110 - (ثم إن ربك للذين هاجروا) إلى المدينة (من بعد ما فتنوا) عذبوا وتلفظوا بالكفر وفي قراءة بالبناء للفاعل أي كفروا أو فتنوا الناس عن الإيمان (ثم جاهدوا وصبروا) على الطاعة (إن ربك من بعدها) أي الفتنة (لغفور) لهم (رحيم) بهم وخبر إن الأولى دل عليه خبر الثانية
ك وأخرج ابن سعد في الطبقات عن عمر بن الحكم قال كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدري ما يقول وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول وكان أبو فكيهة يعذب حتى لا يدري ما يقول وبلال وعامر بن فهيرة وقوم من المسلمين وفيهم نزلت هذه الآية ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا
يقول تعالى ذكره : ثم إن ربك يا محمد للذين هاجروا من ديارهم ومساكنهم وعشائرهم من المشركين ، وانتقلوا عنهم إلى ديار أهل الإسلام ومساكنهم وأهل ولايتهم ، من بعد ما فتنهم المشركون الذين كانوا بين أظهرهم قبل هجرتهم عن دينهم ، ثم جاهدوا المشركين بعد ذلك يأيديهم بالسيف وبألسنتهم بالبراءة منهم ، ومما يعبدون من دون الله ، وصبروا على جهادهم "إن ربك من بعدها لغفور رحيم" يقول : إن ربك من بعد فعلتهم هذه لهم لغفور ، يقول : لذو ستر على ما كان منهم من إعطاء المشركين ما أرادوا منهم من كلمة الكفر بألسنتهم ، وهم لغيرها مضمرون ،وللإيمان معتقدون ، رحيم بها أن يعاقبهم عليها مع إنابتهم إلى الله وتوبتهم .
وذكر عن بعض أهل التأويل أن هذه الآية نزلت في قوم من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانوا تخلفوا بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فاشتد المشركون عليهم حتى فتنوهم عن دينهم ، فأيسوا من التوبة ، فأنزل الله فيهم هذه الآية ، فهاجروا ولحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال :حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال :حدثنا ورقاء ، جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان" قال : ناس من أهل مكة آمنوا ، فكتب إليهم بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، أن هاجروا ، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا ، فخرجوا يريدون المدينة ، فأدركتهم قريش بالطريق ، ففتنوهم وكفروا مكرهين ،ففيهم نزلت هذه الآية .
حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ،عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .
قال ابن جريج : قال الله تعالى ذكره "من كفر بالله من بعد إيمانه" ثم نسخ واستثنى ، فقال "ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم" .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله "ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم" ذكر لنا أنه لما أنزل الله أن أهل مكة لا يقبل منهم إسلام حتى يهاجروا ، كتب بها أهل المدينة إلى اصحابهم من أهل مكة ،فلما جاءهم ذلك تبايعوا بينهم على أن يخرجوا ، فإن لحق بهم المشركون من أهل مكة قاتلوهم حتى ينجو أو يلحقوا بالله ، فخرجوا فأدركهم المشركون ، فقاتلوهم ، فمنهم من قتل ، ومنهم من نجا ، فأنزل الله تعالى "ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا" .... الآية .
حدثنا أحمد بن منصور ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا محمد بن شريك ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان قوم من أهل مكة أسلموا ، وكانوا يستخفون بالإسلام ، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم ، فأصيب بعضهم ،وقتل بعض ،فقال المسلمون : كان أصحابنا هؤلاء مسلمين ، وأكرهوا فاستغفروا لهم ، فنزلت ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) ...... إلى آخر الاية ، قال : وكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين هذه الآية لا عذر لهم ، قال : فخرجوا فلحقهم المشركون ، فأعطوهم الفتنة ، فنزلت هذه الآية ( ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ) ... إلى آخر الآية ، فكتب المسلمون إليهم بذلك ، فخرجوا وأيسوا من كل خير ، ثم نزلت فيهم "ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم" فكتبوا إليهم بذلك : إن الله قد جعل لكم مخرجاً ، فخرجوا ، فأدركهم المشركون فقاتلوهم ، ثم نجا من نجا ، وقتل من قتل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر وعياش بن ابي ربيعة ، والوليد بن الوليد "ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا" .
وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في شأن ابن أبي سرح .
ذكر من قال ذلك :
حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة و الحسن البصري ، قالا في سورة النحل "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم" ثم نسخ واستثنى من ذلك ، فقال "ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم" وهو عبد الله بن أبي سرح الذي كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأزله الشيطان ، فلحق بالكفار ، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم فتح مكة ،فاستجار له أبو عمرو ، فأجاره النبي صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى " ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا " هذا كله في عمار والمعنى صبروا على الجهاد ذكره النحاس وقال قتادة نزلت في قوم خرجوا من مهاجرين إلى المدينة بعد أن فتنهم المشركون وعذبوهم وقد تقدم ذكرهم في هذه السورة وقيل : نزلت في ابن أبي سرح وكان قد ارتد ولحق بالمشركين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله يوم فتح مكة ، فاستجار بعثمان فأجاره النبي صلى الله عليه وسلم ذكره النسائي عن عكرمة عن ابن عباس قال في سورة النحل" من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره" إلى قوله" ولهم عذاب "فنسخ "عظيم" واستثنى من ذلك فقال" ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم "وهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح الذي كان على مصر ، كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأزله الشيطان فلحق بالكفار فأمر به أن يقتل يوم الفتح فاستجار له عثمان بن عفان فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هؤلاء صنف آخر كانو مستضعفين بمكة مهانين في قومهم فوافقوهم على الفتنة, ثم إنهم أمكنهم الخلاص بالهجرة فتركوا بلادهم وأهليهم وأموالهم ابتغاء رضوان الله وغفرانه, وانتظموا في سلك المؤمنين, وجاهدوا معهم الكافرين, وصبروا, فأخبر تعالى أنه من بعدها, أي تلك الفعلة وهي الإجابة إلى الفتنة لغفور لهم رحيم بهم يوم معادهم "يوم تأتي كل نفس تجادل" أي تحاج "عن نفسها" ليس أحد يحاج عنها لا أب ولا ابن ولا أخ ولا زوجة "وتوفى كل نفس ما عملت" أي من خير وشر "وهم لا يظلمون" أي لا ينقص من ثواب الخير, ولا يزاد على ثواب الشر, ولا يظلمون نقيراً.
110- "ثم إن ربك للذين هاجروا" من دار الكفر إلى دار الإسلام، وخبر إن محذوف، والتقدير لغفور رحيم، وإنما حذف لدلالة خبر "إن ربك" المتأخرة عليه، وقيل الخبر هو للذين هاجروا: أي إن ربك لهم بالولاية والنصرة لا عليهم، وفيه بعد، وقيل إن خبرها هو قوله " لغفور رحيم "، وإن ربك الثانية تأكيد للأولى. قال في الكشاف: ثم ها هنا للدلالة على تباعد حال هؤلاء، يعني الذين نزلت الآية فيهم عن حال أولئك، وهم عمار وأصحابه، ويدل على ذلك ما روي أنها نزلت في عبد الله بن أبي سرح، وسيأتي بيان ذلك "من بعد ما فتنوا" أي فتنهم الكفار بتعذيبهم لهم ليرجعوا في الكفر، وقرئ "فتنوا" على البناء للفاعل: أي الذين فتنوا المؤمنين وعذبوهم على الإسلام "ثم جاهدوا" في سبيل الله وصبروا على ما أصابهم من الكفار، وعلى ما يلقونه من مشاق التكليف " لغفور رحيم " أي كثير الغفران والرحمة لهم، ومعنى الآية على قراءة من قرأ "فتنوا" على البناء للفاعل واضح ظاهر: أي إن ربك لهؤلاء الكفار الذين فتنوا من أسلم وعذبوهم ثم جاهدوا وصبروا لغفور رحيم، وأما على قراءة البناء للمفعول وهي قراءة الجمهور، فالمعنى: أن هؤلاء المفتونين الذين تكلموا بكلمة الكفر مكرهين وصدورهم غير منشرحة للكفر إذا صلحت أعمالهم وجاهدوا في الله وصبروا على المكاره لغفور لهم رحيم بهم، وأما إذا كان سبب الآية هذه هو عبد الله بن أبي سرح الذي ارتد عن الإسلام ثم رجع بعد ذلك إلى الإسلام، فالمعنى: أن هذا المفتون في دينه بالردة إذا أسلم وجاهد وصبر فالله غفور له رحيم به، والضمير في بعدها يرجع إلى الفتنة أو إلى المهاجرة والجهاد والصبر، أو إلى الجميع.
110 - " ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا " ، عذبوا ومنعوا من الإسلام ، فتنهم المشركون ، " ثم جاهدوا وصبروا " على الإيمان والهجرة والجهاد ، " إن ربك من بعدها " ، من بعد تلك الفتنة والغفلة " لغفور رحيم " .
نزلت في عياش بن أبي ربيعة ، أخي أبي جهل من الرضاعة ، وفي أبي جندل بن سهيل بن عمرو ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وسلمة بن هشام وعبد الله بن أسيد الثقفي ، فتنهم المشركون فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم، ثم إنهم هاجروا بعد ذلك وجاهدوا .
وقال الحسن و عكرمة : نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فاستزله الشيطان ، فلحق بالكفار ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله يوم فتح مكة ، فاستجاره له عثمان ، وكان أخاه لأمه من الرضاعة ،فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إنه أسلم وحسن إسلامه ، فأنزل الله هذه الآية .
وقرأ ابن عامر " فتنوا " بفتح الفاء والتاء ، ورده إلى من أسلم من المشركين فتنوا المسلمين .
110."ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا"أي عذبوا كعمار رضي الله تعالى عنه بالولاية والنصر ، و"ثم"لتباعد حال هؤلاء عن حال أولئك، وقرأ ابن عامرفتنوا بالفتح أي من بعد ما عذبوا المؤمنين كالحضرمي أكره مولاه جبراً حتى ارتد ثم أسلم وهاجر ."ثم جاهدوا وصبروا"على الجهاد وما أصابهم من المشاق ."إن ربك من بعدها"من بعد الهجرة والجهاد والصبر . "لغفور"، لما فعلوا قبل ."رحيم"منعم عليهم مجازاة على ما صنعوا بعد.
110. Then lo! thy Lord for those who become fugitives after they had been persecuted, and then fought and were steadfast lo! thy Lord afterward is (for them) indeed Forgiving, Merciful
110 - But verily thy Lord, to those who leave their homes after trials and persecutions, and who thereafter strive and fight for the faith and patiently persevere, thy Lord, after all this is oft forgiving, Most Merciful.