(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) دينهم (قل إن هدى الله) أي الإسلام (هو الهدى) وما عداه ضلال (ولئن) لام قسم (اتبعت أهواءهم) التي يدعونك إليها فرضاً (بعد الذي جاءك من العلم) الوحي من الله (ما لك من الله من ولي) يحفظك (ولا نصير) يمنعك منه
قوله تعالى ولن ترضى الآية أخرج الثعلبي عن ابن عباس قال ان يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم وأيسوا أن يوافقهم على دينهم فأنزل الله ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى الآية
قال أبو جعفر: ومعنى قوله جل ثناؤه:"إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا": إنا أرسلناك يا محمد بالإسلام الذي لا أقبل من أحد غيره من الأديان، وهو الحق مبشرًا من اتبعك فأطاعك، وقبل منك ما دعوته إليه من الحق بالنصر في الدنيا، والظفر بالثواب في الآخرة، والنعيم المقيم فيها ومنذرًا من عصاك فخالفك، ورد عليك ما دعوته إليه من الحق بالخزي في الدنيا، والذل فيها، والعذاب المهين في الآخرة.
القول في تأويل قوله تعالى:"ولا تسأل عن أصحاب الجحيم" .
قال أبو جعفر: قرأت عامة القرأة:"ولا تسأل عن أصحاب الجحيم"، بضم التاء من "تسأل" ورفع اللام منها، على الخبر. بمعنى: يا محمد إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا، فبلغت ما ارسلت به، وإنما عليك البلاغ والإنذار، ولست مسئولاً عمن كفر بما أتيته به من الحق، وكان من أهل الجحيم.
وقرأ ذلك بعض أهل المدينة: "ولا تسأل" جزمًا. بمعنى النهي، مفتوح التاء من تسأل وجزم اللام منها. ومعنى ذلك على قراءة هؤلاء: إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا لتبلغ ما أرسلت به، لا لتسأل عن أصحاب الجحيم، فلا تسأل عن حالهم. وتأول الذين قرأوا هذه القراءة ما:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليت شعري ما فعل أبواي فنزلت:"ولا تسأل عن أصحاب الجحيم"
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليت شعري ما فعل أبواي؟ ليت شعري ما فعل أبواي؟ ليت شعري ما فعل أبواي؟" ثلاثًا، فنزلت:"إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم"، فما ذكرهما حتى توفاه الله.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني داود بن أبي عاصم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: "ليت شعري أين أبواي؟" فنزلت:"إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم".
قال أبو جعفر: والصواب عندي من القراءة في ذلك قراءة من قرأ بالرفع، على الخبر. لأن الله جل ثناؤه قص قصص أقوام من اليهود والنصارى، وذكر ضلالتهم وكفرهم بالله وجراءتهم على أنبيائه، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:"إنا أرسلناك" يا محمد "بالحق بشيرا" من آمن بك واتبعك، ممن قصصت عليك أنباءه ومن لم أقصص عليك أنباءه "ونذيرا" من كفر ربك وخالفك. فبلغ رسالتي، فليس عليك من أعمال من كفر بك بعد إبلاغك إياه رسالتي تبعة، ولا أنت مسؤول عما فعل بعد ذلك. ولم يجر لمسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه عن أصحاب الجحيم ذكر، فيكون لقوله:"ولا تسأل عن أصحاب الجحيم" وجه يوجه إليه. وإنما الكلام موجه معناه إلى ما دل عليه ظاهره المفهوم، حتى تأتي دلالة بينة تقوم بها الحجة، على أن المراد به غير ما دل عليه ظاهره، فيكون حينئذ مسلمًا للحجة الثابتة بذلك. ولا خبر تقوم به الحجة على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن أن يسأل في هذه الآية عن أصحاب الجحيم، ولا دلالة تدل على أن ذلك كذلك في ظاهر التنزيل. والواجب أن يكون تأويل ذلك الخبر على ما مضى ذكره قبل هذه الآية، وعمن ذكر بعدها من اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر، دون النهي عن المسألة عنهم.
فإن ظن ظان أن الخبر الذي روي عن محمد بن كعب صحيح، فإن في استحالة الشك من الرسول عليه السلام في أن أهل الشرك من أهل الجحيم، وأن أبويه كانا منهم ما يدفع صحة ما قاله محمد بن كعب، إن كان الخبر عنه صحيحًا. مع أن في ابتداء الخبر بعد قوله: "إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا" بـ الواو بقوله:"ولا تسأل عن أصحاب الجحيم"، وتركه وصل ذلك بأوله بـ الفاء، وأن يكون إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا فلا تسال عن أصحاب الجحيم أوضح الدلالة على أن الخبر بقوله:"ولا تسأل"، أولى من النهي، والرفع به أولى من الجزم.
وقد ذكر أنها في قراءة ابي: وما تسأل، وفي قراءة ابن مسعود: ولن تسأل، وكلتا هاتين القراءتين تشهد بالرفع والخبر فيه، دون النهي.
وقد كان بعض نحوي البصرة يوجه قوله:"ولا تسأل عن أصحاب الجحيم" إلى الحال، كأنه كان يرى أن معناه: إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا غير مسؤول عن أصحاب الجحيم. وذلك إذا ضم التاء، وقرأه على معنى الخبر، وكان يجيز على ذلك قراءته:"ولا تسأل" بفتح التاء وضم اللام على وجه الخبر، بمعنى: إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا غير سائل عن أصحاب الجحيم. وقد بينا الصواب عندنا في ذلك.
وهذان القولان اللذان ذكرتهما عن البصري في ذلك، يدفعهما ما روي عن ابن مسعود وابي من القراءة، لأن إدخالهما ما أدخلا من ذلك من ما ولن، يدل على انقطاع الكلام عن أوله، وابتداء قوله:"ولا تسأل". وإذا كان ابتداء لم يكن حالاً.
وأما "أصحاب الجحيم"، فـ "الجحيم"، هي النار بعينها إذا شبت وقودها، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
إذا شبت جهنم ثم دارت واعرض عن قوابسها الجحيم
. قوله تعالى : "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " . فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" المعنى : ليس غرضهم يا محمد بما يقترحون من الآيات أن يؤمنوا ، بل لو أتيتهم بكل ما يسألون لم يرضوا عنك ، وإنما يرضيهم ترك ما أنت عليه من الإسلام واتباعهم . يقال : رضي يرضى رضاً ورضاً ورضواناً ورضواناً ومرضاة ، وهو من ذوات الواو ، ويقال في التثنية : رضوان ، وحكى الكسائي : رضيان . وحكي رضاء ممدود ، وكأنه مصدر راضى يراضي مراضاة ورضاء . و تتبع منصوب بأن ولكنها لا تظهر مع حتى ، قاله الخليل . وذلك أن حتى خافضة للإسم ، كقوله : "حتى مطلع الفجر" وما يعمل في الاسم لا يعمل في الفعل البتة ، وما يخفض اسماً لا ينصب شيئاً. وقال النحاس : تتبع منصوب بحتى ، و حتى بدل من أن . والملة : اسم لما شرعه الله لعباده في كتبه وعلى ألسنة رسله . فكانت الملة والشريعة سواء ، فأما الدين فقد فرق بينه وبين الملة والشرعية ، فإن الملة والشريعة ما دعا الله عباده إلى فعله ، والدين ما فعله العباد عن أمره .
الثانية : تمسك بهذه الآية جماعة من العلماء منهم أبو حنيفة و الشافعي و داود و أحمد بن حنبل على أن الكفر كله ملة واحدة ، لقوله تعالى : "ملتهم" فوحد الملة ،وبقوله تعالى : "لكم دينكم ولي دين" ، وبقوله عليه السلام :
"لا يتوارث أهل ملتين" على أن المراد به الإسلام والكفر ، بدليل قوله عليه السلام :
"لا يرث المسلم الكافر" . وذهب مالك و أحمد في الرواية الأخرى إلى أن الكفر ملل ، فلا يرث اليهودي النصراني ،ولا يرثان المجوسي ، أخذا بظاهر قوله عليه السلام :
"لا يتوارث أهل ملتين" ، وأما قوله تعالى : ملتهم فالمراد به الكثرة وإن كانت موحدة في اللفظ بدليل إضافتها إلى ضمير الكثرة ، كما تقول : أخذت عن علماء أهل المدينة ـ مثلاً ـ علمهم ، وسمعت عليهم حديثهم ، يعني علومهم وأحاديثهم .
قوله تعالى : "قل إن هدى الله هو الهدى" المعنى ما أنت عليه يا محمد من هدى الله الحق الذي يضعه في قلب من يشاء هو الهدى الحقيقي ، لا ما يدعيه هؤلاء .
قوله تعالى : "ولئن اتبعت أهواءهم" الأهواءؤ جمع هوى ، كما تقول : جمل وأجمال ، ولما كانت مختلفة جمعت ، ولو حمل على أفراد الملة لقال هواهم . وفي هذا الخطاب وجهان : أحدهمات : أنه للرسول ، لتوجه الخطاب إليه . والثاني : أنه للرسول والمراد به أمته ، وعلى الأول يكون فيه تأديب لأمته ، إذ منزلتهم دون منزلته . وسبب الآية أنهم كانوا يسألون المسالمة والهدنة ، ويعدون النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام ، فأعلمه الله أنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم ، وأمره بجهادهم .
قوله تعالى : "من العلم" سئل أحمد بن حنبل عمن يقول : القرآن مخلوق ، فقال : كافر ، قيل : بم كفرته ؟ فقال : بآيات من كتاب الله تعالى : "ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم" والقرآن من علم الله .فمن زعم أنه مخلوق فقد كفر .
قال ابن جرير: يعني بقوله جل ثناؤه: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" وليست اليهود يا محمد ولا النصارى براضية عنك أبداً، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق، وقوله تعالى: "قل إن هدى الله هو الهدى" أي: قل يا محمد إن هدى الله الذي بعثني به هو الهدى، يعني هو الدين المستقيم الصحيح الكامل الشامل، قال قتادة في قوله: "قل إن هدى الله هو الهدى" قال: خصومة علمها الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه يخاصمون بها أهل الضلالة، قال قتادة: وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله"، (قلت): هذا الحديث مخرج في الصحيح عن عبد الله بن عمرو ، "ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير" فيه تهديد ووعيد شديد للأمة، عن اتباع طرائق اليهود والنصارى بعد ما علموا من القرآن والسنة، عياذاً بالله من ذلك فإن الخطاب مع الرسول والأمر لأمته، وقد استدل كثير من الفقهاء بقوله: "حتى تتبع ملتهم" حيث أفرد الملة على أن الكفر كله ملة واحدة، كقوله تعالى: "لكم دينكم ولي دين" فعلى هذا لا يتوارث المسلمون والكفار، وكل منهم يرث قرينه سواء كان من أهل دينه أم لا، لأنهم كلهم ملة واحدة وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد في رواية عنه، وقال في الرواية الأخرى كقول مالك، إنه لا يتوارث أهل ملتين شتى، كما جاء في الحديث، والله أعلم. وقوله: "الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته" قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: هم اليهود والنصارى، وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جرير ، وقال سعيد عن قتادة: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبي أخبرنا إبراهيم بن موسى وعبد الله بن عمران الأصبهاني، قال: أخبرنا يحيى بن يمان حدثنا أسامة بن زيد، عن أبيه عن عمر بن الخطاب "يتلونه حق تلاوته" قال: إذا مر بذكر الجنة سأل الله الجنة، وإذا مر بذكر النار تعوذ بالله من النار ، وقال أبو العالية: قال ابن مسعود: والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئاً على غير تأويله، وكذا رواه عبد الرزاق، عن معمر عن قتادة ومنصور بن المعتمر عن ابن مسعود، قال السدي عن أبي مالك عن ابن عباس في هذه الاية قال: يحلون حلاله ويحرمون حرامه ولا يحرفونه عن مواضعه، قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن مسعود نحو ذلك، وقال الحسن البصري: يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه، ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه، وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو زرعة أخبرنا إبراهيم بن موسى أخبرنا ابن أبي زائدة أخبرنا داود بن أبي هند، عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: "يتلونه حق تلاوته" قال: يتبعونه حق اتباعه، ثم قرأ: "والقمر إذا تلاها" يقول: اتبعها قال: وروي عن عكرمة وعطاء ومجاهد وأبي رزين وإبراهيم النخعي نحو ذلك. وقال سفيان الثوري: أخبرنا زبيد عن مرة عن عبد الله بن مسعود، في قوله: "يتلونه حق تلاوته" قال: يتبعونه حق اتباعه، قال القرطبي: وروى نصر بن عيسى عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "يتلونه حق تلاوته" قال: "يتبعونه حق اتباعه" ثم قال في إسناده غير واحد من المجهولين فيما ذكره الخطيب إلا أن معناه صحيح. وقال أبو موسى الأشعري: من يتبع القرآن يهبط به على رياض الجنة. وعن عمر بن الخطاب: هم الذين إذا مروا بآية رحمة سألوها من الله، وإذا مروا بآية عذاب استعاذوا منها، قال: وقد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية عذاب تعوذ، وقوله: "أولئك يؤمنون به" خبر عن "الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته" أي: من أقام كتابه من أهل الكتب المنزلة على الأنبياء المتقدمين حق إقامته، آمن بما أرسلتك به يا محمد، كما قال تعالى: "ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم" الاية، "قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم" أي: إذا أقمتموها حق الإقامة وآمنتم بها حق الإيمان وصدقتم ما فيها من الأخبار بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته والأمر باتباعه ونصره وموازرته، قادكم ذلك إلى الحق واتباع الخير في الدنيا والاخرة كما قال تعالى: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل" الاية، وقال تعالى: " قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا * ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا " أي: إن كان ما وعدنا به من شأن محمد صلى الله عليه وسلم لواقعاً، وقال تعالى: " الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين * أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون " وقال تعالى: " وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد " ولهذا قال تعالى: "ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون" كما قال تعالى: "ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" وفي الصحيح: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار ".
قوله: 120- "ولن ترضى عنك اليهود" الآية: أي ليس غرضهم ومبلغ الرضا منهم ما يقترحونه عليك من الآيات ويوردونه من التعنتات، فإنك لو جئتهم بكل ما يقترحون وأجبتهم عن كل تعنت لم يرضوا عنك، ثم أخبره بأنهم لن يرضوا عنه حتى يدخل في دينهم ويتبع ملتهم. والملة: اسم لما شرعه الله لعباده في كتبه على ألسن أنبيائه وهكذا الشريعة، ثم رد عليهم سبحانه فأمره بأن يقول لهم: "إن هدى الله هو الهدى" الحقيقي، لا ما أنتم عليه من الشريعة المنسوخة والكتب المحرفة ثم أتبع ذلك بوعيد شديد لرسول الله إن اتبع أهواءهم وحاول رضاهم وأتعب نفسه في طلب ما يوافقهم، ويحتمل أن يكون تعريضاً لأمته وتحذيراً لهم أن يواقعوا شيئاً من ذلك، أو يدخلوا في أهوية أهل الملل ويطلبوا رضا أهل البدع. وفي هذه الآية من الوعيد الشديد الذي ترجف له القلوب وتتصدع منه الأفئدة، ما يوجب على أهل العلم الحاملين لحجج الله سبحانه والقائمين ببيان شرائعه، ترك الدهان لأهل المتمذهبين بمذاهب السوء، التاركين للعمل بالكتاب والسنة، المؤثرين لمحض الراي عليهما، فإن غالب هؤلاء وإن أظهر قبولاً وأبان من أخلاقه ليناً لا يرضيه إلا اتباع بدعته والدخول في مداخله والوقوع في خبائله، فإن فعل العالم ذلك بعد أن علمه الله من العلم ما يستفيد به أن هدى الله هو ما في كتابه وسنة رسوله، لا ما هم عليه من تلك البدع التي هي ضلالة محضة، وجهالة بينة ورأي منهار، وتقليد على شفا جرف هار، فهو إذ ذاك ما له من الله من ولي ولا نصير ومن كان كذلك فهو مخذول لا محالة وهالك بلا شك ولا شبهة.
120. قوله عز وجل " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى " وذلك أنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة ويطمعونه في أنه إن أمهلهم اتبعوه فأنزل الله تعالى هذه الآية، معناه وإنك إن هادنتهم فلا يرضون بها وإنما يطلبون ذلك تعللا ولا يرضون منك إلا باتباع ملتهم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا في القبلة وذلك أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي إلى قبلتهم فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة آيسوا في أن يوافقهم على دينهم فأنزل الله تعالى " ولن ترضى عنك اليهود " إلا باليهودية " ولا النصارى " إلا بالنصرانية والملة الطريقة " ولئن اتبعت أهواءهم " قيل الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به الأمة كقوله " لئن أشركت ليحبطن عملك " (65-الزمر) " بعد الذي جاءك من العلم " البيان بأن دين الله هو الإسلام والقبلة قبلة إبراهيم عليه السلام وهي الكعبة " ما لك من الله من ولي ولا نصير ".
120-" ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " مبالغة في إقناط الرسول صلى الله عليه وسلم من إسلامهم ، فإنهم إذا لم يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم ، فكيف يتبعون ملته . ولعلهم قالوا مثل ذلك فحكى الله عنهم ولذلك قال : " قل " تعليماً للجواب . " إن هدى الله هو الهدى " أي هدى الله الذي هو الإسلام هو الهدى إلى الحق ، لا ما تدعون إليه . " ولئن اتبعت أهواءهم " آراءهم الزائفة . والملة ما شرعة الله تعالى لعباده على لسان أنبيائه ، من أمللت الكتاب إذا أمليته ، والهوى : رأي يتبع الشهرة " بعد الذي جاءك من العلم " أي الوحي ، أو الدين المعلوم صحته . " ما لك من الله من ولي ولا نصير " يدفع عنك عقابه وهو جواب لئن .
120. And the Jews will not be pleased with thee, nor will the Christians, till thou follow their creed. Say: Lo! the guidance of Allah (Himself) is Guidance. And if thou shouldst follow their desires after the knowledge which hath come unto thee, then wouldst thou have from Allah no protecting friend nor helper.
120 - Never will the Jews or the Christians be satisfied with thee unless thou follow their form of religion. say: the guidance of God, that is the (only) guidance. wert thou to follow their desires after the knowledge which hath reached thee, then wouldst thou find neither protector nor helper against God.