(صبغةَ الله) مصدر مؤكد لآمنا ونصبه بفعل مقدر ، أي صبغنا الله والمراد بها دينه الذي فطر الناس عليه لظهور أثره على صاحبه كالصبغ في الثوب (ومن) أي لا أحد (أحسن من الله صبغة) تمييز (ونحن له عابدون) قال اليهود للمسلمين: نحن أهل الكتاب الأول وقبلتنا أقدم ولم تكن الأنبياء من العرب ولو كان محمد نبيا لكان منا فنزل:
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به "، فإن صدق اليهود والنصارى بالله، وما أنزل إليكم، وما أنزل إلى إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النبيون من ربهم، وأقروا بذلك، مثل ما صدقتم أنتم به أيها المؤمنون وأقررتم، فقد وفقوا ورشدوا، ولزموا طريق الحق، واهتدوا، وهم حينئذ منكم وأنتم منهم، بدخولهم في ملتكم بإقرارهم بذلك.
فدل تعالى ذكره بهذه الآية، على أنه لم يقبل من أحد عملاً إلا بالإيمان بهذه المعاني التي عدهاقبلها، كما:حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا" ونحو هذا، قال: أخبر الله سبحانه أن الإيمان هو العروة الوثقى، وأنه لا يقبل عملاً إلا به، ولا تحرم الجنة إلا على من تركه. وقد روي عن ابن عباس في ذلك قراءة، جاءت مصاحف المسلمين بخلافها، وأجمعت قرأة القران على تركها. وذلك ما:حدثنا به محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي حمزة قال، قال ابن عباس: لا تقولوا فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا فإنه ليس لله مثل ولكن قولوا: فإن آمنوا بالذي آمنتم به فقد اهتدوا أو قال: فإن آمنوا بما آمنتم به .
فكأن ابن عباس في هذه الرواية إن كانت صحيحة عنه يوجه تأويل قراءة من قرأ: "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به "، فإن آمنوا بمثل الله، وبمثل ما أنزل على إبراهيم وإسمعيل. وذلك، إذا صرف إلى هذه الوجه، شرك لا شك بالله العظيم. لأنه لا مثل لله تعالى ذكره، فنؤمن أو نكفر به. ولكن تأويل ذلك على غير المعنى الذي وجه إليه تأويله. وإنما معناه ما وصفنا، وهو: فإن صدقوا مثل تصديقكم بما صدقتم به من جميع ما عددنا عليكم من كتب الله وأنبيائه فقد اهتدوا. فالتشبيه إنما وقع بين التصديقين والإقرارين اللذين هما إيمان هؤلاء وإيمان هؤلاء. كقول القائل: مر عمرو بأخيك مثل ما مررت به ، يعني بذلك: مر عمرو بأخيك مثل مروري به. والتمثيل إنما دخل تمثيلاً بين المرورين، لا بين عمرو وبين المتكلم. فكذلك قوله: "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به "، إنما وقع التمثيل بين الإيمانين، لا بين المؤمن به.
القول في تأويل قوله: "وإن تولوا فإنما هم في شقاق".
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "وإن تولوا"، وإن تولى هؤلاء الذين قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه: "كونوا هودا أو نصارى" فأعرضوا، فلم يؤمنوا بمثل إيمانكم أيها المؤمنون بالله، وبما جاءت به الأنبياء وابتعثت به الرسل، وفرقوا بين رسل الله وبين الله ورسله، فصدقوا ببعض وكفروا ببعض فاعلموا، أيها المؤمنون، أنهم إنما هم في عصيان وفراق وحرب لله ولرسوله ولكم، كما:حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: "فإنما هم في شقاق "، أي: في فراق.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "فإنما هم في شقاق "، يعني فراق.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "وإن تولوا فإنما هم في شقاق"، قال: الشقاق: الفراق والمحاربة. إذا شاق فقد حارب، وإذا حارب فقد شاق، وهما واحد في كلام العرب، وقرأ: "ومن يشاقق الرسول" ( النساء: 115).
قال أبو جعفر: وأصل الشقاق عندنا، والله أعلم، مأخوذ من قول القائل: شق عليه هذا الأمر، إذا كربه وآذاه. ثم قيل: شاق فلان فلاناً، بمعنى: نال كل واحد منهما من صاحبه ما كربه وآذاه، وأثقلته مساءته. ومنه قول الله تعالى ذكره: "وإن خفتم شقاق بينهما" (النساء: 35) بمعنى: فراق بينهما.
القول في تأويل قوله تعالى: "فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم".
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "فسيكفيكهم الله "، فسيكفيك الله يا محمد، هؤلاء الذين قالوا لك ولأصحابك: "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا"، من اليهود والنصارى، إن هم تولوا عن أن يؤمنوا بمثل إيمان أصحابك بالله، وبما أنزل إليك، وما أنزل إلى إبراهيم وإسمعيل وإسحق وسائر الأنبياء غيرهم، وفرقوا بين الله ورسله إما بقتل السيف، وإما بجلاء عن جوارك، وغير ذلك من العقوبات، فإن الله هو "السميع " لما يقولون لك بألسنتهم، ويبدون لك بأفواههم، من الجهل والدعاء إلى الكفر والملل الضالة "العليم " بما يبطنون لك ولأصحابك المؤمنين في أنفسهم من الحسد والبغضاء.
ففعل الله بهم ذلك عاجلاً، وأنجز وعده، فكفى نبيه صلى الله عليه وسلم بتسليطه إياه عليهم، حتى قتل بعضهم، وأجلى بعضا، وأذل بعضاً وأخزاه بالجزية والصغار.
قوله تعالى : "صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون" .
فيه مسألتن :
الأولى : قوله تعالى : "صبغة الله" قال الأخفش وغيره : دين الله ، وهو بدل من ملة . وقال الكسائي : وهي منصوبة على تقدير اتبعوا . أو على الإغراء أي ألزموا . ولو قرئت بالرفع لجاز ، أي هي صبغة الله . وروى شيبان عن قتادة قال : إن اليهود تصبغ أبناءهم يهودا ، وإن النصارى تصبغ أبناءهم نصارى ، وإن صبغة الله الإسلام . قال الزجاج : ويدلك على هذا أن "صبغة"بدل من "ملة" . وقال مجاهد : أي فطرة الله التي فطر الناس عليها . قال أبو إسحاق الزجاج : وقول مجاهد هذا يرجع إلى الإسلام ، لأن الفطرة ابتدء الخلق ، وابتداء ما خلقوا عليه الإسلام . وروي عن مجاهد و الحسن وأبي العالية و قتادة : الصبغة الدين . وأصل ذلك أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم في الماء ، وهو الذي يسمونه المعمودية ، ويقولون : هذا تطهير لهم . وقال ابن عباس : هو أن النصارى كانوا إذا ولد لهم ولد فأتى عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم يقال لهم ماء المعمودية ، فصبغوه بذلك ليطهروا به مكان الختان ، لأن الختان تطهير ، فإذا فعلوا ذلك قالوا : الآن صار نصرانياً حقاً ، فرد الله تعالى ذلك عليهم بأن قال :"صبغة الله" أي صبغة الله أحسن صبغة وهي الإسلام ، فسمي الدين صبغة استعارة ومجازاً من حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين ، كما يظهر أثر الصبغ في الثوب . وقال بعض شعراء ملوك همدان :
وكل أناس لهم صبغة وصبغة همدان خير الصبغ
صبغنا على ذاك أبناءنا فأكرم بصبغتنا في الصبغ
وقيل : إن الصبغة الاغتسال لمن أراد الدخول في الإسلام ، بدلاً من معمودية النصارى ، ذكره الماوردي .
قلت : وعلى هذا التأويل يكون غسل الكافر واجباً تعبداً ، وهي المسألة :
الثانية : لأن معنى صبغة الله غسل الله ، أي اغتسلوا عند إسلامكم الغسل الذي أوجبه الله عليكم . وبهذا المعنى جاءت السنة الثانية في قيس بن عاصم وثمامة بن أثال حين أسلما . روى أبو حاتم البستي في صحيح مسنده " عن أبي هريرة عنه : أن ثمامة الحنفي أسر فمر به النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فأسلم ، فبعث به إلى حائط أبي طلحة فأمره أن يغتسل فاغتسل وصلى ركعتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حسن إسلام صاحبكم " . وخرج أيضاً .
"عن قيس بن عاصم أنه أسلم ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر" . ذكره النسائي وصحح أبو محمد عبد الحق .وقيل : إن القربة إلى الله تعالى يقال لها صبغة ، حكاه ابن فارس في المجمل . وقال الجوهري : صبغة الله دينه . وقيل : إن الصبغة الختان ، اختتن إبراهيم فجرت الصبغة على الختان لصبغهم الغلمان في الماء ، قاله الفراء . "ونحن له عابدون" ابتداء وخبر .
يقول تعالى: فإن آمنوا، يعني الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، بمثل ما آمنتم به يا أيها المؤمنون من الإيمان بجميع كتب الله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم "فقد اهتدوا" أي فقد أصابوا الحق وأرشدوا إليه "وإن تولوا" أي عن الحق إلى الباطل بعد قيام الحجة عليهم "فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله"، أي فسينصرك عليهم ويظفرك بهم "وهو السميع العليم".
قال ابن أبي حاتم: قرأ علي يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرنا زياد بن يونس، حدثنا نافع بن أبي نعيم، قال: أرسل إلى بعض الخلفاء مصحف عثمان بن عفان ليصلحه، قال زياد: فقلت له: إن الناس ليقولون إن مصحفه كان في حجره حين قتل فوقع الدم على "فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم" فقال نافع: بصرت عيني بالدم على هذه الاية، وقد قدم، وقوله"صبغة الله"، قال الضحاك عن ابن عباس: دين الله، وكذا روي عن مجاهد وأبي العالية وعكرمة وإبراهيم والحسن وقتادة والضحاك وعبد الله بن كثير وعطية العوفي والربيع بن أنس والسدي نحو ذلك وانتصاب صبغة الله إما على الإغراء كقوله "فطرة الله" أي الزموا ذلك عليكموه، وقال بعضهم: بدلاً من قوله "ملة إبراهيم" وقال سيبويه: هو مصدر مؤكد انتصب عن قوله "آمنا بالله" كقوله "وعد الله" وقد ورد في حديث رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه من رواية أشعث بن إسحاق عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال "إن بني إسرائيل قالوا: يا رسول الله، هل يصبغ ربك ؟ فقال: اتقوا الله. فناداه ربه: يا موسى سألوك هل يصبغ ربك ؟ فقل: نعم، أنا أصبغ الألوان: الأحمر والأبيض والأسود ، والألوان كلها من صبغي" وأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم "صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة" كذا وقع في رواية ابن مردويه مرفوعاً، وهو في رواية ابن أبي حاتم موقوف وهو أشبه إن صح إسناده والله أعلم.
وقوله: 138- "صبغة الله" قال الأخفش وغيره: أي دين الله، قال: وهي منتصبة على البدل من ملة، كما قاله الفراء. وقال في الكشاف: إنها مصدر مؤكد منتصب عن قوله: "آمنا بالله" كما انتصب -وعد الله- عما تقدمه، وهي فعلة من صبغ كالجلسة من جلس، وهي الحالة التي يقع عليها الصبغ، والمعنى تطهير الله لأن الإيمان تطهير النفوس انتهى، وبه قال سيبويه: أي كونه مصدراً مؤكداً. وقد ذكر المفسرون أن أصل ذلك أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم في الماء، وهو الذي يسمونه المعمودية ويجعلون ذلك تطهيراً لهم، فإذا فعلوا ذلك قالوا الآن صار نصرانياً حقاً، فرد الله عليهم بقوله: "صبغة الله" أي الإسلام، وسماه صبغة استعارة، ومنه قول بعض شعراء همدان:
وكل أنــاس لهم صـبغـة وصبغة همدان خير الصبغ
صبغنا على ذاك أولادنا فأكـرم بصبغتنـا في الصـبغ
وقيل: إن الصبغة الاغتسال لمن أراد الدخول في الإسلام بدلاً من معمودية النصارى، ذكره الماوردي. وقال الجوهري: صبغة الله دينه وهو يؤيد ما تقدم عن الفراء، وقيل: الصبغة الختان.
138- قوله تعالى : " صبغة الله " : قال ابن عباس في رواية الكلبي و قتادة و الحسن : دين الله ، وإنما سماه صبغة لأنه يظهر أثر الدين على المتدين كما يظهر أثر الصبغ على الثوب ، وقيل لأن المتدين يلزمه ولا يفارقه ، كالصبغ يلزم الثوب ، وقال مجاهد : فطرة الله ، وهو قريب من الأول ، وقيل : سنة الله ، وقيل : أراد به الختان لأنه يصبغ صاحبه بالدم ، قال ابن عباس : هي أن النصارى إذا ولد لأحدهم ولد فأتى عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم أصفر يقال له المعمودي وصبغوه به ليطهروه بذلك الماء مكان الختان ، فإذا فعلوا به ذلك قالوا : الآن صار نصرانياً حقاً فأخبر الله أن دينه الإسلام لا ما يفعله النصارى ، وهو نصب على الإغراء يعني الزموا دين الله ، قال الأخفش هي بدل من قوله ملة إبراهيم " ومن أحسن من الله صبغة " ديناً وقيل : تطهيراً " ونحن له عابدون " مطيعون .
138-" صبغة الله " أي صبغنا الله صبغته ، وهي فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها ، فإنها حلية الإنسان كما أن الصبغة حلية المصبوغ ، أو هدانا الله هدايته وأرشدنا حجته ، أو طهر قلوبنا بالإيمان تطهيره ، وسماه صبغة لأنه ظهور الصبغ على المصبوغ ، وتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ الثوب ، أو للمشاكلة ، فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية و يقولون : تطهير لهم وبه تتحقق نصرانيتهم ، ونصبها على أنه مصدر مؤكد لقوله " آمنا " ، وقيل على الإغراء ، وقيل على البدل من ملة إبراهيم عليه السلام .
" ومن أحسن من الله صبغةً " لا صبغة من صبغته " ونحن له عابدون " تعريض بهم ، أي لا نشرك به كشرككم . وهو عطف على آمنا ، و ذلك يقتضي دخول قوله " صبغة الله " في مفعول " قولوا " ولمن ينصبها على الإغراء ، أو البدل أن يضمر قولوا معطوفاً على الزموا ، أو اتبعوا ملة إبراهيم و " قولوا آمنا " بدل اتبعوا ، حتى لا يلزم فك النظم وسوء الترتيب .
138. (We take our) color from Allah, and who is better than Allah at coloring. We are His worshippers.
138 - (our religion is) the baptism of God: and who can baptize better than God? and it is he whom we worship.