12 - (بل) للانتقال من غرض إلى آخر وهو الإخبار بحاله وبحالهم (عجبت) بفتح التاء خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم من تكذيبهم إياك وهم (ويسخرون) من تعجبك
قوله "بل عجبت ويسخرون" اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الكوفة : بل عجبت ويسخرون بضم التاء من عجبت ، بمعنى : بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكاً، وتكذيبهم تنزيلي وهم يسخرون. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة "بل عجبت" بفتح التاء بمعنى : بل عجبت أنت يا محمد ويسخرون من هذا القرآن.
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
فإن قال قائل : وكيف يكون مصيباً القارئ بهما مع اختلاف معنييهما؟ قيل : إنهما وإن اختلف معنياهما فكل واحد من معنييه صحيح ، قد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل ، وسخر منه أهل الشرك بالله ، وقد عجب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله ، وسخر المشركون بما قالوه.
فإن قال : أكان التنزيل بإحداهما أو بكلتيهما؟ قيل : التنزيل بكلتيهما ، فإن قال وكيف يكون تنزيل حرف مرتين؟ قيل : إنه لم ينزل مرتين، إنما أنزل مرة، ولكنه أمرته أن يقرأ بالقراءتين كلتيهما، ولهذا موضع سنستقصي إن شاء الله فيه البيان عنه بما فيه الكفاية.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "بل عجبت ويسخرون" قال : عجب محمد عليه الصلاة والسلام من هذا القرآن حين أعطيه ، وسخر منه أهل الضلالة.
قوله تعالى : " بل عجبت ويسخرون " قراءة أهل المدينة و أبي عمرو و عاصم بفتح التاء خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم ، أي بل عجبت مما نزل عليك من القرآن وهم يسخرون به . وهي قراءة شريح وأنكر قراءة الضم وقال : إن الله لا يعجب من شيء ، وإنما يعجب من لا يعلم . وقيل : المعنى بل عجبت من إنكارهم للبعث . وقرأ الكوفيون إلا عاصماً بضم التاء . واختارها أبو عبيد و الفراء ، وهي مروية عن علي و ابن مسعود ، رواها شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ : < بل عجبت > بضم التاء . ويروى عن ابن عباس . قال الفراء في قوله سبحانه : " بل عجبت ويسخرون " قرأها الناس بنصب التاء ورفعها ، والرفع أحب إلي ، لأنها عن علي و عبد الله و ابن عباس . وقال أبو زكريا الفراء : العجب إن أسند إلى الله عز وجل فليس معناه من الله كمعناه من العباد ، وكذلك قوله : " الله يستهزئ بهم " [ البقرة : 15 ] ليس ذلك من الله كمعناه من العباد . وفي هذا بيان الكسر لقول شريح حيث أنكر القراءة بها . روى جرير و الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال : قرأها عبد الله يعني ابن مسعود : < بل عجبت ويسخرون > قال شريح : إن الله لا يعجب من شيء إنما يعجب من لا يعلم . قال الأعمش : فذكرته لإبراهيم فقال : إن شريحاً كان يعجبه رأيه ، إن عبد الله كان أعلم من شريح وكان يقرؤها عبد الله < بل عجبت > . قال الهروي : وقال بعض الأئمة : معنى قوله : " بل عجبت " بل جازيتهم على عجبهم ، لأن الله تعالى أخبر عنهم في غير موضع بالتعجب من الحق ، فقال : " وعجبوا أن جاءهم منذر منهم " [ ص : 4 ] ، وقال : " إن هذا لشيء عجاب " [ ص : 6 ] ، " أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم " [ يونس : 2 ] فقال تعالى : " بل عجبت " بل جازيتهم على التعجب .
قلت : وهذا تمام معنى قول الفراء واختاره البيهقي . وقال علي بن سليمان : معنى القراءتين واحد ، التقدير : قل يا محمد بل عجبت ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مخاطب بالقرآن . النحاس : وهذا قول حسن وإضمار القول كثير . البيهقي : والأول أصح . المهدوي : ويجوز أن يكون إخبار الله عن نفسه بالعجب محمولاً على أنه أظهر من أمره وسخطه على من كفر به ما يقوم مقام العجب من المخلوقين ، كما يحمل إخباره تعالى عن نفسه بالضحك لمن يرضى عنه - على ما جاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم - على أنه أظهر له من رضاه عنه ما يقوم له مقام الضحك من المخلوقين مجازاً واتساعاً . قال الهروي : ويقال معنى < عجب ربكم > أي رضي وأثاب ، فسماه عجباً وليس بعجب في الحقيقة ، كما قال تعالى : " ويمكر الله " [ الأنفال : 30 ] معناه ويجازيهم الله على مكرهم ، ومثله " في الحديث :
عجب ربكم من إلكم وقنوطكم " . وقد يكون العجب بمعنى وقوع ذلك العمل عند الله عظيماً . فيكون معنى قوله : " بل عجبت " أي بل عظم فعلهم عندي . قال البيهقي : ويشبه أن يكون هذا معنى "حديث عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل " قال البيهقي : وقد يكون هذا الحديث وما ورد من أمثاله أنه يعجب ملائكته من كرمه ورأفته بعباده ، حين حملهم على الإيمان به بالقتال والأسر في السلاسل ، حتى إذا آمنوا أدخلهم الجنة . وقيل : معنى < بل عجبت > بل أنكرت . حكاه النقاش . وقال الحسين بن الفضل : التعجب من الله إنكار الشيء وتعظيمه ، وهو لغى العرب . وقد جاء في الخبر < عجب ربكم من إلكم وقنوطكم > " ويسخرون " قيل : الواو واو الحال ، أي عجبت منهم في حال سخريتهم . وقيل : تم الكلام عند قوله : " بل عجبت " ثم استأنف فقال : " ويسخرون " أي مما جئت به إذا تلوته عليهم . وقيل : يسخرون منك إذا دعوتهم .
يقول تعالى: فسل هؤلاء المنكرين للبعث أيما أشد خلقاً هم أم السموات والأرض وما بينهما من الملائكة والشياطين والمخلوقات العظيمة ؟ وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه أم من عددنا فإنهم يقرون أن هذه المخلوقات أشد خلقاً منهم, وإذا كان الأمر كذلك فلم ينكرون البعث ؟ وهم يشاهدون ما هو أعظم مما أنكروا كما قال عز وجل: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون" ثم بين أنهم خلقوا من شيء ضعيف فقال: "إنا خلقناهم من طين لازب" قال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك: هو الجيد الذي يلتزق بعضه ببعض, وقال ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة هو اللزج الجيد, وقال قتادة هو الذي يلزق باليد, وقوله عز وجل: "بل عجبت ويسخرون" أي بل عجبت يا محمد من تكذيب هؤلاء المنكرين للبعث وأنت موقن مصدق بما أخبر الله تعالى من الأمر العجيب وهو إعادة الأجسام بعد فنائها وهم بخلاف أمرك من شدة تكذيبهم ويسخرون مما تقول لهم من ذلك.
قال قتادة: عجب محمد صلى الله عليه وسلم وسخر ضلال بني آدم "وإذا رأوا آية" أي دلالة واضحة على ذلك "يستسخرون" قال مجاهد وقتادة يستهزئون "وقالوا إن هذا إلا سحر مبين" أي إن هذا الذي جئت به إلا سحر مبين " أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون * أو آباؤنا الأولون " يستبعدون ذلك ويكذبون به "قل نعم وأنتم داخرون" أي قل لهم يا محمد نعم تبعثون يوم القيامة بعدما تصيرون تراباً وعظاماً وأنتم داخرون أي حقيرون تحت القدرة العظيمة كما قال تبارك وتعالى: "وكل أتوه داخرين". ثم قال جلت عظمته: "فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون" أي فإنما هو أمر واحد من الله عز وجل, يدعوهم دعوة واحدة أن يخرجوا من الأرض, فإذا هم بين يديه ينظرون إلى أهوال يوم القيامة, والله تعالى أعلم.
ثم أضرب سبحانه عن الكلام السابق فقال: 12- "بل عجبت" يا محمد من قدرة الله سبحانه: "ويسخرون" منك بسبب تعجبك، أو ويسخرون منك بما تقوله من إثبات المعاد. قرأ الجمهور بفتح التاء من "عجبت" على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ حمزة والكسائي بضمها، ورويت هذه القراءة عن علي وابن مسعود وابن عباس، واختارها أبو عبيد والفراء. قال الفراء: قرأها الناس بنصب التاء ورفعها، والرفع أحب إلي لأنها عن علي وعبد الله وابن عباس. قال: والعجب أن أسند إلي الله فليس معناه من الله كمعناه من العباد. قال الهروي: وقال بعض الأئمة: معنى قوله: "بل عجبت" بل جازيتهم على عجبهم، لأن الله أخبر عنهم في غير موضع بالتعجب من الخلق كما قال: "وعجبوا أن جاءهم منذر منهم" وقالوا: "إن هذا لشيء عجاب" "أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم" وقال علي بن سليمان: معنى القراءتين واحد، والتقدير: قل يا محمد بل عجبت لأن النبي صلى الله عليه وسلم مخاطب بالقرآن. قال النحاس: وهذا قول حسن وإضمار القول كثير. وقيل إن معنى الإخبار من الله سبحانه عن نفسه بالعجب أنه ظهر من أمره وسخطه على من كفر به ما يقوم مقام العجب من المخلوقين. قال الهروي: ويقال معنى عجب ربكم: أي رضي ربكم وأثاب، فسماه عجباً، وليس بعجب في الحقيقة، فيكون معنى عجبت هنا عظم فعلهم عندي. وحكى النقاش أن معنى بل عجبت: بل أنكرت. قال الحسن بن الفضل: التعجب من الله إنكار الشيء وتعظيمه، وهو لغة العرب، وقيل معناه: أنه بلغ في كمال قدرته وكثرة مخلوقاته إلى حيث عجبت منها، وهؤلاء لجهلهم يسخرون منها، والواو في ويسخرون للحال: أي بل عجبت والحال أنهم يسخرون، ويجوز أن تكون للاستئناف.
12. " بل عجبت "، قرأ حمزة ، و الكسائي : بضم التاء، وهي قراءة ابن مسعود، وابن عباس والعجب من الله عز وجل ليس كالتعجب من الآدميين، كما قال: " فيسخرون منهم سخر الله منهم " (التوبة-79)، وقال عز وجل: " نسوا الله فنسيهم " (التوبة-67)، فالعجب من الآدميين: إنكاره وتعظيمه، والعجب من الله تعالى قد يكون بمعنى الإنكار والذم، وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضا، كما جاء في الحديث: " عجب ربكم من شاب ليست له صبوة ".
وجاء في الحديث: " عجب ربكم من سؤالكم وقنوطكم وسرعة إجابته إياكم ".
وسئل الجنيد عن هذه الآية، فقال: إن الله لا يعجب من شيء، ولكن الله وافق رسوله لما عجب رسوله فقال: " وإن تعجب فعجب قولهم " (الرعد-5)، أي: هو كما تقوله.
وقرأ الآخرون بفتح التاء على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم: أي: عجبت من تكذيبهم إياك، " ويسخرون " من تعجبك.
قال قتادة : عجب النبي صلى الله عليه وسلم من هذا القرآن حين أنزل وضلال بني آدم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ظن أن كل من يسمع القرآن يؤمن به، فلما سمع المشركون القرآن سخروا منه ولم يؤمنوا به، فعجب من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى: " بل عجبت ويسخرون ".
12-" بل عجبت " من قدرة الله تعالى وإنكارهم للبعث . " ويسخرون " من تعجبك وتقريرك للبعث ، وقرأ حمزة و الكسائي بضم التاء أي بلغ كمال قدرتي وكثرة خلائقي أن تعجبت منها ، وهؤلاء لجهلهم يسخرون منها ، أو عجبت من أن ينكر البعث ممن هذه أفعاله وهم يسخرون ممن يجوزه . والعجب من الله تعالى إما على الفرض والتخييل أو على معنى الاستعظام اللازم فإنه تعتري الإنسان عند استعظامه الشيء ، وقيل إنه مقدر بالقول أي : قال يا محمد بل عجبت .
12. Nay, but thou dost marvel when they mock
12 - Truly dost thou marvel, while they ridicule,