13 - (يدعو لمن) اللام زائدة (ضره) بعبادته (أقرب من نفعه) إن نفع بتخيله (لبئس المولى) هو أي الناصر (ولبئس العشير) الصاحب هو وعقب ذكر الشاك بالخسران بذكر المؤمنين بالثواب في
يقول تعالى ذكره : يدعو هذا المنقلب على وجهه من أن أصابته فتنة آلهة لضرها في الآخرة له ، اقرب وأسرع إليه من نفعها . وذكر أن ابن مسعود كان يقرؤه : يدعو من ضره أقرب من نفعه .
واختلف أهل العربية في موضع من ، فكان بعض نحويي البصرة يقول : موضعه نصب بيدعو ، ويقول : معناه : يدعو لآلهة ضرها أقرب من نفعها ، ويقول : هو شاذ لأنه لم يوجد في الكلام يدعو لزيدا . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : اللام من صلة ما بعد من ، كأن معنى الكلام عنده : يدعو من لضره أقرب من نفعه . وحكى عن العرب سماعا منها عندي لما غيره خير منه ، بمعنى : عندي ما لغيره خير منه . وأعطيتك لما غيره خير منه ، بمعنى : ما لغيره خير منه . وقال : جائز في كل ما لم يتبين فيه الإعراب الإعتراض باللام دون الاسم .
وقال آخرون منهم : جائز أن يكون معنى ذلك : هو الضلال البعيد يدعو ، فيكون يدعو صلة الضلال البعيد ، وتضمر في يدعو الهاء ثم تستأنف الكلام باللام ، فتقول لمن ضره أقرب من نفعه : لبئس المولى ، كقولك في الكلام في مذهب الجزاء لما فعلت لهو خير لك ، فعلى هذا القول من في موضع رفع بالهاء في قوله ضره ، لأن من إذا كانت جزاء فإنما يعربها ما بعدها ، واللام الثانية في لبئس المولى جواب اللام الأولى ، وهذا القول الآخر على مذهب العربية أصح ، والأول إلى مذهب أهل التأويل أقرب .
وقوله " لبئس المولى " يقول : لبئس ابن العم هذا الذي يعبد الله على حرف " ولبئس العشير" يقول : ولبئس الخليط المعاشر والصاحب هو ، كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " ولبئس العشير " قال : العشير ، هو المعاشر الصاحب ، وقد قيل : عني بالمولى في هذا الموضع : الولي الناصر .
وكان مجاهد يقول : عني بقوله " لبئس المولى ولبئس العشير " الوثن .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله " ولبئس العشير " قال : الوثن .
قوله تعالى: " يدعو لمن ضره أقرب من نفعه " أي هذا الذي انقلب على وجهه يدعو من ضره أدنى من نفعه، أي في الآخرة لأنه بعبادته دخل النار، ولم ير منه نفعاً أصلاً، ولكنه قال: ضره أقرب من نفعه ترفيعاً للكلام، كقوله تعالى: " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين " [سبأ: 24]. وقيل: يعبدونهم توهم أنهم يشفعون لهم غداً كما قال الله تعالى: " ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله " [يونس: 18]. وقال تعالى: " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " [الزمر: 3]. وقال الفراء و الكسائي و الزجاج : معنى الكلام القسم والتأخير، أي يدعو والله لمن ضره أقرب من نفعه. فاللام مقدمة في غير موضعها. و " من " في موضع نصب بـ"يدعو " واللام جواب القسم. و " ضره " مبتدأ. و " أقرب " خبره. وضعف النحاس تأخير اللام وقال: وليس للام من التصرف ما يوجب أن يكون فيها تقديم ولا تأخير.
قلت: حق اللام التقديم وقد تؤخر، قال الشاعر:
خالي لأنت ومن جرير خاله ينل العلاء ويكرم الأخوالا
أي لخالي أنت، وقد تقدم. النحاس : وحكى لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد قال: في الكلام حذف، والمعنى يدعو لمن ضره أقرب من نفعه إلهاً. قال النحاس : وأحسب هذا القول غلطاً على محمد بن يزيد، لأنه لا معنى له، لأن ما بعد اللام مبتدأ فلا يجوز نصب إله، وما أحسب مذهب محمد بن يزيد إلا قول الأخفش ، وهو أحسن ما قيل في الآية عندي، والله أعلم، قال: " يدعو " بمعنى يقول.. و " من " مبتدأ وخبره محذوف، والمعنى يقول لمن ضره أقرب من نفعه إلهه.
قلت: وذكر هذا القول القشيري رحمه الله عن الزجاج و المهدوي عن الأخفش ، وكمل إعرابه فقال: " يدعو " بمعنى يقول، و " من " مبتدأ، و " ضره " مبتدأ ثان، و " أقرب " خبره، والجملة صلة " من "، وخبر " من " محذوف، والتقدير يقول لمن ضره أقرب من نفعه إلهه، ومثله قول عنترة:
يدعون عنتر والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم
قال القشيري : والكافر الذي يقول الصنم معبودي لا يقول ضره أقرب من نفعه، ولكن المعنى يقول الكافر لمن ضره أقرب من نفعه في قول المسلمين معبودي وإلهي. وهو كقوله تعالى: " يا أيها الساحر ادع لنا ربك " [الزخرف: 49]، أي يا أيها الساحر عند أولئك الذي يدعونك ساحراً. وقال الزجاج يجوز أن يكون " يدعو " في موضع الحال، وفيه هاء محذوفة، أي ذلك هو الضلال البعيد يدعوه، أي في حال دعائه إياه، ففي " يدعو " هاء مضمرة، ويوقف على هذه على " يدعو ". وقوله: " لمن ضره أقرب من نفعه " كلام مستأنف مرفوع بالابتداء، وخبره لبئس المولى، وهذا لأن اللام لليمين والتوكيد فجعلها أول الكلام. قال الزجاج : ويجوز أن يكون " ذلك " بمعنى الذي، ويكون في محل النصب بوقوع " يدعو " عليه، أي الذي هو الضلال البعيد يدعو، كما قال: " وما تلك بيمينك يا موسى " [طه: 17] أي ما الذي. ثم قوله: " لمن ضره " كلام مبتدأ، و " لبئس المولى " خبر المبتدأ، وتقدير الآية على هذا: يدعو الذي هو الضلال البعيد، قدم المفعول وهو الذي، كما تقول: زيداً يضرب، واستحسنه أبو علي. وزعم الزجاج أن النحويين أغفلوا هذا القول، وأنشد:
عدس ما لعباد عليك إمارة نجوت وهذا تحملين طليق
أي والذي. وقال الزجاج أيضاً و الفراء : يجوز أن يكون " يدعو " مكررة على ما قبلها، على جهة تكثير هذا الفعل الذي هو الدعاء، ولا تعديه إذ قد عديته أولاً، أي يدعو من دون الله ما لا ينفعه ولا يضره يدعو، مثل ضربت زيداً ضربت، ثم حذفت يدعو الآخرة اكتفاء بالأولى. قال الفراء : يجوز " لمن ضره " بكسر اللام، أي يدعو إلى من ضره أقرب من نفعه، قال الله عز وجل: " بأن ربك أوحى لها " [الزلزلة: 5] أي إليها. وقال الفراء أيضاً والقفال: اللام صلة، أي يدعو من ضره أقرب من نفعه، أي يعبده. وكذلك هو في قراءة عبد الله بن مسعود. لبئس المولى أي في التناصر ولبئس العشير أي المعاشر والصاحب والخليل. مجاهد يعني الوثن.
قال مجاهد وقتادة وغيرهما: "على حرف" على شك, وقال غيرهم: على طرف, ومنه حرف الجبل أي طرفه, أي دخل في الدين على طرف فإن وجد ما يحبه استقر وإلا انشمر. وقال البخاري : حدثنا إبراهيم بن الحارث , حدثنا يحيى بن ابي بكير , حدثنا إسرائيل عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "ومن الناس من يعبد الله على حرف" قال: كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاماً ونتجت خيله قال: هذا دين صالح, وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا أحمد بن عبد الرحمن , حدثني أبي عن أبيه عن أشعث بن إسحاق القمي عن جعفر بن أبي المغيرة , عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون, فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن, قالوا: إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به وإن وجدوا عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط, قالوا: ما في ديننا هذا خير, فأنزل الله على نبيه "ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به" الاية.
وقال العوفي عن ابن عباس : كان أحدهم إذا قدم المدينة وهي أرض وبيئة, فإن صح بها جسمه ونتجت فرسه مهراً حسناً وولدت امرأته غلاماً رضي به, واطمأن إليه, وقال: ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيراً, "وإن أصابته فتنة" والفتنة البلاء, أي وإن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصدقة, أتاه الشيطان فقال: والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شراً, وذلك الفتنة, وهكذا ذكر قتادة والضحاك وابن جريج وغير واحد من السلف في تفسير هذه الاية. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هو المنافق إن صلحت له دنياه أقام على العبادة, وإن فسدت عليه دنياه وتغيرت انقلب فلا يقيم على العبادة إلا لما صلح من دنياه, فإن أصابته فتنة أو شدة أو اختبار أو ضيق ترك دينه ورجع إلى الكفر. وقال مجاهد في قوله: "انقلب على وجهه" أي ارتد كافراً.
وقوله: " خسر الدنيا والآخرة " أي فلا هو حصل من الدنيا على شيء, وأما الاخرة فقد كفر بالله العظيم, فهو فيها في غاية الشقاء والإهانة, ولهذا قال تعالى: "ذلك هو الخسران المبين" أي هذه هي الخسارة العظيمة والصفقة الخاسرة وقوله: " يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه " أي من الأصنام والأنداد, يستغيث بها ويستنصرها ويسترزقها وهي لا تنفعه ولا تضره "ذلك هو الضلال البعيد". وقوله: "يدعو لمن ضره أقرب من نفعه" أي ضرره في الدنيا قبل الاخرة أقرب من نفعه فيها, وأما في الاخرة فضرره محقق متيقن. وقوله: "لبئس المولى ولبئس العشير" قال مجاهد : يعني الوثن, يعني بئس هذا الذي دعاه من دون الله مولى, يعني ولياً وناصراً, " ولبئس العشير " وهو المخالط والمعاشر, واختار ابن جرير أن المراد لبئس ابن العم والصاحب "من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه" وقول مجاهد إن المراد به الوثن أولى وأقرب إلى سياق الكلام, والله أعلم.
13- "يدعو لمن ضره أقرب من نفعه" يدعو بمعنى يقول، والجملة مقررة لما قبلها من كون ذلك الدعاء ضلالاً بعيداً. والأصنام لا نفع فيها بحال من الأحوال بل هي ضرر بحت لمن يعبدها، لأنه دخل النار بسبب عبادتها، وإيراد صيغة التفضيل مع عدم النفع بالمرة للمبالغة في تقبيح حال ذلك الداعي، أو ذلك من باب "وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين" واللام هي الموطئة للقسم، ومن موصولة أو موصوفة، وضره مبتدأ خبره أقرب، والجملة صلة الموصول. وجملة "لبئس المولى ولبئس العشير" جواب القسم، والمعنى: أنه يقول ذلك الكافر يوم القيامة لمعبوده الذي ضره أقرب من نفعه: لبئس المولى أنت ولبئس العشير. والمولى الناصر، والعشير الصاحب، ومثل ما في هذه الآية قول عنترة:
يدعون عنتر والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم
وقال الزجاج: يجوز أن يكون يدعو في موضع الحال، وفيه هاء محذوفة: أي ذلك هو الضلال البعيد يدعوه وعلى هذا يوقف على يدعو، ويكون قوله "لمن ضره أقرب من نفعه" كلاماً مستأنفاً مرفوعاً بالابتداء، وخبره لبئس المولى. قال: وهذا لأن اللام لليمين والتوكيد فجعلها أول الكلام. وقال الزجاج والفراء: يجوز أن يكون يدعو مكررة على ما قبلها على جهة تكثير هذا الفعل الذي هو الدعاء: أي يدعو ما لا يضره ولا ينفعه يدعو. مثل ضربت زيداً ضربت. وقال الفراء والكسائي والزجاج: معنى الكلام القسم، واللام مقدمة على موضعها، والتقدير: يدعو من لضره أقرب من نفعه، فمن في موضع نصب بيدعو، واللام جواب القسم وضره مبتدأ، وأقرب خبره، ومن التصرف في اللام بالتقديم والتأخير قول الشاعر:
خالي لأنت ومن جرير خاله ينل العلاء ويكرم الأخوالا
أي لخالي أنت. قال النحاس: وحكى لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد قال: في الكلام حذف، والمعنى: يدعو لمن ضره أقرب من نفعه إلهاً. قال النحاس: وأحسب هذا القول غلطاً عن محمد بن يزيد، ولعل وجهه أن ما قبل اللام هذه لا يعمل فيما بعدها. وقال الفراء أيضاً والقفال اللام صلة: أي زائدة، والمعنى: يدعو من ضره أقرب من نفعه: أي يعبده، وهكذا في قراءة عبد الله بن مسعود بحذف اللام، وتكون اللام في لبئس المولى وفي لبئس العشير على هذا موطئة للقسم.
13. " يدعو لمن ضره أقرب من نفعه "، هذه الآية من مشكلات القرآن وفيها أسئلة: أولها قالوا: قد قال الله في الآية الأولى " يدعو من دون الله ما لا يضره "، وقال هاهنا: " لمن ضره أقرب " فكيف التوفيق بينهما؟
قيل قوله في الآية الأولى " يدعو من دون الله ما لا يضره " أي: لا يضره ترك عبادته، وقوله: " لمن ضره أقرب " أي: ضر عبادته.
فإن قيل: قد قال " لمن ضره أقرب من نفعه " ولا نفع في عبادة الصنم أصلاً؟
قيل: هذا على عادة العرب، فإنهم يقولون لما لا يكون أصلاً: بعيد، كقوله تعالى: " ذلك رجع بعيد " (ق:3) أي: لا رجع أصلاً، فلما كان نفع الصنم بعيداً، على معنى: أنه لا نفع فيه أصلاً، قيل: ضره أقرب، لأنه كائن.
السؤال الثالث: قوله " لمن ضره أقرب " ما وجه هذه اللام؟ اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هي صلة، مجازها: يدعو من ضره أقرب، وكذلك قرأها ابن مسعود: وقيل: ((لمن ضره)) أي إلى الذي ضره أقرب من نفعه. وقيل: ((يدعو)) بمعنى يقول: والخبر محذوف، أي يقول: لمن ضره أقرب من نفعه هو إله.
وقيل: معناه يدعو لمن ضره أقرب من نفعه يدعو، فحذف يدعو الأخيرة اجتزاء بالأولى، ولو قلت: يضرب لمن خيره أكثر من شره يضرب، ثم يحذف الأخير جاز.
وقيل: على التوكيد، معناه: يدعو والله لمن ضره أقرب من نفعه.
وقيل: " يدعو من " صلة قوله: " ذلك هو الضلال البعيد " يقول: ذلك هو الضلال البعيد يدعو، ثم استأنف فقال: " لمن ضره أقرب من نفعه " فيكون ((من)) في محل رفع بالابتداء وخبره: " لبئس المولى "، أي الناصر. وقيل: المعبود. " ولبئس العشير "، أي: الصاحب والمخالط، يعني: الوثن، والعرب تسمي الزوج عشيراً لأجل المخالطة.
13ـ " يدعو لمن ضره " بكونه معبوداً لأنه يوجب القتل في الدنيا والعذاب في الآخرة . " أقرب من نفعه " الذي يتوقع بعبادته وهو الشفاعة والتوسل بها إلى الله تعالى ، واللام معلقة لـ " يدعو " من حيث إنه بمعنى يزعم والزعم قول مع اعتقاد ، أو داخلة على الجملة الواقعة مقولاً إجراء له مجرى قول : أي يقول الكافر ذلك بدعاء وصراخ حين يرى استضراره به ، أو مستأنفة على أن يدعو تكرير للأول ومن مبتدأ خبره " لبئس المولى " الناصر . " ولبئس العشير " الصاحب .
13. He calleth unto him whose harm is nearer than his benefit; verily an evil patron and verity an evil friend!
13 - (Perhaps) they call on one Whose hurt is nearer than his profit: evil, indeed, is the patron, and evil The companion (for help)!