(ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب) بمعنى الكتب (من قبلكم) أي اليهود والنصارى (وإياكم) يا أهل القرآن (أن) أي بأن (اتقوا الله) خافوا عقابه بأن تطيعوه (و) قلنا لهم ولكم (إن تكفروا) بما وصيتم به (فإن لله ما في السماوات وما في الأرض) خلقا وملكا وعبيدا فلا يضره كفركم (وكان الله غنيا) عن خلقه وعبادتهم (حميدا) في صنعه بهم
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : ولله جميع ملك ما حوته السماوات السبع والأرضون السبع من الأشياء كلها. وإنما ذكر جل ثناؤه ذلك بعقب قوله : "وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته"، تنبيهاً منه خلقه على موضع الرغبة عند فراق أحدهم زوجته ، ليفزعوا إليه عند الجزع من الحاجة والفاقة والوحشة بفراق سكنه وزوجته ، وتذكيراً منه له أنه الذي له الأشياء كلها، وأن من كان له ملك جميع الأشياء، فغير متعذر عليه أن يغنيه وكل ذي فاقة وحاجة، ويؤنس كل ذي وحشة.
ثم رجع جل ثناؤه إلى عذل من سعى في أمر بني أبيرق وتوبيخهم ، ووعيد من فعل ما فعل المرتد منهم ، فقال : في "ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم"، يقول : ولقد أمرنا أهل الكتاب ، و أهل التوراة والإنجيل ، "وإياكم"، يقول : وأمرناكم وقلنا لكم ولهم: "اتقوا الله"، يقول : احذروا الله أن تعصوه وتخالفوا أمره ونهيه ، "وإن تكفروا"، يقول : وإن تجحدوا وصيته إياكم ، أيها المؤمنون ، فتخالفوها، "فإن لله ما في السماوات وما في الأرض"، يقول : فإنكم لا تضرون بخلافكم وصيته غير أنفسكم ، ولا تعدون في كفركم ذلك أن تكونوا أمثال اليهود والنصارى، في نزول عقوبته بكم ، وحلول غضبه عليكم ، كما حل بهم إذ بدلوا عهده ونقضوا ميثاقه ، فغير بهم ما كانوا فيه من خفض العيش وأمن السرب ، وجعل منهم القردة والخنازير. وذلك أن له ملك جميع ما حوته السماوات والأرض ، لا يمتنع عليه شيء أراده بجميعه وبشيء منه ، من إعزاز من أراد إعزازه ، وإذلال من أراد إذلاله ، وغير ذلك من الأمور كلها، لأن الخلق خلقه ، بهم إليه الفاقة والحاجة ، وبه قواهم وبقاؤهم ، وهلاكهم وفناؤهم ، وهو ا الغني الذي لا حاجة تحل به إلى شيء ، ولا فاقة تنزل به تضطره إليكم ، أيها الناس ، ولا إلى غيركم ، والحميد الذي استوجب عليكم أيها الخلق الحمد بصنائعه الحميدة إليكم وآلائه الجميلة لديكم. فاستديموا ذلك ، أيها الناس ، باتقائه ، والمسارعة إلى طاعته فيما يأمركم به وينهاكم عنه ، كما:
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا عبد الله بن هاشم قال ، أخبرنا سيف ، عن أبي روق ، عن علي رضي الله عنه : "وكان الله غنيا حميدا"، قال : غنياً عن خلقه ، "حميدا"، قال : مستحمداً إليهم.
قوله تعالى:" ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" أي الأمر بالتقوى كان عاماً لجميع الأمم وقد مضى القول في التقوى " وإياكم " عطف على " الذين" " أن اتقوا الله" في موضع نصب قال الأخفش: أي بأن اتقوا الله وقال بعض العارفين: هذه الآية هي رحى آي القرآن لأن جميعه يدور عليها .
يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض وأنه الحاكم فيهما, ولهذا قال: "ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم" أي وصيناكم بما وصيناهم به من تقوى الله عز وجل بعبادته وحده لا شريك له. ثم قال: "وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض" الاية كما قال تعالى إخباراً عن موسى أنه قال لقومه " إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ". وقال: "فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد" أي غني عن عباده, (حميد) أي محمود في جميع ما يقدره ويشرعه, قوله: "ولله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً" أي هو القائم على كل نفس بما كسبت, الرقيب الشهيد على كل شيء. وقوله: "إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديراً" أي هو قادر على إذهابكم وتبديلكم بغيركم إذا عصيتموه, وكما قال: "وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" وقال بعض السلف: ما أهون العباد على الله إذا أضاعوا أمره. وقال تعالى: "إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد* وما ذلك على الله بعزيز" أي وما هو عليه بممتنع, وقوله: " من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة " أي يامن ليس له همة إلا الدنيا, اعلم أن عند الله ثواب الدنيا والاخرة, وإذا سألته من هذه أغناك وأعطاك وأقناك, كما قال تعالى: " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق * ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار * أولئك لهم نصيب مما كسبوا " الاية, وقال تعالى: " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه " الاية, وقال تعالى: " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا * كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا * انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض " الاية, وقد زعم ابن جرير أن المعنى في هذه الاية "من كان يريد ثواب الدنيا" أي من المنافقين الذين أظهروا الإيمان لأجل ذلك "فعند الله ثواب الدنيا" وهو ما حصل من المغانم وغيرها مع المسلمين, وقوله: " والآخرة " أي وعند الله ثواب الاخرة وهو ما ادخره لهم من العقوبة في نار جهنم وجعلها كقوله: " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " ولاشك أن هذه الاية معناها ظاهر, وأما تفسيره الاية الأولى بهذا ففيه نظر, فإن قوله: " فعند الله ثواب الدنيا والآخرة " ظاهر في حصول الخير في الدنيا والاخرة أي بيده هذا وهذا, فلا يقتصرن قاصر الهمة على السعي للدنيا فقط, بل لتكن همته سامية إلى نيل المطالب العالية في الدنيا والاخرة, فإن مرجع ذلك كله إلى الذي بيده الضر والنفع, وهو الله الذي لا إله إلا هو الذي قد قسم السعادة والشقاوة بين الناس في الدنيا والاخرة, وعدل بينهم فيما علمه فيهم ممن يستحق هذا وممن يستحق هذا. ولهذا قال: "وكان الله سميعاً بصيراً"
قوله 131- "ولله ما في السموات وما في الأرض" هذه الجملة مستأنفة لتقرير كمال سعته سبحانه وشمول قدرته "ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" أمرناهم فيما أنزلناه عليهم من الكتب، واللام في الكتاب للجنس "وإياكم" عطف على الموصول "أن اتقوا الله" أي: أمرناهم وأمرناكم بالتقوى وهو في موضع نصب بقوله "وصينا" أو منصوب بنزع الخافض. قال الأخفش: أي بأن اتقوا الله، ويجوز أن تكون أن مفسرة، لأن التوصية في معنى القول. قوله "وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض" معطوف على قوله "أن اتقوا" أي: وصيناهم وإياكم بالتقوى وقلنا لهم ولكم إن تكفروا، وفائدة هذا التكرير التأكيد ليتنبه العباد على سعة ملكه وينظروا في ذلك ويعلموا أنه غني عن خلقه.
131-قوله تعالى:"ولله ما في السموات وما في الأرض"عبيداً وملكاً"ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"، يعني أهل التوراة والإنجيل وسائر الأمم المتقدمة في كتبهم ،"وإياكم" أهل القرآن في كتابكم،"أن اتقوا الله"أي: وحدوا الله وأطيعوه،"وإن تكفروا"، بما أوصاكم الله به"فإن لله ما في السموات وما في الأرض"، قيل: فإن لله ملائكة في السموات والأرض هم أطوع له منكم،"وكان الله غنياً"، عن جميع خلقه غير محتاج إلى طاعتهم ، "حميداً" محموداً على نعمه.
131" ولله ما في السماوات وما في الأرض " تنبيه على كمال سعته وقدرته. " ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " يعني اليهود والنصارى، ومن قبلهم، و " الكتاب " للجنس و" من " متعلقة بـ" وصينا " أو بـ" أوتوا " ومساق الآية لتأكيد الأمر بالإخلاص. " وإياكم " عطف على الذين. " أن اتقوا الله " بأن اتقوا الله، ويجوز أن تكون أن مفسرة لأن التوصية في معني القول. " وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض " على إرادة القول أي: وقلنا لهم ولكم أن تكفروا فإن الله مالك الملك كله لا يتضرر بكفركم ومعاصيكم، كما لا ينتفع بشكركم وتقواكم، وإنما وصاكم لرحمته لا لحاجته ثم قرر ذلك بقوله: " وكان الله غنيا " عن الخلق وعبادتهم. " حميدا " في ذاته حمد وإن لم يحمد.
131. Unto Allah belongeth whatsoever is in the heavens and whatsoever is in the earth And We charged those who received the Scripture before you, and (We charge) you, that ye keep your duty toward Allah. And if ye disbelieve, lo! unto Allah belongeth whatsoever is in the heavens and whatsoever is in the earth, and Allah is ever Absolute, Owner of Praise.
131 - To God belong all things in the heavens and on earth. verily we have directed the people of the book before you, and you (O Muslims) to fear God. but if ye deny him, lo unto God belong all things in the heavens and on earth, and God is free of all wants, worthy of all praise.