13 - (ويسبح الرعد) هو ملك موكل بالسحاب يسوقه ملتبساً (بحمده) أي يقول سبحان الله وبحمده (و) يسبح (الملائكة من خيفته) أي الله (ويرسل الصواعق) وهي نار تخرج من السحاب (فيصيب بها من يشاء) فتحرقه ، نزل في رجل بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم من يدعوه فقال من رسول الله وما الله أمن ذهب هو أو من فضة أم نحاس فنزلت به صاعقة فذهبت بقحف رأسه (وهم) أي الكفار (يجادلون) يخاصمون النبي صلى الله عليه وسلم (في الله وهو شديد المحال) القوة أو الأخذ
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : "هو الذي يريكم البرق" ، يعني أن الرب هو الذي يري عباده البرق ، وقوله : "هو" ، كناية اسمه جل ثناؤه .
وقد بينا معنى "البرق" ، وذكرنا اختلاف أهل التأويل فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله : "خوفا" ، يقول : خوفاً للمسافر من أذاه . وذلك أن "البرق" ، الماء ، في هذا الموضع كما :
حدثني المثنى قال ، حدثنا حجاج قال ، حدثنا حماد قال ، أخبرنا موسى بن سالم أبو جهضم ، مولى ابن عباس قال : كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن "البرق" ، فقال : "البرق" ، الماء .
وقوله :"وطمعا" ، يقول : وطمعاً للمقيم أن يمطر فينتفع ، كما :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عنقتادة قوله :"هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا" ، يقول : خوفاً للمسافر في أسفاره ، يخاف أذاه ومشقته ، "وطمعا" ، للمقيم ، يرجو بركته ومنفعته ، ويطمع في رزق الله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ،عن قتادة : "خوفا وطمعا" ، خوفاً للمسافر ، وطمعاً للمقيم .
وقوله : "وينشئ السحاب الثقال" ، ويثير السحاب الثقال بالمطر ويبدئه .
يقال منه : أنشأ الله السحاب ، إذا أبدأه . ونشأ السحاب ، إذا بدأ ، ينشأ نشأ .
و "السحاب" ، في هذا الموضع ، وإن كان في لفظ واحد ، فإنها جمع ، واحدتها سحابة ، ولذلك قال : "الثقال" ، فنعتها بنعت الجمع . ولو كان جاء السحاب الثقيل ، كان جائزاً ، وكان توحيداً للفظ السحاب ، كما قيل :( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ،عن مجاهد قوله : "وينشئ السحاب الثقال" ، قال : الذي فيه الماء .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ،حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ،عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : "وينشئ السحاب الثقال" ، قال : الذي فيه الماء .
وقوله : "ويسبح الرعد بحمده" .
قال أبو جعفر : وقد بينا معنى "الرعد" ، فيما مضى ،بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد قال ، كما :
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا كثير بن هشام قال ، حدثنا جعفر قال : "بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد الشديد قال : اللهم لا تقتلنا بغضبك ، ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك" .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبيه ، عن رجل ، عن أبي هريرة ، رفع الحديث : "أنه كان إذا سمع الرعد قال : سبحان من يسبح الرعد بحمده" .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا مسعدة بن اليسع الباهلي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي رضي الله عنه : " كان إذا سمع صوت الرعد قال : سبحان من سبحت له" .
قال ، حدثنا إسماعيل بن علية ، عن الحكم بن أبان ،عن عكرمة ، عن ابن عباس :"أنه كان إذا سمع الرعد قال : سبحان الذي سبحت له" .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا يعلى بن الحارث قال ، سمعت أبا صخرة يحدث عن الأسود بن يزيد : "أنه كان إذا سمع الرعد قال : سبحان من سبحت له ، أو : سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته" .
قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا ابن علية ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، وعبد الكريم ، عن طاوس : "أنه كان إذا سمع الرعد قال : سبحان من سبحت له" .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ميسرة ، عن الأوزاعي قال : كان ابن أبي زكريا يقول : من قال حين يسمع الرعد : سبحان الله وبحمده ، لم تصبه صاعقةً .
ومعنى قوله : "ويسبح الرعد بحمده" ، ويعظم الله الرعد ويمجده ، فيثني عليه بصفاته ، وينزفهه مما أضاف إليه أهل الشرك به ، ومما وصفوه به من اتخاذ الصاحبة والولد ، تعالى ربنا وتقدس .
وقوله : "من خيفته" ، يقول : وتسبح الملائكة من خيفة الله وهبته .
وأما قوله : "ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء" .
فقد بينا معنى الصاعقة ، فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته ، بما فيه الكفاية من الشواهد ، وذكرنا ما فيها من الرواية .
وقد اختلف فيمن أنزلت هذه الآية .
فقال بعضهم : نزلت في كافر من الكفار ذكر الله تعالى وتقدس بغير ما ينبغي ذكره به ، فأرسل عليه صاعقةً أهلكته .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عفان قال ، حدثنا أبان بن يزيد قال ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن عبد الرحمن بن صحار العبدي : أنه بلغه ان نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى جبار يدعوه ، فقال : أرأيتم ربكم ؟ أذهب هو ، أم فضة هو ، أم لؤلؤ هو ؟ قال : فبينما هو يجادلهم ، إذ بعث الله سحابة فرعدت ، فأرسل الله عليه صاعقة فذهبت بقحف رأسه ،فأنزل الله هذه الآية : "ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال" .
حدثني المثنى قال ، حدنثا إسحاق بن سليمان ، عن أبي بكر بن عياش ، عن ليث ، عن مجاهد قال : جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أخبرني عن ربك ، من أي شيء هو ؟ من لؤلؤ أو من ياقوت ؟ فجاءت صاعقة فأخذته ، فأنزل الله : "ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال" .
وقال آخرون : نزلت في رجل من الكفار ، أنكر القرآن وكذب النبي صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجلاً أنكر القرآن وكذب النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسل الله عليه صاعقة فأهلكته ، فأنزل الله عز وجل فيه : "وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال" .
وقال آخرون : نزلت في أربد ، أخي لبيد بن ربيعة ،وكان هم بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وعامر بن الطفيل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : نزلت ـ يعني قوله : "ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء" ـ أربد لبيد بن ربيعة ، لأنه قدم أربد وعامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال عامر : يا محمد ، أأسلم وأكون الخليفة من بعدك ؟ قال : لا ! قال : فأكون على أهل الوبر ، وأنت على أهل المدر؟ قال : لا ! قال : فما ذاك ؟ قال : أعطيك أعنة الخيل تقاتل عليها ، فإنك رجل فارس . قال : أو ليست أعنة الخيل بيدي ؟ أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاًمن بني عامر ! قال لأربد : إما أن تكفينيه وأضربه بالسيف ، وإما أن أكفيكه وتضربه بالسيف . قال اربد : اكفينه وأضربه . فقال ابن الطفيل : يا محمد ، إن لي إليك حاجة . قال : ادن ! فلم يزل يدنو ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ادن ، حتى وضع يديه على ركبتيه وحنى عليه ، واستل أربد السيف ، فاستل منه قليلاً ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بريقه تعوذ بآية كان يتعوذ بها ،فيبست يد أربد على السيف ، فبعث الله عليه صاعقة فأحرقته ، فذلك قول أخيه :
أخشى على اربد الحتوف ولا أرهب نوء السماك والأسد
فجعني البرق والصواعق بالـ ـفارس يوم الكريهة النجد
وقد ذكرت قبل خبر عبد الرحمن بن زيد بنحو هذه القصة .
وقوله : "وهم يجادلون في الله" ، يقول: وهؤلاء الذين أصابهم الله بالصواعق ، اصابهم بها في حال خصومتهم في الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم .
وقوله : "وهو شديد المحال" ، يقول تعالى ذكره : والله شديدة مماحلته في عقوبة من طغى عليه وعتا وتمادى في كفره .
و للمحال مصدر قول القائل : ما حلت فلاناً ، فأنا أماحله مماحلةً ومحالاً ، و فعلت منه : محلت أملح محلاً ، إذا عرض رجل رجلاً لما يهلكه ، ومنه قوله : وماحل مصدق ، ومنه قول أعشى بني ثعلبة :
فرع نبع يهتز في غصن المجـ ـد غزير الندى شديد المحال د
هكذا كان ينشده معمر بن المثنى ، فيما حدثت عن علي بن المغيرة ، عنه . وأما الرواة بعد فإنهم ينشدونه :
فرع فرع يهتز في غضن المجـ ـد كثير الندى عظيم المحال
وفسر ذلك معمر بن المثنى ، وزعم أنه عنى به العقوبة والمكر والنكال ، ومنه قول الآخر :
وليس بين أقوام فكل أعد له الشغازب والمحالا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن هاشم قال ، حدثنا سيف ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي رضي الله عنه : "وهو شديد المحال" ، قال : شديد الأخذ .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد : "وهو شديد المحال" ، قال : شديد القوة .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ،حدثنا سعيد ، عن قتادة : "وهو شديد المحال" ، أي : القوة والحيلة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن : "شديد المحال" ، يعني الهلاك . قال : إذا محل فهو شديد . وقال قتادة : شديد الحيلة .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ،حدثنا رجل ، عن عكرمة : "وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال" ، قال : جدال أربد ، "وهو شديد المحال" ، قال : ما أصاب أربد من الصاعقة .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "وهو شديد المحال" ، قال قال ابن عباس : شديد الحول .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "وهو شديد المحال" ، قال : شديد القوة ، المحال ، القوة .
قال ابو جعفر :والقول الذي ذكرناه عن قتادة في تأويل "المحال" ، أنه الحيلة ، والقول الذي ذكره ابن جريج ، عن ابن عباس ، يدلان على أنهما كانا يقرآن وهو شديد المحال ، بفتح الميم ، لأن الحيلة لا يأتي مصدرها محالا ، بكسر الميم ، ولكن قد يأتي على تقدير المفعلة منها ، فيكون محالة ، ومن ذلك قولهم : المرء يعجز لا محالة ، و المحالة في هذا الموضع ، المفعلة من الحيلة ، فأما بكسر الميم ، فلا تكون إلا مصدراً من ماحلت فلاناً أماحله محالا ، و الممالحة بعيدة المعنى من الحيلة .
قال أبو جعفر : ولا أعلم أحداً قرأه بفتح الميم . فإذا كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى بتأويل ذلك ما قلنا من القول .
" ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق " قد مضى في ( البقرة) القول في الرعد والبرق والصواعق فلا معنى للإعادة، والمراد بالآية بيان كمال قدرته، وأن تأخير العقوبة ليس عن عجز، أي يريكم البرق في السماء خوفاً للمسافر، فإنه يخاف أذاه لما يناله من المطر والهول والصواعق، قال الله تعالى: " أذى من مطر " ( النساء: 102) وطمعاً للحاضر أن يكون عقبه مطر وخصب، قال معناه قتادة ومجاهد وغيرهما. وقال الحسن: خوفاً من صواعق البرق، وطمعاً في غيثه المزيل للقحط. ( وينشيء السحاب الثقال) قال مجاهد: أي بالماء. ( يسبح الرعد بحمده) من قال إن الرعد صوت السحاب فيجوز أن يسبح الرعد ملكاً بدليل خلق الحياة فيه، ودليل صحة هذا القول قوله: ( والملائكة من خيفته) فلو كان الرعد ملكاً لدخل في جملة الملائكة. ومن قال إنه ملك قال: معنى. ( من خيفته) من خيفة الله، قاله الطبري وغيره. قال ابن عباس: إن الملائكة خائفون من الله ليس كخوف ابن آدم، لا يعرف واحدهم من على يمينه ومن على يساره، لا يشغلهم عن عبادة الله طعام ولا شراب، وعنه قال: الرعد ملك يسوق السحاب، وإن بخار الماء لفي نقرة إبهامه، وأنه موكل بالسحاب يصرفه حيث يؤمر، وأنه يسبح الله، فإذا سبح الرعد لم يبق ملك في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح، فعندها ينزل القطر، وعنه أيضاً كان إذا سمع صوت الرعد قال: سبحان الذي سبحت له. وروي مالك عن عامر بن عبد الله عن أبيه أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ثم يقول: إن هذا وعيد لأهل الأرض شديد. وقيل: إنه ملك جالس على كرسي بين السماء والأرض، وعن يمينه سبعون ألف ملك، وعن يساره مثل ذلك، فإذا أقبل على يمينه وسبح سبح الجميع من خوف الله، وإذا أقبل على يساره وسبح سبح الجميع من خوف الله. " ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء " ذكر الماوردي عن ابن عباس وعلى بن أبي طالب ومجاهد: " نزلت في يهودي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني! من أي شيء ربك، أمن لؤلؤ أم من ياقوت؟ فجاءت صاعقة فأحرقته ". وقيل: "نزلت في بعض كفار العرب، قال الحسن: كان رجل من طواغيت العرب بعث النبي صلى الله عليه وسلم نفراً يدعونه إلى الله ورسوله والإسلام فقال لهم: أخبروني عن رب محمد ما هو، وممن هو، أمن فضة أم حديد أم نحاس؟ فاستعظم القوم مقالته، فقال: أجيب محمداً إلى رب لايعرفه! بعث النبي صلى الله عليه وسلم إليه مراراً وهو يقول مثل هذا، فبينا النفر ينازعونه ويدعونه إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رؤوسهم، فرعدت وأبرقت ورمت بصاعقة، فأحرقت الكافر وهم، فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقبلهم بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: احترق صاحبكم، فقالوا: من أين علمتم؟ قالوا: أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء) " ذكره الثعلبي عن الحسن، و القشيري بمعناه عن أنس، وسيأتي. وقيل: " نزلت الآية في أربد بن ربيعة أخي لبيد بن ربيعة، وفي عامر بن الطفيل، قال ابن عباس: أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة العامريان يريدان النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد جالس في نفر من أصحابه، فدخلا المسجد، فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور، وكان من أجمل الناس، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: هذا يا رسول الله عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك، فقال: دعه فإن يرد الله به خيراً يهده فأقبل حتى قام عليه فقال: يا محمد ما لي إن أسلمت؟ فقال: لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين: أتجعل لي الأمر من بعدك؟ قال: ليس ذاك إلي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء. قال: أفتجلعني على البر وأنت على المدر؟ قال: لا. قال: فما تجعل لي؟ قال: أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها في سبيل الله. قال: أو ليس لي أعنة الخيل اليوم؟ قم معي أكلمك، فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عامر أومأ إلى أربد: إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف، فجعل يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم ويراجعه، فاخترط أربد من سيفه شبراً ثم حبسه الله، فلم يقدر على سله، ويبست يده على سيفه، وأرسل الله عليه صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته، وولى عامر هارباً وقال: يا محمد! دعوت ربك على أربد حتى قتلته، والله لأملأنها عليك خيلاً جرداً، وفتياناً مرداً، فقال عليه السلام: يمنعك الله من ذلك وأبناء قيلة يعني الأوس والخزرج، فنزل عامر بيت امرأة سلولية، وأصبح وهو يقول: والله لئن أصحر لي محمد وصاحبه - يريد ملك الموت - لأنفذتهما برمحي، فأرسل الله ملكاً فلطمه بجناحيه فأذراه في التراب، وخرجت على ركبته غدة عظيمة في الوقت، فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدة كغدة البعير، وموت في بيت سلولية، ثم ركب على فرسه فمات على ظهره". ورثى لبيد بن ربيعة أخاه أربد فقال:
يا عين هلا بكيت أربد إذ قمـ ـنا وقام الخصوم في كبد
أخشى على أربد الحتوف ولا أرهب نوء السماك والأسد
فجعني الرعد والصواعق بالفا رس يوم الكريهة النجد
وفيه قال:
إن الرزية لا رزية مثلها فقدان كل أخ كضوء الكوكب
يا أربد الخير الكريم جدوده أفردتني أمشي بقرن أعضب
وأسلم لبيد بعد ذلك رضي الله عنه.
مسألة: ورى أبان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تأخذ الصاعقة ذاكراً لله عز وجل ". و"قال أبو هريرة رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع صوت الرعد قال: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير فإن أصابته صاعقة فعلي ديته ". وذكر الخطيب من حديث سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده قال: كما مع عمر في سفر فأصابنا رعد وبرد، فقال لنا كعب: من قال حين يسمع الرعد: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثاً عوفي مما يكون في ذلك الرعد، ففعلنا فعوفينا، ثم لقيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإذا بردة قد أصابت أنفه فأثرت به، فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذا؟ قال بردة أصابت أنفي فأثرت، فقلت: إن كعباً حين سمع الرعد قال لنا: من قال حين يسمع الرعد سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثاً عوفي مما يكون في ذلك الرعد، فقلنا فعوفينا، فقال عمر: أفلا قلتم لنا حتى نقولها؟ وقد تقدم هذا المعنى في ( البقرة).
قوله تعالى: " وهم يجادلون في الله " يعني جدال اليهودي حين سأل عن الله تعالى: من أي شيء هو؟ قاله مجاهد. وقال ابن جريج: جدال أربد فيما هم به من قتل النبي صلى الله عليه وسلم. ويجوز أن يكون، ( وهم يجادلون في الله) حالاً، ويجوز أن يكون منقطعاً. و"روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى عظيم من المشركين يدعوه إلى الله عز وجل، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن إلهك هذا! أو من فضة أم من ذهب أم من نحاس؟ فاستعظم ذلك، فرجع إليه فأعلمه، فقال: ارجع إليه فادعه رجع إليه وقد أصابته صاعقة، وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نزل: ( وهم يجادلون في الله). " وهو شديد المحال " "قال ابن الأعرابي : ( المحال) المكر، والمكر من الله عز وجل التدبير بالحق. النحاس : المكر من الله إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر. وروى ابن اليزيدي عن أبي زيد ( وهو شديد المحال) أي النقمة. وقال الأزهري : ( المحال) أي القوة والشدة. والمحل: الشدة، الميم أصلية، وما حلت فلاناً محالاً أي قاويته حتى يتبين أينا أشد. وقال أبو عبيد: ( المحال) العقوبة والمكروه. وقال ابن عرفة: ( المحال) الجدال، يقال: ما حل عن أمره أي جادل. وقال القتيبي : أي شديد الكيد، وأصله من الحيلة، جعل ميمه كميم المكان، وأصله من الكون، ثم يقال: تمكنت. وقال الأزهري : غلط ابن قتيبة أن الميم فيه زائدة، بل هي أصلية، وإذا رأيت الحرف على مثال فعال أوله ميم مكسورة فهي أصلية، مثل: مهاد وملاك ومراس، وغير ذلك من الحروف. ومفعل إذا كانت من بنات الثلاثة فإنه يجيء بإظهار الواو مثل: مزود ومحول ومحور، وغيرها من الحروف، وقال: وقرأ الأعرج - ( وهو شديد المحال) بفتح الميم، وجاء تفسيره على هذه القراءة عن ابن عباس أنه الحول، ذكر هذا كله أبو عبيد الهروي، إلا ما ذكرناه أولاً عن ابن الأعرابي ، وأقاويل الصحابة والتابعين بمعناها، وهي ثمانية: أولها: شديد العداوة، قاله ابن عباس. وثانيها: شديد الحول، قاله ابن عباس أيضاً. وثالثها: شديد الأخذ، قاله علي بن أبي طالب. ورابعها: شديد الحقد، قاله ابن عباس. وخامسها: شديد القوة، قاله مجاهد. وسادسها: شديد الغضب، قاله وهب بن منبه. وسابعها: شديد الهلاك بالمحل، وهو القحط، قاله الحسن أيضاً. وثامنها: شديد الحيلة، قاله قتادة. وقال أبو عبيدة معمر: المحال والمماحلة المماكرة والمغالبة، وأنشد للأعشى :
فرع نبع يهتز في غصن المجـ ـد كثير الندى شديد المحال
وقال آخر:
ولبس بين أقوام فكل أعد له الشغازب والمحالا
وقال عبد المطلب:
لا هم إن المرء يمـ ـنع رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ومحا لهم عدواً محالك
يخبر تعالى أنه هو الذي يسخر البرق, وهو ما يرى من النور اللامع ساطعاً من خلل السحاب. وروى ابن جرير أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن البرق, فقال: البرق الماء. وقوله: "خوفاً وطمعاً" قال قتادة: خوفاً للمسافر يخاف أذاه ومشقته, وطمعاً للمقيم يرجو بركته ومنفعته ويطمع في رزق الله, " وينشئ السحاب الثقال " أي ويخلقها منشأة جديدة, وهي لكثرة مائها ثقيلة قريبة إلى الأرض قال مجاهد: السحاب الثقال الذي فيه الماء, قال: "ويسبح الرعد بحمده" كقوله: "وإن من شيء إلا يسبح بحمده".
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, حدثنا إبراهيم بن سعد, أخبرني أبي قال: كنت جالساً إلى جنب حميد بن عبد الرحمن في المسجد, فمر شيخ من بني غفار, فأرسل إليه حميد, فلما أقبل قال: يا ابن أخي, وسع فيما بيني وبينك, فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجاء حتى جلس فيما بيني وبينه, فقال له حميد: ما الحديث الذي حدثتني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال له الشيخ: سمعت عن شيخ من بني غفار أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله ينشىء السحاب فينطق أحسن النطق, ويضحك أحسن الضحك" والمراد ـ والله أعلم ـ أن نطقها الرعد وضحكها البرق. وقال موسى بن عبيدة عن سعد بن إبراهيم قال: يبعث الله الغيث فلا أحسن منه مضحكاً, ولا آنس منه منطقاً, فضحكه البرق, ومنطقه الرعد.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا هشام بن عبيد الله الرازي عن محمد بن مسلم قال: بلغنا أن البرق ملك له أربعة وجوه: وجه إنسان, ووجه ثور, ووجه نسر, ووجه أسد, فإذا مصع بذنبه فذاك البرق. وقال الإمام أحمد, حدثنا عفان, حدثنا عبد الواحد بن زياد, حدثنا الحجاج, حدثنا أبو مطر عن سالم, عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال "اللهم لا تقتلنا بغضبك, ولا تهلكنا بعذابك, وعافنا قبل ذلك", ورواه الترمذي والبخاري في كتاب الأدب, والنسائي في اليوم والليلة, والحاكم في مستدركه من حديث الحجاج بن أرطاة, عن أبي مطر ولم يسم به. وقال الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا أبو أحمد, حدثنا إسرائيل عن أبيه, عن رجل, عن أبي هريرة رفعه, أنه كان إذا سمع الرعد قال: "سبحان من يسبح الرعد بحمده", وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان إذا سمع صوت الرعد يقول: سبحان من سبحت له, وكذا روي عن ابن عباس وطاوس والأسود بن يزيد, أنهم كانوا يقولون ذلك. وقال الأوزاعي: كان ابن أبي زكريا يقول: من قال حين يسمع الرعد: سبحان الله وبحمده, لم تصبه صاعقة, وعن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته, ويقول: إن هذا لوعيد شديد لأهل الأرض, رواه مالك في موطئه, والبخاري في كتاب الأدب.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود الطيالسي, حدثنا صدقة بن موسى حدثنا محمد بن واسع عن شتير بن نهار, عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال ربكم عز وجل: لو أن عبيدي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل, وأطلعت عليهم الشمس بالنهار, ولما أسمعتهم صوت الرعد". وقال الطبراني: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي, حدثنا أبو كامل الجحدري, حدثنا يحيى بن كثير أبو النضر, حدثنا عبد الكريم, حدثنا عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم الرعد فاذكروا الله فإنه لا يصيب ذاكراً" وقوله تعالى: "ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء" أي يرسلها نقمة ينتقم بها ممن يشاء, ولهذا تكثر في آخر الزمان, كما قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن مصعب, حدثنا عمارة عن أبي نضرة, عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول: من صعق تلكم الغداة ؟ فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان".
وقد روي في سبب نزولها ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا إسحاق, حدثنا علي بن أبي سارة الشيباني, حدثنا ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً مرة إلى رجل من فراعنة العرب, فقال: "اذهب فادعه لي". قال: فذهب إليه فقال: يدعوك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال له: من رسول الله, وما الله, أمن ذهب هو, أم من فضة هو, أم من نحاس هو ؟ قال: فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره, فقال: يا رسول الله, قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك, قال لي كذا وكذا, فقال لي: "ارجع إليه الثانية" فذهب فقال له مثلها, فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك, فقال: "ارجع إليه فادعه" فرجع إليه الثالثة, قال: فأعاد عليه ذلك الكلام, فبينما هو يكلمه إذ بعث الله عز وجل سحابة حيال رأسه, فرعدت فوقعت منها صاعقة, فذهب بقحف رأسه, فأنزل الله عز وجل "ويرسل الصواعق" الاية, ورواه ابن جرير من حديث علي بن أبي سارة به.
ورواه الحافظ أبو بكر البزار عن عبدة بن عبد الله عن يزيد بن هارون, عن ديلم بن غزوان, عن ثابت, عن أنس فذكر نحوه, وقال: حدثنا الحسن بن محمد, حدثنا عفان, حدثنا أبان بن يزيد, حدثنا أبو عمران الجوني عن عبد الرحمن بن صحار العبدي أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى جبار يدعوه فقال: أرأيتم ربكم أذهب هو ؟ أم فضة هو ؟ أم لؤلؤ هو ؟ قال: فبينما هو يجادلهم إذ بعث الله سحابة فرعدت, فأرسل عليه صاعقة, فذهبت بقحف رأسه, ونزلت هذه الاية. وقال أبو بكر بن عياش عن ليث بن أبي سليم, عن مجاهد قال: جاء يهودي فقال: يا محمد أخبرني عن ربك, من أي شيء هو ؟ من نحاس هو, أم من لؤلؤ أو ياقوت ؟ قال: فجاءت صاعقة فأخذته, وأنزل الله "ويرسل الصواعق" الاية.
وقال قتادة: ذكر لنا أن رجلاً أنكر القرآن, وكذب النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل الله صاعقة فأهلكته, وأنزل الله "ويرسل الصواعق" الاية, وذكروا في سبب نزولها قصة عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة, لما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فسألاه أن يجعل لهما نصف الأمر, فأبى عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال له عامر بن الطفيل ـ لعنه الله ـ: أما والله لأملأنها عليك خيلاً جرداً ورجالاً مرداً, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأبى الله عليك ذلك وأبناء قيلة" يعني الأنصار, ثم إنهما هما بالفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما يخاطبه, والاخر يستل سيفه ليقتله من ورائه, فحماه الله تعالى منهما وعصمه, فخرجا من المدينة فانطلقا في أحياء العرب يجمعان الناس لحربه عليه الصلاة والسلام, فأرسل الله على أربد سحابة فيها صاعقة فأحرقته, وأما عامر بن الطفيل, فأرسل الله عليه الطاعون فخرجت فيه غدة عظيمة, فجعل يقول: يا آل عامر غدة كغدة البكر, وموت في بيت سلولية, حتى ماتا لعنهما الله, وأنزل الله في مثل ذلك "ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله", وفي ذلك يقول لبيد بن ربيعة أخو أربد يرثيه:
أخشى على أربد الحتوف ولا أرهب نوء السماك والأسد
فجعني الرعد والصواعق بالــ فارس يوم الكريهة النجد
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا مسعدة بن سعيد العطار, حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي, حدثني عبد العزيز بن عمران, حدثني عبد الرحمن وعبد الله ابنا زيد بن أسلم عن أبيهما, عن عطاء بن يسار, عن ابن عباس أن أربد بن قيس بن جزء بن جليد بن جعفر بن كلاب, وعامر بن الطفيل بن مالك, قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فانتهيا إليه وهو جالس فجلسا بين يديه, فقال عامر بن الطفيل: يا محمد, ما تجعل لي إن أسلمت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم". قال عامر بن الطفيل: أتجعل لي الأمر إن أسلمت من بعدك ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس ذلك لك ولا لقومك, ولكن لك أعنة الخيل" قال: أنا الان في أعنة خيل نجد, اجعل لي الوبر ولك المدر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا", فلما قفلا من عنده قال عامر: أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمنعك الله", فلما خرج أربد وعامر, قال عامر: يا أربد, أنا أشغل عنك محمداً بالحديث فاضربه بالسيف, فإن الناس إذا قتلت محمداً لم يزيدوا على أن يرضوا بالدية ويكرهوا الحرب, فنعطيهم الدية. قال أربد: أفعل, فأقبلا راجعين إليه, فقال عامر: يا محمد قم معي أكلمك, فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلسا إلى الجدار, ووقف معه رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمه, وسل أربد السيف, فلما وضع يده على السيف يبست يده على قائم السيف, فلم يستطع سل السيف, فأبطأ أربد على عامر بالضرب, فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع, فانصرف عنهما, فلما خرج عامر وأربد من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانا بالحرة ـ حرة راقم ـ نزلا, فخرج إليهما سعد بن معاذ وأسيد بن حضير, فقالا: اشخصا يا عدوي الله لعنكما الله, فقال عامر: من هذا يا سعد ؟ قال: هذا أسيد بن حضير الكتائب, فخرجا حتى إذا كانا بالرقم, أرسل الله على أربد صاعقة فقتلته, وخرج عامر حتى إذا كان بالخريم أرسل الله قرحة فأخذته, فأدركه الليل في بيت امرأة من بني سلول, فجعل يمس قرحته في حلقة ويقول: غدة كغدة الجمل في بيت سلولية, ترغب أن يموت في بيتها, ثم ركب فرسه فأحضره حتى مات عليه راجعاً, فأنزل الله فيهما " الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار * عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال * سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار * له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال " قال: المعقبات من أمر الله يحفظون محمداً صلى الله عليه وسلم, ثم ذكر أربد وما قتله به, فقال "ويرسل الصواعق" الاية.
وقوله "وهم يجادلون في الله" أي يشكون في عظمته, وأنه لا إله إلا هو, "وهو شديد المحال" قال ابن جرير: شديدة مما حلته في عقوبة من طغى عليه, وعتا وتمادى في كفره, وهذه الاية شبيهة بقوله: "ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين", وعن علي رضي الله عنه "وهو شديد المحال" أي شديد الأخذ, وقال مجاهد: شديد القوة.
13- "ويسبح الرعد بحمده" أي يسبح الرعد نفسه بحمد الله: أي ملتبساً بحمده، وليس هذا بمستبعد، ولا مانع من أن ينطقه الله بذلك "وإن من شيء إلا يسبح بحمده". وأما على تفسير الرعد بملك من الملائكة فلا استبعاد في ذلك. ويكون ذكره على الإفراد مع ذكر الملائكة بعده لمزيد خصوصية له، وعناية به، وقيل المراد ويسبح سامعو الرعد: أي يقولون: سبحان الله والحمد لله "والملائكة من خيفته" أي ويسبح الملائكة من خيفة الله سبحانه، وقيل من خيفة الرعد. وقد ذكر جماعة من المفسرين أن هؤلاء الملائكة هم أعوان الرعد، وأن الله سبحانه جعل له أعواناً "ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء" من خلقه فيهلكه، وسياق هذه الأمور هنا للغرض الذي سيقت له الآيات التي قبلها. وهي الدلالة على كمال قدرته "وهم يجادلون في الله" الضمير راجع إلى الكفار المخاطبين في قوله: "هو الذي يريكم البرق" أي وهؤلاء الكفرة مع هذه الآيات التي أراهم الله يجادلون في شأن الله سبحانه فينكرون البعث تارة ويستعجلون العذاب أخرى، ويكذبون الرسل ويعصون الله، وهذه الجملة في محل نصب على الحال، ويجوز أن تكون مستأنفة "وهو شديد المحال" قال ابن الأعرابي: المحال المكر، والمكر من الله: التدبير بالحق. وقال النحاس: المكر من الله إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر. وقال الأزهري: المحال القوة والشدة، والميم أصلية، وما حلت فلاناً محالاً أينا أشد. وقال أبو عبيد: المحال العقوبة والمكروه. قال الزجاج: يقال ما حلته محالاً: إذا قاويته حتى يتبين أيكما أشد، والمحل في اللغة: الشدة. وقال ابن قتيبة: أي شديد الكيد. وأصله من الحيلة جعل الميم كميم المكان، وأصله من الكون، ثم يقال تمكنت. قال الأزهري: غلط ابن قتيبة أن الميم فيه زائدة بل هي أصلية، وإذا رأيت الحرف على مثال فعال أوله ميم مكسورة فهي أصلية مثل مهاد وملاك ومراس وغير ذلك من الحروف. وقرأ الأعرج "وهو شديد المحال" بفتح الميم. وقد فسرت هذه القراءة بالحول.
وللصحابة والتابعين في تفسير المحال هنا أقوال ثمانية: الأول العداوة، الثاني الحول، الثالث الأخذ، الرابع الحقد، الخامس القوة، السادس الغضب، السابع الهلاك، الثامن الحيلة.
13- "ويسبح الرعد بحمده"، أكثر المفسرين على أن الرعد اسم ملك يسوق السحاب، والصوت المسموع منه تسبيحه.
قال ابن عباس: من سمع صوت الرعد فقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير، فإن أصابته صاعقة فعلي ديته.
وعن عبد الله بن الزبير: أنه كان إذا سمع صوت الرعد لأهل الأرض شديد.
وفي بعض الأخبار يقول الله تعالى: "لو أن عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل، ولأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولم أسمعهم صوت الرعد"
وقال جرير عن الضحاك عن ابن عباس: الرعد ملك موكل بالسحاب يصرفه إلى حيث يؤمر، وأن بحور الماء في نقرة إبهامه، وأنه يسبح الله تعالى، فإذا سبح لا يبقى ملك في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح فعندها ينزل المطر. "والملائكة من خيفته"، أي: تسبح الملائكة من خيفة الله عز وجل وخشيته.
وقيل أراد بهؤلاء الملائكة أعوان الرعد، جعل الله تعالى له أعوانا، فهم خائفون خاضعون طائعون.
قوله تعالى: "ويرسل الصواعق"، جمع صاعقة، وهي: العذاب المهلك، ينزل من البرق فيحرق من يصيبه، "فيصيب بها من يشاء"، كما أصاب أربد بن ربيعة.
وقال محمد بن علي الباقر: الصاعقة تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب الذاكر.
"وهم يجادلون"، يخاصمون، "في الله"، نزلت في شأن أربد بن ربيعة حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم مم ربك أمن در أم من ياقوت أم من ذهب؟ فنزلت صاعقة من السماء فأحرقته.
وسئل الحسن عن قوله عز وجل: "ويرسل الصواعق" الآية، قال: كان رجل من طواغيت العرب بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم نفرا يدعونه إلى الله وإلى رسوله.
فقال لهم: أخبروني عن رب محمد هذا الذى تدعونني إليه مم هو؟ من ذهب أو فضة أو حديد أو نحاس؟
فاستعظم القوم مقالته فانصرفوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ما رأينا رجلا أكفر قلبا ولا أعتى على الله منه!
فانصرفوا وقالوا: يا رسول الله ما زادنا على مقالته الأولى وأخبث.
فقال ارجعوا إليه، فرجعوا، فبينما هم عنده ينازعونه ويدعونه، وهو يقول هذه المقالة إذ ارتفعت سحابة، فكانت فوق رؤوسهم، فرعدت وبرقت، ورمت بصاعقة، فاحترق الكافر، وهم جلوس، فجاؤوا يسعون ليخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستقبلهم قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا لهم: احترق صاحبكم، فقالوا: من أين علمتم فقالوا أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله".
"وهو شديد المحال"، قال علي رضي الله عنه: شديد الأخذ.
وقال ابن عباس: شديد الحول.
وقال الحسن: شديدالحقد
وقال مجاهد: شديد القوة.
وقال أبو عبيدة: شديد العقوبة.
وقيل: شديد المكر.
والمحال والمماحلة: المماكرة والمغالبة.
13."ويسبح الرعد"ويسبح سامعوه."بحمده"ملتبسين به فيضجون بسبحان الله و الحمد لله، او يدل الرعد بنفسه على وحدانية الله وكمال قدرته ملتبساً به بالدلالة على فضله ونزول رحمته.وعن ابن عباس رضي الله عنهما ."سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد فقال: ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب"."والملائكة من خيفته"من خوف الله تعالى وإجلاله وقيل الضمير لـ"الرعد"."ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء"فيهلكه."وهم يجادلون في الله"حيث يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يصفه به من كمال العم والقدرة والتفرد بالألوهية وإعادة الناس ومجازاتهم ، والجدال التشدد في الخصومة من الجدل وهو الفتل ، والواو إما لعطف الجملة على الجملة أو للحال فإنه "روي أن عامر بن الطفيل واربد بن ربيعة أخا لبيد وفدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدين لقتله، فأخذه عامر بالمجادلة ودار أربد من خلفه ليضربه بالسيف، فتنبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:اللهم اكفنيهما بما شئت فأرسل الله على أربد صاعقة فقتلته ، ورمى عامراً بغدة فمات في بيت سلولية ، وكان يقول غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية، فنزلت". "وهو شديد المحال"المماحلة المكايدة لأعدائه ، من محل فلان بفلان إذا كايده وعرضه للهلاك ، ومنه تمحل إذا تكلف استعمال الحيلة ، ولعل أصله المحل بمعنى القحط . وقيل فعال من المحل بمعنى القوة.وقيل مفعل من الحول أو الحيلة أعل على غير قياس ويعضده أنه قرئ بفتح الميم على أنه مفعل من حال يحول إذا احتال ، ويجوز أن يكون بمعنى الفقار فيكون مثلاً في القوة والقدرة كقولهم : فساعد الله أشد وموساه أحد.
13. The thunder hymneth His praise and (so do) the angels for awe of Him. He launcheth the thunder bolts and smiteth with them whom He will while they dispute (in doubt) concerning Allah, and He is mighty in wrath.
13 - Nay, thunder repeateth his praises, and so do the angels, with awe: he flingeth the loud voiced thunder bolts, and therewith he striketh whomsoever he will yet these (are the men) who (dare to) dispute about God, with the strength of his power (supreme)