(ولن تستطيعوا أن تعدلوا) تسووا (بين النساء) في المحبة (ولو حرصتم) على ذلك (فلا تميلوا كل الميل) إلى التي تحبونها في القسم والنفقة (فتذروها) أي تتركوا الممال عنها (كالمعلقة) التي لا هي أيم ولا هي ذات بعل (وإن تصلحوا) بالعدل بالقسم (وتتقوا) الجور (فإن الله كان غفورا) لما في قلبكم من الميل (رحيما) بكم في ذلك
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله : "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء"، لن تطيقوا، أيها الرجال ، أن تسووا بين نسائكم وأزواجكم في حبهن بقلوبكم حتى تعدلوا بينهن في ذلك ، فلا يكون في قلوبكم لبعضهن من المحبة إلا مثل ما لصواحبها، لأن ذلك مما لا تملكونه ، وليس إليكم ، "ولو حرصتم"، يقول : ولو حرصتم في تسويتكم بينهن في ذلك، كما:
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"، قال : واجب ، أن لا تستطيعوا العدل بينهن.
"فلا تميلوا كل الميل"، يقول : فلا تميلوا بأهوائكم إلى من لم تملكوا محبته منهن كل الميل ، حتى يحملكم ذلك على أن تجوروا على صواحبها في ترك أداء الواجب لهن عليكم من حق : في القسم لهن ، والنفقة عليهن ، والعشرة بالمعروف ، "فتذروها كالمعلقة"، يقول : فتذروا التي هي سوى التي ملتم بأهوائكم إليها، "كالمعلقة"، يعني : كالتي لا هي ذات زوج ، ولا هي أيم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ما قلنا في قوله: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم". حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"، قال : بنفسه في الحب والجماع.
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن يونس ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة : "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"، قال : بنفسه.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حفص ، عن أشعث وهشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : سألته عن قوله : "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"، فقال : في الجماع.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن هشام ، عن ابن سيرين عن عبيدة قال : في الحب والجماع.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا سهل ، عن عمرو، عن الحسن : في الحب.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : في الحب والجماع.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، قال أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة في قوله : "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"، قال : في المودة، كانه يعني الحب.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن ا عباس : "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"، يقول : لا تستطيع أن تعدل بالشهوة فيما بينهن ولو حرصت.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، وحدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، قال : ذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول : اللهم أما قلبي فلا أملك وأما سوى ذلك ، فأرجو أن أعدل!
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"، يعني : في الحب والجماع.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية، وحدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الوهاب ، قالا جميعاً، حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل ، ثم يقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حسين بن علي ، عن زائدة، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن ابن أبي مليكة قال : نزلت هذه الآية في عائشة: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء".
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك ، قال : في الشهوة والجماع.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر، عن الضحاك قال : في الجماع.
حدثنا علي بن سهل قال ، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء قال ، قال سفيان في قوله : "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"، قال : في الحب والجماع.
حدثنا يونس قال ، أخبرني ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"، قال : ما يكون من بدنه وقلبه ، فذلك شيء لا يستطيع يملكه.
ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله: "فلا تميلوا كل الميل".
حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا ابن عون ، عن محمد قال : تلت لعبيدة : "فلا تميلوا كل الميل"، قال : بنفسه.
حدثنا سفيان قال ، حدثنا ابن علية، عن ابن عون ، عن محمد، عن عبيدة، مثله.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة : "فلا تميلوا كل الميل"، قال هشام : أظنه قال : في الحب والجماع.
حدثني المثنى قال ، حدثنا حبان بن موسى قال ، أخبرنا ابن المبارك قال ، أخبرنا هشام، عن ابن سيرين ، عن عبيدة في قوله : "كل الميل"، قال : بنفسه.
حدثنا بحر بن نصر الخولاني قال ، حدثنا بشر بن بكر قال ، أخبرنا الأوزاعي ، عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة عن قول الله : "فلا تميلوا كل الميل"، قال : بنفسه.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو، عن الحسن : "فلا تميلوا كل الميل"، قال : في الغشيان والقسم.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: "فلا تميلوا كل الميل"، لا تعمدوا الإساءة.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد،مثله.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال : بلغني عن مجاهد: "فلا تميلوا كل الميل"، قال : يتعمد أن يسيء ويظلم.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : "فلا تميلوا كل الميل"، قال : هذا في العمل في مبيته عندها، وفيما تصيب من خيره.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "فلا تميلوا كل الميل"، يقول : يميل عليها، فلا ينفق عليها، ولا يقسم لها يوما.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال مجاهد: "فلا تميلوا كل الميل"، قال : يتعمد الإساءة، يقول : لا تميلوا كل الميل ، قال : بلغني أنه الجماع.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن حماد بن زيد، عن أيوب ، عن أبي قلابة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ، ويقول اللهم هذه قسمتي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك!
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الوهاب ، عن أيوب ، عن أبي قلابة، عن عبد الله بن يزيد، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثله.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن همام بن يحيى، عن قتادة، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة أحد شقيه ساقط.
ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله : "فتذروها كالمعلقة".
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس : "فتذروها كالمعلقة"، قال : تذروها لا هي أيم، ولا هي ذات زوج.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر، عن سعيد بن جبير: "فتذروها كالمعلقة"، قال : لا أيما ولا ذات بعل.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن يمان ، عن مبارك ، عن الحسن : "فتذروها كالمعلقة"، قال : لا مطلقة ولا ذات بعل.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو، عن الحسن ، مثله.
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فتذروها كالمعلقة"، أي كالمحبوسة ، أو كالمسجونة.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله : "فتذروها كالمعلقة"، قال : كالمسجونة.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام بن سلم ، عن أبي جعفر، عن الربيع في قوله: "فتذروها كالمعلقة"، يقول : لا مطلقة ولا ذات بعل.
حدثني المثنى قال ، حدثني إسحق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال ، أخبرنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس في قوله : "فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة"، لا مطلقة ولا ذات بعل.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال : بلغني عن مجاهد: "فتذروها كالمعلقة"، قال : لا أيما ولا ذات بعل.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح : "فتذروها كالمعلقة"، ليست بأيم ولا ذات زوج.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي وأبو خالد وأبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك ، قال : لا تدعها كأنها ليس لها زوج.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "فتذروها كالمعلقة"، قال : لا أيماً ولا ذات بعل.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "فتذروها كالمعلقة"، قال : المعلقة، التي ليست بمخلاة ونفسها فتبتغي لها، وليست متهيئة كهيئة المرأة من زوجها، لا هي عند زوجها، ولا مفارقة، فتبتغي لنفسها. فتلك المعلقة.
قال أبو جعفر: وإنما أمر الله جل ثناؤه بقوله : "فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة"، الرجال بالعدل بين أزواجهن فيما استطاعوا فيه العدل بينهن من القسمة بينهن ، والنفقة، وترك الجور في ذلك بإرسال إحداهن على الأخرى فيما فرض عليهم العدل بينهن فيه ، إذ كان قد صفح لهم عما لا يطيقون العدل فيه بينهن مما في القلوب من المحبة والهوى.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : "وإن تصلحوا" أعمالكم ، أيها الناس ، فتعدلوا في قسمكم بين أزواجكم ، وما فرض الله لهن عليكم من النفقة والعشرة بالمعروف ، فلا تجوروا في ذلك ، "وتتقوا"، يقول : وتتقوا الله في الميل الذي نهاكم عنه ، بان تميلوا لإحداهن على الأخرى، فتظلموها حقها مما أوجبه الله لها عليكم ، "فإن الله كان غفورا"، يقول : فإن الله يستر عليكم ما سلف منكم من ميلكم وجوركم عليهن قبل ذلك ، بتركه عقوبتكم عليه ، ويغطي ذلك عليكم بعفوه عنكم ما مضى منكم في ذلك قبل ، "رحيما"، يقول : وكان رحيماً بكم ، إذ تاب عليكم ، فقبل توبتكم من الذي سلف منكم من جوركم في ذلك عليهن ، وفي ترخيصه لكم الصلح بينكم وبينهن ، بصفحهن عن حقوقهن لكم من القسم على أن لا يطلقن.
قوله تعالى :" ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل" أخبر تعالى بنفي الإستطاعة في العدل بين النساء وذلك في ميل الطبع بالمحبة والجماع والحظ من القلب فوصف الله تعالى حالة البشر وأنهم بحكم الخلقة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض دون بعض، ولهذا "كان عليه السلام يقول :
اللهم إن هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " ثم نهى فقال: " فلا تميلوا كل الميل " قال مجاهد: لا تتعمدوا الإساءة بل الزموا التسوية في القسم والنفقة، لأن هذا ما يستطاع، وسيأتي بيان هذه في الأحزاب مبسوطاً إن شاء الله تعالى . وروى قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك "عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من كانت له امرأتان ولم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل "
قوله تعالى :" فتذروها كالمعلقة " أي لا هي مطلقة ولا ذات زوج، قاله الحسن. وهذا تشبيه بالشيء المعلق من شيء، لأنه لا على الأرض استقر ولا على ما علق عليه انحمل، وهذا مطرد في قولهم في المثل: أرض من المركب بالتعليق وفي عرف النحويين فمن تعلق الفعل ومنه في حديث أم زرع في قول المرأة:
زوجي العشنق ، إن أنطلق أطلق، وإن أن أسكت أعلق، وقال قتادة: كالمسجونة وكذا قرأ فتذروها كالمسجونة وقرأ ابن مسعود فتذروها كأنها معلقة وموضع فتذروها نصب لأنه جواب النهي والكاف في كالمعلقة في موضع نصب أيضاً.
يقول تعالى مخبراً ومشرعاً من حال الزوجين تارة في حال نفور الرجل عن المرأة, وتارة في حال اتفاقه معها, وتارة في حال فراقه لها, فالحالة الأولى ما إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها أو يعرض عنها, فلها أن تسقط عنه حقها أو بعضه من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من حقها عليه, وله أن يقبل ذلك منها فلا حرج عليها في بذلها ذلك له, ولا عليه في قبوله منها, ولهذا قال تعالى: "فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً", ثم قال: "والصلح خير" أي من الفراق, وقوله: "وأحضرت الأنفس الشح" أي الصلح عند المشاحة خير من الفراق, ولهذا لما كبرت سودة بنت زمعة عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فراقها فصالحته على أن يمسكها وتترك يومها لعائشة, فقبل ذلك منها وأبقاها على ذلك.
(ذكر الرواية بذلك) قال أبو داود الطيالسي: حدثنا سليمان بن معاذ عن سماك بن حرب, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يارسول الله, لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ففعل, ونزلت هذه الاية "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضا فلا جناح عليهما" الاية. قال ابن عباس فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز. ورواه الترمذي عن محمد بن المثنى, عن أبي داود الطيالسي به, وقال: حسن غريب. قال الشافعي: أخبرنا مسلم عن ابن جريج, عن عطاء, عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع نسوة وكان يقسم لثمان. وفي الصحيحين من حديث هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة قالت: لما كبرت سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة, فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لها بيوم سودة. وفي صحيح البخاري من حديث الزهري عن عروة عن عائشة نحوه.
وقال سعيد بن منصور: أنبأنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام, عن أبيه عروة, قال: أنزل الله في سودة وأشباهها "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً" وذلك أن سودة كانت امرأة قد أسنت, ففزعت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وضنت بمكانها منه, وعرفت من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة ومنزلتها منه, فوهبت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة, فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي وقد رواه أحمد بن يونس عن الحسن بن أبي الزناد موصولاً, وهذه الطريقة رواها الحاكم في مستدركه فقال: حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه, أخبرنا الحسن بن علي بن زياد, حدثنا أحمد بن يونس, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة أنها قالت له: يا ابن أختي, كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندنا, وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى من هو يومها فيبيت عندها, ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفزعت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم يارسول الله, يومي هذا لعائشة, فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالت عائشة: ففي ذلك أنزل الله "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً" وكذلك رواه أبو داود عن أحمد بن يونس به, والحاكم في مستدركه, ثم قال: صحيح الإسناد, ولم يخرجاه. وقد رواه ابن مردويه من طريق أبي بلال الأشعري عن عبد الرحمن بن أبي الزناد به نحوه ومن رواية عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن هشام بن عروة بنحو مختصراً, والله أعلم.
وقال أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي في أول معجمه: حدثنا محمد بن يحيى, حدثنا مسلم بن إبراهيم. حدثنا هشام الدستوائي, حدثنا القاسم بن أبي بزة, قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى سودة بنت زمعة بطلاقها, فلما أن أتاها جلست له على طريق عائشة, فلما رأته قالت له: أنشدك بالذي أنزل عليك كلامه واصطفاك على خلقه لما راجعتني, فإني قد كبرت ولا حاجة لي في الرجال, لكن أريد أن أبعث مع نسائك يوم القيام, فراجعها فقالت: فإني جعلت يومي وليلتي لحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذا غريب مرسل. وقال البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل, أنبأنا عبد الله, أنبأنا هشام بن عروة عن أبيه, عن عائشة "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً" قال: الرجل تكون عنده المرأة المسنة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول: أجعلك من شأني في حل, فنزلت هذه الاية.
وقال ابن جرير: حدثنا وكيع, حدثنا أبي عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير" قالت: هذا في المرأة تكون عند الرجل, فلعله لا يكون بمستكثر منها, ولا يكون لها ولد ويكون لها صحبة فتقول: لا تطلقني وأنت في حل من شأني. حدثني المثنى, حدثنا حجاج بن منهال, حدثنا حماد بن سلمة عن هشام, عن عروة, عن عائشة, في قوله: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً" قالت: هو الرجل يكون له امرأتان: إحداهما قد كبرت, أو هي دميمة, وهو لا يستكثر منها فتقول: لا تطلقني وأنت في حل من شأني, وهذا الحديث ثابت في الصحيحين من غير وجه عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة, بنحو ما تقدم, ولله الحمد والمنة.
قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد وابن وكيع, قالا: حدثنا جرير عن أشعث عن ابن سيرين قال: جاء رجل الى عمر بن الخطاب فسأله عن آية, فكرهه فضربه بالدرة, فسأله آخر عن هذه الاية "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً" ثم قال عن مثل هذا فاسألوا, ثم قال: هذه المرأة تكون عند الرجل قد خلا من سنها, فيتزوج المرأة الشابة يلتمس ولدها, فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين الهسنجاني, حدثنا مسدد, حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب, عن خالد بن عرعرة, قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب, فسأله عن قول الله عز وجل "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما", قال علي: يكون الرجل عنده المرأة فتنبو عيناه عنها من دمامتها أو كبرها, أو سوء خلقها, أو قذذها فتكره فراقه, فإن وضعت له من مهرها شيئاً حل له, وإن جعلت له من أيامها فلا حرج.
وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن حماد بن سلمة وأبي الأحوص, ورواه ابن جرير من طريق إسرائيل, أربعتهم عن سماك به. وكذا فسرها ابن عباس وعبيدة السلماني ومجاهد بن جبير والشعبي وسعيد بن جبير وعطاء وعطية العوفي ومكحول والحسن والحكم بن عتيبة وقتادة وغير واحد من السلف والأئمة, ولا أعلم في ذلك خلافاً أن المراد بهذه الاية هذا, والله أعلم, وقال الشافعي: أنبأنا ابن عيينة عن الزهري, عن ابن المسيب أن بنت محمد بن مسلم كانت عند رافع بن خديج, فكره منها أمراً إما كبراً أو غيره, فأراد طلاقها فقالت: لا تطلقني واقسم لي ما بدا لك, فأنزل الله عز وجل "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً" الاية, وقد رواه الحاكم في مستدركه من طريق عبد الرزاق عن معمر, عن الزهري, عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار بأطول من هذا السياق.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: حدثنا سعيد بن أبي عمرو, حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني, أنبأنا علي بن محمد بن عيسى, أنبأنا أبو اليمان, أخبرني شعيب بن أبي حمزة عن الزهري, أخبرني سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن السنة في هاتين الايتين اللتين ذكر الله فيهما نشوز الرجل وإعراضه عن امرأته في قوله: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً" إلى تمام الايتين, أن المرء إذا نشز عن امرأته وآثر عليها, فإن من الحق أن يعرض عليها أن يطلقها أو تستقر عنده على ما كانت من أثرة في القسم من ماله ونفسه صلح له ذلك وكان صلحها عليه كذلك, ذكر سعيد بن المسيب وسليمان الصلح الذي قال الله عز وجل "فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير" وقد ذكر لي أن رافع بن خديج الأنصاري وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانت عنده امرأة حتى إذا كبرت تزوج عليها فتاة شابة, وآثر عليها الشابة, فناشدته الطلاق فطلقها تطليقة, ثم أمهلها حتى إذا كادت تحل راجعها, ثم عاد فآثر عليها الشابة فناشدته الطلاق, فقال لها: ماشئت, إنما بقيت لك تطليقة واحدة, فإن شئت استقررت على ما ترين من الأثرة, وإن شئت فارقتك, فقالت: لا بل أستقر على الأثرة فأمسكها على ذلك, فكان ذلك صلحهما ولم ير رافع عليه إثماً حين رضيت أن تستقر عنده على الأثرة فيما آثر به عليها, وهكذا رواه بتمامة عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه عن أبي اليمان, عن شعيب, عن الزهري, عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار فذكره بطوله, والله أعلم.
وقوله: "والصلح خير" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني التخيير أن يخير الزوج لها بين الإقامة والفراق خير من تمادي الزوج على أثرة غيرها عليها, والظاهر من الاية أن صلحهما على ترك بعض حقها للزوج وقبول الزوج ذلك خير من المفارقة بالكلية, كما أمسك النبي صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة على أن تركت يومها لعائشة رضي الله عنها ولم يفارقها, بل تركها من جملة نسائه وفعله ذلك لتتأسى به أمته في مشروعية ذلك وجوازه, فهو أفضل في حقه عليه الصلاة والسلام, ولما كان الوفاق أحب الى الله من الفراق. قال: "والصلح خير" بل الطلاق بغيض إليه سبحانه وتعالى, ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجه, جميعاً عن كثير بن عبيد, عن محمد بن خالد, عن معروف بن واصل, عن محارب بن دثار, عن عبد الله بن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق". ثم رواه أبو داود عن أحمد بن يونس, عن معروف عن محارب, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر معناه مرسلاً.
وقوله: "وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً" وإن تتجشموا مشقة الصبر على ما تكرهون منهن وتقسموا لهن أسوة أمثالهن, فإن الله عالم بذلك وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء. وقوله تعالى: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" أي لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه, فإنه وإن وقع القسم الصوري ليلة وليلة, فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع كما قاله ابن عباس وعبيدة السلماني ومجاهد والحسن البصري والضحاك بن مزاحم, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا ابن أبي شيبة, حدثنا حسين الجعفي عن زائدة, عن عبد العزيز بن رفيع, عن ابن أبي مليكة, قال: نزلت هذه الاية "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" في عائشة, يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها أكثر من غيرها, كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث حماد بن سلمة عن أيوب, عن أبي قلابة, عن عبد الله بن يزيد, عن عائشة قالت: كان رسول الله يقسم بين نسائه فيعدل, ثم يقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك, فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" يعني القلب, هذا لفظ أبي داود, وهذا إسناد صحيح, لكن قال الترمذي: رواه حماد بن زيد وغير واحد عن أيوب عن أبي قلابة مرسلاً, قال: وهذا أصح.
وقوله: "فلا تميلوا كل الميل" أي فإذا ملتم إلى واحدة منهن فلا تبالغوا في الميل بالكلية "فتذروها كالمعلقة" أي فتبقى هذه الأخرى معلقة. قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن والضحاك والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان: معناها لا ذات زوج ولا مطلقة. وقال أبو داود الطيالسي: أنبأنا همام عن قتادة, عن النضر بن أنس ؟ عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما, جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط", وهكذا رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث همام بن يحيى عن قتادة به. وقال الترمذي: إنما أسنده همام ورواه هشام الدستوائي عن قتادة, قال: كان يقال: ولا يعرف هذا الحديث مرفوعاً إلا من حديث همام. وقول: "وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيماً" أي وإن أصلحتم في أموركم وقسمتم بالعدل فيما تملكون واتقيتم الله في جيمع الأحوال غفر الله لكم ما كان من ميل إلى بعض النساء دون بعض, ثم قال تعالى: "وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيماً" وهذه هي الحالة الثالثة, وهي حالة الفراق وقد أخبر الله تعالى أنهما إذا تفرقا فإن الله يغنيه عنها ويغنيها عنه بأن يعوضه الله من هو خير له منها, ويعوضها عنه بمن هو خير لها منه, "وكان الله واسعاً حكيماً" أي واسع الفضل عظيم المن حكيماً في جيمع أفعاله وأقداره وشرعه.
قوله 129- "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء" أخبر سبحانه بنفي استطاعتهم للعدل بين النساء على الوجه الذي لا ميل فيه ألبتة لما جبلت عليه الطباع البشرية من ميل النفس إلى هذه دون هذه، وزيادة هذه في المحبة ونقصان هذه، وذلك بحكم الخلقة بحيث لا يملكون قلوبهم ولا يستطيعون توقيف أنفسهم على التسوية، ولهذا كان يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك" ولما كانوا لا يستطيعون ذلك ولو حرصوا عليه وبالغوا فيه نهاهم عز وجل عن أن يميلوا كل الميل، لأن ترك ذلك وتجنب الجور كل الجور في وسعهم وداخل تحت طاقتهم فلا يجوز لهم أن يميلوا عن إحداهن إلى الأخرى كل الميل حتى يذروا الأخرى كالمعلقة التي ليست ذات زوج ولا مطلقة تشبيهاً بالشيء الذي هو معلق غير مستقر على شيء، وفي قراءة أبي فتذروها كالمسجونة قوله "وإن تصلحوا" أي: ما أفسدتم من الأمور التي تركتم ما يجب عليكم فيها من عشرة النساء والعدل بينهن "وتتقوا" كل الميل الذي نهيتم عنه "فإن الله كان غفوراً رحيماً" لا يؤاخذكم بما فرط منكم.
129-قوله تعالى:"ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء"،أي: لن تقدروا أن تسووا بين النساء في الحب وميل القلب،"ولو حرصتم" على العدل،"فلا تميلوا"،أي: إلي التي تحبونها،"كل الميل" في القسم والنفقة،أي: لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم،"فتذروها كالمعلقة" ،أي فتدعوا الأخرى كالمنوطة لا أيما ولا ذات بعل. وقال قتادة: كالمحبوسة ، وفي قراءة أبي بن كعب: كأنها مسجونة.
وروي عن أبي قلابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه ، فيعدل ويقول:"اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"، ورواه بعضهم عن ابي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها متصلاً.
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كانت له إمراتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل " "وإن تصلحوا وتتقوا"، والجور،"فإن الله كان غفوراً رحيماً".
129" ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء " لأن العدل أن لا يقع ميل البتة وهو متعذر فلذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: "هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك". " ولو حرصتم " أي على تحري ذلك وبالغتم فيه. " فلا تميلوا كل الميل " بترك المستطاع والجور على المرغوب عنها، فإن ما لا يدرك كله لا يترك جله. " فتذروها كالمعلقة " التي ليست ذات بعل ولا مطلقة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم "من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل". " وإن تصلحوا " ما كنتم تفسدون من أمورهن. " وتتقوا " فيم يستقبل من الزمان. " فإن الله كان غفورا رحيما " يغفر لكم ما مضى من ميلكم.
129. Ye will not be able to deal equally between (your) wives, however much ye wish (to do so): But turn not altogether away (from one), leaving her as in suspense. If ye do good and keep from evil, lo! Allah is ever Forgiving, Merciful.
129 - Ye are never able to be fair and just as between women, even if it is your ardent desire: but turn not away (from a woman) altogether, so as to leave her (as it were) hanging (in the air). if ye come to a friendly understanding, and practise self restraint, God is oft forgiving, most merciful.