(يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك) الموصوفون بما ذكر الله (من الصالحين) ومنهم من ليسوا كذلك وليسوا من الصالحين
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل وعز: "يؤمنون بالله واليوم الآخر"، يصدقون بالله وبالبعث بعد الممات ، ويعلمون أن الله مجازيهم بأعمالهم، وليسوا كالمشركين الذين يجحدون وحدانية الله ، ويعبدون معه غيره ، ويكذبون بالبعث بعد الممات ، وينكرون المجازاة على الأعمال ، والثواب والعقاب.
وقوله: "ويأمرون بالمعروف"، يقول: يأمرون الناس بالإيمان بالله ورسله ، وتصديق محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به، "وينهون عن المنكر"، يقول: وينهون الناس عن الكفر بالله، وتكذيب محمد وما جاءهم به من عند الله، يعني بذلك: أنهم ليسوا كاليهود والنصارى الذين يأمرون الناس بالكفر وتكذيب محمد فيما جاءهم به، وينهونهم عن المعروف من الأعمال ، وهو تصديق محمد فيما أتاهم به من عند الله، "ويسارعون في الخيرات"، يقول : ويبتدرون فعل الخيرات خشية أن يفوتهم ذلك قبل معالجتهم مناياهم.
ثم أخبر جل ثناؤه أن هؤلاء الذين هذه صفتهم من أهل الكتاب، هم من عداد الصالحين، لأن من كان منهم فاسقاً، قد باء بغضب من الله لكفره بالله وآياته ، وقتلهم الأنبياء بغير حق ، وعصيانه ربه واعتدائه في حدوده.
" يؤمنون بالله " يعني يقرون بالله ويصدقون لمحمد صلى الله عليه وسلم . " ويأمرون بالمعروف " قيل : هو عموم . وقيل يراد به الأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم . " وينهون عن المنكر " والنهي عن المنكر النهي عن مخالفته . " ويسارعون في الخيرات " التي يعملونها مبادرين غير متثاقلين لمعرفته بقدر ثوابهم . وقيل : يبادرون بالعمل قبل الفوت . " وأولئك من الصالحين " أي مع الصالحين ، وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة .
قال ابن أبي نجيح : زعم الحسن بن يزيد العجلي , عن ابن مسعود في قوله تعالى: "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة" قال: لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم, وهكذا قال السدي . ويؤيد هذا القول الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا أبو النضر وحسن بن موسى , قالا: حدثنا شيبان عن عاصم , عن زر , عن ابن مسعود قال: " أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء, ثم خرج إلى المسجد, فإذا الناس ينتظرون الصلاة, فقال : أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم" قال: فنزلت هذه الايات " ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين * وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين " والمشهور عند كثير من المفسرين كما ذكره محمد بن إسحاق وغيره, ورواه العوفي عن ابن عباس ـ أن هذه الايات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب, كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وغيرهم, أي لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب, وهؤلاء الذين أسلموا, ولهذا قال تعالى: "ليسوا سواء" أي ليسوا كلهم على حد سواء, بل منهم المؤمن ومنهم المجرم, ولهذا قال تعالى: "من أهل الكتاب أمة قائمة" أي قائمة بأمر الله مطيعة لشرعه, متبعة نبي الله , فهي قائمة, يعني مستقيمة "يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون" أي يقومون الليل ويكثرون التهجد, ويتلون القرآن في صلواتهم " يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين " وهؤلاء هم المذكورون في آخر السورة "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله" الاية, ولهذا قال تعالى ههنا "وما يفعلوا من خير فلن يكفروه" اي لا يضيع عند الله, بل يجزيهم به أوفر الجزاء "والله عليم بالمتقين" أي لا يخفى عليه عمل عامل, ولا يضيع لديه أجر من أحسن عملاً. ثم قال تعالى مخبراً عن الكفرة المشركين بأنه "لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً" أي لا يرد عنهم بأس الله ولا عذابه إذا أراده بهم "وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" ثم ضرب مثلاً لما ينفقه الكفار في هذه الدار, قاله مجاهد والحسن والسدي , فقال تعالى: "مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر" أي برد شديد, قاله ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم. وقال عطاء : برد وجليد, وعن ابن عباس أيضاً و مجاهد "فيها صر" أي نار وهو يرجع إلى الأول, فإن البرد الشديد ولا سيما الجليد يحرق الزروع والثمار, كما يحرق الشيء بالنار "أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته" أي فأحرقته, يعني بذلك السفعة إذا نزلت على حرث قد آن جذاذه أو حصاده, فدمرته وأعدمت ما فيه من ثمر أو زرع, فذهبت به وأفسدته, فعدمه صاحبه أحوج ما كان إليه. فكذلك الكفار يمحق الله ثواب أعمالهم في هذه الدنيا وثمرتها, كما أذهب ثمرة هذا الحرث بذنوب صاحبه. وكذلك هؤلاء بنوها على غير أصل وعلى غير أساس "وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون".
وقوله 114- "يؤمنون بالله" صفة أخرى لأمة: أي يؤمنون بالله وكتبه ورسله، ورأس ذلك الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وقوله "ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" صفتان أيضاً لأمة: أي أن هذا من شأنهم وصفتهم. وظاهره يفيد أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على العموم، وقيل: المراد بالأمر بالمعروف هنا أمرهم باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وبالنهي عن المنكر نهيهم عن مخالفته. وقوله "ويسارعون في الخيرات" من جملة الصفات أيضاً: أي يبادرون بها غير متثاقلين عن تأديتها لمعرفتهم بقدر ثوابها. وقوله " وأولئك من الصالحين" أي من جملتهم، وقيل من بمعنى مع: أي مع الصالحين وهم الصحابة رضي الله عنهم، والظاهر أن المراد كل صالح، والإشارة بقوله "أولئك" إلى الأمة الموصوفة بتلك الصفات.
114-قوله تعالى :" يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ".
114"يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات" صفات أخر لأمة وصفهم بخصائص ما كانت في اليهود، فإنهم منحرفون عن الحق غير متعبدين في الليل مشركون بالله ملحدون في صفاته، واصفون اليوم الآخر بخلاف صفته، مداهنون في الاحتساب متباطئون عن الخيرات.
"وأولئك من الصالحين" أي الموصوفون بتلك الصفات ممن صلحت أحوالهم عند الله واستحقوا رضاه وثناءه.
114. They believe in Allah and the Last Day, and enjoin right conduct and forbid indecency, and vie one with another in good works. They are of the righteous.
114 - They believe in God and the last day; they enjoin what is right, and forbid what is wrong; and they hasten (in emulation) in (all) good works: they are in the ranks of the righteous