(قولوا) خطاب للمؤمنين (آمنا بالله وما أنزل إلينا) من القرآن (وما أنزل إلى إبراهيم) من الصحف العشر (وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط) أولاده (وما أوتي موسى) من التوراة (وعيسى) من الإنجيل (وما أوتي النبيون من ربهم) من الكتب والآيات (لا نفرق بين أحد منهم) فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كاليهود والنصارى (ونحن له مسلمون)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا"، وقالت اليهود لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المؤمنين: كونوا هودًا تهتدوا؟ وقالت النصارى لهم: كونوا نصارى تهتدوا.
تعني بقولها: "تهتدوا"، أي: تصيبوا طريق الحق، كما: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة جميعاً، عن ابن إسحق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قال عبدالله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه! فاتبعنا يا محمد تهتد! وقالت النصارى مثل ذلك. فأنزل الله عز وجل فيهم: "وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ".
قال أبو جعفر: احتج الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أبلغ حجة وأوجزها وأكملها، وعلمها محمدًا نبيه صلى الله عليه وسلم
فقال: يا محمد، قل للقائلين لك من اليهود والنصارى ولأصحابك: "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ": بل تعالوا نتبع ملة إبراهيم التي يجمع جميعنا على الشهادة لها بأنها دين الله الذي ارتضاه واجتباه وأمر به فإن دينه كان الحنيفية المسلمة وندع سائر الملل التي نختلف فيها، فينكرها بعضنا، ويقر بها بعضنا. فإن ذلك على اختلافه لا سبيل لنا على الاجتماع عليه، كما لنا السبيل إلى الاجتماع على ملة إبراهيم.
وفي نصب قوله: "بل ملة إبراهيم " أوجه ثلاثة. أحدها: أن يوجه معنى قوله: "وقالوا كونوا هودا أو نصارى"، إلى معنى: وقالوا اتبعوا اليهودية والنصرانية. لأنهم إذ قالوا: "كونوا هودا أو نصارى"، إلى اليهودية والنصرانية دعوهم، ثم يعطف على ذلك المعنى بالملة. فيكون معنى الكلام حينئذ: قل يا محمد، لا نتبع اليهودية والنصرانية، ولا نتخذها ملة، بل نتبع ملة إبراهيم حنيفاً، ثم يحذف نتبع الثانية، ويعطف بـ الملة على إعراب اليهودية والنصرانية.
والآخر: أن يكون نصبه بفعل مضمر بمعنى نتبع .
والثالث:أن يكون أريد: بل نكون أصحاب ملة إبراهيم، أو أهل ملة إبراهيم. ثم حذف الأهل و الأصحاب ، وأقيمت الملة مقامهم، إذ كانت مؤدية عن معنى الكلام، كما قال الشاعر:
حسبت بغام راحلتي عناقا! وما هي، ويب غيرك، بالعناق
يعني: صوت عناق، فتكون الملة حينئذ منصوبة، عطفاً في الإعراب على اليهود والنصا رى.
وقد يجوز أن يكون منصوبًا على وجه الإغراء باتباع ملة إبراهيم.
وقرأ بعض القراء ذلك رفعًا. فتأويله، على قراءة من قرأ رفعاً: بل الهدى ملة إبراهيم.
القول في تأويل قوله تعالى: "قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين "
قال أبو جعفر: و الملة، الدين.
وأما، الحنيف، فإنه المستقيم من كل شيء. وقد قيل: إن الرجل الذي تقبل إحدى قدميه على الأخرى، إنما قيل له: أحنف ، نظرًا له إلى السلامة، كما قيل للمهلكة من البلاد المفازة، بمعنى الفوز بالنجاة منها والسلامة، وكما قيل للديغ السليم تفاؤلاً له بالسلامة من الهلاك، وما أشبه ذلك.
فمعنى الكلام اذا: قل يا محمد، بل نتبع ملة إبراهيم مستقيمًا.
فيكون الحنيف حينئذ حالا من " إبراهيم ".
وأما أهل التأويل فإنهم اختلفوا في تأويل ذلك. فقال بعضهم: الحنيف، الحاج. وقيل: إنما سمي دين إبراهيم الإسلام الحنيفية، لأنه أول إمام لزم العباد الذين كانوا في عصره، والذين جاؤا بعده إلى يوم القيامة اتباعه في مناسك الحج، والائتمام به فيه. قالوا: فكل من حج البيت فنسك مناسك إبراهيم على ملته، فهو حنيف ، مسلم على دين إبراهيم.
ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا القاسم بن الفضل، عن كثير أبي سهل، قال: سألت الحسن عن الحنيفية ، قال: حج البيت.
حدثني محمد بن عبادة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا فضيل، عن عطية في قوله: "حنيفا"، قال: الحنيف: الحاج.
حدثني الحسين بن علي الصدائي قال، حدثنا أبي، عن الفضيل، عن عطية مثله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام بن سلم، عن عنبسة، عن محمدبن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد قال: الحنيف الحاج.
حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن التيمي، عن كثير بن زياد قال، سألت الحسن عن الحنيفية ، قال: هو حج هذا البيت.
قال ابن التيمي: وأخبرني جويبر، عن الضحاك بن مزاحم، مثله.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن السدي، عن مجاهد: حنفاء، قال: حجاجًا.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبدالله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "حنيفا "، قال: حاجًا.
حدثت عن وكيع، عن فضيل بن غزوان، عن عبدالله بن القاسم قال: كان الناس من مضريحجون البيت في الجاهلية يسمون حنفاء، فأنزل الله تعالى ذكره "حنفاء لله غير مشركين به" ( الحج: 31).
وقال آخرون: الحنيف، المتبع، كما وصفنا قبل، من قول الذين قالوا: إن معناه: الاستقامة.
ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: حنفاء، قال: متبعين.
وقال آخرون: إنما سمي دين إبراهيم الحنيفية، لأنه أول إمام سن للعباد الختان، فاتبعه من بعده عليه. قالوا: فكل من اختتن على سبيل اختتان إبراهيم، فهو على ما كان عليه إبراهيم من الإسلام، فهو حنيف على ملة إبراهيم.
وقال آخرون: "بل ملة إبراهيم حنيفا"، بل ملة إبراهيم مخلصًا. (فالحنيف ) على قولهم: المخلص دينه لله وحده.
ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "واتبع ملة إبراهيم حنيفا"، يقول: مخلصًا.
وقال آخرون: بل الحنيفية، الإسلام. فكل من ائتم بإبراهيم في ملته فاستقام عليها، فهو حنيف.
قال أبو جعفر: الحنف عندي، هو الاستقامة على دين إبراهيم، واتباعه على ملته. وذلك أن الحنيفية لو كانت حج البيت، لوجب أن يكون الذين كانوا يحجونه في الجاهلية من أهل الشرك كانوا حنفاء. وقد نفى الله أن يكون ذلك تحنفاً بقوله: "ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين" (آل عمران: 67).
فكذلك القول في الختان. لأن الحنيفية لو كانت هي الختان، لوجب أن يكون اليهود حنفاء. وقد أخرجهم الله من ذلك بقوله: "ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما" (آل عمران: 67).
فقد صح إذا أن الحنيفية ليست الختان وحده، ولا حج البيت وحده، ولكنه هو ما وصفنا:من الاستقامة على ملة إبراهيم، واتباعه عليها، والائتمام به فيها.
فإن قال قائل: أوما كان من كان من قبل إبراهيم صلى الله عليه وسلم، من الأنبياء وأتباعهم، مستقيمين على ما أمروا به من طاعة الله استقامة إبراهيم وأتباعه؟
قيل: بلى.
فإن قال: فكيف أضيف الحنيفية إلى إبراهيم وأتباعه على ملته خاصة، دون سائر الأنبياء قبله وأتباعهم؟
قيل: إن كل من كان قبل إبراهيم من الأنبياء كان حنيفاً متبعًا طاعة الله، ولكن الله تعالى ذكره لم يجعل أحدًا منهم إمامًا لمن بعده من عباده إلى قيام الساعة، كالذي فعل من ذلك بإبراهيم، فجعله إماماً فيما بينه من مناسك الحج والختان، وغير ذلك من شرائع الإسلام، تعبداً به أبدًا إلى قيام الساعة. وجعل ما سن من ذلك علما مميزاً بين مؤمني عباده وكفارهم، والمطيع منهم لله والعاصي. فسمي الحنيف من الناس "حنيفا" باتباعه ملته، واستقامته على هديه ومنهاجه، وسمي الضال عن ملته بسائر أسماء الملل، فقيل: يهودي، ونصراني، ومجوسي،، وغير ذلك من صنوف الملل.
وأما قوله: "وما كان من المشركين "، يقول: إنه لم يكن ممن يدين بعبادة الأوثان والأصنام، ولا كان من اليهود ولا النصارى، بل كان حنيفاً مسلماً.
قوله تعالى : "قولوا آمنا بالله" خرج البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : كان أهل الكتاب يقرأون التوارة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل" الآية . وقال محمد بن سيرين : إذا قيل لك أنت مؤمن ؟ فقل "آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق" الآية . وكره أكثر السلف أن يقول الرجل : أنا مؤمن حقاً ، وسيأتي بيانه في الأنفال إن شاء الله تعالى . وسئل بعض المتقدمين عن رجل قيل له : أتؤمن بفلان النبي ، فسماه باسم لم يعرفه ، فلو قال نعم ، فلعله لم يكن نبياً ، فقد شهد بالنبوة لغير نبي ، ولو قال لا ، فلعله نبي ،فقد جحد نبيا من الأنبياء ،فكيف يصنع ؟ فقال : ينبغي أن يقول : إن كان نبياً فقد آمنت به . والخطاب في هذه الآية لهذه الأمة ، علمهم الإيمان . قال ابن عباس : :جاء نفر من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الأنبياء ، فنزلت الآية . فلما جاء ذكر عيسى قالوا : لا نؤمن بعيسى ولا من آمن به .
قوله تعالى : " وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط " جمع إبراهيم براهيم ، وإسماعيل سماعيل ، قاله الخليل و سيبويه ، وقاله الكوفيون ، وحكوا براهمة وسماعلة ، وحكوا براهم وسماعل . قال محمد بن يزيد : هذا غلط ، لأن الهمزة ليس هذا موضع زيادتها ، ولكن أقول : اباره واسامع ، ويجوز أباريه وأساميع . وأجاز أحمد بن يحيى براه ، كما يقال في التصغير بريه . وجمع إسحاق اساحيق ، وحكى الكوفيون أساحقه وأساحق ، وكذا يعقوب ويعاقيب ، ويعاقبه ويعاقب . قال النحاس : فأما إسرائيل فلا نعلم أحداً يجيز حذف الهمزة من أوله ، وإنما يقال اساريل ، وحكى الكوفيون أسارلة وأسارل . والباب في هذا كله إن يجمع مسلماً فيقال : إبراهيمون وإسحاقون ويعقوبون ، والمسلم لا عمل فيه .
والأسباط : ولد يعقوب عليه السلام ، وهم اثنا عشر ولداً ولد لكل واحد منهم أمة من الناس ، واحدهم سبط . والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل . وسموا الأسباط من السبط وهو التتابع ، فهم جماعة متتابعون . وقيل : أصله من السبط ( بالتحريك ) وهو الشجر ، أي هم في الكثرة بمنزلة الشجر ، الواحدة سبطة . قال أبو إسحاق الزجاج : ويبين لك هذا ما حدثنا به محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا أبو نجيد الدقاق قال حدثنا الأسود من بني إسرائيل إلا عشرة :نوحاً وشعيباً وهوداً وصالحاً ولوطاً وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمداً صلى الله عليه وسلم . ولم يكن أحد له اسمان إلا عسى ويعقوب . والسبط : الجماعة والقبيلة الراجعون إلى أصل واحد . وشعر سبط وسبط : غير جعد . "لا نفرق بين أحد منهم" قال الفراء : أي لا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم كما فعلت اليهود والنصارى .
أرشد الله تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مفصلاً وما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملاً، ونص على أعيان من الرسل، وأجمل ذكر بقية الأنبياء ، وأن لا يفرقوا بين أحد منهم بل يؤمنوا بهم كلهم، ولا يكونوا كمن قال الله فيهم "ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً * أولئك هم الكافرون حقاً" الاية، وقال البخاري: حدثنا محمد بن بشار ، أخبرنا عثمان بن عمرة، أخبرنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل الله". وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي من حديث عثمان بن حكيم عن سعيد بن يسار عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصلي الركعتين اللتين قبل الفجر بـ "آمنا بالله وما أنزل إلينا" الاية، والأخرى بـ " آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون "، وقال أبو العالية والربيع وقتادة: الأسباط بنو يعقوب اثنا عشر رجلاً، ولد كل رجل منهم أمة من الناس، فسموا الأسباط . وقال الخليل بن أحمد وغيره: الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في بني إسماعيل، وقال الزمخشري في الكشاف: الأسباط قبائل بني إسرائيل، وهذا يقتضي أن المراد بالأسباط ههنا شعوب بني إسرائيل، وما أنزل الله من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم، كما قال موسى لهم "اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً" الاية، وقال تعالى: "وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً" قال القرطبي: وسموا الأسباط من السبط ، وهو التتابع، فهم جماعة، وقيل أصله من السبط ، بالتحريك، وهو الشجر ، أي في الكثرة بمنزلة الشجر الواحدة سبطة قال الزجاج: ويبين لك أصله ما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري، حدثنا أبو نجيد الدقاق، حدثنا الأسود بن عامر ، حدثنا إسرائيل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام، قال القرطبي: والسبط الجماعة والقبيلة الراجعون إلى أصل واحد، وقال قتادة: أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا به ويصدقوا بكتبه كلها وبرسله. وقال سليمان بن حبيب: إنما أمرنا أن نؤمن بالتوارة والإنجيل، ولا نعمل بما فيهما. وقال ابن أبي حاتم: اخبرنا محمد بن محمد بن مصعب الصوري، أخبرنا مؤمل، أخبرنا عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح، عن معقل بن يسار ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "آمنوا بالتوراة والزبور والإنجيل وليسعكم القرآن".
وقوله: 136- "قولوا: آمنا بالله" خطاب للمسلمين وأمر لهم بأن يقولوا هذه المقالة، وقيل: إنه خطاب للكفار بأن يقولوا كذلك حتى يكونوا على الحق، والأول أظهر. والأسباط: أولاد يعقوب وهم اثنا عشر ولداً، ولكل واحد منهم من الأولاد جماعة، والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في العرب، وسموا الأسباط من السبط وهو التتابع، فهم جماعة متتابعون، وقيل: أصله من السبط بالتحريك وهو الشجر: أي هم في الكثرة بمنزلة الشجر، وقيل: الأسباط حفدة يعقوب: أي أولاد أولاده لا أولاده، لأن الكثرة إنما كانت فيهم دون أولاد يعقوب في نفسه، فهم أفراد لا أسباط. وقوله: "لا نفرق بين أحد منهم" قال الفراء: معناه لا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم كما فعلت اليهود والنصارى. قال في الكشاف: وأحد في معنى الجماعة، ولذلك صح دخول بين عليه.
136. " قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا " يعني القرآن " وما أنزل إلى إبراهيم " وهو عشر صحف " وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط " يعني أولاد يعقوب وهم اثنا عشر سبطاً واحدهم سبط سموا بذلك لأنه ولد لكل واحد منهم جماعة وسبط الرجل حافده، ومنه قيل للحسن والحسين رضي الله عنهما سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب من بني إسماعيل والشعوب من العجم، وكان في الأسباط أنبياء ولذلك قال: وما أنزل إليهم وقيل هم بنو يعقوب من صلبه صاروا كلهم أنبياء " وما أوتي موسى " يعني التوراة " وعيسى " يعني الإنجيل " وما أوتي " أعطي " النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم "أي نؤمن بالكل لا نفرق بين أحد منهم فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى " ونحن له مسلمون ".
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن بشار أنا عثمان بن عمر أنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله الآية ".
136-" قولوا آمنا بالله " الخطاب للمؤمنين لقوله تعالى : " فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به " . " وما أنزل إلينا " القرآن ، قدم ذكره لأنه أول بالإضافة إلينا ، أو سبب للإيمان بغيره " وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط " الصحف ، وهي وإن نزلت إلى إبراهيم لكنهم لما كانوا متعبدين بتفاصيلها داخلين تحت أحكامها فهي أيضاً منزلة إليهم ، كما أن القرآن منزل إلينا ، والأسباط جمع سبط وهو الحافد ، يريد به حفدة يعقوب ، أو أبناءه وذراريهم فإنهم حفدة إبراهيم وإسحاق " وما أوتي موسى وعيسى " التوراة والإنجيل ، أفرادهما بالذكر بحكم أبلغ لأن أمرهما بالإضافة إلى موسى وعيسى مغاير لما سبق ، والنزاع وقع فيهما " وما أوتي النبيون " جملة المذكورين منهم وغير المذكورين . " من ربهم " منزلاً عليهم من ربهم . " لا نفرق بين أحد منهم " كاليهود ، فنؤمن ببعض ونكفر ببعض ، وأحد لوقوعه في سياق النفي عام فساغ أن يضاف إليه بين . " ونحن له " أي لله . " مسلمون " مذعنون مخلصون .
136. Say (O Muslims): We believe in Allah and that which is revealed unto Us and that which was revealed unto Abraham, and Ishmael, and Isaac, and Jacob. and the tribes, and that which Moses and Jesus received, add that which the Prophets received from their Lord. We make no distinction between any of them, and unto Him we have surrendered.
136 - Say ye: we believe in God, and the revelation given to us, and to Abraham, Ismail Isaac, Jacob, and the tribes, and that given to Moses and jests, and that given to (all) prophets from their Lord: we make no difference between one and another of them: and we bow to God (in Islam).