ونزل لما طعن اليهود في نسخ القبلة أو في صلاة النافلة على الراحلة في السفر حيثما توجهت (ولله المشرق والمغرب) أي الأرض كلها لأنهما ناحيتاها (فأين ما تولوا) وجوهكم في الصلاة بأمره (فثم) هناك (وجه الله) قبلته التي رضيها (إن الله واسع) يسع فضله كل شيء (عليم) بتدبير خلقه
قوله تعالى ولله المشرق والمغرب أخرج مسلم والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت به وهو جاء من مكة إلى المدينة ثم قرأ ابن عمر ولله المشرق والمغرب وقال في هذا نزلت هذه الآية
وأخرج الحاكم عنه قال أنزلت فأينما تولوا فثم وجه الله أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك في التطوع وقال صحيح على شرط مسلم هذا أصح ما ورد في الآية إسنادا وقد اعتمده جماعة لكنه ليس فيه تصريح بذكر السبب بل قال أنزلت في كذا وقد تقدم ما فيه وقد ورد التصريح بسبب نزولها
فأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها بضعة عشر شهرا وكان يحب قبلة إبراهيم وكان يدعو الله وينظر إلى السماء فأنزل الله فولوا وجوهكم شطره فارتاب في ذلك اليهود قالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله قل لله المشرق والمغرب وقال فأينما تولوا فثم وجه الله إسناده
قوي والمعنى أيضا يساعده فليعتمد
وفي الآية روايات أخر ضعيفة فأخرج الترمذي وابن ماجة والدارقطني من طريق أشعث السمان عن عاصم بن عبد الله عن عبد الله بن عامر ابن ربيعه عن أبيه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا على حيإله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت فأينما تولوا فثم وجه الله قال الترمذي غريب وأشعث يضعف الحديث
وأخرج الدارقطني وابن مردويه من طريق العرزمي عن عطاء عن جابر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة فقالت طائفة منا قد عرفنا القبة هي ههنا قبل الشمال فصلوا وخطوا خطوطا وقال بعضنا القبلة ههنا قبل الجنوب فصلوا وخطو خطوطا فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي صلى الله عليه وسلم فسكت وأنزل الله ولله المشرق والغرب الآية
ك وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأخذتهم ضبابة فلم يهتدوا إلى القبلة فصلوا ثم استبان لهم بعد ما طلعت الشمس أنهم صلوا لغير القبلة فلما جاءوا إلى رسول الله حدثوه فأنزل الله هذه الآية ولله المشرق والغرب الآية
وأخرج ابن جرير عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أخا لكم قد مات يعني النجاشي فصلوا عليه قالوا نصلي على رجل ليس بمسلم فنزلت وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله الآية قالوا فإنه كان لا يصلي إلى القبلة فأنزل الله ولله المشرق والمغرب الآية غريب جدا وهو مرسل أو معضل
ك وأخرج ابن جرير أيضا عن مجاهد قال لما نزلت ادعوني استجب لكم قالوا إلى أين فنزلت أينما تولوا فثم وجه الله
قال أبو جعفر: قد دللنا فيما مضى قبل،على أن تأويل الظلم ،وضع الشيء في غير موضعه. وتأويل قوله: "ومن أظلم "،وأي امرىء أشد تعديًا وجراءة على الله وخلافاً لأمره، من امرىء منع مساجد الله أن يعبد الله فيها؟.
والمساجد جمع مسجد: وهو كل موضع عبد الله فيه. وقد بينا معنى السجود فيما مضى. فمعنى المسجد: الموضع الذي يسجد لله فيه، كما يقال للموضع الذي يجلس فيه: المجلس، وللموضع الذي ينزل فيه منزل ثم يجمع: منازل ومجالس، نظير مسجد ومساجد. وقد حكي سماعًا من بعض العرب مساجد، في واحد المساجد، وذلك كالخطأ من قائله.
وأما قوله: "أن يذكر فيها اسمه "، فإن فيه وجهين من التأويل. أحدهما: أن يكون معناه:ومن أظلم ممن منع مساجد الله من أن يذكر فيها اسمه، فتكون أن حينئذ نصبًا، من قول بعض أهل العربية بفقد الخافض، وتعلق الفعل بها.
والوجه الآخر: أن يكون معناه: ومن أظلم ممن منع أن يذكر اسم الله في مساجده، فتكون أن حينئذ في موضع نصب، تكريرًا على موضع المساجد وردًا عليه.
وأما قوله: "وسعى في خرابها" فإن معناه: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وممن سعى في خراب مساجد الله. فـ سعى إذا، عطف على منع .
فإن قال قائل: ومن الذي عني بقوله: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها"؟ وأي المساجد هي؟.
قيل: إن أهل التأويل في ذلك مختلفون، فقال بعضهم: الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه هم النصارى، والمسجد بيت المقدس. ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه "، إنهم النصارى.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها"، النصارى، كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدمثله.
وقال آخرون: هو بختنصر وجنده ومن أعانهم من النصارى، والمسجد مسجد بيت المقدس.
ذكر من قال ذلك: حدثنا بشربن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قوله: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه "، الآية، أولئك أعداء الله النصارى: حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها"، قال: هو بختنضر وأصحابه، خرب بيت المقدس، وأعانه على ذلك النصارى.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط ، عن السدي: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها"، قال: الروم، كانوا ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس حتى خربه، وأمر به أن تطرح فيه الجيف، وإنما أعانه الروم على خرابه، من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا.
وقال آخرون: بل عني الله عز وجل بهذه الآية، مشركي قريش، إذ منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، حدثنا ابن وهب قال، قال ابن زيد فى قوله: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها"، قال: هؤلاء المشركون، حين حالوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وبين أن يدخل مكة، حتى نحر هديه بذي طوى وهادنهم، وقال لهم: ما كان أحد يرد عن هذا البيت، وقد كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه فما يصده! وقالوا: لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر وفينا باق!.
وفي قوله: "وسعى في خرابها" قال: إذ قطعوا من يعمرها بذكره، ويأتيها للحج والعمرة.
قال أبو جعفر: وأولى التأويلات التي ذكرتها بتأويل الآية، قول من قال: عنى الله عز وجل بقوله: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه "، النصارى. وذلك أنهم هم الذين سعوا في خراب بيت المقدس، وأعانوا بختنضر على ذلك، ومنعوا مؤمني بني إسرائيل من الصلاة فيه بعد منصرف بختنصر عنهم إلى بلاده.
والدليل على صحة ما قلنا في ذلك، قيام الحجة بأن لا قول في معنى هذه الآية إلا أحد الأقوال الثلاثة التي ذكرناها، وأن لا مسجد عنى الله عز وجل بقوله: "وسعى في خرابها" إلا أحد المسجدين: إما مسجد بيت المقدس، وإما المسجد الحرام. وإذ كان ذلك كذلك، وكان معلومًا أن مشركي قريش لم يسعوا قط في تخريب المسجد الحرام، لأن كانوا قد منعوا في بعض الأوقات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الصلاة فيه، صح وثبت أن الذين وصفهم الله عز وجل بالسعي في خراب مساجده، غير الذين وصفهم الله بعمارتها. إذ كان مشركو قريش بنوا المسجد الحرام في الجاهلية، وبعمارته كان افتخارهم، وإن كان بعض أفعالهم فيه، كان منهم على غير الوجه الذي يرضاه الله منهم.
وأخرى، أن الآية التي قبل قوله: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه "، مضت بالخبر عن اليهود والنصارى وذم أفعالهم، والتي بعدها نبهت بذم النصارى والخبر عن افترائهم على ربهم، ولم يجر لقريش ولا لمشركي العرب ذكر، ولا للمسجد الحرام قبلها، فيوجه الخبر بقول الله عز وجل: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه " إليهم وإلى المسجد الحرام.
وإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بالآية أن يوجه تأويلها إليه، وهو ما كان نظير قصة الآية قبلها والأية بعدها، إذ كان خبرها لخبرهما نظيراً وشكلاً، إلا أن تقوم حجة يجب التسليم لها بخلاف ذلك، وإن اتفقت قصصها فاشتبهت.
فإن ظن ظان أن ما قلنا في ذلك ليس كذلك إذ كان المسلمون لم يلزمهم قط فرض الصلاة في المسجد المقدس، فمنعوا من الصلاة فيه فيلجئون، توجيه قوله: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه "، إلى أنه معني به مسجد بيت المقدس فقد أخطأ فيما ظن من ذلك. وذلك أن الله جل ذكره إنما ذكرظلم من منع من كان فرضه الصلاة في بيت المقدس من مؤمني بني إسرائيل، وإياهم قصد بالخبر عنهم بالظلم والسعي في خراب المسجد. وإن كان قد دل بعموم قوله: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه "، أن كل مانع مصليًا في مسجد لله، فرضاً كانت صلاته فيه أو تطوعاً وكل ساع في خرابه، فهو من المعتدين الظالمين.
القول في تأويل قوله جل ذكره: "أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ".
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله عز وجل عمن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، أنه قد حرم عليهم دخول المساجد التي سعوا في تخريبها، ومنعوا عباد الله المؤمنين من ذكر الله عز وجل فيها، ما داموا على مناصبة الحرب، إلا على خوف ووجل من العقوبة على دخولهموها، كالذي: حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين "، وهم اليوم كذلك، لا يوجد نصراني في بيت المقدس إلا نهك ضربًا، وأبلغ إليه في العقوبة.
حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال الله عز وجل: "ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين "، وهم النصارى، فلا يدخلون المسجد إلا مسارقة، إن قدر عليهم عوقبوا.
حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو، قال حدثنا أسباط، عن السدي: "أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين "، فليس في الأرض رومي يدخلها اليوم إلا وهو خائف أن تضرب عنقه، أو قد أخيف بأداء الجزية، فهو يؤديها.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين "، قال:" نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ". قال: فجعل المشركون يقولون: اللهم إنا منعنا أن ننزل!.
وإنما قيل: "أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين "، فأخرج على وجه الخبر عن الجميع، وهو خبر عن "من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه "، لأن من فى معنى الجميع، لإن كان لفظه واحدًا.
القول في تأويل قوله تعالى: " لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ".
قال أبو جعفر: أما قوله عز وجل: "لهم "، فإنه يعني: الذين أخبر عنهم أنهم منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه. أما قوله: "لهم في الدنيا خزي "، فإنه يعني بـ الخزي : العار والشر والذلة، إما القتل والسباء، وإما الذلة والصغار بأداء الجزية، كما:حدثنا الحسن قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "لهم في الدنيا خزي "، قال: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "لهم في الدنيا خزي "، أما خزيهم في الدنيا، فإنهم إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قتلهم. فذلك الخزي. وأما العذاب العظيم، فإنه عذاب جهنم الذي لا يخفف عن أهله، ولا يقضى عليهم فيها فيموتوا. وتأويل الآية: لهم في الدنيا الذلة والهوان والقتل والسبي على منعهم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعيهم في خرابها، ولهم، على معصيتهم وكفرهم بربهم وسعيهم في الأرض فسادًا، عذاب جهنم، وهو العذاب العظيم.
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : "ولله المشرق والمغرب" المشرق موضع الشروق . والمغرب موضع الغروب ، أي هما له ملك وما بينهما من الجهات والمخلوقات بالإيجاد والاختراع ، ما تقدم . وخصهما بالذكر والإضافة إليه تشريفاً ، نحو : بيت الله ، وناقة الله ، ولأن سبب الآية اقتضى ذلك ، على ما يأتي .
الثانية : قوله تعالى : "فأينما تولوا" شرط ، ولذلك حذفت النون ، و أين العاملة ، و ما زائدة ، والجواب "فثم وجه الله" . وقرأ الحسن تولوا بفتح التاءؤ واللام ، والأصل تتولوا . و ثم في موضع نصب على الظرف ، ومعناها البعد ، إلا أنها مبنية على الفتح غير معربة لأنها مبهمة ، تكون بمنزلة هناك للبعد ، فإن أردت القرب قلت هنا .
الثالثة : اختلف العلماء في المعنى الذي نزلت فيه "فأينما تولوا" على خمسة أقوال : فقال عبدالله بن عامر بن ربيعة : نزلت فيمن صلى إلى غير القبلة في ليلة مظلمة ، أخرجه الترمذي عنه عن ابيه قال :
"كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة ، فصلى كل رجل منا على حياله فلم أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت :"فأينما تولوا فثم وجه الله" ".
قال أبو عيسى هذا حديث ليس إسناده بذاك ، لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان ، وأشعث بن سعيد أبو الربيع يضعف في الحديث . وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى هذا ، قالوا : إذا صلى في الغيم لغير القبلة ثم استبان له بعد ذلك أنه صلى لغير القبلة فإن صلاته جائزة ، وبه يقول سفيان و ابن المبارك و أحمد و إسحاق .
قلت : وهو قول أبي حنيفة و مالك ، غير أن مالكاً قال : تستحب له الإعادة في الوقت ، وليس ذلك بواجب عليه ، لأنه قد أدى فرضه على ما أمر ، والكمال يستدرك في الوقت ، استدلالاً بالسنة فيمن صلى وحده ثم أدرك تلك الصلاة في وقتها في جماعة أنه يعيد معهم ، ولا يعيد في الوقت استحباباً إلا من استدبر القبلة أو شرق أو غرب جداً مجتهداً ، وأما من تيامن أو تياسر قليلاً مجتهداً فلا إعادة عليه في وقت ولا غيره . وقال المغيرة و الشافعي : لا يجزيه ، لأن القبلة شرط من شروط الصلاة . وما قاله مالك أصح ، لأن جهة القبلة تبيح الضرورة تركها في المسايفة ، وتبيحها أيضاً الرخصة حالة السفر . وقال ابن عمر : نزلت في المسافر يتنفل حيثما توجهت به راحلته . خرجه مسلم عنه ، قال :
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه" ، قال : وفيه نزلت "فأينما تولوا فثم وجه الله" . ولا خلاف بين العلماء في جواز النافلة على الراحلة لهذا الحديث وما كان مثله . ولا يجوز لأحد أن يدع القبلة عامداً بوجه من الوجوه إلا في شدة الخوف ، على ما يأتي .
واختلف قول مالك في المريض يصلي على محمله ، فمرة قال : لا يصلي على ظهر البعير فريضة وإن اشتد مرضه . قال سحنون : فإن فعل أعاد ، حكاه الباجي . ومرة قال : إن كان ممن لايصلي بالأرض إلا إيماءً فليصل على البعير بعد أن يوقف له ويستقبل القبلة . وأجمعوا على أنه لا يجوز لأحد صحيح أن يصلي فريضة إلا بالأرض إلا في الخوف الشديد خاصة ، على ما يأتي بيانه .
واختلف الفقهاء في المسافر سفراً لا تقصر في مثله الصلاة ، فقال مالك وأصحابه و الثوري : لا يتطوع على الراحلة إلا في سفر تقصر في مثله الصلاة ، قالوا :لأن الأسفار التي حكي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتطوع فيها كانت مما تقصر فيه الصلاة . وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما و الحسن بن حي و الليث بن سعد و داود بن علي : يجوز التطوع على الراحلة خارج المصر في كل سفر ، وسواء كان مما تقصر فيه الصلاة أو لا ، لأن الأثار ليس فيها تخصيص سفر من سفر ، فكل سفر جائز ذلك فيه ، إلا أن يخص شيء من الأسفار بما يجب التسليم له . وقال أبو يوسف يصلي في المصر على الدابة بالإيماء ، لحديث يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك أنه صلى على حمار في أزقة المدينة يومىء إيماء . وقال الطبري يجوز لكل راكب وماش حاضراً كان أو مسافراً أن ينتفل على دابته وراحلته وعلى رجليه بالإيماء . وحكي عن بعض أصحاب الشافعي أن مذهبهم جواز التنفل على الدابة في الحضر والسفر . وقال الأثرم : قيل لـ أحمد بن حنبل الصلاة على الدابة في الحضر ، فقال : أما في السفر فقد سمعت ، وما سمعت في الحضر . قال ابن القاسم : من تنفل في محمله تنفل جالساً ، قيامه تربع ، يركع واضعاً يديه على ركبتيه ثم يرفع رأسه . وقال قتادة : نزلت في النجاشي ، وذلك كأنه :
لما مات دعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى الصلاة عليه خارج المدينة ، فقالوا كيف نصلي على رجل مات ؟ وهو يصلي لغير قلبتنا ، وكان النجاشي ملك الحبشة ـ واسمه أصحمة وهو بالعربية عطية ـ يصلي إلى بيت المقدس حتى مات ، وقد صرفت القبلة إلى الكعبة فنزلت الآية ، ونزل فيه : "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله" . فكان هذا عذراً للنجاشي ، وكانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه سنة تسع من الهجرة . وقد استدل بهذا من اجاز الصلاة على الغائب ، وهو الشافعي . قال ابن العربي : ومن أغرب مسائل الصلاة على الميت ما قال الشافعي : يصلى على الغائب ، وقد كنت ببغداد في مجلس الإمام فخر الإسلام فيدخل عليه الرجل من خراسان فيقول له : كيف حال فلان ؟ فيقول له : مات ، فيقول :إنا لله وإنا إليه راجعون ! ثم يقول لنا : قوموا فلأصل بكم ، فيقوم فيصلي عليه بنا ، وذلك بعد ستة أشهر من المدة وبينه وبين بلده سنة أشهر .
والأصل عندهم في ذلك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي . وقال علماؤنا رحمة الله عليهم : النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مخصوص لثلاثة أوجه :
أحدها : أن الأرض دحيت له جنوباً وشمالاً حتى رأى نعش النجاشي ، كما دحيت له شمالاً وجنوباً حتى رأى المسجد الأقصى . وقال المخالف : وأي فائدة في رؤيته ، وإنما الفائدة في لحوق بركته .
الثاني : أن النجاشي لم يكن له هناك ولي من المؤمنين يقوم بالصلاة عليه . وقال المخالف : هذا محال عادة ! ملك على دين لا يكون له اتباع ، والتأويل بالمحال محال .
الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بالصلاة على النجاشي إدخال الرحمة عليه واستئلاف بقية الملوك بعده إذا رأوا الاهتمام به حياً وميتاً . قال المخالف : بركة الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم ومن سواه تلحق الميت باتفاق . قال ابن العربي : والذي عندي في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي أنه علم أن النجاشي ومن آمن معه ليس عندهم من سنة الصلاة على الميت أثر ، فعلم أنهم سيدفنونه بغير صلاة فبادر إلى الصلاة عليه .
قلت :والتأويل الأول أحسن ، لأنه إذا رآه فما صلى على غائب وإنما صلى على مرئي حاضر ، والغائب ما لا يرى . والله تعالى أعلم .
القول الرابع : قال ابن زيد : كانت اليهود قد استحسنت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وقالوا : ما اهتدى إلا بنا ، فلما حول إلى الكعبة قالت اليهود : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، فنزلت : "ولله المشرق والمغرب" فوجه النظم على هذا القول :أن اليهود لما أنكروا أمر القبلة بين الله تعالى أن له أن يتعبد عباده بما شاء ، فإن شاء أمرهم بالتوجه إلى بيت المقدس ، وإن شاء أمرهم بالتوجه إلى الكعبة فعل . لا حجة عليه ، ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون .
القول الخامس : أن الآية منسوخة بقوله : "وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره" ذكره ابن عباس ، فكأنه كان يجوز في الابتداء أن يصلي المرء كيف شاء ثم نسخ ذلك . وقال قتادة : الناسخ قوله تعالى : "فول وجهك شطر المسجد الحرام" أي تلقاءه ، حكاه أبو عيسى الترمذي .
وقول سادس : روي عن مجاهد والضحاك أنها محكمة ، المعنى : أينما كنتم من شرق وغرب فثم وجه الله الذي أمرنا باستقباله وهو الكعبة . وعن مجاهد أيضاً وابن جبير لما أنزلت : "ادعوني أستجب لكم" قالوا : إلى اين ؟ فنزلت "فأينما تولوا فثم وجه الله" وعن ابن عمر و النخعي : أينما تولوا في أسفاركم ومنصرفاتكم فثم وجه الله . وقيل : هي متصلة بقوله تعالى : "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه" الآية ، فالمعنى أن بلاد الله أيها المؤمنون تسعكم ، فلا يمنعكم تخريب من خرب مساجد أن تولوا وجوهكم نحو قبلة الله أينما كنتم من أرضه . وقيل : نزلت حين صد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت عام الحديبية فاغتم المسلمون لذلك . فهذه عشرة أقوال .
ومن جعلها منسوخة فلا اعتراض عليه من جهة كونها خبراً ، لأنها محتملة لمعنى الأمر . يحتمل ان يكون معنى "فأينما تولوا فثم وجه الله" : ولوا وجوهكم نحو وجه الله ، وهذه الآية هي التي تلا سعيد بن جبير رحمه الله لما أمر الحجاج بذبحه إلى الأرض .
الرابعة : اختلف الناس في تأويل الوجه المضاف إلى الله تعالى في القرآن والسنة ، فقال الحذاق : ذلك راجع إلى الوجود ، والعبارة عنه بالوجه من مجاز الكلام ، إذا كان الوجه أظهر الأعضاء في الشاهد وأجلها قدراً . وقال ابن فورك : قد تذكر صفة الشيء والمراد بها الموصوف توسعاً ، كما يقول القائل : رأيت علم فلان اليوم ، ونظرت إلى علمه ، إنما يريد بذلك رأيت العالم ونظرت إلى العالم ، كذلك إذا ذكر الوجه هنا ، والمراد من له الوجه ، أي الوجوه . وعلى هذا يتأول قول تعالى : "إنما نطعمكم لوجه الله" لأن المراد به : لله الذي له الوجه ، وكذلك قوله : "إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى" أي الذي له الوجه . قال ابن عباس : الوجه عبارة عنه عز وجل ، كما قال : "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" . وقال بعض الأئمة : تلك صفة ثابتة بالسمع زائدة على ما توجبه العقول من صفات القديم تعالى . قال ابن عطية : وضعف أبو المعالي هذا القول ، وهو كذلك ضعيف ، وإنما المراد وجوده . وقيل : المراد بالوجه هنا الجهة التي وجهنا إليها أي القبلة . وقيل : الوجه القصد ، كما قال الشاعر :
استغفر الله ذنباً لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل
وقيل : المعنى فثم رضا الله وثوابه كما قال : "إنما نطعمكم لوجه الله" أي لرضائه وطب ثوابه ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم :
"من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة" . وقوله : "يجاء يوم القيامة بصحف مختمة فتنصب بين يدي الله تعالى فيقول عز وجل لملائكته ألقوا هذا واقبلوا هذا فتقول الملائكة وعزتك يا ربنا ما رأينا إلا خيراً وهو أعلم فيقول إن هذا كان لغير وجهي ولا أقبل من العمل إلا ما ابتغي به وجهي" أي خالصاً لي ، خرجه الدار قطني . وقيل : المراد فثم الله ، والوجه صلة ، وهو كقوله : "وهو معكم" . قاله الكلبي و القتبي ، ونحوه قول المعتزلة .
الخامسة : قوله تعالى : "إن الله واسع عليم" أي يوسع على عباده في دينهم ، ولا يكلفهم ما ليس في وسعهم . وقيل : واسع بمعنى أنه يسع علمه كل شيء ، كما قال : "وسع كل شيء علما" . وقال الفراء : الواسع هو الجواد الذي يسع عطاؤه كل شيء ، دليله قوله تعالى : "ورحمتي وسعت كل شيء" . وقيل : :واسع المغفرة أي لا يتعاظمه ذنب . وقيل : متفضل على العباد وغني عن أعمالهم ، يقال : فلان يسع ما يسئل ، أي لا يبخل ، قال الله تعالى : "لينفق ذو سعة من سعته" أي لينفق الغني مما أعطاه الله . وقد أتينا عليه في الكتاب الأسنى والحمد لله .
وهذا، والله أعلم، فيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، الذين أخرجوا من مكة، وفارقوا مسجدهم ومصلاهم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصلي بمكة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه، فلما قدم المدينة، وجه إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، ثم صرفه الله إلى الكعبة بعد، ولهذا يقول تعالى: "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله"، قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الناسخ والمنسوخ: أخبرنا حجاج بن محمد أخبرنا ابن جريج وعثمان بن عطاء، عن عطاء عن ابن عباس قال: أول ما نسخ لنا من القرآن فيما ذكر لنا، والله أعلم، شأن القبلة. قال الله تعالى: "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله" فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق، ثم صرفه إلى بيته العتيق ونسخها. فقال "ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، وكان أهلها اليهود ، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود ، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم، وكان يدعو وينظر إلى السماء، فأنزل الله "قد نرى تقلب وجهك في السماء" إلى قوله "فولوا وجوهكم شطره" فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، فأنزل الله "قل لله المشرق والمغرب"، وقال: "فأينما تولوا فثم وجه الله" وقال عكرمة عن ابن عباس "فأينما تولوا فثم وجه الله" قال: قبلة الله أينما توجهت شرقاً أو غرباً، وقال مجاهد "فأينما تولوا فثم وجه الله" حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها الكعبة، وقال ابن أبي حاتم بعد رواية الأثر المتقدم عن ابن عباس في نسخ القبلة عن عطاء عنه، وروي عن أبي العالية والحسن وعطاء الخراساني وعكرمة وقتادة والسدي وزيد بن أسلم نحو ذلك، وقال جرير وقال آخرون: بل أنزل الله هذه الاية قبل أن يفرض التوجه إلى الكعبة، وإنما أنزلها ليعلم نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أن لهم التوجه بوجوههم للصلاة حيث شاؤوا من نواحي المشرق والمغرب، لأنهم لا يوجهون وجوههم وجهاً من ذلك وناحية، إلا كان جل ثناؤه في ذلك الوجه وتلك الناحية، لأن له تعالى المشارق والمغارب وأنه لا يخلو منه مكان كما قال تعالى: " ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا "، قالوا: ثم نسخ ذلك بالفرض الذي فرض عليهم التوجه إلى المسجد الحرام هكذا قال. وفي قوله وأنه تعالى لا يخلو منه مكان، إن أراد علمه تعالى فصحيح، فإن علمه تعالى محيط بجميع المعلومات، وأما ذاته تعالى فلا تكون محصورة في شيء من خلقه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. قال ابن جرير وقال آخرون: بل نزلت هذه الاية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذناً من الله أن يصلي المتطوع، حيث توجه من شرق أو غرب، في مسيره في سفره، وفي حال المسايفة وشدة الخوف. حدثنا أبو كريب، أخبرنا ابن إدريس، حدثنا عبد الملك هو ابن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير عن ابن عمر، أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته، ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يفعل ذلك ويتأول هذه الاية "فأينما تولوا فثم وجه الله"، ورواه مسلم والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه، من طرق عن عبد الملك بن أبي سليمان به، وأصله في الصحيحين، من حديث ابن عمر وعامر بن ربيعة، من غير ذكر الاية. وفي صحيح البخاري من حديث نافع عن ابن عمر، وأنه كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها، ثم قال: فإن كان خوف أشد من ذلك، صلوا رجالاً قياماً على أقدامهم وركباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبليها قال نافع: ولا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(مسألة) ولم يفرق الشافعي في المشهور عنه، بين سفر المسافة وسفر العدوى، فالجميع عنه يجوز التطوع فيه على الراحلة، وهو قول أبي حنيفة خلافاً لمالك وجماعته، واختار أبو يوسف وأبو سعيد الإصطخري، التطوع على الدابة في المصر ، وحكاه أبو يوسف عن أنس بن مالك رضي الله عنه، واختاره أبو جعفر الطبري، حتى للماشي أيضاً. قال ابن جرير وقال آخرون: بل نزلت الاية في قوم عميت عليهم القبلة، فلم يعرفوا شطرها فصلوا على أنحاء مختلفة، فقال الله تعالى: لي المشارق والمغارب فأين وليتم وجوهكم فهناك وجهي وهو قبلتكم فيعلمكم بذلك أن صلاتكم ماضية. حدثنا محمد بن إسحاق الأهوازي، أخبرنا أبو أحمد الزبيري أخبرنا أبو الربيع السمان، عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ليلة سوداء مظلمة فنزلنا منزلاً ، فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجداً يصلي فيه، فلما أن أصبحنا إذ نحن قد صلينا إلى غير القبلة، فقلنا يا رسول الله لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة، فأنزل الله تعالى: "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله" الاية، ثم رواه عن سفيان بن وكيع عن أبيه عن أبي الربيع السمان بنحوه. ورواه الترمذي عن محمود بن غيلان عن وكيع وابن ماجه عن يحيى بن حكيم عن أبي داود عن أبي الربيع السمان، ورواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح، عن سعيد بن سليمان عن أبي الربيع السمان، واسمه أشعث بن سعيد البصري، وهو ضعيف الحديث، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وليس إسناده بذاك ولا نعرفه إلا من حديث الأشعث السمان، وأشعث يضعف في الحديث. قلت وشيخه عاصم أيضاً ضعيف. قال البخاري منكر الحديث. وقال ابن معين: ضعيف لا يحتج به. وقال ابن حبان: متروك، والله أعلم.
وقد روى من طريق آخر، عن جابر فقال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسير هذه الاية: أخبرنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل، أخبرنا الحسن بن علي بن شبيب، حدثني أحمد بن عبد الله بن الحسن، قال: وجدت في كتاب أبي أخبرنا عبد الملك العزرمي عن عطاء عن جابر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها فأصابتنا ظلمة، فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منا: قد عرفنا القبلة هي ههنا قبل الشمال فصلوا وخطوا خطوطاً فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي صلى الله عليه وسلم فسكت وأنزل الله تعالى: "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله" ثم رواه من حديث محمد بن عبيد الله العزرمي عن عطاء عن جابر به، وقال الدارقطني قرئ على عبد الله بن عبد العزيز وأنا أسمع حدثكم داود بن عمرو أخبرنا محمد بن يزيد الواسطي عن محمد بن سالم عن عطاء عن جابر، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فأصابنا غيم فتحيرنا فاختلفنا في القبلة فصلى كل رجل منا على حدة وجعل أحدنا يخط بين يديه لنعلم أمكنتنا فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يأمرنا بالإعادة، وقال: قد أجزأت صلاتكم، ثم قال الدارقطني: كذا قال عن محمد بن سالم، وقال غيره عن محمد بن عبيد الله العزرمي عن عطاء وهما ضعيفان، ورواه ابن مردويه أيضاً من حديث الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأخذتهم ضبابة فلم يهتدوا إلى القبلة فصلوا لغير القبلة ثم استبان لهم بعد أن طلعت الشمس أنهم صلوا لغير القبلة، فلما جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثوه فأنزل الله تعالى في هذه الاية "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله" وهذه الأسانيد فيها ضعف، ولعله يشد بعضها بعضاً، وأما إعادة الصلاة لمن تبين له خطؤه ففيها قولان للعلماء وهذه دلائل على عدم القضاء، والله أعلم.
قال ابن جرير وقال آخرون: بل نزلت هذه الاية في سبب النجاشي كما حدثنا محمد بن بشار ، أخبرنا هشام بن معاذ حدثني أبي عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن أخاً لكم قد مات، فصلوا عليه، قالوا نصلي على رجل ليس بمسلم ؟ قال: فنزلت " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله " قال قتادة: فقالوا إنه كان لا يصلي إلى القبلة، فأنزل الله "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله" وهذا غريب، والله أعلم، وقد قيل: إنه كان يصلي إلى بيت المقدس قبل أن يبلغه الناسخ إلى الكعبة، كما حكاه القرطبي عن قتادة، وذكر القرطبي أنه لما مات صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بذلك من ذهب إلى الصلاة على الغائب، قال: وهذا خاص عند أصحابنا من ثلاثة أوجه ـ أحدهما ـ أنه عليه السلام، شاهده حين صلى عليه طويت له الأرض. الثاني أنه لما لم يكن عنده من يصلي عليه صلى عليه واختاره ابن العربي قال القرطبي: ويبعد أن يكون ملك مسلم ليس عنده أحد من قومه على دينه، وقد أجاب ابن العربي عن هذا لعلهم لم يكن عندهم شرعية الصلاة على الميت. وهذا جواب جيد. الثالث أنه عليه الصلاة والسلام إنما صلى عليه ليكون ذلك كالتأليف لبقية الملوك، والله أعلم.
وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسير هذه الاية من حديث أبي معشر عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المدينة وأهل الشام وأهل العراق" وله مناسبة ههنا وقد أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي معشر واسمه نجيح بن عبد الرحمن السدي المدني به "ما بين المشرق والمغرب قبلة" وقال الترمذي وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة وتكلم بعض أهل العلم في أبي معشر من قبل حفظه، ثم قال الترمذي: حدثني الحسن بن بكر المروزي، أخبرنا المعلى بن منصور أخبرنا عبد الله بن جعفر المخرمي، عن عثمان بن محمد بن الأخنس عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين المشرق والمغرب قبلة" ثم قال الترمذي: هذا صحيح، وحكي عن البخاري أنه قال: هذا أقوى من حديث أبي معشر وأصح، قال الترمذي: وقد روي عن غير واحد من الصحابة "ما بين المشرق والمغرب قبلة" منهم عمر بن الخطاب وعلي وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين. وقال ابن عمر : إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة، إذا استقبلت القبلة، ثم قال ابن مردويه: حدثنا علي بن أحمد بن عبد الرحمن أخبرنا يعقوب بن يوسف مولى بني هاشم، أخبرنا شعيب بن أيوب أخبرنا ابن نمير عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين المشرق والمغرب قبلة" وقد رواه الدارقطني والبيهقي: وقال المشهور عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما قوله قال ابن جرير ويحتمل فأينما تولوا وجوهكم في دعائكم لي فهنالك وجهي أستجيب لكم دعاءكم، كما حدثنا القاسم، أخبرنا الحسين حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال مجاهد لما نزلت "ادعوني أستجب لكم" قالوا إلى أين، فنزلت "فأينما تولوا فثم وجه الله" قال ابن جرير : ومعنى قوله "إن الله واسع عليم" يسع خلقه كلهم بالكفاية والجود والإفضال، وأما قوله "عليم" فإنه يعني عليم بأعمالهم ما يغيب عنه منها شيء ولا يعزب عن علمه بل هو بجميعها عليم.
والمشرق: موضع الشروق. والمغرب: موضع الغروب، أي هما ملك الله وما بينهما من الجهات والمخلوقات فيشمل الأرض كلها. قوله: 115- "فأينما تولوا" أي أي جهة تستقبلونها فهناك وجه الله: أي المكان الذي يرتضي لكم استقباله، وذلك يكون عند التباس جهة القبلة التي أمرنا بالتوجه إليها بقوله سبحانه: "فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره" قال في الكشاف: والمعنى أنكم إذا منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام: أي في بيت المقدس فقد جعلت لكم الأرض مسجداً، فصلوا في أي بقعة شئتم من بقاعها، وافعلوا التولية فيها، فإن التولية ممكنة في كل مكان لا تختص أماكنها في مسجد دون مسجد ولا في مكان دون مكان انتهى. وهذا التخصيص لا وجه له فإن اللفظ أوسع منه. وإن كان المقصود به بيان السبب فلا بأس. وقوله: "إن الله واسع عليم" فيه إرشاد إلى سعة رحمته. وأنه يوسع على عباده في دينهم ولا يكلفهم ما ليس في وسعهم، وقيل: واسع بمعنى أنه يسع علمه كل شيء كما قال: "وسع كل شيء علماً" وقال الفراء: الواسع الجواد الذي يسع عطاؤه كل شيء.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن قريشاً منعوا النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام فأنزل الله: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال: هم النصارى. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن جرير عن السدي قال: هم الروم كانوا ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس. وفي قوله: "أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين" قال: فليس في الأرض رومي يدخله اليوم إلا وهو خائف أن يضرب عنقه، وقد أخيف بأداء الجزية فهو يؤديها. وفي قوله: "لهم في الدنيا خزي" قال: أما خزيهم في الدنيا فإنه إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قتلهم فذلك الخزي. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة أنهم الروم. وأخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: هم المشركون حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت يوم الحديبية. وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال: ليس للمشركين أن يدخلوا المسجد إلا خائفين. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله: "لهم في الدنيا خزي" قال: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: أول ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا والله أعلم شأن القبلة، قال الله تعالى: "ولله المشرق والمغرب" الآية، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق، ثم صرفه الله إلى البيت العتيق ونسخها فقال: "ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام". وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته تطوعاً أينما توجهت به، ثم قرأ ابن عمر هذه الآية: "أينما تولوا فثم وجه الله" وقال: في هذا أنزلت هذه الآية. وأخرج نحوه عنه ابن جرير والدارقطني والحاكم وصححه. وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على راحلته قبل المشرق، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل واستقبل القبلة وصلى. وروي نحوه من حديث أنس مرفوعاً. أخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود. وأخرج عبد بن حميد والترمذي وضعفه وابن ماجه وابن جرير وغيرهم عن عامر بن ربيعة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة، فنزلنا منزلاً فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجداً فيصلي فيه، فلما أن اصبحنا إذا نحن قد صلينا على غير القبلة، فقلنا: يا رسول الله لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة، فأنزل الله "ولله المشرق والمغرب" الآية، فقال: مضت صلاتكم. وأخرج الدارقطني وابن مردويه والبيهقي عن جابر مرفوعاً نحوه إلا أنه ذكر أنهم خطوا خطوطاً. وأخرج نحوه ابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعاً. وأخرج نحوه أيضاً سعيد بن منصور وابن المنذر عن عطاء يرفعه وهو مرسل. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: "فثم وجه الله" قال: قبلة لله أينما توجهت شرقاً أو غرباً. وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين المشرق والمغرب قبلة" وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر مثله. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن عمر نحوه.
115. قوله عز وجل " ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله " قال ابن عباس رضي الله عنهما: خرج نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قبل تحويل القبلة إلى الكعبة، فأصابهم الضباب وحضرت الصلاة، فتحروا القبلة وصلوا فلما ذهب الضباب استبان لهم أنهم لم يصيبوا وأنهم مخطئون في تحريهم فلما قدموا سألوا رسول الله عن ذلك فنزلت هذه الآية.
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: نزلت في المسافر يصلي التطوع حيث ما توجهت به راحلته.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا زاهر بن أحمد الفقيه السرخسي أنا أبو اسحاق ابراهيم ابن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته في السفر حيث ما توجهت به)).
قال عكرمة : نزلت في تحويل القبلة، قال أبو العالية : لما صرفت القبلة إلى الكعبة عيرت اليهود المؤمنين وقالوا: ليست لهم قبلة معلومة فتارة يستقبلون هكذا وتارة هكذا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال مجاهد و الحسن : لما نزلت " وقال ربكم ادعوني أستجب لكم " (60-غافر) قالوا: أين ندعوه فأنزل الله عز وجل " ولله المشرق والمغرب " ملكاً وخلقاً " فأينما تولوا فثم وجه الله " يعني أينما تحولوا وجوهكم فثم أي: هناك (رحمة) الله، قال الكلبي فثم الله يعلم ويرى والوجه صلة كقوله تعالى: " كل شيء هالك إلا وجهه " (88-القصص) أي إلا هو، وقال الحسن و مجاهد و قتادة و مقاتل بن حبان : فثم قبلة الله، والوجه والوجهة والجهة القبلة، وقيل: رضا الله تعالى.
" إن الله واسع " أي غني يعطي في السعة، قال الفراء : الواسع الجواد الذي يسع عطاؤه كل شيء، قال الكلبي : واسع المغفرة " عليم " بنياتهم حيثما صلوا ودعوا.
115-" ولله المشرق والمغرب " يريد بهما ناحيتي الأرض ، أي له الأرض كلها لا يختص به مكان دون مكان ، فإن منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام ، أو الأقصى فقد جعلت لكم الأرض مسجداً . " فأينما تولوا " ففي أي مكان فعلتم التولية شطر القبلة " فثم وجه الله " أي جهته التي أمر بها ، فإن إمكان التولية لا يختص بمسجد أو مكان . أو " فثم " ذاته : أي هو عالم مطلع بما يفعل فيه " إن الله واسع " بإحاطته بالأشياء . أو برحمته يريد التوسعة على عباده " عليم " بمصالحهم وأعمالهم في الأماكن كلها وعن ابن عمر رضي الله عنها وأنها نزلت في صلاة المسافر على الراحلة : وقيل : في قوم عميت عليهم القبلة فصلوا إلى أنحاء مختلفة ، فلما أصبحوا تبينوا خطأهم ، وعلى هذا لو أخطأ المجتهد ثم تبين له الخطأ لم يلزمه التدارك . وقيل ، هي توطئة لنسخ القبلة وتنزيه للمعبود أن يكون في حيز وجهة .
115. Unto Allah belong the East and the West, and whither- soever ye turn, there is Allah's countenance. Lo! Allah is All Embracing, All Knowing.
115 - To God belong the East and the west: whithersoever ye turn, there is the presence of God. for God is all pervading, all knowing.