(تلك) مبتدأ والإشارة إلى إبراهيم ويعقوب وبنيهما وأُنِّث لتأنيث خبره (أمة قد خلت) سلفت (لها ما كسبت) من العمل أي جزاؤه استئناف (ولكم) الخطاب لليهود (ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) كما لا يسألون عن عملكم والجملة تأكيد لما قبلها
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "أم كنتم شهداء"، أكنتم. ولكنه استفهم بـ "أم "، إذ كان استفهامًا مستأنفاً على كلام قد سبقه، كما قيل: " الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه" (السجدة:1،3) وكذلك تفعل العرب في كل استفهام ابتدأته بعد كلام قد سبقه، تستفهم فيه بـ أم .
والشهداء جمع شهيد ، كما الشركاء جمع شريك و، الخصماء جمع خصيم .
قال أبو جعفر وتأويل الكلام: أكنتم يا معشر اليهود والنصارى، المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم، الجاحدين نبوته حضور يعقوب وشهوده إذ حضره الموت. أي إنكم لم تحضروا ذلك، فلا تدعوا على أنبيائي ورسلي الأباطيل، وتنحلوهم اليهودية والنصرانية، فإني ابتعثت خليلي إبراهيم وولده إسحق وإسمعيل وذريتهم بالحنيفية المسلمة، وبذلك وصوا بنيهم، وبه عهدوا إلى أولادهم من بعدهم. فلو حضرتموهم فسمعتم منهم، علمتم أنهم على غير ما نحلتموهم من الأديان والملل من بعدهم.
وهذه آيات نزلت، تكذيبًا من الله تعالى لليهود والنصارى في دعواهم في إبراهيم وولده يعقوب: أنهم كانوا على ملتهم، فقال لهم في هذه الآية: "أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت "، فتعلموا ما قال لولده وقال له ولده؟ ثم أعلمهم ما قال لهم وما قالوا له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: "أم كنتم شهداء"، يعني أهل الكتاب.
القول في تأويل قوله تعالى: " ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون".
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "إذ قال لبنيه "، إذ قال يعقوب لبنيه.
و "إذ" هذه مكررة إبدالاً من "إذ" الأولى، بمعنى: أم كنتم شهداء يعقوب، إذ قال يعقوب لبنيه حين حضورموته.
ويعني بقوله: "ما تعبدون من بعدي "، أي شيء تعبدون، "من بعدي "؟ أي من بعد وفاتي؟ قالوا: "نعبد إلهك "، يعني به: قال بنوه له: نعبد معبودك الذي تعبده، ومعبود آبائك إبراهيم وإسمعيل وإسحق، "إلها واحدا" أي: نخلص له العبادة، ونوحد له الربوبية، فلا نشرك به شيئًا، ولا نتخذ دونه ربًا.
ويعني بقوله: "ونحن له مسلمون "، ونحن له خاضعون بالعبودية والطاعة.
ويحتمل قوله: "ونحن له مسلمون "، أن تكون بمعنى الحال، كأنهم قالوا: نعبد إلهك مسلمين له بطاعتنا وعبادتنا إياه. ويحتمل أن يكون خبرًا مستأنفاً، فيكون بمعنى: نعبد إلهك بعدك، ونحن له الآن وفي كل حال مسلمون.
وأحسن هذين الوجهين في تأويل ذلك أن يكون بمعنى الحال، وأن يكون بمعنى: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسمعيل وإسحق، مسلمين لعبادته.
وقيل: إنما قدم ذكر إسمعيل على إسحق، لأن إسمعيل كان أسن من إسحق.
ذكر من قال ذلك:حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق "، قال: يقال: بدأ بإسمعيل، لأنه أكبر. وقرأ بعض المتقدمين:وإله أبيك إبراهيم ، ظناً منه أن إسمعيل، إذ كان عما ليعقوب، فلا
يجوز أن يكون فيمن ترجم به عن الآباء، وداخلا في عدادهم. وذلك من قارئه كذلك، قلة علم منه بمجاري كلام العرب. والعرب لا تمتنع من أن تجعل الأعمام بمعنى الاباء، والأخوال بمعنى الأمهات. فلذلك دخل إسمعيل فيمن ترجم به عن الآباء. وإبراهيم وإسمعيل واسحق، ترجمة عن الآباء في موضع جر، ولكنهم نصبوا بأنهم لا يجرون.
والصواب من القراءة عندنا في ذلك: "وإله آبائك "، لإجماع القراء على تصويب ذلك، وشذوذ من خالفه من القراء ممن قرأ خلاف ذلك.
ونصب قوله: "إلها"، على الحال من قوله: "إلهك ".
قوله تعالى : "تلك أمة قد خلت" تلك مبتدأ ، و أمة خبر ، قد خلت نعت لأمة ، وإن شئت كانت خبر المبتدأ ، وتكون امة بدلاً من تلك . "لها ما كسبت" ما في موضع رفع بالابتداء أو بالصفة على قول الكوفيين . "ولكم ما كسبتم" مثله ، يريد من خير وشر. وفي هذا دليل على أن العبد يضاف إليه أعمال وأكساب ، وإن كان الله تعالى أقدره على ذلك ، إن كان خيراً فبضله وإن كان شراً فبعدله ،وهذا مذهب أهل السنة ، والآي في القرآن بهذا المعنى كثيرة . فالعبد مكتسب لأفعاله ، على معنى أنه خلقت له قدرة مقارنة للفعل ، يدرك بها الفرق بين حركة الاختيار وحركة الرعشة مثلاً ، وذلكك التمكن من مناط التكليف . وقالت الجبرية بنفي اكتساب العبد ، وإنه كالنبات الذي تصرفه الرياح . وقالت القدرية والمعتزلة خلاف هذين القولين ، وإن العبد يخلق أفعاله .
قوله تعالى : "ولا تسألون عما كانوا يعملون" أي لا يؤاخذ أحد بذنب أحد مثل قوله تعالى : "ولا تزر وازرة وزر أخرى" أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى ، وسيأتي .
يقول تعالى محتجاً على المشركين من العرب أبناء إسماعيل وعلى الكفار من بني إسرائيل ـ وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ـ بأن يعقوب لما حضرته الوفاة، وصى بنيه بعبادة الله وحده لا شريك له، فقال لهم "ما تعبدون من بعدي ؟ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق" وهذا من باب التغليب، لأن إسماعيل عمه، قال نحاس: والعرب تسمي العم أباً، نقله القرطبي، وقد استدل بهذه الاية الكريمة من جعل الجد أباً وحجب به الإخوة، كما هو قول الصديق، حكاه البخاري عنه من طريق ابن عباس وابن الزبير ، ثم قال البخاري: ولم يختلف عليه، وإليه ذهبت عائشة أم المؤمنين، وبه يقول الحسن البصري وطاوس وعطاء ، وهو مذهب أبي حنيفة وغير واحد من السلف والخلف، وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه أنه يقاسم الإخوة، وحكي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وجماعة من السلف والخلف، واختاره صاحبا أبي حنيفة القاضي أبو يوسف ومحمد بن الحسن، ولتقريرها موضع آخر ، وقوله "إلهاً واحداً" أي نوحده بالألوهية ولا نشرك به شيئاً غيره، "ونحن له مسلمون" أي مطيعون خاضعون، كما قال تعالى: "وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون" والإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة وإن تنوعت شرائعهم واختلفت مناهجهم، كما قال تعالى: " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون "، والايات في هذا كثيرة والأحاديث فمنها قوله صلى الله عليه وسلم "نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد" وقوله تعالى: "تلك أمة قد خلت" أي مضت، "لها ما كسبت ولكم ما كسبتم" أي إن السلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إليهم إذا لم تفعلوا خيراً يعود نفعه عليكم، فإن لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم " ولا تسألون عما كانوا يعملون " وقال أبو العالية والربيع وقتادة "تلك أمة قد خلت" يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط ولهذا جاء في الأثر "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".
والإشارة بقوله: 134- "تلك" إلى إبراهيم وبنيه ويعقوب وبينه و"أمة" بدل منه وخبره "قد خلت" أو أمة خبره، وقد خلت نعت لأمة، وقوله: "لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون" بيان لحال تلك الأمة وحال المخاطبين بأن لكل من الفريقين كسبه، لا ينفعه كسب غيره ولا يناله منه شيء ولا يضره ذنب غيره، وفيه الرد على من يتكل على عمل سلفه ويروح نفسه بالأماني الباطلة، ومنه ما ورد في الحديث: "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" والمراد: أنكم لا تنتفعون بحسناتهم ولا تؤاخدون بسيئاتهم ولا تسألون عن أعمالهم كما لا يسألون عن أعمالكم، ومثله "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى".
134. " تلك أمة " جماعة " قد خلت " مضت " لها ما كسبت " من العمل " ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون " يعني: يسأل كل عن عمله لا عن عمل غيره.
134-" تلك أمةً قد خلت " يعني إبراهيم ويعقوب وبنيهما ، والأمة في الأصل المقصود وسمي بها الجماعة ، لأن الفرق تؤمها . " لها ما كسبت ولكم ما كسبتم " لكل أجر عمله ، والمعنى أن انتسابكم إليهم لا يوجب انتفاعكم بأعمالهم ، وإنما تنتفعون بموافقتهم واتباعهم ، كما قال عليه الصلاة والسلام : " لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم " " ولا تسألون عما كانوا يعملون " أي لا تؤخذون بسيئاتهم كما لا تثابون بحسناتهم .
134. Those are a people who have passed away. Theirs is that which they earned, and yours is that which ye earn. And ye will not be asked of what they used to do.
134 - That was a people that hath passed away. they shall reap the fruit of what they did, and ye of what ye do! of their merits there is no question in your case!