111 - (قالوا أنؤمن) نصدق (لك) لقولك (واتبعك) وفي قراءة وأتباعك جمع تابع مبتدأ (الأرذلون) السفلة كالحاكة والأسافكة
يقول تعالى ذكره : قال قوم نوح له مجيبيه عن قيله لهم : إني لكم رسول أمين ، فاتقوا الله وأطيعون قالوا : أنؤمن لك يا نوح ، ونقر بتصديقك فيما تدعونا إليه ، وإنما اتبعك منا الأرذلون دون دوي الشرف وأهل البيوتات " قال وما علمي بما كانوا يعملون " قال نوح لقومه : وما علمي بما كان أتباعي يعملون ، إنما لي منهم ظاهر أمرهم دون باطنه ، ولم أكلف علم باطنهم ، وإنما كلفت الظاهر ، فمن أظهر حسنا ظننت به حسنا ، ومن أظهر سيئا ظننت به سيئا " إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون " يقول : إن حساب باطن أمرهم الذي خفي عني إلا على ربي لو تشعرون ، فإنه يعلم سر أمرهم وعلانيته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : " إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون " قال : هو أعلم بما في نفوسهم .
قوله تعالى : " قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون " فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : " قالوا أنؤمن لك " أي نصدق قولك . " واتبعك الأرذلون " والواو للحال وفيه إضمار قد ، أي وقد اتبعك . " الأرذلون " جمع الأرذل ، المكسر الأرذل والأثنى الرذلى والجمع الرذل . قال الحسن : ولا يجوز حذف الألف واللام في شيء من هذا عند أحد من النحويين علمناه . وقرأ ابن مسعود و الضحاك ويعقوب الحضرمي وغيرهم ، واتباعك الأرذلون . النحاس وهي قراءة حسنة ، وهذه الواو أكثرها تتبعها الأسماء والأفعال بقد . وأتباع جمع تبع وتبيع يكون للواحد والجمع . قال الشاعر :
له تبع قد يعلم الناس أنه على من يداني صيف وربيع
ارتفع اتباعك يجوز أن يكون بالابتداء و( الأرذلون) والخبر ، التقدير أنؤمن لك وإنما أتباعك الأرذلون . ويجوز أن يكون معطوفاً على الضمير في قوله : " أنؤمن لك " والتقدير : أنؤمن لك نحن وأتباعك الأرذلون فنعد منهم ، وحسن ذلك الفصل بقوله : " لك " وقد مضى القول في الأراذل في سورة ( هود ) مستوفى . ونزيده هنا بياناً وهي المسألة :
الثانية : فقيل : إن الذين آمنوا به بنوه ونساؤه وكناته وبنو بنيه . واختلف هل كان معهم غيرهم أم لا . وعلى أي الوجهين كان فالكل صالحون ، وقد قال نوح : " ونجني ومن معي من المؤمنين " والذين معه هم الذين اتبعوه ، ولا يلحقهم من قول الكفرة شين ولا ذم بل الأرذلون هم المكذبون لهم . قال السهلي : وقد أغرق كثير من العوام بمقالة رويت في تفسير هذه الآية : هم الحاكة والحجامون . ولو كانوا حاكة كما زعموا لكان إيمانهم بنبي الله واتباعهم له مشرفاً كما تشرف بلال وسلمان بسبقهما للإسلام ، فهما من وجنه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم ، فلا ذرية نوح كانوا حاكة ولا حجامين ، ولا قول الكفرة في الحاكة والحجامين إن كانوا آمنوا بهم أرذلون ما يلحق اليوم بحاكتنا ذماً ولا نقصاً ، لأن هذه حكاية عن قول الكفرة إلا أن يجعل الكفرة حجة ومقالتهم أصلاً ، وهذا جهل عظيم وقد أعلم الله تعالى أن الصناعات ليست بضائرة في الدين .
يقولون: لا نؤمن لك, ولا نتبعك ونتساوى في ذلك بهؤلاء الأراذل, الذين اتبعوك وصدقوك وهم أراذلنا, ولهذا "قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون * قال وما علمي بما كانوا يعملون" أي وأي شيء يلزمني من اتباع هؤلاء لي ؟ ولو كانوا على أي شيء كانوا عليه, لا يلزمني التنقيب عنهم والبحث والفحص, إنما علي أن أقبل منهم تصديقهم إياي, وأكل سرائرهم إلى الله عز وجل "إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون * وما أنا بطارد المؤمنين" كأنهم سألوا منه أن يبعدهم عنه ويتابعوه, فأبى عليهم ذلك وقال "وما أنا بطارد المؤمنين * إن أنا إلا نذير مبين" أي إنما بعثت نذيراً, فمن أطاعني واتبعني وصدقني كان مني وأنا منه, سواء كان شريفاً أو وضيعاً, أو جليلاً أو حقيراً.
111- "قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون" وهم جمع أرذل، وجمع التكسير أرذال، والأنثى رذلى، وهم الأقلون جاهاً ومالاً والرذاله الخسة والذلة، استرذلوهم لقلة أموالهم وجاههم، أو لا تضاع أنسابهم. وقيل كانوا من أهل الصناعات الخسيسة، وقد تقدم تفسير هذه الآيات في هود. وقرأ ابن مسعود والضحاك ويعقوب الحضرمي " واتبعك الأرذلون " قال النحاس: وهي قراءة حسنة، لأن هذه الواو تتبعها الأسماء كثيراً، وأتباع جمع تابع، فأجابهم نوح بقوله: "وما علمي بما كانوا يعملون" كان زائدة، والمعنى: وما علمين بعلمهم: أي لم أكلف العلم بأعمالهم، إنما كلفت أن أدعوعم إلى الإيمان والاعتبار به، لا بالحرف والصنائع والفقر والغنى، وكأنهم أشاروا بقولهم: "واتبعك الأرذلون" إلى أن إيمانهم لم يكن عن نظر صحيح فأجابهم بهذا وقيل المعنى: إني لم أعلم أن الله سيهديهم ويضلكم.
111- "قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون"، قرأ يعقوب: وأتباعك الأرذلون السفلة. وعن ابن عباس قال: الصاغة. وقال عكرمة الحاكة والأساكفة.
111 -" قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون " الأقلون جاهاً ومالاً جمع الأرذل على الصحة ، وقرأ يعقوب (( وأتباعك )) وهو جمع تابع كشاهد وأشهاد أو تبع كبطل وأبطال ، وهذا من سخافة عقلهم وقصور رأيهم على الحطام الدنيوية ، حتى جعلوا اتباع المقلين فيها مانعاً على اتباعهم وإيمانهم بما يدعوهم إليه ودليلاً على بطلانه ، وأشاروا بذلك إلى أن اتباعهم ليس عن نظر وبصيرة وإنما هو لتوقع مال ورفعة فلذلك :
111. They said: Shall we put faith in thee, when the lowest (of the people) follow thee?
111 - They said: Shall we believe in thee when it is the meanest that follow thee?