(مثل) صفة (ما ينفقون) أي الكفار (في هذه الحياة الدنيا) في عداوة النبي من صدقة ونحوها (كمثل ريح فيها صِرٌّ) حر أو برد شديد (أصابت حرث) زرع (قوم ظلموا أنفسهم) بالكفر والمعصية (فأهلكته) فلم ينتفعوا به فكذلك نفقاتهم ذاهبة لا ينتفعون بها (وما ظلمهم الله) بضياع نفقاتهم (ولكن أنفسهم يظلمون) بالكفر الموجب لضياعها
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: شبه ما ينفق الذين كفروا، أي : شبه ما يتصدق به الكافر من ماله ، ليعطيه من يعطيه على وجه القربة إلى ربه وهو لوحدانية الله جاحد، ولمحمد صلى الله عليه وسلم مكذب، في أن ذلك غير نافعه مع كفره ، وأنه مضمحل عند حاجته إليه ، ذاهب بعد الذي كان يرجو من عائدة نفعه عليه ، كشبه ريح فيها برد شديد، أصابت هذه الريح التي فيها البرد الشديد، "حرث قوم"، يعني: زرع قوم قد أملوا إدراكه، ورجوا ريعه وعائدة نفعه ، "ظلموا أنفسهم"، يعني: أصحاب الزرع ، عصوا الله وتعدوا حدوده، "فأهلكته"، يعني: فأهلكت الريح التي فيها الصر زرعهم ذلك ، بعد الذي كانوا عليه من الأمل ورجاء عائدة نفعه عليهم.
يقول تعالى ذكره : فكذلك فعل الله بنفقة الكافر وصدقته في حياته، حين يلقاه ، يبطل ثوابها ويخيب رجاؤه منها. وخرج المثل للنفقة، والمراد بـ المثل صنيع الله بالنفقة. فبين ذلك قوله : "كمثل ريح فيها صر"، فهو كما قد بينا في مثله قوله: "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا" [البقرة: 17]، وما أشبه ذلك.
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام : مثل إبطال الله أجر ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا، كمثل ريح فيها صر. وإنما جاز ترك ذكر إبطال الله أجر ذلك، لدلالة آخر الكلام عليه ، وهو قوله: "كمثل ريح فيها صر"، ولمعرفة السامع ذلك معناه.
واختلف أهل التأويل في معنى النفقة التي ذكرها في هذه الآية.
فقال بعضهم: هي النفقة المعروفة في الناس.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: "مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا"، قال : نفقة الكافر في الدنيا.
وقال آخرون: بل ذلك قوله الذي يقوله بلسانه ، مما لا يصدقه بقلبه.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثني أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: "مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته"، يقول : مثل ما يقول فلا يقبل منه ، كمثل هذا الزرع إذا زرعه القوم الظالمون ، فأصابه ريح فيها صر، أصابته فأهلكته . فكذلك أنفقوا، فأهلكهم شركهم.
وقد بينا أولى ذلك بالصواب قبل.
وقد تقدم بياننا تأويل "الحياة الدنيا"، بما فيه الكفاية من إعادته في هذا الموضع.
وأما الصر فإنه شدة البرد، وذلك بعصوف من الشمال في إعصار الطل والأنداء، في صبيحة معتمة بعقب ليلة مصحية، كما:
حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع، عن عثمان بن غياث قال، سمعت عكرمة يقول: "ريح فيها صر"، قال: برد شديد.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج، قال ابن عباس : "ريح فيها صر"، قال : برد شديد وزمهرير.
حدثنا علي بن داود قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس قوله: "ريح فيها صر"، يقول: برد.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان، عن هرون بن عنترة، عن أبيه ، عن ابن عباس : الصر، البرد.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "كمثل ريح فيها صر"، أي: برد شديد.
حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع مثله.
حدثنا محمد قال ، حدثنا أحمد قال ، حدثنا أسباط، عن السدي في الصر، البرد الشديد.
حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس: "كمثل ريح فيها صر"، يقول: ريح فيها برد.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد: "ريح فيها صر"، قال: "صر"، باردة أهلكت حرثهم. قال: والعرب تدعوها الضريب، تأتي الريح باردة فتصبح ضريباً قد أحرق الزرع ، تقول : قد ضرب الليلة، أصابه ضريب تلك الصر التي أصابته.
حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال ، حدثنا جويبر، عن الضحاك: "ريح فيها صر"، قال: ريح فيها برد.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وما فعل الله بهؤلاء الكفار ما فعل بهم ، من إحباطه ثواب أعمالهم وإبطاله أجورها ظلماً منه لهم ، يعني: وضعاً منه لما فعل بهم من ذلك في غير موضعه وعند غير أهله، بل وضع فعله ذلك في موضعه، وفعل بهم ما هم أهله. لأن عملهم الذي عملوه لم يكن لله وهم له بالوحدانية دائنون، ولأمره متبعون، ولرسله مصدقون، بل كان ذلك منهم وهم به مشركون ، ولأمره مخالفون ، ولرسله مكذبون ، بعد تقدم منه إليهم أنه لا يقبل عملاً من عامل إلا مع إخلاص التوحيد له ، والإقرار بنبوة أنبيائه ، وتصديق ما جاؤوهم به ، وتوكيده الحجج بذلك عليهم. فلم يكن -بفعله ما فعل بمن كفر به وخالف أمره في ذلك- بعد الإعذار إليه ، من إحباط وفر عمله ، له ظالماً، بل الكافر هو الظالم نفسه ، لإكسابها من معصية الله وخلاف أمره، ما أوردها به نار جهنم ، وأصلاها به سعير سقر.
قوله تعالى : " مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر " < ما > تصلح أن تكون مصدرية ، وتصلح أن تكون بمعنى الذي والعائد محذوف ، أي مثل ما ينفقونه . ومعنى " كمثل ريح " كمثل مهب ريح . قال ابن عباس : والصر البرد الشديد . قيل : أصله من الصرير الذي هو الصوت ، فهو صوت الريح الشديدة . الزجاج : هو صوت لهب النار التي كانت في تلك الريح . وقد تقدم هذا المعنى في البقرة وفي الحديث : إنه نهى عن الجراد الذي قتله الصر . ومعنى الآية : مثل نفقة الكافرين في بطلانها وذهابها وعدم منفعتها كمثل زرع أصابه ريح باردة أو نار فأحرقته وأهلكته ، فلم ينتفع أصحابه بشيء بعدما كانوا يرجون فائدته ونفعه . قال الله تعالى : " وما ظلمهم الله " بذلك " ولكن أنفسهم يظلمون " بالكفر والمعصية ومنع حق الله تعالى . وقيل : ظلموا أنفسهم بأن زرعوا في غير وقت الزراعة أو في غير موضعها فأدبهم الله تعالى ، لوضعهم الشيء في غير موضعه ، حكاه المهدوي .
قال ابن أبي نجيح : زعم الحسن بن يزيد العجلي , عن ابن مسعود في قوله تعالى: "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة" قال: لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم, وهكذا قال السدي . ويؤيد هذا القول الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا أبو النضر وحسن بن موسى , قالا: حدثنا شيبان عن عاصم , عن زر , عن ابن مسعود قال: " أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء, ثم خرج إلى المسجد, فإذا الناس ينتظرون الصلاة, فقال : أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم" قال: فنزلت هذه الايات " ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين * وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين " والمشهور عند كثير من المفسرين كما ذكره محمد بن إسحاق وغيره, ورواه العوفي عن ابن عباس ـ أن هذه الايات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب, كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وغيرهم, أي لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب, وهؤلاء الذين أسلموا, ولهذا قال تعالى: "ليسوا سواء" أي ليسوا كلهم على حد سواء, بل منهم المؤمن ومنهم المجرم, ولهذا قال تعالى: "من أهل الكتاب أمة قائمة" أي قائمة بأمر الله مطيعة لشرعه, متبعة نبي الله , فهي قائمة, يعني مستقيمة "يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون" أي يقومون الليل ويكثرون التهجد, ويتلون القرآن في صلواتهم " يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين " وهؤلاء هم المذكورون في آخر السورة "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله" الاية, ولهذا قال تعالى ههنا "وما يفعلوا من خير فلن يكفروه" اي لا يضيع عند الله, بل يجزيهم به أوفر الجزاء "والله عليم بالمتقين" أي لا يخفى عليه عمل عامل, ولا يضيع لديه أجر من أحسن عملاً. ثم قال تعالى مخبراً عن الكفرة المشركين بأنه "لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً" أي لا يرد عنهم بأس الله ولا عذابه إذا أراده بهم "وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" ثم ضرب مثلاً لما ينفقه الكفار في هذه الدار, قاله مجاهد والحسن والسدي , فقال تعالى: "مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر" أي برد شديد, قاله ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم. وقال عطاء : برد وجليد, وعن ابن عباس أيضاً و مجاهد "فيها صر" أي نار وهو يرجع إلى الأول, فإن البرد الشديد ولا سيما الجليد يحرق الزروع والثمار, كما يحرق الشيء بالنار "أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته" أي فأحرقته, يعني بذلك السفعة إذا نزلت على حرث قد آن جذاذه أو حصاده, فدمرته وأعدمت ما فيه من ثمر أو زرع, فذهبت به وأفسدته, فعدمه صاحبه أحوج ما كان إليه. فكذلك الكفار يمحق الله ثواب أعمالهم في هذه الدنيا وثمرتها, كما أذهب ثمرة هذا الحرث بذنوب صاحبه. وكذلك هؤلاء بنوها على غير أصل وعلى غير أساس "وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون".
وقوله 117- "مثل ما ينفقون" بيان لعدم إغناء أموالهم التي كانوا يعولون عليها. والصبر: البرد الشديد، أصله من الصرير الذي هو الصوت/ فهو صوت الريح الشديد. وقال الزجاج: صوت لهب النار التي في تلك الريح. ومعنى الآية: مثل نفقة الكافرين في بطلانها وذهابها وعدم منفعتها كمثل زرع أصابه ريح باردة أو نار فأحرقته أو أهلكته فلم ينتفع أصحابه بشيء منه بعد أن كانوا على طمع من نفعه وفائدته. وعلى هذا فلا بد من تقدير في جانب المشبه به فيقال: كمثل زرع أصابته ريح فيها صر، أو مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم "وما ظلمهم الله" أي المنفقين من الكافرين "ولكن أنفسهم يظلمون" بالكفر المانع من قبول النفقة التي أنفقوها، وتقديم المفعول لرعاية الفواصل لا للتخصيص، لأن الكلام في الفعل باعتبار تعلقه بالفاعل لا بالمفعول.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس قال: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعيد وأسيد بن سعيد، ومن أسلم من يهود معهم فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام، قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد وتبعه إلا شرارنا، ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره فأنزل الله "ليسوا سواء" الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه "أمة قائمة" يقول: مهتدية قائمة على أمر الله لم تنزع عنه ولم تتركه الآخرون وضيعوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم قال "أمة قائمة" عادلة. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله "آناء الليل" قال: جوف الليل. وأخرج ابن جرير عن الربيع قال: ساعات الليل. وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله "ليسوا سواء" قال: لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد "يتلون آيات الله آناء الليل" قال: صلاة العتمة هم يصلونها، ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصلونها. وأخرج أحمد والنسائي والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني. قال السيوطي بسند حسن عن ابن مسعود قال: "أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ليلة، ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة، فقال: أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم" ولفظ ابن جرير والطبراني فقال: إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب. قال: وأنزلت هذه الآية " ليسوا سواء ". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن منصور قال: بلغني أنها نزلت هذه الآية "يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون" فيما بين المغرب والعشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة " فلن يكفروه " قال: لن يضل عنكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن " فلن يكفروه " قال: لن تظلموه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية يقول "مثل ما ينفقون" أي المشركون، ولا يتقبل منهم كمثل هذا الزرع إذا زرعه القوم الظالمون فأصابه ريح فيها صر فأهلكته فكذلك أنفقوا فأهلكهم شركهم. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "فيها صر" قال: برد شديد.
117-" مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا " ، قيل : أراد نفقات ابي سفيان واصحابه ببدر واحد على عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال مقاتل : نفقة اليهود على علمائهم ، وقال مجاهد : يعني جميع نفقات الكفار (في الدنيا) وصدقاتهم ، وقيل: أراد انفاق المرائي الذي لا يبتغي به وجه الله تعالى ، " كمثل ريح فيها صر" ( حكي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنها السموم الحارة التي تقتل ، وقيل : فيها صر أي : صوت ، وأكثر المفسرين : قالوا : فيها برد شديد " أصابت حرث قوم " زرع قوم " ظلموا أنفسهم " ، بالكفر والمعصية ومنع حق الله تعالى ، " فأهلكته ".
فمعنى الآية : مثل نفقات الكفار في ذهابها وقت الحاجة اليها كمثل زرع اصابته ريح باردة فأهلكته او نار فأحرقته فلم ينتفع أصحابه منه بشيء ، " وما ظلمهم الله " بذلك ، " ولكن أنفسهم يظلمون" ، بالكفر والمعصية .
117"مثل ما ينفقون" ما ينفق الكفرة قربة، أو مفاخرة وسمعة، أو المنافقون رياء أو خوفاً. " في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر " برد شديد والشائع إطلاقه للريح الباردة كالصر، فهو في الأصل مصدر نعت به أو نعت وصف به البرد للمبالغة كقولك برد بارد. "أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم" بالكفر والمعاصي "فأهلكته" عقوبة لهم لأن الإهلاك عن سخط أشد، والمراد تشبيه ما أنفقوا في ضياعه بحرث كفار ضربته صر فاستأصلته ولم يبق لهم فيه منفعة ما في الدنيا والآخرة، وهو من التشبيه المركب وشلك لم يبال بإيلاء كلمة التشبيه للريح دون الحرث، ويجوز أن يقدر كمثل مهلك ريح وهو الحرث. "وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون" أي ما ظلم المنفقين بضياع نفقاتهم، ولكنهم ظلموا أنفسهم لما لم ينفقوها بحيث يعتد بها، أو ما ظلم أصحاب الحرث بإهلاكه ولكنهم ظلموا أنفسهم بارتكاب ما استحق به العقوبة. وقرىء "ولكن" أي ولكن أنفسهم يظلمونها، ولا يجوز أن يقدر ضمير الشأن لأنه لا يحذف إلا في ضرورة الشعر كقوله:
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ولكن من يبصر جفونك يعشق
117. The likeness of that which they spend in this life of the world is as the likeness of a biting, icy wind which smiteth the harvest of a people who have wronged themselves, and devastateth it. Allah wronged them not, but they did wrong themselves.
117 - What they spend in the life of this (material) world may be likened to a wind which brings a nipping frost: it strikes and destroys the harvest of men who have wronged their own souls: it is not God that hath wronged them, but they wronged themselves.