129 - (وتتخذون مصانع) للماء تحت الأرض (لعلكم) كأنكم (تخلدون) فيها لا تموتون
القول في تأويل قوله تعالى : " وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون " .
قوله تعالى : " وتتخذون مصانع " أي منازل ، قاله الكلبي . وقيل : حصونا مشيدة ، قاله ابن عباس و مجاهد ومنه قول الشاعر :
تركنا ديارهم منهم قفاراً وهدمنا المصانع والروجا
وقيل : قصوراً مشيدة ، وقاله مجاهد أيضاً . وعنه ، بروج الحمام ، وقاله السدي . قلت ك وفيه بعد عن مجاهد ، لأنه تقدم عنه في الريع أنه بنيان الحمام فيكون تكراراً في الكلام . وقال قتادة : مآجل للماء تحت الأرض . وكذا قال الزجاج : إنها مصانع الماء ، واحدتها مصنعة ومصنع . ومنه قول لبيد :
بلينا وما تبلى النجوم الطوامع وتبقى الجبال بعدنا والمصانع
الجوهري : المصنعة كالحوض يجتمع فيها ماء المطر ، وكذلك المصنعة بضم النون . والمصانع الحصون . وقال أبو عبيدة : يقال لكل بناء مصنعة . حكاه المهدوي . وقال عبد الرزاق : المصانع عندنا بلغة اليمن القصور العادية . " لعلكم تخلدون " أي كي تخلدوا . وقيل : لعل استفهام بمعنى التوبيخ أي فهل ( تخلدون ) كقولك : لعلك تشتمني أي هل تشتمني . وروي معناه عن ابن زيد . وقال الفراء : كيما تخلدون لا تتفكرون في الموت . وقال ابن عباس و قتادة : كأنكم خالدون باقون فيها . وفي بعض القراءات ( كأنكم تخلدون )ذكره النحاس . وحكى قتادة : أنها كانت في بعض القراءات (كأنكم خالدون ) .
وهذا إخبار من الله تعالى عن عبده ورسوله هود عليه السلام, أنه دعا قومه عاداً, وكان قومه يسكنون الأحقاف, وهي جبال الرمل قريباً من حضرموت, من جهة بلاد اليمن, وكان زمانهم بعد قوم نوح, كما قال في سورة الأعراف "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة" وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب والقوة والبطش الشديد, والطول المديد, والأرزاق الدارة, والأموال والجنات والأنهار, والأبناء والزروع والثمار, وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله معه, فبعث الله هوداً إليهم رجلاً منهم رسولاً وبشيراً ونذيراً, فدعاهم إلى الله وحده, وحذرهم نقمته وعذابه في مخالفته وبطشه, فقال لهم كما قال نوح لقومه إلى أن قال "أتبنون بكل ريع آية تعبثون" اختلف المفسرون في الريع بما حاصله أنه المكان المرتفع عند جواد الطرق المشهورة, يبنون هناك بنياناً محكماً هائلاً باهراً, ولهذا قال "أتبنون بكل ريع آية" أي معلماً بناء مشهوراً "تعبثون" أي وإنما تفعلون ذلك عبثاً لا للاحتياج إليه بل لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة, ولهذا أنكر عليه نبيهم عليهم السلام ذلك, لأنه تضييع للزمان وإتعاب للأبدان في غير فائدة, واشتغال بما لا يجدي في الدنيا ولا في الاخرة, ولهذا قال "وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون" قال مجاهد : والمصانع البروج المشيدة والبنيان المخلد, وفي رواية عنه: بروج الحمام. وقال قتادة : هي مأخذ الماء.
قال قتادة : وقرأ بعض الكوفيين " وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ". وفي القراءة المشهورة "وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون" أي لكي تقيموا فيها أبداً وذلك ليس بحاصل لكم بل زائل عنكم, كما زال عمن كان قبلكم. وروى ابن أبي حاتم رحمه الله: حدثنا أبي , حدثنا الحكم بن موسى , حدثنا الوليد , حدثنا ابن عجلان , حدثني عون بن عبد الله بن عتبة أن أبا الدرداء رضي الله عنه لما رأى ما أحدث المسلمون في الغوطة من البنيان ونصب الشجر, قام في مسجدهم فنادى: يا أهل دمشق, فاجتمعوا إليه, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: ألا تستحيون, ألا تستحيون, تجمعون ما لا تأكلون, وتبنون ما لا تسكنون, وتأملون ما لا تدركون, إنه قد كانت قبلكم قرون يجمعون فيوعون, ويبنون فيوثقون, ويأملون فيطيلون, فأصبح أملهم غروراً, وأصبح جمعهم بوراً, وأصبحت مساكنهم قبوراً, ألا إن عاداً ملكت ما بين عدن وعمان خيلاً وركاباً, فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين ؟.
وقوله "وإذا بطشتم بطشتم جبارين" أي يصفهم بالقوة والغلظة والجبروت "فاتقوا الله وأطيعون" أي اعبدوا ربكم وأطيعوا رسولكم, ثم شرع يذكرهم نعم الله عليهم, فقال " واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " أي إن كذبتم وخالفتم, فدعاهم إلى الله بالترغيب والترهيب, فما نفع فيهم.
129- "وتتخذون مصانع" المصانع: هي الأبنية التي يتخذها الناس منازل. قال أبو عبيدة: كل بناء مصنعة منه وبه قال الكلبي وغيره، منه قول الشاعر:
تركن ديارهم منهم قفارا وهد من المصانع والبروجا
وقيل هي الحصون المشيدة، قاله مجاهد وغيره، وقال الزجاج: إنها مصانع الماء التي تجعل تحت الأرض واحدتها مصنعة ومصنع، ومنه قول لبيد:
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع وتبقى الجبال بعدنا والمصانع
وليس في هذا البيت ما يدل صريحاً على ما قاله الزجاج، ولكنه قال الجوهري: المصنعة بضم النون الحوض يجمع فيه ماء المطر، والمصانع الحصون. وقال عبد الرزاق: المصانع عندنا بلغة اليمن القصور العالية. ومعنى "لعلكم تخلدون" راجين أن تخلدوا، وقيل إن لعل هنا للاستفهام التوبيخي: أي هل تخلدون، كقولهم لعلك تشتمني: أي هل تشتمني. وقال الفراء: كي تخلدون ولا تتفكرون في الموت، وقيل المعنى: كأنكم باقون مخلدون. قرأ الجمهور "تخلدون" مخففاً. وقرأ قتادة بالتشديد. وحكى النحاس أن في بعض القراءات كأنكم مخلدون وقرأ ابن مسعود كي تخلدوا.
129- "وتتخذون مصانع"، قال ابن عباس: أبنية. وقال مجاهد: قصوراً مشيدة. وعن الكلبي: أنها الحصون. وقال قتادة: مآخذ الماء، يعني الحياض، واحدتها مصنعة، "لعلكم تخلدون"، أي: كأنكم تبقوم فيها خالدين. والمعنى: أنهم كانوا يستوثقون المصانع كأنهم لا يموتون.
129 -" وتتخذون مصانع " مآخذ الماء وقيل قصوراً مشيدة وحصوناً . " لعلكم تخلدون " فتحكمون بنيانها .
129. And seek ye out strongholds, that haply ye may last for ever?
129 - And do ye get for yourselves fine buildings in the hope of living therein (for ever)?