12 - (يا يحيى خذ الكتاب) أي التوراة (بقوة) بجد (وآتيناه الحكم) النبوة (صبيا) ابن ثلاث سنين
يقول تعالى ذكره : فولد لزكريا يحيى، فلما ولد، قال الله له : يا يحيى، خذ هذا الكتاب بقوة، يعني كتاب الله الذي أنزله على موسى ، وهو التوراة . بقوة، يقول : بجد .
كما حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة ، في قوله "خذ الكتاب بقوة" قال : بجد.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال : ثنا الحسن، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد "خذ الكتاب بقوة" قال : بجد.
حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسين، قال : ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
وقال ابن زيد في ذلك ما :
حدثني به يونس، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : قال ابن زيد، في قوله "يا يحيى خذ الكتاب بقوة" قال : القوة، أن يعمل ما أمره الله به ، ويجانب فيه ما نهاه الله.
قال أبو جعفر: وقد بينت معنى ذلك بشواهده فيما مض من كتابنا هذا، في سورة آل عمران ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله "وآتيناه الحكم صبيا" يقول تعالى ذكره : وأعطيناه الفهم لكتاب الله في حال صباه قبل بلوغه أسنان الرجال.
وقد حدثنا أحمد بن منيع، قال : ثنا عبد الله بن المبارك، قال : أخبرني معمر، ولم يذكره عن أحد في هذه الآية "وآتيناه الحكم صبيا" قال : بلغني أن الصبيان قالوا ليحيى : اذهب بنا نلعب ، فقال : ما للعب خلقت ، فأنزل الله "وآتيناه الحكم صبيا".
قوله تعالى: " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " في الكلام حذف، المعنى فولد له ولد وقال الله تعالى للمولود: " يا يحيى خذ الكتاب بقوة ". وهذا اختصار يدل الكلام عليه. و " الكتاب " التوراة بلا خلاف. " بقوة " أي بجد واجتهاد، قاله مجاهد . وقيل: العلم به، والحفظ له والعمل به، وهو الالتزام لأوامره، والكف عن نواهيه، قاله زيد بن أسلم، وقد تقدم في ((البقرة)). " وآتيناه الحكم صبيا " قيل: الأحكام والمعرفة بها. وروى معمر أن الصبيان قالوا ليحيى: اذهب بنا نلعب، فقال: ما للعب خلقت. فأنزل الله تعالى: " وآتيناه الحكم صبيا ". وقال قتادة كان ابن سنتين أو ثلاث سنين. وقال مقاتل : كان ابن ثلاث سنين. و " صبيا " نصب على الحال. وقال ابن عباس: من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبيا. وروي في تفسير هذه الآية من طريق عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا ". وقال قتادة : إن يحيى عليه السلام لم يعص الله قط بصغيرة ولا كبيرة ولا هم بامرأة. وقال مجاهد : وكان طعام يحيى عليه السلام العشب، وكان للدمع في خديه مجار ثابتة. وقد مضى الكلام في معنى قوله: " وسيدا وحصورا " [آل عمران: 39] في ((آل عمران)).
وهذا أيضاً تضمن محذوفاً تقديره أنه وجد هذا الغلام المبشر به وهو يحيى عليه السلام, وأن الله علمه الكتاب وهو التوارة التي كانوا يتدارسونها بينهم, ويحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار, وقد كان سنه إذ ذاك صغيراً فلهذا نوه بذكره وبما أنعم به عليه وعلى والديه فقال: "يا يحيى خذ الكتاب بقوة" أي تعلم الكتاب بقوة أي بجد وحرص واجتهاد "وآتيناه الحكم صبياً" أي الفهم والعلم والجد والعزم والإقبال على الخير والإكباب عليه والاجتهاد فيه وهو صغير حدث, قال عبد الله بن المبارك : قال معمر : قال الصبيان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب, فقال: ما للعب خلقت, فلهذا أنزل الله "وآتيناه الحكم صبياً".
وقوله: "وحناناً من لدناً" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وحناناً من لدنا" يقول: ورحمة من عندنا, وكذا قال عكرمة وقتادة والضحاك وزاد: لا يقدر عليها غيرنا, وزاد قتادة : رحم الله بها زكريا. وقال مجاهد : "وحناناً من لدنا" وتعطفاً من ربه عليه. وقال عكرمة : "وحناناً من لدنا" قال: محبة عليه. وقال ابن زيد أما الحنان فالمحبة, وقال عطاء بن أبي رباح : "وحناناً من لدنا" قال: تعظيماً من لدنا, وقال ابن جريج : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة عن ابن عباس أنه قال: لا والله ما أدري ما حناناً.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا جرير عن منصور , سألت سعيد بن جبير عن قوله: "وحناناً من لدنا" فقال: سألت عنها ابن عباس فلم يجد فيها شيئاً, والظاهر من السياق أن قوله وحناناً معطوف على قوله "وآتيناه الحكم صبياً" أي وآتيناه الحكم وحناناً وزكاة, أي وجعلناه ذا حنان وزكاة, فالحنان هو المحبة في شفقة وميل, كما تقول العرب: حنت الناقة على ولدها وحنت المرأة على زوجها, ومنه سميت المرأة حنة من الحنة, وحن الرجل إلى وطنه, ومنه التعطف والرحمة, كما قال الشاعر:
تحنن علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالا
وفي المسند للإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يبقى رجل في النار ينادي ألف سنة: يا حنان يا منان" وقد يثنى, ومنهم من يجعل ما ورد في ذلك لغة بذاتها, كما قال طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وقوله: "وزكاة" معطوف على وحناناً, فالزكاة الطهارة من الدنس والاثام والذنوب, وقال قتادة : الزكاة العمل الصالح, وقال الضحاك وابن جريج : العمل الصالح الزكي. وقال العوفي عن ابن عباس "وزكاة" قال: بركة, "وكان تقياً" ذا طهر فلم يهم بذنب. وقوله "وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً" لما ذكر تعالى طاعته لربه, وأنه خلقه ذا رحمة وزكاة وتقى, عطف بذكر طاعته لوالديه وبره بهما, ومجانبته عقوقهما قولاً وفعلاً, أمراً ونهياً, ولهذا قال: "ولم يكن جباراً عصياً" ثم قال بعد هذه الأوصاف الجميلة جزاء له على ذلك "وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً"أي له الأمان في هذه الثلاثة الأحوال. وقال سفيان بن عيينة : أوحش ما يكون المرء في ثلاثة مواطن: يوم يولد فيرى نفسه خارجاً مما كان فيه, ويوم يموت فيرى قوماً لم يكن عاينهم, ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم, قال: فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا فخصه بالسلام عليه, فقال: "وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً" رواه ابن جرير عن أحمد بن منصور المروزي عن صدقة بن الفضل عنه.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: "جباراً عصياً" قال: كان ابن المسيب يذكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلا ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا" قال قتادة : ما أذنب ولا هم بامرأة, مرسل, وقال محمد بن إسحاق عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب , حدثني ابن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب, إلا ما كان من يحيى بن زكريا بن إسحاق هذا مدلس " , وقد عنعن هذا الحديث, فالله أعلم. وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان , حدثنا حماد , أخبرنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة, ليس يحيى بن زكريا وما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى" وهذا أيضاً ضعيف, لأن علي بن زيد بن جدعان له منكرات كثيرة, والله أعلم. وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن الحسن قال: إن يحيى وعيسى عليهما السلام التقيا, فقال له عيسى: استغفر لي أنت خير مني, فقال له الاخر: استغفر لي أنت خير مني, فقال له عيسى: أنت خير مني سلمت على نفسي, وسلم الله عليك فعرف والله فضلهما.
قوله: 12- "يا يحيى" ها هنا حذف، وتقديره: وقال الله للمولود يا يحيى، أو فولد له مولولد فبلغ المبلغ الذي يجوز أن يخاطب فيه، فقلنا له يا يحيى. وقال الزجاج: المعنى فوهبنا له وقلنا له يا يحيى. والمراد بالكتاب التوراة لأن المعهود حينئذ، ويحتمل أن يكون كتاباً مختصاً به وإن كنا لا نعرفه الآن، والمراد بالأخذ إما الأخذ الحسي أو الأخذ من حيث المعنى، وهو القيام بما فيه كما ينبغي، وذلك بتحصيل ملكة تقتضي سهولة الإقدام على المأمور به، والإحجام عن المنهي عنه، ثم أكده بقوله: "بقوة" أي بجد وعزيمة واجتهاد "وآتيناه الحكم صبياً" المراد بالحكم الحكمة، وهي الفهم للكتاب الذي أمر يأخذه وفهم الأحكام الدينية، وقيل هي العلم وحفظه والعمل به، وقيل النبوة، وقيل العقل، ولا مانع من أن يكون الحكم صالحاً لحمله على جميع ما ذكر. قيل كان يحيى عند هذا الخطاب له ابن سنتين، وقيل ابن ثلاث.
12 - قوله عز وجل : " يا يحيى " ، قيل : فيه حذف معناه : ووهبنا له يحيى وقلنا له : يا يحيى ، " خذ الكتاب " ، يعني التوراة ، " بقوة " ، بجد ، " وآتيناه الحكم " ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : النبوة ، " صبياً " ، وهو ابن ثلاث سنين .
وقيل : أراد بالحكم فهم الكتاب ، فقرأ التوراة وهو صغير .
وعن بعض السلف : من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو ممن أوتي الحكم صبياً .
12ـ " يا يحيى " على تقدير القول. " خذ الكتاب " التوراة. " بقوة " بجد واستظهار بالتوفيق. " وآتيناه الحكم صبياً " يعني الحكمة وفهم التوراة ، وقيل النبوة أحكم الله عقله في صباه واستنبأه.
12. (And it was said unto his son): O John! Hold the Scripture. And We gave him wisdom when a child.
12 - (To his son came the command): O Yahya! take hold Of the Book with might: and We gave him wisdom Even as a youth,