(ولله ما في السماوات وما في الأرض) كرره تأكيدا لتقرير موجب التقوى (وكفى بالله وكيلا) شهيدا بأن ما فيهما له
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : ولله ملك جميع ما حوته السماوات والأرض ، وهو القيم بجميعه، والحافظ لذلك كله ، لا يعزب عنه علم شيء منه ، ولا يؤوده حفظه وتدبيره ، كما:
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا هشام ، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة : "وكفى بالله وكيل"، قال : حفيظاً.
فان قال قائل : وما وجه تكرار قوله : "ولله ما في السماوات وما في الأرض" في آيتين ، إحداهما في إثر الأخرى؟ .
قيل : كرر ذلك ، لاختلاف معنى الخبرين عما في السماوات والأرض فى الآيتين. وذلك أن الخبر عنه في إحدى الآيتين : ذكر حاجته إلى بارئه ، وغنى بارئه عنه - وفي الأخرى : حفظ بارئه إياه وعلمه به وبتدببره.
فإن قال : أفلا قيل : "وكان الله غنيا حميدا"، وكفى بالله وكيلاً؟. قيل : إن الذي في الآية التي قال فيها: "وكان الله غنيا حميدا"، مما صلح أن يختم ما ختم به في وصف الله بالغنى وأنه محمود، ولم يذكر فيها ما يصلح أن يختم بوصفه معه بالحفظ والتدبير. فلذلك كرر قوله : "ولله ما في السماوات وما في الأرض".
قوله تعالى :" وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا" " ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا" إن قال قائل: ما فائدة هذا التكرير فعنه جوابان: أحدهما أنه كرر تأكيداً ليتنبه العباد وينظروا ما في ملكوته وملكه وأنه غني عن العالمين، الجواب الثاني - أنه كرر لفوائد: فأخبر في الأول أن الله تعالى يغني كلا من سعته لأن له ما في السماوات وما في الأرض فلا تنفذ خزائنه ثم قال : أوصيناكم وأهل الكتاب بالتقوى " وإن تكفروا " أي وإن تكفروا فإنه عني عنكم لأن له ما في السماوات وما في الأرض ثم اعلم في الثالث بحفظ خلقه وتدبيره إياهم بقوله:" وكفى بالله وكيلا " لأن له ما في السماوات وما في الأرض وقال " ما في السماوات " ولم يقل من في السماوات لأنه ذهب به مذهب الجنس، وفي السماوات والأرض من يعقل ومن لا يعقل.
يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض وأنه الحاكم فيهما, ولهذا قال: "ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم" أي وصيناكم بما وصيناهم به من تقوى الله عز وجل بعبادته وحده لا شريك له. ثم قال: "وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض" الاية كما قال تعالى إخباراً عن موسى أنه قال لقومه " إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ". وقال: "فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد" أي غني عن عباده, (حميد) أي محمود في جميع ما يقدره ويشرعه, قوله: "ولله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً" أي هو القائم على كل نفس بما كسبت, الرقيب الشهيد على كل شيء. وقوله: "إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديراً" أي هو قادر على إذهابكم وتبديلكم بغيركم إذا عصيتموه, وكما قال: "وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" وقال بعض السلف: ما أهون العباد على الله إذا أضاعوا أمره. وقال تعالى: "إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد* وما ذلك على الله بعزيز" أي وما هو عليه بممتنع, وقوله: " من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة " أي يامن ليس له همة إلا الدنيا, اعلم أن عند الله ثواب الدنيا والاخرة, وإذا سألته من هذه أغناك وأعطاك وأقناك, كما قال تعالى: " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق * ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار * أولئك لهم نصيب مما كسبوا " الاية, وقال تعالى: " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه " الاية, وقال تعالى: " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا * كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا * انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض " الاية, وقد زعم ابن جرير أن المعنى في هذه الاية "من كان يريد ثواب الدنيا" أي من المنافقين الذين أظهروا الإيمان لأجل ذلك "فعند الله ثواب الدنيا" وهو ما حصل من المغانم وغيرها مع المسلمين, وقوله: " والآخرة " أي وعند الله ثواب الاخرة وهو ما ادخره لهم من العقوبة في نار جهنم وجعلها كقوله: " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " ولاشك أن هذه الاية معناها ظاهر, وأما تفسيره الاية الأولى بهذا ففيه نظر, فإن قوله: " فعند الله ثواب الدنيا والآخرة " ظاهر في حصول الخير في الدنيا والاخرة أي بيده هذا وهذا, فلا يقتصرن قاصر الهمة على السعي للدنيا فقط, بل لتكن همته سامية إلى نيل المطالب العالية في الدنيا والاخرة, فإن مرجع ذلك كله إلى الذي بيده الضر والنفع, وهو الله الذي لا إله إلا هو الذي قد قسم السعادة والشقاوة بين الناس في الدنيا والاخرة, وعدل بينهم فيما علمه فيهم ممن يستحق هذا وممن يستحق هذا. ولهذا قال: "وكان الله سميعاً بصيراً"
132- "ولله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً".
132-"ولله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً"، وقال عكرمة عن ابن عباس: يعني شهيداً أن فيها عبيداً، وقيل: دافعاً ومجيراً.
فإن قيل: فأي فائدة في تكرار قوله تعالى"ولله ما في السموات وما في الأرض"؟ قيل : لكل واحد منهما وجه، أما الأول : فمعناه لله ما في السموات وما في الأرض وهو يوصيكم بالتقوى فاقبلوا وصيته، وأما الثاني فيقول :فإن لله ما في السموات وما في الأرض وكان الله غنياً أي: هو الغني وله الملك فاطلبوا منه ما تطلبون وأما الثالث فيقول:"ولله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً" أي: له الملك فاتخذوه وكيلاً ولا تتوكلوا على غيره.
132" ولله ما في السموات وما في الأرض " ذكره ثالثاً للدلالة على كونه غنياً حميداً، فإن جميع المخلوقات تدلي بحاجتها على غناه وبما أفاض عليها من الوجود وأنواع الخصائص والكمالات على كونه حميداً. " وكفى بالله وكيلا " راجع إلى قوله " يغن الله كلا من سعته "، فإنه توكل بكفايتهما وما بينهما تقرير لذلك.
132. Unto Allah belongeth whatsoever is in the heavens and whatsoever is in the earth. And Allah is sufficient as Defender.
132 - Yea, unto God belong all things in the heavens and on earth, and enough is God to carry through all affairs.