وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء) الجهال أي لا نفعل كفعلهم قال تعالى ردا عليهم: (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) ذلك
قال أبو جعفر: وتأويل قوله: "وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس " يعني: وإذا قيل لهؤلاء الذين وصفهم الله ونعتهم بأنهم يقولون: "آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين" ( البقرة: 8) صدقوا بمحمد وبما جاء به من عند الله، كما صدق به الناس. ويعني بـ الناس المؤمنين الذين آمنوا بمحمد ونبوته وماجاء به من عند الله، كما: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشربن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: " وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس "، يقول: وإذا قيل لهم صدقوا كما صدق أصحاب محمد، قولوا: إنه نبي ورسول، وإن ما أنزل عليه حق، وصدقوا بالآخرة، وأنكم مبعوثون من بعد الموت.
وإنما أدخلت الألف واللام في الناس وهم بعض الناس لا جميعهم، لأنهم كانوا معروفين عند الذين خوطبوا بهذه الآية بأعيانهم، وإنما معناه: آمنوا كما آمن الناس الذين تعرفونهم من أهل اليقين والتصديق بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله وباليوم الاخر. فلذلك أدخلت الألف واللام فيه، كما أدخلتا في قوله: " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم " (آل عمران: 173) لأنه أشير بدخولها إلى ناس معروفين عند من خوطب بذلك.
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: " قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء".
قال أبوجعفر: والسفهاء جمع سفيه، كما العلماء جمع عليم، والحكماء جمع حكيم. والسفيه: الجاهل، الضعيف الرأي، القليل المعرفة بمواضع المنافع والمضار. ولذلك سمى الله عز وجل النساء والصبيان سفهاء، فقال تعالى: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا" ( النساء: 5) فقال عامة أهل التأويل: هم النساء والصبيان، لضعف آرائهم، وقلة معرفتهم بمواضع المصالح والمضار التي تصرف إليها الأموال.
وإنما عنى المنافقون بقيلهم: أنؤمن كما آمن السفهاء إذ دعوا إلى التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من عند الله، والإقرار بالبعث فقيل لهم: آمنوا كما آمن الناس، أصحاب محمد وأتباعه من المؤمنين المصدقين به، من أهل الإيمان واليقين، والتصديق بالله، وبما افترض عليهم على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وفي كتابه، وباليوم الآخر. فقالوا إجابة لقائل ذلك لهم: أنؤمن كما امن أهل الجهل، ونصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم كما صدق به هؤلاء الذين لا عقول لهم ولا أفهام؟ كالذي:
حدثني موسى بن هرون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء" يعنون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا إسحق بن الحجاج، قال: حدثنا عبدالله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس: "قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء " يعنون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: "قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء "، قال: هذا قول المنافقين، يريدون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشربن عمارة، عن أبي روق،عن الضحاك، عن ابن عباس: " قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء" يقولون: أنقول كما تقول السفهاء؟ يعنون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، لخلافهم لدينهم.
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: " ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ".
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى عن المنافقين الذين تقدم نعته لهم، ووصفه إياهم بما وصفهم به من الشك والتكذيب أنهم هم الجهال في أديانهم، الضعفاء الآراء في اعتقاداتهم واختياراتهم التي اختاروها لأنفسهم، من الشك والريب في أمر الله وأمر رسوله وأمر نبوته، وفيما جاء به من عند الله، وأمر البعث، لإساءتهم إلى أنفسهم بما أتوا من ذلك وهم يحسبون أنهم إليها يحسنون. وذلك هو عين السفه، لأن السفيه إنما يفسد من حيث يرى أنه يصلح، ويضيع من حيث يرى أنه يحفظ، فكذلك المنافق: يعصي ربه من حيث يرى أنه يطيعه، ويكفر به من حيث يرى أنه يؤمن به، ويسيء إلى نفسه من حيث يحسب أنه يحسن إليها، كما وصفهم به ربنا جل ذكره، فقال: " ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون "، وقال: "ألا إنهم هم السفهاء" دون المؤمنين المصدقين بالله وبكتابه وبرسوله، وثوابه وعقابه "ولكن لا يعلمون ". وكذلك كان ابن عباس يتأول هذه الآية.
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشربن عمارة، عن أبي روق،عن الضحاك، عن ابن عباس يقول الله جل ثناؤه: " ألا إنهم هم السفهاء"، يقول: الجهال،"ولكن لا يعلمون "، يقول: ولكن لا يعقلون.
وأما وجه الألف واللام في "السفهاء"، فشبيه بوجه دخولهما في الناس، في قوله: " وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس "، وقد بينا العلة في دخولهما هنالك، والعلة في دخولهما في "السفهاء" نظيرتها في دخولهما في "الناس " هنالك، سواء.
والدلالة التي تدل عليه هذه الآية من خطأ قول من زعم أن العقوبة من الله لا يستحقها إلا المعاند ربه، بعد علمه بصحة ما عانده فيه نظير دلالة الآيات الأخر التي قد تقدم ذكرنا تأويلها في قوله "ولكن لا يشعرون "، ونظائر ذلك.
قوله تعالى : "وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون" .
قوله تعالى : "وإذا قيل لهم" يعني المنافقين في قول مقاتل وغيره . "آمنوا كما آمن الناس" أي صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وشرعه ، كما صدق المهاجرون والمحققون من أهل يثرب . وألف ( آمنوا ) ألف قطع ، لأنك تقول : يؤمن ، والكاف في موضع نصب ، لأنها نعت لمصدر حذوف ، أي كإيمان الناس .
قوله تعالى : "قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء" يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، عن ابن عباس . وعنه أيضاً : مؤمنو أهل الكتاب . وهذا القول من المنافقين إنما كانوا يقولونه في خفاء واستهزاء فأطلع الله نبيه والمؤمنين على ذلك ، وقرر أن السفه ورقة الحلوم وفساد البصائر إنما هي في حيزهم وصفة لهم ، وأخبر أنهم السفهاء ولكن لا يعلمون للرين الذ على قلوبهم . وروى الكلبي عن ابين صالح عن ابن عباس أنها نزلت في شأن اليهود ، أي وإذا قيل لهم ـ يعني اليهود ـ آمنوا كما آمن الناس : عبد الله بن سلام وأصحابه ، قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ! يعني الجهال والخرقاء . وأصل السفه في كلام العرب : الخفة والرقة ، يقال : ثوب سفيه إذا كان ردي النسج خفيفه ، أو كان بالياً رقيقاً . وتسفهت الريح الشجر : مالت به ، قال ذو الرمة :
مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم
وتسفهت الشيء : استحرقته . والسفه : ضد الحلم . ويقال : إن السفه أن يكثر الرجل شرب الماء فلا يروى . ويجوز في همزتي السفهاء أربعة أوجه ، أجودها أن تحقق أولى وتقلب الثانية واواً خالصة ، وهي قراءة أهل المدينة والمعروف من قراءة أبي عمرو . وإن شئت خففتهما جميعاً فجعلت الأولى بين الهمزة والوا وجعلت الثانية واواً خالصة . وإن شئت خففت الأولى وحققت الثانية . وإن شئت حققتهما جميعاً .
قوله تعالى : "ولكن لا يعلمون" مثل : "ولكن لا يشعرون" ، وقد تقدم . والعلم معرفة المعلوم على ما هو به ، تقول : علمت الشيء أعلمه عرفته ، وعالمت الرجل فعلمته أعلمه ( بالضم في المستقبل ) : غلبته بالعلم .
يقول تعالى وإذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس أي كإيمان الناس بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والجنة والنار وغير ذلك مما أخبر المؤمنين به وعنه، وأطيعوا الله ورسوله في امتثال الأوامر وترك الزواجر "قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء" يعنون ـ لعنهم الله ـ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم، قاله أبو العالية والسدي في تفسيره بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وغير واحد من الصحابة، وبه يقول الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم يقولون : أنصير نحن وهؤلاء بمنزلة واحدة وعلى طريقة واحدة وهم سفهاء ؟ والسفهاء جمع سفيه كما أن الحكماء جمع حكيم والحلماء جمع حليم، والسفيه هو الجاهل الضعيف الرأي القليل المعرفة بواضع المصالح والمضار ، ولهذا سمى الله النساء والصبيان سفهاء في قوله تعالى "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً" قال عامة علماء التفسير هم النساء والصبيان وقد تولى الله سبحانه جوابهم في هذه المواطن كلها فقال " ألا إنهم هم السفهاء " فأكد وحصر السفهاة فيهم "ولكن لا يعلمون" يعني ومن تمام جهلهم أنهم لا يعلمون بحالهم في الضلالة والجهل وذلك أردى لهم وأبلغ في العمى والبعد عن الهدى.
أي وإذا قيل للمنافقين: آمنوا كما آمن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار أجابوا بأحمق جواب وأبعده عن الحق والصواب، فنسبوا إلى المؤمنين السفه استهزاءً واستخفافاً، فتسببوا بذلك إلى تسجيل الله عليهم بالسفه بأبلغ عبارة وآكد قول. وحصر السفاهة وهي رقة الحلوم وفساد البصائر وسخافة العقول فيهم مع كونهم لا يعلمون أنهم كذلك إما حقيقة أو مجازاً، تنزياً لإصرارهم على السفه منزلة عدم العلم بكونهم عليه وأنهم متصفون به، ولما ذكر الله هنا السفه ناسبه نفي العلم عنهم لأنه لا يتسافه إلا جاهل. والكاف في موضع نصب لأنها نعت لمصدر محذوف: أي إيماناً كإيمان الناس. وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: 13- "وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس" أي صدقوا كما صدق أصحاب محمد أنه نبي ورسول، وأن ما أنزل عليه حق، "قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء" يعنون أصحاب محمد "ألا إنهم هم السفهاء" يقول: الجهال: "ولكن لا يعلمون" يقول: لا يعقلون. وروي عن ابن عساكر في تاريخه بسند واه أنه قال: آمنوا كما آمن الناس أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: "كما آمن السفهاء" قال: يعنون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج عن الربيع وابن زيد مثله. وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها نزلت في شأن اليهود: أي إذا قيل لهم: يعني اليهود "آمنوا كما آمن الناس" عبد الله بن سلام وأصحابه "قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء".
13. " وإذا قيل لهم " أي للمنافقين وقيل لليهود " آمنوا كما آمن الناس " عبد الله بن سلام وغيره من مؤمني أهل الكتاب وقيل كما آمن المهاجرون والأنصار " قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء " أي الجهال فإن قيل كيف يصح النفاق مع ( المهاجرة ) بقولهم أنؤمن كما آمن السفهاء قيل أنهم كانوا يظهرون هذا القول فيما بينهم لا عند المؤمنين. فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بذلك فرد الله عليهم فقال " ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون " أنهم كذلك فالسفيه خفيف العقل رقيق الحلم من قولهم: ثوب سفيه أي رقير وقيل السفيه الكذاب الذي يتعمد (الكذب) بخلاف ما يعلم.
قرأ أهل الكوفة والشام (السفهاء ألا) بتحقيق الهمزتين وكذلك كل همزتين وقعتا في كلمتين اتفقتا أو اختلفتا والآخرون يحققون الأولى ويلينون الثانية في المختلفتين طلباً للخفة فإن كانتا متفقتين مثل: هؤلاء، وأولياء، وأولئك، وجاء أمر ربك - قرأها أبو عمرو و البزي عن ابن كثير بهمزة واحدة وقرأ أبو جعفر وورش والقواش و يعقوب بتحقيق الأولى وتليين الثانية وقرأ قالون بتخفيف الأولى وتحقيق الثانية لأن ما يستأنف أولى بالهمزة مما يسكت عليه.
13-" وإذا قيل لهم آمنوا " من تمام النصح والإرشاد فإن كمال الإيمان بمجموع الأمرين : الإعراض عما لا ينبغي وهو المقصود بقوله : " لا تفسدوا " ، والإتيان بما ينبغي وهو المطلوب بقوله : " آمنوا " .
" كما آمن الناس " في النصب على المصدر ، وما مصدرية أو كافة مثلها في ربما ، واللام في الناس للجنس والمراد به الكاملون في الإنسانية العاملون بقضية العقل ، فإن اسم الجنس كما يستعمل لمسماه مطلقاً يستعمل لما يستجمع المعاني المخصوصة به والمقصودة منه ، ولذلك يسلب عن غيره فيقال : زيد ليس بإنسان ، ومن هذا الباب قوله تعالى : " صم بكم عمي " ونحوه وقد جمعهما الشاعر في قوله :
إذ الناس ناس والزمان زمان
أو للعهد ، والمراد به الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه . أو من آمن من أهل جلدتهم كابن سلام وأصحابه ، والمعنى آمنوا إيماناً مقروناً بالإخلاص متمحضاً عن شوائب النفاق مماثلاً لإيمانهم ، واستدل به على قبول توبة الزنديق وأن الإقرار باللسان إيمان وإن لم يفد التقييد .
" قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء " الهمزة فيه للإنكار ، واللام مشار بها إلى الناس ، أو الجنس بأسره وهم مندرجون فيه على زعمهم ، وإنما سفهوهم لاعتقادهم فساد رأيهم ، أو لتحقير شأنهم ، فإن أكثر المؤمنين كانوا فقراء ومنهم موالي : كصهيب وبلال ، أو للتجلد وعدم المبالاة بمن آمن منهم إن فسر الناس بعبد الله بن سلام وأشياعه . والسفه : خفة وسخافة رأي يقتضيهما نقصان العقل ، والحلم يقابله .
" ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون " رد ومبالغة في تجهيلهم ، فإن الجاهل بجهله الجازم على خلاف ما هو الواقع أعظم ضلاله وأتم جهالة من المتوقف المعترف بجهله ، فإنه ربما يعذر وتنفعه الآيات والنذر ، وإنما فصلت الآية بـ" لا يعلمون " والتي قبلها بـ" لا يشعرون " لأنه أكثر طباقاً لذكر السفه ، ولأن الوقوف على أمر الدين والتمييز بين الحق والباطل مما يفتقر إلى نظر وفكر . وإما النفاق وما فيه من الفتن والفساد فإنما يدرك بأدنى تفطن وتأمل فيما يشاهد من أقوالهم وأفعالهم .
13. And when it is said unto them: Believe as the people believe, they say: Shall we believe as the foolish believe? Are not they indeed the foolish? But they know not.
13 - When it is said to them: Believe as the others believe: They say: Shall we believe As the fools believe? Nay, of a surety they are the fools, But they do not know.