123 - (قال اهبطا) أي آدم وحواء بما اشتملتما عليه من ذريتكما (منها) من الجنة (جميعا بعضكم) بعض الذرية (لبعض عدو) من ظلم بعضهم بعضا (فإما) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة (يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي) أي القرآن (فلا يضل) في الدنيا (ولا يشقى) في الآخرة
يقول تعالى ذكره : قال الله تعالى لآدم وحواء "اهبطا منها جميعا" إلى الأرض "بعضكم لبعض عدو" يقول : أنتما عدو إبليس وذريته ، وإبليس عدوكما وعدو ذريتكما.
وقوله "فإما يأتينكم مني هدى" يقول : فإن يأتكم يا آدم وحواء وإبليس مني هدى؟ يقول : بيان لسبيلي ، وما أختاره لخلقي من دين "فمن اتبع هداي" يقول : فمن اتبع بياني ذلك وعمل به ، ولم يزغ عنه "فلا يضل" يقول : فلا يزول عن محجة الحق ، ولكنه يرشد في الدنيا ويهتدي "ولا يشقى" في الآخرة بعقاب الله ، لأن الله يدخله الجنة، وينجيه من عذابه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني الحسين بن يزيد الطحان، قال : ثنا أبو خالد الأحمر، عن عمرو بن قيس الملائي، عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : تضمن الله لمن قرأ القرآن ، واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ثم تلا هذه الآية "فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى".
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : ثنا حكام الرازي ، عن أيوب بن موسى ، عن مرو ثنا الملائي عن ابن عباس أنه قال : إن الله قد ضمن .فذكر نحوه.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا حكام ، عن أيوب بن يسار أبي عبد الرحمن ، عن عمرو بن قيس ، عن رجل عن ابن عباس ، بنحوه.
حدثنا علي بن سهل الرملي ، قال : ثنا أحمد بن محمد النسائي ، عن أبي سلمة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، قال : قال ابن عباس : من قرأ القرآن واتبع ما فيه عصمه الله من الضلالة، ووقاه ، أظنه أنه قال : من هول يوم القيامة، وذلك أنه قال "فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى" في الآخرة.
قوله تعالى: " قال اهبطا منها جميعا " خاطب آدم وإبليس. " منها " أي من الجنة. وقد قال لإبليس: " اخرج منها مذؤوما مدحورا " [الأعراف: 18] فلعله أخرج من الجنة إلى موضع من السماء، ثم أهبط إلى الأرض. " بعضكم لبعض عدو " تقدم في ((البقرة)) أي أنت عدو للحية ولإبليس وهما عدوان لك. وهذا يدل على أن قوله: " اهبطا " ليس خطاباً لآدم وحواء، لأنهما ما كانا متعاديين، وتضمن هبوط آدم هبوط حواء. " فإما يأتينكم مني هدى " أي رشداً وقولاً حقاً. وقد تقدم في ((البقرة)). " فمن اتبع هداي " يعني الرسل والكتب. " فلا يضل ولا يشقى " قال ابن عباس: ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، وتلا الآية. وعنه: من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب، ثم تلا الآية.
يقول تعالى لادم وحواء وإبليس: اهبطوا منها جميعاً, أي من الجنة كلكم, وقد بسطنا ذلك في سورة البقرة "بعضكم لبعض عدو" قال: آدم وذريته, وإبليس وذريته. وقوله: "فإما يأتينكم مني هدى" قال أبو العالية : الأنبياء والرسل والبيان " فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى " قال ابن عباس : لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الاخرة "ومن أعرض عن ذكري" أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه "فإن له معيشة ضنكاً" أي ضنكا في الدنيا, فلا طمأنينة له ولا انشرح لصدره, بل صدره ضيق حرج لضلاله, وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء, فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك, فلا يزال في ريبة يتردد فهذا من ضنك المعيشة.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "فإن له معيشة ضنكا" قال: الشقاء. وقال العوفي عن ابن عباس : "فإن له معيشة ضنكاً" قال: كلما أعطيته عبداً من عبادي قل أو كثر, لا يتقيني فيه, فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة, وقال أيضاً: إن قوماً ضلالاً أعرضوا عن الحق وكانوا في سعة من الدنيا متكبرين, فكانت معيشتهم ضنكاً, وذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس مخلفاً لهم معايشهم من سوء ظنهم بالله والتكذيب, فإذا كان العبد يكذب بالله ويسيء الظن به والثقة به, اشتدت عليه معيشته, فذلك الضنك. وقال الضحاك : هو العمل السيء والرزق الخبيث, وكذا قال عكرمة ومالك بن دينار .
وقال سفيان بن عيينة عن أبي حازم عن أبي سلمة عن أبي سعيد في قوله: "معيشة ضنكا" قال: يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فيه, وقال أبو حاتم الرازي : النعمان بن أبي عياش يكنى أبا سلمة . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا صفوان , أنبأنا الوليد , أنبأنا عبد الله بن لهيعة , عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل "فإن له معيشة ضنكا" قال: ضمة القبر له, والموقوف أصح. وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا الربيع بن سليمان , حدثنا أسد بن موسى , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا دراج أبو السمح عن ابن حجيرة واسمه عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن في قبره في روضة خضراء, ويفسح له في قبره سبعون ذراعاً, وينور له قبره كالقمر ليلة البدر, أتدرون فيم أنزلت هذه الاية "فإن له معيشة ضنكا" أتدرون ما المعيشة الضنك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: عذاب الكافر في قبره, والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنيناً. أتدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية, لكل حية سبعة رؤوس ينفخون في جسمه ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون" رفعه منكر جداً.
وقال البزار : حدثنا محمد بن يحيى الأزدي : حدثنا محمد بن عمرو حدثنا هشام بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن ابن حجيرة , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: "فإن له معيشة ضنكا" قال "المعيشة الضنك الذي قال الله إنه يسلط عليه تسعة وتسعون حية ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة". وقال أيضاً: حدثنا أبو زرعة , حدثنا أبو الوليد , حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "فإن له معيشة ضنكا" قال: "عذاب القبر" إسناد جيد.
وقوله: "ونحشره يوم القيامة أعمى" قال مجاهد وأبو صالح والسدي : لا حجة له, وقال عكرمة : عمي عليه كل شيء إلا جهنم, ويحتمل أن يكون المراد أنه يبعث أو يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضاً, كما قال تعالى: "ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً مأواهم جهنم" الاية, ولهذا يقول: "رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً" أي في الدنيا "قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى" أي لما أعرضت عن آيات الله وعاملتها معاملة من لم يذكرها بعد بلاغها إليك, تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها, كذلك اليوم نعاملك معاملة من ينساك "فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا" فإن الجزاء من جنس العمل. فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه, فليس داخلاً في هذاالوعيد الخاص, وإن كان متوعداً عليه من جهة أخرى فإنه قد وردت السنة بالنهي الأكيد والوعيد الشديد في ذلك. قال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد , حدثنا خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن رجل عن سعد بن عبادة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم", ثم رواه الإمام أحمد من حديث يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن عبادة بن الصامت , عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء.
قوله: 123- "قال اهبطا" قد مر تفسيره في البقرة: أي انزلا من الجنة إلى الأرض، خصمهما الله سبحانه بالهبوط لأنهما أصل البشر، ثم عمم الخطاب لهما ولذريتهما فقال: "بعضكم لبعض عدو" والجملة في محل نصب على الحال ويجوز أن يقال خاطبهما في هذا وما بعده خطاب الجمع، لأنهما منشأ الأولاد. ومعنى "بعضكم لبعض عدو" تعاديهم في أمر المعاش ونحوه. فيحدث بسبب ذلك القتال والخصام "فإما يأتينكم مني هدى" بإرسال الرسل وإنزال الكتب "فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى" أي لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.
123. " قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو، فإما يأتينكم مني هدىً فمن اتبع هداي "، يعني الكتاب والرسول، " فلا يضل ولا يشقى "، روى سعيد بن جبر عن ابن عباس قال: من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله في الدنيا من الضلالة، ووقاه الله يوم القيامة سوء الحساب، وذلك بأن الله يقول: " فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ".
وقال الشعبي عن ابن عباس: أجار الله تعالى تابع القرآن من أن يضل في الدنيا ويشقى في الآخرة، وقرأ هذه الآية.
123ـ " قال اهبطا منها جميعاً " الخطاب لآدم وحواء ، أو له ولإبليس لما كانا أصلي الذرية خاطبهما مخاطبتهم فقال : " بعضكم لبعض عدو " لأمر المعاش كما عليه الناس من التجاذب والتحارب ، أو لاختلال حال كل من النوعين بواسطة الآخر ويؤيد الأول قوله : " فإما يأتينكم مني هدًى " كتاب ورسول . " فمن اتبع هداي فلا يضل " في الدنيا . " ولا يشقى " في الآخرة .
123. He said: Go down hence, both of you, one of you a foe unto the other. But if there come unto you from Me a guidance, then whoso followeth My guidance, he will not go astray nor come to grief.
123 - He said: get ye down, both of you, all together, from the Garden, with enmity One to another: but if, As is sure, there comes to you guidance from me, whosoever Follows my guidance, will not Lose his way, nor fall Into misery.