(قل) لهم (أتحاجُّوننا) تخاصمونا (في الله) أن اصطفى نبيا من العرب (وهو ربنا وربكم) فله أن يصطفي من يشاء (ولنا أعمالنا) نجازى بها (ولكم أعمالكم) تجازون بها فلا يبعد أن يكون في أعمالنا ما نستحق به الإكرام (ونحن له مخلصون) الدين والعمل دونكم فنحن أولى بالإصطفاء والهمزة للإنكار والجمل الثلاث أحوال
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بـ الصبغة، صبغة الإسلام. وذلك أن النصارى إذا أرادت أن تنصر أطفالهم، جعلتهم في ماء لهم تزعم أن ذلك لها تقديس، بمنزلة غسل الجنابة لأهل الإسلام، وأنه صبغة لهم في النصرانية.
فقال الله تعالى ذكره إذ قالوا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه المؤمنين به: "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا": قل لهم يا محمد: أيها اليهود والنصارى، بل اتبعوا ملة إبراهيم، صبغة الله التي هي أحسن الصبغ، فإنها هي الحنيفية المسلمة، ودعوا الشرك بالله، والضلال عن محجة هداه.
ونصب الصبغة من قرأها نصبًا، على الرد على الملة. وكذلك رفع الصبغة من رفع الملة، على ردها عليها.
وقد يجوز رفعها على غير هذا الوجه. وذلك على الابتداء، بمعنى: هي صبغة الله.
وقد يجوز نصبها على غير وجه الرد على الملة، ولكن على قوله: "قولوا آمنا بالله " إلى قوله "ونحن له مسلمون "، "صبغة الله "، بمعنى: آمنا هذا الإيمان، فيكون الإيمان حينئذ هو صبغة الله.
وبمثل الذي قلنا في تأويل الصبغة قال جماعة من أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة"، إن اليهود تصبغ أبناءها يهود، والنصارى تصبغ أبناءها نصارى، وإن صبغة الله الإسلام. فلا صبغة أحسن من الإسلام، ولا أطهر، وهو دين الله الذي بعث به نوحًا والأنبياء بعده.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال عطاء: "صبغة الله "، صبغت اليهود أبناءهم، خالفوا الفطرة.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "صبغة الله ". فقال بعضهم: دين الله.
ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "صبغة الله "، قال: دين الله.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: "صبغة الله " ، قال: دين الله، "ومن أحسن من الله صبغة"، ومن أحسن من الله دينا.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه، عن الربيع مثله.
حدثنا أحمد بن إسحق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيريقال، حدثنا سفيان، عن رجل، عن مجاهد مثله.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن مجاهد مثله.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدمثله.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية قوله:" صبغة الله "، قال: دين الله.
حدثنا موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة"، يقول: دين الله، ومن أحسن من الله دينا.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "صبغة الله "، قال: دين الله.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قول الله: "صبغة الله"، قال: دين الله.
حدثني ابن البرقي قال، حدثنا عمروبن أبي سلمة قال، سألت ابن زيد عن قول الله:"صبغة الله "، فذكر مثله.
وقال آخرون:"صبغة الله "، فطرة الله.
ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "صبغة الله "، قال: فطرة الله التي فطر الناس عليها.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا محمد بن حرب قال، حدثنا ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة ، عن مجاهد: "ومن أحسن من الله صبغة"، قال: الصبغة، الفطرة.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: "صبغة الله "، الإسلام، فطرة الله التي فطر الناس عليها. قال ابن جريج: قال لي عبدالله بن كثير:"صبغة الله "، قال: دين الله، ومن أحسن من الله ديناً. قال: هي فطرة الله.
ومن قال هذا القول، فوجه الصبغة إلى الفطرة، فمعناه: بل نتبع فطرة الله وملته التي خلق عليها خلقه، وذلك الدين القيم. من قول الله تعالى ذكره: "فاطر السموات والأرض" (الأنعام: 14). بمعنى خالق السموات والأرض.
القول في تأويل قوله:" ونحن له عابدون ".
قال أبو جعفر: وقوله تعالى ذكره: "ونحن له عابدون "، أمر من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لليهود والنصارى، الذين قالوا له ولمن تبعه من أصحابه: "كونوا هودا أو نصارى". فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل: بل نتبع ملة إبراهيم حنيفاً، صبغة الله، ونحن له عابدون. يعني: ملة الخاضعين لله، المستكينين له، في اتباعنا ملة إبراهيم، ودينونتنا له بذلك، غير مستكبرين في اتباع أمره، والإقرار برسالته رسله، كما استكبرت اليهود والنصارى، فكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم استكبارًا وبغيًا وحسدًا.
قوله تعالى :"قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون" .
قال الحسن : كانت المحاجة أن قالوا : نحن أولى بالله منكم ، لأنا أبناء الله وأحباؤه . وقيل : لتقدم آبائنا وكتبنا ، ولأنا لم نعبد الأوثان . فمعنى الآية : قل لهم يا محمد ، أي قل لهؤلاء اليهود والنصارى الذي زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه وادعوا أنهم أولى بالله منكم لقدم آبائهم وكتبهم : أتحاجوننا أي أتجاذوبوننا الحجة على دعواكم والرب وتحد ، وكل مجازى بعمله ، فأي تأثير لقدم الدين . ومعنى في الله أي في دينه والقرب منه والحظوة له . وقراءة الجماعة :"أتحاجوننا" . وجاز اجتماع حرفين مثلين من جنس واحد متحركين ، لأن الثاني كالمنفصل . وقرأ ابن محيصن اتحاجونا بالإدغام لاجتماع المثلين . قال النحاس : وهذا جائز إلا أنه مخالف للسواد . ويجوز أتحاجون بحذف النون الثانية ، كما قرأ نافع "فبم تبشرون" .
قوله تعالى : "ونحن له مخلصون" أي مخلصون العبادة ، وفيه معنى التوبيخ ،أي ولم تخلصوا أنتم فكيف تدعون ما نحن به منكم . والأخلاص حقيقته تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين ، " قال صلى الله عليه وسلم :إن الله تعالى يقول أنا خير شريك فمن أشرك معي شريكاً فهو لشريكي يا أيها الناس أخلصوا أعمالكم لله تعالى فإن الله تعالى لا يقبل إلا ما خلص له ولا تقولوا هذا لله وللرحم فإنها للرحم وليس لله منها شيء ولا تقولوا هذا لله ولوجوهكم فإنها لوجوهكم وليس لله تعالى منها شيء" . رواه الضحاك بن قيس الفهري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .... فذكره ، خرجه الدار قطني . وقال رويم : الإخلاص من العمل هو ألا يريد صاحبه عليه عوضاً في الدارين ولا حظاً من الملكين . وقال الجنيد :الإخلاص سر بين العبد وبين الله ، لا يعلمه ملك فيكتبه ، ولا شيطان فيفسده ، ولا هوى فيميله . وذكر أبو القاسم القشيري وغيره " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : سألت جبريل عن الإخلاص ما هو فقال سألت رب العزة عن الإخلاص ما هو قال سر من سري استودعته قلب من أحببته من عبادي" .
يقول الله تعالى مرشداً نبيه صلوات الله وسلامه عليه إلى درء مجادلة المشركين: "قل أتحاجوننا في الله" أي تناظروننا في توحيد الله والإخلاص له والإنقياد واتباع أوامره وترك زواجره "وهو ربنا وربكم" المتصرف فينا وفيكم المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له "ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم" أي نحن براء منكم ومما تعبدون وأنتم براء منا، كما قال في الاية الأخرى " وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون " وقال تعالى: " فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن " إلى آخر الاية، وقال تعالى إخباراً عن إبراهيم " وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله " إلى آخر الاية، وقال تعالى: " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " الاية، وقال في هذه الاية الكريمة "ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون" أي نحن براء منكم كما أنتم براء منا، ونحن له مخلصون أي في العبادة والتوجه، وثم أنكر تعالى عليهم في دعواهم أن إبراهيم ومن ذكر بعده من الأنبياء والأسباط ، كانوا على ملتهم إما اليهودية وإما النصرانية، فقال: "قل أأنتم أعلم أم الله" يعني بل الله أعلم، وقد أخبر أنهم لم يكونوا هوداً ولا نصارى كما قال تعالى: " ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين " الاية والتي بعدها، وقوله "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله" قال الحسن البصري: كانوا يقرءون في كتاب الله الذي أتاهم إن الدين الإسلام وإن محمداً رسول الله وإن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا براء من اليهودية والنصرانية فشهدوا لله بذلك، وأقروا على أنفسهم لله، فكتموا شهادة الله عندهم من ذلك، وقوله "وما الله بغافل عما تعملون" تهديد ووعيد شديد ، أي أن علمه محيط بعلمكم وسيجزيكم عليه. ثم قال تعالى: "تلك أمة قد خلت" أي قد مضت، "لها ما كسبت ولكم ما كسبتم" أي لهم أعمالهم ولكم أعمالكم " ولا تسألون عما كانوا يعملون " وليس يغني عنكم انتسابكم إليهم من غير متابعة منكم لهم، ولا تغتروا بمجرد النسبة إليهم حتى تكونوا منقادين مثلهم لأوامر الله واتباع رسله الذين بعثوا مبشرين ومنذرين، فإنه من كفر بنبي واحد، فقد كفر بسائر الرسل ولا سيما بسيد الأنبياء وخاتم المرسلين ورسول رب العالمين إلى جميع الإنس والجن من المكلفين صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله أجمعين.
وقوله: 139- "قل أتحاجوننا في الله" أي أتجادلوننا في الله: أي في دينه والقرب منه والحظوة عنده، وذلك كقولهم: "نحن أبناء الله وأحباؤه" وقرأ ابن محيصن أتحاجونا بالإدغام لاجتماع المثلين. وقوله: "وهو ربنا وربكم" أي نشترك نحن وأنتم في ربوبيته لنا وعبوديتنا له، فكيف تدعون أنكم أولى به منا وتحاجوننا في ذلك. وقوله: "لنا أعمالنا ولكم أعمالكم" أي لنا أعمال ولكم أعمال فلستم بأولى بالله منا، وهو مثل قوله تعالى: " فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ". وقوله: "ونحن له مخلصون" أي نحن أهل الإخلاص للعبادة دونكم، وهو المعيار الذي يكون به التفاضل والخصلة التي يكون صاحبها أولى بالله سبحانه من غيره، فكيف تدعون لأنفسكم ما نحن أولى به منكم وأحق؟ وفيه توبيخ لهم وقطع لما جاءوا به من المجادلة والمناظرة.
139- " قل" يا محمد لليهود و النصارى " أتحاجوننا في الله " أي في دين الله و المحاجة : المجادلة في الله لإظهار الحجة ، وذلك بأنهم قالوا إن الأنبياء كانوا منا وعلى ديننا ، وديننا أقوم فنحن أولى بالله منكم فقال الله تعالى : قل أتحاجوننا في الله " وهو ربنا وربكم " أي نحن وأنتم سواء في الله فإنه ربنا وربكم " ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم " أي لكل واحد جزاء عمله ، فكيف تدعون أنكم أولى بالله " ونحن له مخلصون " وأنتم به مشركون .
قال سعيد بن جبير : الإخلاص أن يخلص العبد دينه وعمله لله فلا يشرك به في دينه ولا يرائي بعمله . قال الفضيل : ترك العمل لأجل الناس رياء ، و العمل من أجل الناس شرك ، و الإخلاص أن يعافيك الله منهما .
139-" قل أتحاجوننا " أتجادلوننا . " في الله " في شأنه واصطفائه نبياً من العرب دونكم ، روي أن أهل الكتاب قالوا : الأنبياء كلهم منا ، لو كنت نبياً لكنت منا . فنزلت : " وهو ربنا وربكم " لا اختصاص له يقوم دون قوم ، يصيب برحمته من يشاء من عباده . " ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم " فلا يبعد أن يكرمنا بأعمالنا ، كأنه ألزمهم على كل مذهب ينتحلونه إفحاماً وتبكيتاً ، فإن كرامة النبوة إما تفضل من الله على من يشاء والكل فيه سواء ، و إما إفاضة حق على المستعدين لها بالمواظبة على الطاعة والتحلي بالإخلاص . وكما أن لكم أعمالاً ربما يعتبرها الله في إعطائها ، فلنا أيضاً أعمال . " ونحن له مخلصون " موحدون نخصه بالإيمان والطاعة دونكم .
139. Say (unto the People of the Scripture): Dispute ye with us concerning Allah when He is our Lord and your Lord? Ours are our works and yours your works. We look to Him alone.
139 - Say: will ye dispute with us about God, seeing that he is our Lord and your Lord; that we are responsible for our doings and ye for yours; and that we are sincere (in our faith) in him?