(هذا) القرآن (بيان للناس) كلهم (وهدى) من الضلالة (وموعظة للمتقين) منهم
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنى الذي أشير إليه بـ "هذا".
فقال بعضهم: عنى بقوله: "هذا"، القرآن.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي قال ، حدثنا عباد، عن الحسن في قوله: "هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين"، قال: هذا القرآن.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "هذا بيان للناس"، وهو هذا القرآن، جعله الله بياناً للناس عامة، وهدى وموعظة للمتقين خصوصاً.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع قال في قوله : "هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين"، خاصةً.
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال ، حدثنا ابن المبارك، عن ابن جريج في قوله: "هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين"، خاصةً.
وقال آخرون: إنما أشير بقوله : "هذا"، إلى قوله: "قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين"، ثم قال: هذا الذي عرفتكم ، يا معشر أصحاب محمد، بيان للناس.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق بذلك.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قول من قال : قوله: "هذا"، إشارة إلى ما تقدم هذه الآية من تذكير الله جل ثناؤه المؤمنين ، وتعريفهم حدوده ، وحضهم على لزوم طاعته والصبر على جهاد أعدائه وأعدائهم . لأن قوله: "هذا"، إشارة إلى حاضر: إما مرئي وإما مسموع ، وهو في هذا الموضع إلى حاضر مسموع من الآيات المتقدمة.
فمعنى الكلام: هذا الذي أوضحت لكم وعرفتكموه ، بيان للناس ، يعني بـالبيان، الشرح والتفسير، كما:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، "هذا بيان للناس"، أي : هذا تفسير للناس إن قبلوه.
حدثنا أحمد بن حازم والمثنى قالا، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن بيان ، عن الشعبي: "هذا بيان للناس"، قال : من العمى.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري، عن الشعبي مثله.
وأما قوله: "وهدى وموعظة"، فإنه يعني بـالهدى، الدلالة على سبيل الحق ومنهج الدين، وبـالموعظة، التذكرة للصواب والرشاد، كما:
حدثنا أحمد بن حازم والمثنى قالا، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن بيان، عن الشعبي: "وهدى"، قال: من الضلالة، "وموعظة"، من الجهل.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن بيان ، عن الشعبي مثله.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق: "للمتقين"، أي: لمن أطاعني وعرف أمري.
قوله تعالى:" هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين"
يعني القرآن، عن الحسن وغيره. وقيل: هذا إشارة إلى قوله: "قد خلت من قبلكم سنن" والموعظة الوعظ. وقد تقدم.
يقول تعالى مخاطباً عباده المؤمنين الذين أصيبوا يوم أحد وقتل منهم سبعون "قد خلت من قبلكم سنن" أي قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء, ثم كانت العاقبة لهم, والدائرة على الكافرين, ولهذا قال تعالى: "فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" ثم قال تعالى: "هذا بيان للناس" يعني القرآن فيه بيان الأمور على جليتها وكيف كان الأمم الأقدمون مع أعدائهم "وهدى وموعظة" يعني القرآن فيه خبر ما قبلكم. و "هدى" لقلوبكم, و "موعظة للمتقين"أي زاجر عن المحارم والمآثم. ثم قال تعالى مسلياً للمؤمنين "ولا تهنوا" أي لا تضعفوا بسبب ما جرى "ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" أي العاقبة والنصرة لكم أيها المؤمنون "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله" أي إن كنتم قد أصابتكم جراح وقتل منكم طائفة, فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح "وتلك الأيام نداولها بين الناس" أي نديل عليكم الأعداء تارة, وإن كانت لكم العاقبة لما لنا في ذلك من الحكمة, ولهذا قال تعالى: "وليعلم الله الذين آمنوا" قال ابن عباس : في مثل هذا لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء "ويتخذ منكم شهداء" يعني يقتلون في سبيله ويبذلون مهجهم في مرضاته "والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا" أي يكفر عنهم من ذنوبهم إن كانت لهم ذنوب. وإلا رفع لهم في درجاتهم بحسب ما أصيبوا به. وقوله "ويمحق الكافرين" أي فإنهم إذا ظفروا بغوا وبطروا فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم, ثم قال تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" أي أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد, كما قال تعالى في سورة البقرة "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا" الاية. وقال تعالى: " الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " الاية, ولهذا قال ههنا "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" أي لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله, والصابرين على مقاومة الأعداء. وقوله "ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون" أي قد كنتم أيها المؤمنون قبل هذا اليوم, تتمنون لقاء العدو وتتحرقون عليهم وتودون مناجزتهم ومصابرتهم, فها قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه, فدونكم فقاتلوا وصابروا, وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتمنوا لقاء العدو, وسلوا الله العافية, فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" ولهذا قال تعالى: "فقد رأيتموه" يعني الموت شاهدتموه وقت لمعان السيوف وحد الأسنة واشتباك الرماح وصفوف الرجال للقتال والمتكلمون يعبرون عن هذا بالتخييل. وهو مشاهدة ما ليس بمحسوس كالمحسوس كما تتخيل الشاة صداقة الكبش, وعداوة الذئب.
والإشارة بقوله 138- "هذا" إلى قوله "قد خلت" وقال الحسن إلى القرآن "بيان للناس" أي تبيين لهم، وتعريف الناس للعهد وهم المكذبون، أو للجنس، أي للمكذبين وغيرهم. وفيه حث على النظر في سوء عاقبة المكذبين وما انتهى إليه أمرهم. قوله "وهدى وموعظة" أي: هذا النظر مع كونه بياناً فيه هدى وموعظة للمتقين من المؤمنين، فعطف الهدى والموعظة على البيان يدل على التغاير ولو باعتبار المتعلق، وبيانه أن اللام في الناس إن كانت للعهد فالبيان للمكذبين والهدى والموعظة للمؤمنين، وإن كانت للجنس فالبيان لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم والهدى والموعظة للمتقين وحدهم.
138- "هذا"أي: هذا القرآن،"بيان للناس" ، عامة، "وهدى" ، من الضلالة "وموعظة للمتقين" ، خاصة.
138" هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين " إشارة إلى قوله "قد خلت"، أو مفهوم قوله "فانظروا" أي أنه مع كونه بياناً للمكذبين فهو زيادة بصيرة في الموعظة للمتقين، أو إلى ما لخص من أمر المتقين والتائبين، وقوله قد خلت جملة معترضة للحث على الإيمان والتوبة وقيل إلى القرآن.
138. This is a declaration for mankind, a guidance and an admonition unto those who ward off (evil).
138 - Here is plain statement to men, a guidance and instruction to those who fear God