13 - (وليحملن أثقالهم) أوزارهم (وأثقالا مع أثقالهم) بقولهم للمؤمنين اتبعوا سبيلنا وإضلالهم مقلديهم (وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون) يكذبون على الله سؤال توبيخ واللام في الفعلين لام قسم وحذف فاعلهما الواو ونون الرفع
يقول تعالى ذكره: وليحملن هؤلاء المشركون بالله القائلون للذين آمنوا به اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم أوزار أنفسهم وآثامها، وأوزار من أضلوا وصدوا عن سبيل الله مع أوزارهم، وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يكذبونهم في الدنيا بوعدهم إياهم الأباطيل، وقيلهم لهم: اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم فيفترون الكذب بذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وليحملن أثقالهم " أي أوزارهم " وأثقالا مع أثقالهم " يقول: أوزار من أضلوا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ". وقرأ قوله ( ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون) ( النحل: 25) قال: فهذا قوله " وأثقالا مع أثقالهم ".
قوله تعالى : " وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم " بيعني ما يحمل عليهم من سيئات من ظلموه بعد فراغ حسناتهم . روي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقد تقدم في ( آل عمران ) . وقال أبو أمامة الباهلي [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ] " يؤتى بالرجل يوم القيامة وهو كثير الحسنات فلا يزال يقتص منه حتى تفنى حسناته ثم يطالب فيقول الله عز وجل اقتصوا من عندي فتقول الملائكة مابقيت له حسناته ثم يطالب فيقول الله عز وجل اقتصوا من عبدي فتقول الملائكة ما بقيت له حسنات فيقول خذوا من سيئات المظلوم فاجعلوا عليه " ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم " وقال قتادة : من دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء . ونظيره قوله تعالى : " ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم " [ النحل : 25] . ونظير هذا قوله عليه السلام : " من سن في الإسلام سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " روي من حديث أبي هيريررة وغيره . وقال الحسن قال النبي صلى الله عليه وسلم " من دعا إلى هدى فاتبع عليه وعمل به فله مثل أجور من اتبعه ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً وأيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع عليها وعمل لها بعده فعليه مثل أوزار من عمل بها ممن اتبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً " ثم قر الحسن : " وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم " .
قلت : هذا مرسل وهو معنى حديث أبي هريرة خرجه مسلم ونص حديث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فإن له مثل أوزار من اتبعه ولا ينقص من أزوارهم شيئاً وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع فإن له مثل أجور من اتبعه ولا ينقص من أجورهم شيئاً " خرجه ابن ماجة في السنن . وفي الباب عن أبي جحفية و جرير . وقد قيل : إن المراد أعوان الظلمة .وقيل :أصحاب البدع إذا اتبعوا عليها . وقيل : محدثو السنن الحادثة إذا علم لها من بعدهم والمعنى متقارب والحديث يجمع ذلك كله .
يقول تعالى مخبراً عن كفار قريش أنهم قالوا لمن آمن منهم واتبع الهدى: ارجعوا عن دينكم إلى ديننا, واتبعوا سبيلنا "ولنحمل خطاياكم" أي وآثامكم إن كانت لكم آثام في ذلك علينا وفي رقابنا, كما يقول القائل: افعل هذا وخطيئتك في رقبتي, قال الله تعالى تكذيباً لهم "وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون" أي: فيما قالوه إنهم يحتملون عن أولئك خطاياهم, فإنه لا يحمل أحد وزر أحد, قال الله تعالى: "وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى" وقال تعالى: " ولا يسأل حميم حميما * يبصرونهم ".
وقوله تعالى: "وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم" إخبار عن الدعاة إلى الكفر والضلالة, أنهم يحملون يوم القيامة أوزار أنفسهم وأوزاراً أخر بسبب ما أضلوا من الناس من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئاً, كما قال تعالى, "ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم" الاية, وفي الصحيح "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً, ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من آثامهم شيئاً". وفي الصحيح "ما قتلت نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها, لأنه أول من سن القتل".
وقوله تعالى: "وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون" أي يكذبون ويختلقون من البهتان, وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا حديثاً فقال: حدثنا أبي , حدثنا هشام بن عمار , حدثنا صدقة , حدثنا عثمان بن حفص بن أبي العالية , حدثني سليمان بن حبيب المحاربي عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ ما أرسل به, ثم قال: "إياكم والظلم, فإن الله يعزم يوم القيامة فيقول: وعزتي وجلالي لا يجوزني اليوم ظلم ثم ينادي مناد فيقول: أين فلان بن فلان ؟ فيأتي يتبعه من الحسنات أمثال الجبال, فيشخص الناس إليها أبصارهم حتى يقوم بين يدي الرحمن عز وجل, ثم يأمر المنادي فينادي: من كانت له تباعة أو ظلامة عند فلان بن فلان فهلم, فيقبلون حتى يجتمعوا قياماً بين يدي الرحمن, فيقول الرحمن: اقضوا عن عبدي, فيقولون: كيف نقضي عنه ؟ فيقول: خذوا لهم من حسناته, فلا يزالون يأخذون منها حتى لا يبقى منها حسنة, وقد بقي من أصحاب الظلامات, فيقول: اقضوا عن عبدي, فيقولون: لم يبق له حسنة, فيقول خذوا من سيئاتهم فاحملوها عليه" ثم نزع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الاية الكريمة "وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون". وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من غير هذا الوجه "إن الرجل ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال وقد ظلم هذا, وأخذ من مال هذا, وأخذ من عرض هذا, فيأخذ هذا من حسناته, وهذا من حسناته, فإذا لم تبق له حسنة, أخذ من سيئاتهم فطرح عليه". وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن أبي الحواري , حدثنا أبو بشر الحذاء عن أبي حمزة الثمالي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ إن المؤمن يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه حتى عن كحل عينيه وعن فتات الطينة بإصبعين, فلا ألفينك تأتي يوم القيامة وأحد أسعد بما آتاك الله منك".
13- "وليحملن أثقالهم" أي أوزارهم التي عملوها، والتعبير عنها بالأثقال للإيذان بأنها ذنوب عظيمة "وأثقالاً مع أثقالهم" أي أوزاراً مع أوزارهم. وهي أوزار من أضلوهم وأخرجوهم عن الهدى إلى الضلالة ومثله قوله سبحانه: "ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم" ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها" كما في حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم وغيره "وليسألن يوم القيامة" تقريعاً وتوبيخاً "عما كانوا يفترون" أي يختلقونه من الأكاذيب التي كانوا يأتون بها في الدنيا. وقال مقاتل: يعني قولهم: نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله: " الم * أحسب الناس أن يتركوا " الآية قال: أنزلت في ناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لما أنزلت آية الهجرة أنه لا يقبل منكم إقرار ولا إسلام حتى تهاجروا، قال: فخرجوا عامدين إلى المدينة فاتبعهم المشركون فردوهم، فنزلت فيهم هذه الآية، فكتبوا إليهم أنه قد أنزل فيكم كذا وكذا، فقالوا: نخرج فإن اتبعنا أحد قتلناه، فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل ومنهم من نجا، فأنزل الله فيهم "ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم". وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة نحوه بأخصر منه. وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير قال: نزلت في عمار بن ياسر إذ كان يعذب في الله " الم * أحسب الناس أن يتركوا " الآية. وأخرج ابن ماجه وابن مردويه عن ابن مسعود قال: أول من أظهر الله إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وسمية أم عمار، وعمار، وصهيب، وبلال، والمقداد. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وقد أتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول أحد أحد. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: "أن يسبقونا" قال أن يعجزونا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: قالت أمي لا آكل طعاماً ولا أشرب شراباً حتى تكفر بمحمد فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يشجرون فاها بالعصا، فنزلت هذه الآية "ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما". وأخرجه أيضاً الترمذي من حديثه، وقال: نزلت في أربع آيات وذكر نحو هذه القصة، وقال: حسن صحيح. وقد أخرج هذا الحديث أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أيضاً. وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن ماجه وأبو يعلى وابن حبان وأبو نعيم والبيهقي والضياء عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثالثة ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما وارى إبط بلال". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "جعل فتنة الناس كعذاب الله" قال: يرتد عن دين الله إذا أوذي في الله.
13- "وليحملن أثقالهم"، أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم، "وأثقالاً مع أثقالهم"، أي: أوزار من أضلوا وصدوا عن سبيل الله مع أوزارهم. نظيره قوله عز وجل \: " ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم " (الحل - 25). " وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون "، سؤال توبيخ وتقريع.
13ـ " وليحملن أثقالهم " أثقال ما اقترفته أنفسهم . " وأثقالاً مع أثقالهم " وأثقالاً أخر معها لما تسببوا له بالإضلال والحمل على المعاصي من غير أن ينقص من أثقال من تبعهم شيء . " وليسألن يوم القيامة " سؤال تقريع وتبكيت . " عما كانوا يفترون " من الأباطيل التي أضلوا بها .
13. But they verily will hear their own loads and other loads beside their own, and they verify will be questioned on the nay of Resurrection concerning that which they invented.
13 - They will bear their own burdens, and (other) burdens along with their own, and on the Day of judgment they will be called to account for their falsehoods.