلنا والمؤمنين بنا ، دون الكافرين الذين كذبوا رسلنا ، إذا جاء الرسل نصرنا .
واعتل الذين قرأوا ذلك كذلك ، أنه إنما كتب في المصحف بنون واحدة ، وحكمه أن يكون بنونين ، لأن إحدى النونين حرف من أصل الكلمة من : أنجى ينجي ، والأخرى النون التي تأتي لمعنى الدلالة على الاستقبال من فعل جماعة مخبرة عن أنفسها ، لأنهما حرفان ، أعني النونين ، من جنس واحد يخفى الثاني منهما عن الإظهار في الكلام ، فحذفت من الخط ، واجتزىء بالمثبتة من المحذوفة ، كما يفعل ذلك في الحرفين اللذين يدغم أحدهما في صاحبه .
وقرأ ذلك بعض الكوفيين على هذا المعنى ، غير أنه أدغم النون الثانية وشدد الجيم .
وقرأه آخر منهم بتشديد الجيم ونصب الياء ، على معنى فعل ذلك به ، من : نجيته أنجيه .
وقرأ ذلك بعض المكيين : فنجا من نشاء بفتح النون والتخفيف ، من : نجا ينجو .
قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءة من قرأ : فننجي من نشاء ، بنونين ، لأن ذلك هو القراءة التي عليها القرأة في الأمصار ، وما خالفه ممن قرأ ذلك ببعض الوجوه التي ذكرناها ، فمنفرد بقراءته عما عليه الحجة مجمعة من القرأة . وغير جائز خلاف ما كان مستفيضاً بالقراءة في قرأة الأمصار .
قال أبو جعفر : وتأويل الكلام : فننجي الرسل ومن نشاء من عبادنا المؤمنين إذا جاء نصرنا ، كما :
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فننجي من نشاء ، فننجي الرسل ومن نشاء ، "ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين" ، وذلك أن الله تبارك وتعالى بعث الرسل فدعوا قومهم ، وأخبروهم أنه من أطاع نجا ، ومن عصا عذب وغوى .
وقوله : "ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين" ، يقول : ولا ترد عقوبتنا وبطشنا بمن بطشنا به من أهل الكفر بنا وعن القوم الذي أجرموا فكفروا بالله ، وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده .
قوله تعالى: " حتى إذا استيأس الرسل " تقدم القراءة فيه ومعناه. " وظنوا أنهم قد كذبوا " وهذه الآية فيها تنزيه الأنبياء وعصمتهم عما لا يليق بهم. وهذا الباب عظيم، وخطره جسيم، ينبغي الوقوف عليه لئلا يزل الإنسان فيكون في سواء الجحيم. المعنى: وما أرسلنا قبلك يا محمد إلا رجالاً ثم لم نعاقب أممهم بالعذاب. ( حتى إذا استيأس الرسل) أي يئسوا من إيمان قومهم. ( وظنوا أنهم قد كذبوا) بالتشديد، أي أيقنوا أن قومهم كذبوهم. وقيل المعنى: حسبوا أن من آمن بهم من قومهم كذبوهم، لا أن القوم كذبوا، ولكن الأنبياء ظنوا وحسبوا أنهم يكذبونهم، أي خافوا أن يدخل قلوب أتباعهم شك، فيكون ( وظنوا) على بابه في هذا التأويل. وقرأ ابن عباس وابن مسعود وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو جعفر بن القعقاع والحسن وقتادة وأبو رجاء العطاردي وعاصم وحمزة والكسائي ويحيى بن وثاب والأعمش وخلف ( كذبوا) بالتخفيف، أي ظن القوم أن الرسل كذبوهم فيما أخبروه به من العذاب، ولم يصدقوا. وقيل: المعنى ظن الأمم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا به من نصرهم. وفي رواية ابن عباس، ظن الرسل أن الله أخلف ما وعدهم. وقيل: لم تصح هذه الرواية، لأنه لا يظن بالرسل هذا الظن، ومن ظن هذا الظن لا يستحق النظر، فكيف قال: " جاءهم نصرنا "؟! قال القشيري أبو نصر : ولا يبعد إن صحت الرواية أن المراد خطر بقلوب الرسل هذا من غير أن يتحققوه في نفوسهم، وفي الخبر: إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم ينطق به لسان أو تعمل به. ويجوز أن يقال: قربوا من ذلك الظن، كقولك: بلغت المنزل، أي قرب منه. وذكر الثعلبي و النحاس عن ابن عباس قال: كانوا بشراً فضعفوا من طول البلاء، ونسوا وظنوا أنهم أخلفوا، ثم تلا: " حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله " ( البقرة: 214). وقال الترمذي الحكيم : وجهه عندنا أن الرسل كانت تخاف بعدما وعد الله النصر، لا من تهمة لوعد الله، ولكن لتهمة النفوس أن تكون قد أحدثت حدثاً ينقض ذلك الشرط والعهد الذي عهد إليهم، فكانت إذا طالت عليهم المدة دخلهم الإياس والظنون من هذا الوجه. وقال المهدوي عن ابن عباس: ظنت الرسل أنهم قد أخلفوا على ما يلحق البشر، واستشهد بقول إبراهيم عليه السلام: " رب أرني كيف تحيي الموتى " ( البقرة: 260) الآية. والقراءة الأولى أولى. وقرأ مجاهد وحميد - ( قد كذبوا) بفتح الكاف والذال مخففاً، على معنى: وظن قوم الرسل أن الرسل قد ذكبوا، لما رأوا من تفضل الله عز وجل في تأخير العذاب. ويجوز أن يكون المعنى: ولما أيقن الرسل أن قومهم قد كذبوا على الله بكفرهم جاء الرسل نصرنا. وفي البخاري عن عروة عن عائشة قالت له وهو يسألها عن قول الله عز وجل: " حتى إذا استيأس الرسل " قال قلت: أكذبوا أم كذبوا؟ قالت عائشة: كذبوا: فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن؟ قالت: أجل! لعمري! لقد استيقنوا بذلك، فقلت لها: ( وظنوا أنهم قد كذبوا) قالت: معاذ الله! لم تكن الرسل تظن ذلك بربها. قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل) ممن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن أتباعهم ( قد) كذبوهم جاءهم نصرنا عند ذلك. وفي قوله تعالى: " جاءهم نصرنا " قولان: أحدهما: جاء الرسل نصر الله، قاله مجاهد. الثاني: جاء قومهم عذاب الله، قاله ابن عباس. " فنجي من نشاء " قيل: الأنبياء ومن آمن معهم. وروي عن عاصم ( فنجي من نشاء) بنون واحدة مفتوحة الياء، و ( من) في موضع رفع، اسم ما لم يسم فاعله، واختار أبو عبيد هذه القراءة لأنها في مصحف عثمان، وسائر مصاحف البلدان بنون واحدة. وقرأ ابن محيصن ( فنجا) فعل ماض، و ( من) في موضع رفع لأنه الفاعل، وعلى قراءة الباقين نصباً على المفعول. " ولا يرد بأسنا " أي عذابنا. " عن القوم المجرمين " أي الكافرين المشركين.
يذكر تعالى أن نصره ينزل على رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله في أحوج الأوقات إليه, كقوله تعالى: "وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله" الاية, وفي قوله: "كذبوا" قراءتان إحداهما بالتشديد قد كذبوا, وكذلك كانت عائشة رضي الله عنها تقرؤها, قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى: "حتى إذا استيأس الرسل" قال: قلت: أكذبوا أم كذبوا ؟ قالت عائشة كذبوا. قلت فقد استيقنوا أن قومهم قد كذبوهم فما هو بالظن ؟: قالت: أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك, فقلت لها: "وظنوا أنهم قد كذبوا" قالت معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها قلت: فما هذه الاية ؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم, فطال عليهم البلاء, واستأخر عنهم النصر "حتى إذا استيأس الرسل" ممن كذبهم من قومهم, وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم, جاء نصر الله عند ذلك, حدثنا أبو اليمان, أنبأنا شعبة عن الزهري قال: أخبرنا عروة فقلت لها: لعلها قد كذبوا مخففة ؟ قالت: معاذ الله. انتهى ما ذكره.
وقال ابن جريج: أخبرني ابن أبي مليكة أن ابن عباس قرأها "وظنوا أنهم قد كذبوا" خفيفة. قال عبد الله هو ابن أبي مليكة ثم قال لي ابن عباس: كانوا بشراً, ثم تلا "حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب" قال ابن جريج: وقال لي ابن أبي مليكة, وأخبرني عروة عن عائشة أنها خالفت ذلك وأبته, وقالت: ما وعد الله محمداً صلى الله عليه وسلم من شيء إلا قد علم أنه سيكون حتى مات, ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم. قال ابن أبي مليكة في حديث عروة, كانت عائشة تقرؤها "وظنوا أنهم قد كذبوا" مثقلة من التكذيب. وقال ابن أبي حاتم: أنبأنا يونس بن عبد الأعلى قراءة, أنبأنا ابن وهب, أخبرني سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال: جاء إنسان إلى القاسم بن محمد فقال: إن محمد بن كعب القرظي قرأ هذه الاية "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" فقال القاسم: أخبره عني أني سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" تقول: كذبهم أتباعهم إسناد صحيح أيضاً.
والقراءة الثانية بالتخفيف, واختلفوا في تفسيرها, فقال ابن عباس ما تقدم. وعن ابن مسعود فيما رواه سفيان الثوري عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق, عن عبد الله أنه قرأ "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" مخففة, قال عبد الله: هو الذي تكره, وهذا عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما, مخالف لما رواه آخرون عنهما. أما ابن عباس, فروى الأعمش عن مسلم عن ابن عباس في قوله: "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" قال: لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم, جاءهم النصر على ذلك "فنجي من نشاء" وكذا روي عن سعيد بن جبير وعمران بن الحارث السلمي وعبد الرحمن بن معاوية وعلي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس بمثله.
وقال ابن جرير: حدثني المثنى, حدثنا عارم أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد, حدثنا شعيب, حدثنا إبراهيم بن أبي حرة الجزري قال: سأل فتى من قريش سعيد بن جبير فقال له: يا أبا عبد الله كيف هذا الحرف, فإني إذا أتيت عليه تمنيت أن لا أقرأ هذه السورة "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" ؟ قال: نعم حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم, وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا, فقال الضحاك بن مزاحم: ما رأيت كاليوم قط رجلاً يدعى إلى علم فيتلكأ, ولو رحلت إلى اليمن في هذه كان قليلاً, ثم روى ابن جرير أيضاً من وجه آخر أن مسلم بن يسار سأل سعيد بن جبير عن ذلك, فأجابه بهذا الجواب, فقام إلى سعيد فاعتنقه وقال: فرج الله عنك كما فرجت عني, وهكذا روي من غير وجه عن سعيد بن جبير أنه فسرها كذلك, وكذا فسرها مجاهد بن جبر وغير واحد من السلف حتى إن مجاهداً قرأها "وظنوا أنهم قد كذبوا" بفتح الذال. رواه ابن جرير إلا أن بعض من فسرها كذلك يعيد الضمير في قوله "وظنوا أنهم قد كذبوا" إلى أتباع الرسل من المؤمنين, ومنهم من يعيده إلى الكافرين منهم, أي وظن الكفار أن الرسل قد كذبوا مخففة فيما وعدوا به من النصر. وأما ابن مسعود, فقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثنا محمد بن فضيل عن جحش بن زياد الضبي عن تميم بن حذلم قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الاية "حتى إذا استيأس الرسل" من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كذبوا بالتخفيف ـ فهاتان الروايتان عن كل من ابن مسعود وابن عباس, وقد أنكرت ذلك عائشة على من فسرها بذلك, وانتصر لها ابن جرير, ووجه المشهور عن الجمهور وزيف القول الاخر بالكلية, ورده وأباه ولم يقبله ولا ارتضاه , والله أعلم.
وقرأ الباقون بالتحتية 110- "حتى إذا استيأس الرسل" هذه الغاية لمحذوف دل عليه الكلام، وتقديره: وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالاً ولم نعاجل أممهم الذين لم يؤمنوا بما جاءوا به بالعقوبة "حتى إذا استيأس الرسل" من النصر بعقوبة قومهم، أو حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم لانهماكهم في الكفر "وظنوا أنهم قد كذبوا". قرأ ابن عباس وابن مسعود وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو جعفر بن القعقاع والحسن وقتادة وأبو رجاء العطاردي وعاصم وحمزة والكسائي ويحيى بن وثاب والأعمش وخلفكذبوا بالتخفيف:ظن القوم أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروا به من العذاب ولم يصدقوا، وقيل المعنى: ظن القوم أن الرسل قد كذبوهم فيما ادعوا من نصرهم، وقيل المعنى: وظن الرسل أنها قد كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون عليهم، أو كذبهم رجاؤهم للنصر. وقرأ الباقون كذيوا بالتشديد، والمعنى عليها واضح: أي ظن الرسل بأن قومهم قد كذبوهم فيما وعدوهم به من العذاب، ويجوز في هذا أن يكون فاعل ظن القوم المرسل إليهم على معنى أنهم ظنوا أن الرسل قد كذبوا فيما جاءوا به من الوعد والوعيد. وقرأ مجاهد وحميد قد كذبوا بفتح الكاف والذال مخففتين على معنى: وظن قوم الرسل أن الرسل قد كذبوا، وقد قيل إن الظن في هذه الآية بمعنى اليقين، لأن الرسل قد تيقنوا أن قومهم كذبوهم، وليس ذلك مجرد ظن منهم، والذي ينبغي أن يفسر الظن باليقين في مثل هذه الصورة ويفسر بمعناه الأصلي فيما يحصل فيه مجرد ظن فقط من الصور السابقة "جاءهم نصرنا" أي فجاء الرسل نصر الله سبحانه فجأة، أو جاء قوم الرسل الذين كذبوهم نصر الله لرسله بإيقاع العذاب على المكذبين " فنجي من نشاء " قرأ عاصم فنجي بنون واحدة. وقرأ الباقون فننجي بنونين، واختار أبو عبيدة القراءة الأولى، لأنها في مصحف عثمان كذلك. وقرأ ابن محيصن فنجا على البناء للفاعل، فتكون من على القراءة الأولى في محل رفع على أنها نائب الفاعل، وتكون على القراءة الثانية في محل نصب على أنها مفعول، وعلى القراءة الثالثة في محل رفع على أنها فاعل، والذين نجام الله هم الرسل ومن آمن معهم، وهلك المكذبون "ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين" عند نزوله بهم، وفيه بيان من يشاء الله نجاته من العذاب وهم من عدا هؤلاء المجرمين.
110-"حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا"، اختلف القراء في قوله: "كذبوا":
وقرأ أهل الكوفة وأبو جعفر: "كذبوا" بالتخفيف وكانت عائشة تنكر هذه القراءة.
وقرأ الآخرون بالتشديد.
فمن شدد قال: معناه حتى استيأس الرسل من إيمان قومهم.
روي عن مجاهد أنه قرأ: وقد كذبوا، بفتح الكاف والذال مخففة، ولها تأويلان: أحدهما، معناه: أن القوم المشركين ظنوا أن الرسل قد كذبوا. والثاني: معناه: أن الرسل ظنوا -أي: علموا- أن قومهم قد افتروا على الله بكفرهم من إيمان قومهم.
وظنوا: أي أيقنوا -يعني الرسل- أن الأمم قد كذبوهم تكذيبا لا يرجى بعد إيمانهم.
والظن بمعنى اليقين: وهذا معنى قول قتادة.
وقال بعضهم: معناه: حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم أن يصدقوهم، وظنوا أن من آمن بهم من قومهم قد كذبوهم، وارتدوا عن دينهم، لشدة المحنة والبلاء عليهم واستبطاء النصر. ومن قرأ بالتخفيف قال: معناه: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظنوا أي: ظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم في وعيد العذاب.
وروي عن ابن عباس: معناه ضعف قلوب الرسل، يعني: وظنت الرسل أنهم كذبوا فيما وعدوا من النصر. وكانوا بشرا فضعفوا ويئسوا وظنوا أنهم أخلفوا، ثم تلا: "حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله" (البقرة-214) أي: جاء الرسل نصرنا.
"فنجي من نشاء"، قرأ العامة بنونين، أي: نحن ننجي من نشاء. وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم ويعقوب بنون واحدة مضمومة وتشديد الجيم وفتح الياء على ما لم يسم فاعله لأنها مكتوبة في المصحف بنون واحدة، فيكون محل "من" رفعا، على هذه القراءة. وعلى القراءة الأولى يكون نصبا، فنجي من نشاء عن نزول العذاب، وهم المؤمنون المطيعون.
" ولا يرد بأسنا" عذابنا، "عن القوم المجرمين" يعني المشركين.
110."حتى إذا استيأس الرسل"غاية محذوف دل عليه الكلام أي لا يغررهم تمادي أيامهم فإن من قبلهم أمهلوا حتى أيس الرسل عن النصر عليهم في الدنيا،أو عن إيمانهم لانهماكهم في الكفر مترفهين متمادين فيه من غير وازع. "وظنوا أنهم قد كذبوا" أي كذبتم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون ، أو كذبهم القوم بوعد الإيمان. وقيل الضمير للمرسل إليهم أي وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم بالدعوة والوعيد.وقيل الأول للمرسل إليهم والثاني للرسل أو وظنوا أن الرسل قد كذبوا وأخلفوا فيما وعد لهم من النصر وخلط الأمر عليهم . وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن الرسل ظنوا أنهم أخلفوا ما وعدهم الله من النصر ،إن صح فقد أراد بالظن ما يهجس في القلب على طريق الوسوسة . هذا وأن المراد به المبالغة في التراخي والإمهال على سبيل التمثيل .وقرأ غير الكوفيين بالتشديد أي وظن الرسل أن القوم قد كذبوهم فيما أوعدوهم. وقرئ "كذبوا" بالتخفيف وبناء الفاعل أي وظنوا أنهم قد كذبوا فيما حدثوا به عند قومهم لما تراخى عنهم ولم يروا له أثراً"جاءهم نصرنا فنجي من نشاء"النبي والمؤمنون إنما لم يعينهم للدلالة على أنهم الذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم لا يشاركهم فيه غيرهم وقرأ
ابن عامر وعاصم ويعقوب على لفظ الماضي المبني للمفعول وقرئ فنجا"ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين"إذا نزل بهم وفيه بيان للمشيئين
110. Till, when the messengers despaired and thought that they were denied, then came unto them Our help, and whom We would was saved. And our wrath cannot be warded from the guilty.
110 - (Respite will be granted) until, when the Apostles give up hope (of their people) and (come to) think that they were treated as liars, there reaches them our help, and those whom we will are delivered into safety. but never will be warded off our punishment from those who are in sin.