13 - (يوم هم على النار يفتنون) أي يعذبون فيها ويقال لهم حين التعذيب
وقوله " يوم هم على النار يفتنون " يقول تعالى ذكره يوم هم على نار جهنم يفتنون .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله " يفتنون " في هذا الموضع فقال بعضهم عني به أنهم يعذبون بالإحراق بالنار .
ذكر من قال ذلك .
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله " يوم هم على النار يفتنون " يقول يعذبون .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال ثني عمي قال : ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله " يسألون أيان يوم الدين * يوم هم على النار يفتنون " قال : فتنتهم أنهم سألوا عن يوم الدين وهم موقوفون على النار " ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون " فقالوا حين وقفوا " يا ويلنا هذا يوم الدين " ( الصافات 20 ) وقال الله تبراك وتعالى " هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون " الصافات 21 .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " يفتنون " قال : كما يفتن الذهب في النار .
حدثني يعقوب قال : ثني هشيم قال : أخبرنا حصين عن عكرمة في قوله " يوم هم على النار يفتنون " قال : يعذبون في النار يحرقون فيها ألم تر أن الذهب إذا ألقي في النار قيل فتن .
حدثني سليمان بن عبد الجبار قال : ثنا محمد بن الصلت قال : ثنا أبو كدينة عن حصين عن عكرمة " يوم هم على النار يفتنون " قال : يعذبون .
حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي قال : ثنا فضيل بن عياض عن منصور عن مجاهد " يوم هم على النار يفتنون " يقول ينضجون بالنار .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن الحصين عن عكرمة " يوم هم على النار يفتنون " قال يحرقون .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان " يوم هم على النار يفتنون " يقول يحرقون .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في " يوم هم على النار يفتنون " قال : يطبخون كما يفتن الذهب بالنار .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال ابن زيد في قوله " يوم هم على النار يفتنون " قال : يحرقون بالنار .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير عن منصور عن مجاهد " يوم هم على النار يفتنون " قال : يحرقون .
وقال آخرون بل عني بذلك أنهم يكذبون .
ذكر من قال ذلك .
حدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ يقول أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " يوم هم على النار يفتنون " يقول يطبخون ويقال أيضاً " يفتنون " يكذبون كل هذا يقال .
واختلف أهل العربية في وجه نصب اليوم في قوله " يوم هم على النار يفتنون " فقال بعض نحويي البصرة نصبت على الوقت والمعنى في " أيان يوم الدين " أي متى يوم الدين فقيل لهم : في " يوم هم على النار يفتنون " لأن ذلك اليوم يوم طويل فيه الحساب وفيه فتنتهم على النار .
وقال بعض نحويي الكوفة إنما نصبت " يوم هم " لأنك أضفته إلى شيئين وإذا أضيف اليوم والليلة إلى اسم له فعل وارتفعا نصب اليوم وإن كان في موضع خفض أو رفع إذا أضيف إلى فعل أو يفعل أو إذا كان كذلك ورفعه في موضع الرفع وخفضه في موضع الخفض يجوز فلو قيل " يوم هم على النار يفتنون " فرفع يوم لكان وجهاً ولم يقرأ به أحد من القراء .
وقال آخر منهم : إنها نصب " يوم هم على النار يفتنون " قول من قال : يعذبون بالإحراق لأن الفتنة أصلها الاختيار وإنما يقال : فتنت الذهب بالنار إذا طبختها بها لتعرف جودتها فكذلك قوله " يوم هم على النار يفتنون " يحرقون بها كما يحرق الذهب وأما النصب في اليوم فلأنها إضافة غير محضة على ما وصفنا من قول قائل ذلك .
" يوم هم على النار يفتنون " أي يحرقون وهو من قولهم فتنت الذهب أي أحرقته لتختبره وأصل الفتنة الاختبار وقيل إنه مبني بني لإضافته إلى غير متمكن وموضعه نصب على التقدير المتقدم ، أو رفع على البدل من "يوم الدين" وقال الزجاج يقول يعجبني يوم أنت قائم ويوم أنت تقوم وإن شئت فتحت وهو في موضع رفع ، فإنما انتصب هذا وهو في المعنى رفع . وقال ابن عباس : "يفتنون " يعذبون . ومنه قول الشاعر :
كل امرئ من عباد الله مضطهد ببطن مكة مقهور ومفتون
قال شعبة بن الحجاج عن سماك عن خالد بن عرعرة أنه سمع علياً رضي الله عنه, وشعبة أيضاً عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل أنه سمع علياً رضي الله عنه, وثبت أيضاً من غير وجه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه, أنه صعد منبر الكوفة فقال: لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى, ولا عن سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنبأتكم بذلك, فقام إليه ابن الكواء, فقال: يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى: "والذاريات ذرواً" قال علي رضي الله عنه, الريح, قال: "فالحاملات وقراً" قال رضي الله عنه: السحاب, قال: "فالجاريات يسراً" قال رضي الله عنه: السفن, قال: "فالمقسمات أمراً" قال رضي الله عنه الملائكة.
وقد روي في ذلك حديث مرفوع, فقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا إبراهيم بن هانىء, حدثنا سعيد بن سلام العطار, حدثنا أبو بكر بن أبي سبرة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب, قال: جاء صبيغ التميمي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين, فأخبرني عن الذاريات ذرواً, فقال رضي الله عنه: هي الرياح, ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ماقلته. قال: فأخبرني عن المقسمات أمراً, قال رضي الله عنه هي الملائكة, ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ماقلته, قال: فأخبرني عن الجاريات يسراً, قال رضي الله عنه: هي السفن, ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ماقلته. ثم أمر بضربه فضرب مائة وجعل في بيت, فلما برأ دعا به فضربه مائة أخرى وحمله على قتب وكتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: امنع الناس من مجالسته, فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى رضي الله عنه, فحلف بالأيمان المغلظة ما يجد في نفسه مما كان يجد شيئاً, فكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه, فكتب عمر: ما إخاله إلا قد صدق فخل بينه وبين مجالسة الناس. قال أبو بكر البزار: فأبو بكر بن أبي سبرة لين, وسعيد بن سلام ليس من أصحاب الحديث. قلت: فهذا الحديث ضعيف رفعه وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر رضي الله عنه, فإن قصة صبيغ بن عسل مشهورة مع عمر رضي الله عنه, وإنما ضربه لأنه ظهر له من أمره فيما يسأل تعنتاً وعناداً, والله أعلم. وقد ذكر الحافظ ابن عساكر هذه القصة في ترجمة صبيغ مطولة, وهكذا فسرها ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم, ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي وغير واحد, ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم غير ذلك, وقد قيل إن المراد بالذاريات الريح كما تقدم, وبالحاملات وقراً السحاب كما تقدم, لأنها تحمل الماء كما قال زيد بن عمرو بن نفيل:
وأسلمت نفسي لمن أسلمت له المزن تحمل عذباً زلالا
فأما الجاريات يسراً فالمشهور عن الجمهور كما تقدم أنها السفن, تجري ميسرة في الماء جرياً سهلاً, وقال بعضهم: هي النجوم تجري يسراً في أفلاكها ليكون ذلك ترقياً من الأدنى إلى الأعلى إلى ما هو أعلى منه, فالرياح فوقها السحاب, والنجوم فوق كذلك, والمقسمات أمراً الملائكة فوق ذلك تنزل بأوامر الله الشرعية والكونية, وهذا قسم من الله عز وجل على وقوع المعاد, ولهذا قال تعالى: "إنما توعدون لصادق" أي لخبر صدق "وإن الدين" وهو الحساب "لواقع" أي لكائن لا محالة.
ثم قال تعالى: "والسماء ذات الحبك" قال ابن عباس رضي الله عنهما: ذات الجمال والبهاء والحسن والاستواء, وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو مالك وأبو صالح والسدي وقتادة وعطية العوفي والربيع بن أنس وغيرهم. وقال الضحاك والمنهال بن عمرو وغيرهما مثل تجعد الماء والرمل والزرع, إذا ضربته الريح فينسج بعضه بعضاً طرائق طرائق, فذلك الحبك. قال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية, حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن من ورائكم الكذاب المضل, وإن رأسه من ورائه حبك حبك" يعني بالحبك الجعودة: وعن أبي صالح: ذات الحبك الشدة وقال خصيف: ذات الحبك ذات الصفاقة. وقال الحسن بن أبي الحسن البصري: ذات الحبك حبكت بالنجوم, وقال قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن عمرو البكالي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "والسماء ذات الحبك" يعني السماء السابعة, وكأنه والله أعلم أراد بذلك السماء التي فيها الكواكب الثابتة, وهي عند كثير من علماء الهيئة في الفلك الثامن الذي فوق السابع, والله أعلم.
وكل هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد وهو الحسن والبهاء كما قال ابن عباس رضي الله عنهما, فإنها من حسنها مرتفعة شفافة صفيقة شديدة البناء متسعة الأرجاء أنيقة البهاء, مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات موشحة بالشمس والقمر والكواكب الزهرات وقوله تعالى: "إنكم لفي قول مختلف" أي إنكم أيها المشركون المكذبون للرسل لفي قول مختلف مضطرب لا يلتئم ولا يجتمع, وقال قتادة: إنكم لفي قول مختلف ما بين مصدق بالقرآن ومكذب به. " يؤفك عنه من أفك " أي إنما يروج على من هو ضال في نفسه, لأنه قول باطل إنما ينقاد له ويضل بسببه, ويؤفك عنه من هو مأفوك ضال غمر لافهم له كما قال تعالى: " فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم " قال ابن عباس رضي الله عنهما والسدي "يؤفك عنه من أفك" يضل عنه من ضل. وقال مجاهد "يؤفك عنه من أفك" يؤفن عنه من أفن, وقال الحسن البصري: يصرف عن هذا القرآن من كذب به. وقوله تعالى: "قتل الخراصون" قال مجاهد: الكذابون, قال: وهي مثل التي في عبس "قتل الإنسان ما أكفره" والخراصون الذين يقولون لا نبعث ولا يوقنون. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما "قتل الخراصون" أي لعن المرتابون. وهكذا كان معاذ رضي الله عنه يقول في خطبته. هلك المرتابون. وقال قتادة: الخراصون أهل الغرة والظنون. وقوله تبارك وتعالى: "الذين هم في غمرة ساهون" قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد في الكفر والشك غافلون لاهون "يسألون أيان يوم الدين" وإنما يقولون هذا تكذيباً وعناداً وشكاً واستبعاداً, قال الله تعالى: "يوم هم على النار يفتنون" قال ابن عباس ومجاهد والحسن وغير واحد يفتنون يعذبون. قال مجاهد كما يفتن الذهب على النار, وقال جماعة آخرون كمجاهد أيضاً وعكرمة وإبراهيم النخعي وزيد بن أسلم وسفيان الثوري: يفتنون يحرقون "ذوقوا فتنتكم" قال مجاهد: حريقكم, وقال غيره: عذابكم "هذا الذي كنتم به تستعجلون" أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً وتحقيراً وتصغيراً, والله أعلم.
ثم أخبر سبحانه عن ذلك اليوم فقال: 13- "يوم هم على النار يفتنون" أي يحرقون ويعذبون، يقال فتنت الذهب: إذا أحرقته لتختبره، وأصل الفتنة الاختبار. قال عكرمة: ألم تر أن الذهب إذا أدخل النار قيل فتن. وانتصاب يوم بمضمر: أي الجزاء: يوم هم على النار، ويجوز أن يكون بدلاً من يوم الدين، والفتح للبناء لكونه مضافاً إلى الجملة، وقيل هو منصوب بتقدير أعني. وقرأ ابن أبي عبلة برفع يوم على البدل من يوم الدين.
13. قال الله عز وجل: " يوم هم "، أي يكون هذا الجزاء في يوم هم، " على النار يفتنون "، أي: يعذبون ويحرقون بها كما يفتن الذهب بالنار. وقيل: ((على)) بمعنى الباء أي بالنار، وتقول لهم خزنة النار:
13-" يوم هم على النار يفتنون " يحرقون جواب للسؤال أي يقع " يوم هم على النار يفتنون " ، أو هو " يوم هم على النار يفتنون " ، وفتح " يوم " لإضافته إلى غير متمكن ويدل عليه أنه قرئ بالرفع .
13. (It is) the day when they will be tormented at the Fire,
13 - (It will be) a Day when they will be tried (and tested) over the Fire!