12 - (ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات) بساتين (ويجعل لكم أنهارا) جارية
وقوله : " ويمددكم بأموال وبنين " يقول : ويعطكم مع ذلك ربكم أموالاً وبنين ، فيكثرها عندكم ويزيد فيما عندكم منها " ويجعل لكم جنات " يقول : يرزقكم بساتين " ويجعل لكم أنهارا " تسقون منها جناتكم ومزارعكم ، وقال ذلك لهم نوح ، لأنهم كانوا فيما ذكر قوم يحبون الأموال والأولاد .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " ثم إني دعوتهم جهارا " ...إلى قوله " ويجعل لكم أنهارا " قال : رأى نوحاً قوماً تجزعت أعناقهم حرصاً على الدنيا ، فقال : هلموا إلى طاعة الله ، فإن فيها درك الدنيا والآخرة .
"ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهار". قال قتادة: علم نبي الله صلى الله عليه وسلم أنهم أهل حرص على الدنيا فقال: هلموا إلى طاعة الله فإن في طاعة الله درك الدنيا والآخرة.
الثالثة: في هذه الآية والتي في هود دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار. قال الشعبي: خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فأمطروا فقالوا: ما رأيناك استسقيت ؟ فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ: استغفروا ربكم إنه كان غفاراً. يرسل السماء عليكم مدراراً . وقال الأوزاعي: خرج الناس يستسقون، فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: اللهم إنا سمعناك تقول: "ما على المحسنين من سبيل" التوبة:91 وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا ؟! اللهم اغفر لنا وارحمنا واسقنا ! فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا. وقال ابن صبيح: شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له: استغفر الله. وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفر الله. وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً فقال له: استغفر الله. وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله. فقلنا له في ذلك ؟ فقال: ما قلت من عندي شيئاً، وقد مضى في سورة آل عمران كيفية الاستغفار، وأن ذلك يكون عن إخلاص وإقلاع من الذنوب. وهو الأصل في الإجابة.
يخبر تعالى عن عبده ورسوله نوح عليه السلام أنه اشتكى إلى ربه عز وجل ما لقي من قومه, وما صبر عليهم في تلك المدة الطويلة التي هي ألف سنة إلا خمسين عاماً, وما بين لقومه ووضح لهم ودعاهم إلى الرشد والسبيل الأقوم, فقال : "رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً" أي لم أترك دعاءهم في ليل ولا نهار امتثالاً لأمرك وابتغاء لطاعتك "فلم يزدهم دعائي إلا فراراً" أي كلما دعوتهم ليقتربوا من الحق فروا منه وحادوا عنه "وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم" أي سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ما أدعوهم إليه كما)أخبر تعالى عن كفار قريش: "وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون" "واستغشوا ثيابهم" قال ابن جرير عن ابن عباس : تنكروا له لئلا يعرفهم. وقال سعيد بن جبير والسدي : غطوا رؤوسهم لئلا يسمعوا ما يقول "وأصروا" أي استمروا على ما هم فيه من الشرك والكفر العظيم الفظيع "واستكبروا استكباراً" أي واستنكفوا عن اتباع الحق والانقياد له "ثم إني دعوتهم جهاراً" أي جهرة بين الناس "ثم إني أعلنت لهم" أي كلاماً ظاهراً بصوت عال "وأسررت لهم إسراراً" أي فيما بيني وبينهم, فنوع عليهم الدعوة لتكون أنجع فيهم.
"فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً" أي ارجعوا إليه وارجعوا عما أنتم فيه وتوبوا إليه من قريب فإنه من تاب إليه تاب عليه, ولو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشرك, ولهذا قال: "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً" أي متواصلة الأمطار, ولهذا تستحب قراءة هذه السورة في صلاة الاستسقاء لأجل هذه الاية, وهكذا روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صعد المنبر ليستسقي فلم يزد على الاستغفار وقراءة الايات في الاستغفار ومنها هذه الاية "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً" ثم قال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر. وقال ابن عباس وغيره: يتبع بعضه بعضاً. وقوله تعالى: "ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً" أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم أسقاكم من بركات السماء, وأنبت لكم من بركات الأرض وأنبت لكم الزرع, وأدر لكم الضرع وأمدكم بأموال وبنين أي أعطاكم الأموال والأولاد وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار وخللها بالأنهار الجارية بينها, هذا مقام الدعوة بالترغيب, ثم عدل بهم إلى دعوتهم بالترهيب فقال: " ما لكم لا ترجون لله وقارا " أي عظمة, قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك , وقال ابن عباس : لا تعظمون الله حق عظمتة أي لا تخافون من بأسه ونقمته "وقد خلقكم أطواراً" قيل معناه من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة, قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة ويحيى بن رافع والسدي وابن زيد .
وقوله تعالى: " ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا " أي واحدة فوق واحدة وهل هذا يتلقى من جهة السمع فقط ؟ أوهو من الأمور المدركة بالحس مما علم من التسيير والكسوفات, فإن الكواكب السبعة السيارة يكسف بعضها بعضاً فأدناها القمر في السماء الدنيا, وهو يكسف ما فوقه, وعطارد في الثانية, والزهرة في الثالثة, والشمس في الرابعة, والمريخ في الخامسة, والمشتري في السادسة, وزحل في السابعة, وأما بقية الكواكب وهي الثوابت ففي فلك ثامن يسمونه فلك الثوابت, والمتشرعون منهم يقولون هو الكرسي, والفلك التاسع وهو الأطلس والأثير عندهم الذي حركته على خلاف حركة سائر الأفلاك, وذلك أن حركته مبدأ الحركات وهي من المغرب إلى المشرق, وسائر الأفلاك عكسه من المشرق إلى المغرب ومعها يدور سائر الكواكب تبعاً ولكن للسيارة حركة معاكسة لحركة أفلاكها فإنها تسير من المغرب إلى المشرق, وكل يقطع فلكه بحسبه, فالقمر يقطع فلكه في كل شهر مرة, والشمس في كل سنة مرة, وزحل في كل ثلاثين سنة مرة, وذلك بحسب اتساع أفلاكها وإن كانت حركة الجميع في السرعة متناسبة, هذا ملخص ما يقولونه في هذا المقام على اختلاف بينهم في مواضع كثيرة لسنا بصدد بيانها وإنما المقصود أن الله سبحانه وتعالى: " خلق الله سبع سماوات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا " أي فاوت بينهما في الاستنارة فجعل كلاً منهما أنموذجاً على حدة ليعرف الليل والنهار بمطلع الشمس ومغيبها, وقدر للقمر منازل وبروجاً وفاوت نوره فتارة يزداد حتى يتناهى ثم يشرع في النقص حتى يستتر ليدل على مضي الشهور والأعوام, كما قال تعالى: " هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ".
وقوله تعالى: "والله أنبتكم من الأرض نباتاً" هذا اسم مصدر والإتيان به ههنا أحسن "ثم يعيدكم فيها" أي إذا متم "ويخرجكم إخراجاً" أي يوم القيامة يعيدكم كما بدأكم أول مرة "والله جعل لكم الأرض بساطاً" أي بسطها ومهدها وقررها وثبتها بالجبال الراسيات الشم الشامخات "لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً" أي خلقها لكم لتستقروا عليها وتسلكوا فيها أين شئتم من نواحيها وأرجائها وأقطارها, وكل هذا مما ينبههم به نوح عليه السلام على قدرة الله وعظمته في خلق السموات والأرض ونعمه عليهم فيما جعل لهم من المنافع السماوية والأرضية, فهو الخالق الرزاق جعل السماء بناء والأرض مهاداً وأوسع على خلقه من رزقه, فهو الذي يجب أن يعبد ويوحد ولا يشرك به أحد لأنه لا نظير له ولا عديل ولا ند ولا كفء, ولا صاحبة ولا ولد ولا وزير ولا مشير بل هو العلي الكبير.
وفي هذه الآية دليل على أن الاستغفار من أعظم أسباب المطر وحصول أنواع الأرزاق، ولهذا قال: 12- "ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات" يعني بساتين "ويجعل لكم أنهاراً" جارية. قال عطاء: المعنى يكثر أموالكم وأولادكم. أعلمهم نوح عليه السلام أن إيمانهم بالله يجمع لهم مع الحظ الوافر في الآخرة الخصب والغنى في الدنيا.
12- "ويمددكم بأموال وبنين"، قال عطاء: يكثر أموالكم وأولادكم، "ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً".
12-" ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً " ولذلك شرع الاستغفار في الاستسقاء .و " السماء " تحتمل المظلة والسحاب ، والمدرار كثير الدرور ويستوي في هذا البناء المذكر والمؤنث ، والمراد بالـ" جنات " البساتين .
12. And will help you with wealth and sons, and will assign unto you Gardens and will assign unto you rivers.
12 - Give you increase in wealth and sons; and bestow on you Gardens and bestow on you rivers (of flowing water).