14 - (وبرا بوالديه) أي محسنا إليهما (ولم يكن جبارا) متكبرا (عصيا) عاصيا لربه
يقول تعالى ذكره : وكان براً بوالديه ، مسارعاً في طاعتهما ومحبتهما، غير عاق بهما "ولم يكن جبارا عصيا" يقول جل ثناؤه : ولم يكن مستكبراً عن طاعة ربه وطاعة والديه ، ولكنه كان لله ولوالديه متواضعاً متذللاً، يأتمر لما أمر به ، وينتهي عما نهي عنه ، لا يعصي ربه ، ولا والديه .
وقوله "عصيا" فعيل بمعنى أنه ذو عصيان ، من قول القائل : عصى فلان ربه ، فهو يعصيه عصياً.
قوله تعالى: " وبرا بوالديه " البر بمعنى البار وهو الكثير البر. و " جبارا " متكبرا. وهذا وصف ليحيى عليه السلام بلين الجانب وخفض الجناح.
وهذا أيضاً تضمن محذوفاً تقديره أنه وجد هذا الغلام المبشر به وهو يحيى عليه السلام, وأن الله علمه الكتاب وهو التوارة التي كانوا يتدارسونها بينهم, ويحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار, وقد كان سنه إذ ذاك صغيراً فلهذا نوه بذكره وبما أنعم به عليه وعلى والديه فقال: "يا يحيى خذ الكتاب بقوة" أي تعلم الكتاب بقوة أي بجد وحرص واجتهاد "وآتيناه الحكم صبياً" أي الفهم والعلم والجد والعزم والإقبال على الخير والإكباب عليه والاجتهاد فيه وهو صغير حدث, قال عبد الله بن المبارك : قال معمر : قال الصبيان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب, فقال: ما للعب خلقت, فلهذا أنزل الله "وآتيناه الحكم صبياً".
وقوله: "وحناناً من لدناً" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وحناناً من لدنا" يقول: ورحمة من عندنا, وكذا قال عكرمة وقتادة والضحاك وزاد: لا يقدر عليها غيرنا, وزاد قتادة : رحم الله بها زكريا. وقال مجاهد : "وحناناً من لدنا" وتعطفاً من ربه عليه. وقال عكرمة : "وحناناً من لدنا" قال: محبة عليه. وقال ابن زيد أما الحنان فالمحبة, وقال عطاء بن أبي رباح : "وحناناً من لدنا" قال: تعظيماً من لدنا, وقال ابن جريج : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة عن ابن عباس أنه قال: لا والله ما أدري ما حناناً.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا جرير عن منصور , سألت سعيد بن جبير عن قوله: "وحناناً من لدنا" فقال: سألت عنها ابن عباس فلم يجد فيها شيئاً, والظاهر من السياق أن قوله وحناناً معطوف على قوله "وآتيناه الحكم صبياً" أي وآتيناه الحكم وحناناً وزكاة, أي وجعلناه ذا حنان وزكاة, فالحنان هو المحبة في شفقة وميل, كما تقول العرب: حنت الناقة على ولدها وحنت المرأة على زوجها, ومنه سميت المرأة حنة من الحنة, وحن الرجل إلى وطنه, ومنه التعطف والرحمة, كما قال الشاعر:
تحنن علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالا
وفي المسند للإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يبقى رجل في النار ينادي ألف سنة: يا حنان يا منان" وقد يثنى, ومنهم من يجعل ما ورد في ذلك لغة بذاتها, كما قال طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وقوله: "وزكاة" معطوف على وحناناً, فالزكاة الطهارة من الدنس والاثام والذنوب, وقال قتادة : الزكاة العمل الصالح, وقال الضحاك وابن جريج : العمل الصالح الزكي. وقال العوفي عن ابن عباس "وزكاة" قال: بركة, "وكان تقياً" ذا طهر فلم يهم بذنب. وقوله "وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً" لما ذكر تعالى طاعته لربه, وأنه خلقه ذا رحمة وزكاة وتقى, عطف بذكر طاعته لوالديه وبره بهما, ومجانبته عقوقهما قولاً وفعلاً, أمراً ونهياً, ولهذا قال: "ولم يكن جباراً عصياً" ثم قال بعد هذه الأوصاف الجميلة جزاء له على ذلك "وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً"أي له الأمان في هذه الثلاثة الأحوال. وقال سفيان بن عيينة : أوحش ما يكون المرء في ثلاثة مواطن: يوم يولد فيرى نفسه خارجاً مما كان فيه, ويوم يموت فيرى قوماً لم يكن عاينهم, ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم, قال: فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا فخصه بالسلام عليه, فقال: "وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً" رواه ابن جرير عن أحمد بن منصور المروزي عن صدقة بن الفضل عنه.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: "جباراً عصياً" قال: كان ابن المسيب يذكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلا ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا" قال قتادة : ما أذنب ولا هم بامرأة, مرسل, وقال محمد بن إسحاق عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب , حدثني ابن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب, إلا ما كان من يحيى بن زكريا بن إسحاق هذا مدلس " , وقد عنعن هذا الحديث, فالله أعلم. وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان , حدثنا حماد , أخبرنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة, ليس يحيى بن زكريا وما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى" وهذا أيضاً ضعيف, لأن علي بن زيد بن جدعان له منكرات كثيرة, والله أعلم. وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن الحسن قال: إن يحيى وعيسى عليهما السلام التقيا, فقال له عيسى: استغفر لي أنت خير مني, فقال له الاخر: استغفر لي أنت خير مني, فقال له عيسى: أنت خير مني سلمت على نفسي, وسلم الله عليك فعرف والله فضلهما.
14- "وبراً بوالديه" معطوف على تقياً، البر هنا بمعنى البار، فعل بمعنى فاعل، والمعنى: لطيفاً بهما محسناً إليهما "ولم يكن جباراً عصياً" أي لم يكن متكبراً ولا عاصياً لوالديه أو لربه، وهذا وصف له عليه السلام بلين الجانب وخفض الجناح.
14 - " وبراً بوالديه " ، أي باراً لطيفاً بهما محسناً إليهما . " ولم يكن جباراً عصياً " ، و ( الجبار ) : المتكبر، وقيل : : ( الجبار ) : الذي يضرب ويقتل على الغضب ، و( العصي ) : العاصي .
14ـ " وبراً بوالديه " وباراً بهما. " ولم يكن جباراً عصياً " عاقاً أو عاصي ربه.
14. And dutiful toward his parents. And he was not arrogant, rebellious.
14 - and kind to his parents, And he was not overbearing or rebellious.