14 - (فذوقوا) العذاب (بما نسيتم لقاء يومكم هذا) بترككم الإيمان به (إنا نسيناكم) تركناكم في العذاب (وذوقوا عذاب الخلد) الدائم (بما كنتم تعملون) من الكفر والتكذيب
يقول تعالى ذكره: يقال لهؤلاء المشركين بالله إذا هم دخلوا النار: ذوقوا عذاب الله بما نسيتم لقاء يومكم هذا في الدنيا، " إنا نسيناكم " يقول: إنا تركناكم اليوم في النار. وقوله " وذوقوا عذاب الخلد " يقول: يقال لهم أيضاً: ذوقوا عذاباً تخلدون فيه إلى غير نهاية " بما كنتم " في الدنيا " تعملون " من معاصي الله.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم " قال: نسوا من كل خير، وأما الشر فلم ينسوا منه.
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله " إنا نسيناكم " يقول: تركناكم.
قوله تعالى: "فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا" فيه قولان: أحدهما: أنه من النسيان الذي لا ذكر معه، أي لم يعملوا لهذا اليوم فكانوا بمنزلة الناسين. والآخر: أن نسيتم بما تركتم، وكذا "إنا نسيناكم". واحتج محمد بن يزيد بقوله تعالى: "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي" طه:115 قال: والدليل على أنه بمعنى ترك أن الله عز وجل أخبر عن إبليس أنه قال: "ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين" الأعراف:20 فلو كان آدم ناسياً لكان قد ذكره. وأنشد:
كأنه خارجـاً من جنب صفحته سفود شرب نسوه عند مفتأد
أي تركوه. ولو كان من النسيان لكان قد عملوا به مرة. قال الضحاك: نسيتم أي تركتم أمري. يحيى بن سلام: أي تركتم الإيمان بالعبث في هذا اليوم. "نسيناكم" تركناكم من الخير، قاله السدي. مجاهد: تركناكم في العذاب. وفي استئناف قوله: إنا نسيناكم وبناء الفعل على إن واسمها تشديد في الانتقام منهم. والمعنى: فذوقوا هذا، أي ما أنتم فيه من نكس الروؤس والخزي والغم بسبب نسيان الله. أو ذوقوا العذاب المخلد، وهو الدائم الذي لا انقطاع له في جهنم. "بما كنتم تعملون" يعني في الدنيا من المعاصي. وقد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطموعاً، لإحساسها به كإحساسها بذوق المطعوم. قال عمر بن أبي ربيعة:
فذق هجرها إن كنت تزعم أنها فساد ألا يا ربما كذب الزعم
الجوهري: وذقت ما عند فلان أي خبرته. وذقت القوس إذا جذبت وتراها لتنظر ما شدتها. وأذاقه الله وبال أمره. قال طفيل:
فذوقوا كما ذقنا غداة محجر من الغيظ في أكبادنا والتحوب
وتذوقته أي ذقته شئ بعد شيء. وأمر مستذاق أي مجرب معلوم. قال الشاعر:
وعهد الغانيـات كعهد قي ونت عن الجعـائل مستـذاق
والذواق: الملول.
يخبر تعالى عن حال المشركين يوم القيامة وقالهم حين عاينوا البعث وقاموا بين يدي الله عز وجل, حقيرين ذليلين ناكسي رؤوسهم, أي من الحياء والخجل يقولون "ربنا أبصرنا وسمعنا" أي نحن الان نسمع قولك ونطيع أمرك, كما قال تعالى: "أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا" وكذلك يعودون على أنفسهم بالملامة إذا دخلوا النار بقولهم " لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير " وهكذا هؤلاء يقولون "ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا" أي إلى دار الدنيا "نعمل صالحاً إنا موقنون" أي قد أيقنا وتحققنا فيها أن وعدك حق ولقاءك حق, وقد علم الرب تعالى منهم أنه لو أعادهم إلى دار الدنيا لكانوا كما كانوا فيها كفاراً يكذبون بآيات الله ويخالفون رسله, كما قال تعالى: " ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا " الاية, وقال ههنا " ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها " كما قال تعالى: " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا " "ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" أي من الصنفين فدارهم النار لامحيد لهم عنها ولا محيص لهم منها, نعوذ بالله وكلماته التامة من ذلك, "فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا" أي يقال لأهل النار على سبيل التقريع والتوبيخ: ذوقوا هذا العذاب بسبب تكذيبكم به واستبعادكم وقوعه وتناسيكم له إذ عاملتموه معاملة من هو ناس له "إنا نسيناكم" أي سنعاملكم معاملة الناسي, لأنه تعالى لا ينسى شيئاً ولا يضل عنه شيء, بل من باب المقابلة كما قال تعالى: " اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا " وقوله تعالى: "وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون" أي بسبب كفركم وتكذيبكم, كما قال تعالى في الاية الأخرى " لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا * إلا حميما وغساقا * جزاء وفاقا * إنهم كانوا لا يرجون حسابا * وكذبوا بآياتنا كذابا * وكل شيء أحصيناه كتابا * فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ".
والفاء في قوله: 14- " فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا " لترتيب الأمر بالذوق على ما قبله، والباء في بما نسيتم للسببية، وفيه إشعار بأن تعذيبهم ليس لمجرد سبق القول المتقدم، بل بذاك وهذا.
واختلف في النسيان المذكور هنا، فقيل هو النسيان الحقيقي، وهو الذي يزول عنده الذكر، وقيل هو الترك. والمعنى على الأول: أنهم لميعملوا لذلك اليوم، فكانوا كالناسين له الذين لا يذكرونه. وعلى الثاني لا بد من تقدير مضاف قبل لقاء: أي ذوقوا بسبب ترككم لما أمرتكم به عذاب لقاء يومكم هذا، ورجح الثاني المبرد وأنشد:
كأنه خارج من جنب صفحته سفود شرب نسوه عند مفتأد
أي تركوه، وكذا قال الضحاك ويحيى بن سلام: إن النسيان هنا بمعنى الترك. قال يحيى بن سلام: والمعنى: بما تركتم الإيمان بالبعث في هذا اليوم تركناكم من الخير، وكذا قال السدي، وقال مجاهد: تركناكم في العذاب. وقال مقاتل: إذا دخلوا النار. قالت لهم الخزنة: ذوقوا العذاب بما نسيتم، واستعار الذوق للإحساس، ومنه قول طفيل:
فذوقوا كما ذقنا غداة محجة من الغيظ في أكبادنا والتحوب
وقوله: "وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون" تكرير لقصد التأكيد: أي ذوقوا العذاب الدائم الذي لا ينقطع أبداً بما كنتم تعملونه في الدنيا من الكفر والمعاصي. قال الرازي في تفسيره: إن اسم الإشارة في قوله: "بما نسيتم لقاء يومكم هذا" يحتمل ثلاثة أوجه: أن يكون إشارة إلى اللقاء، وأن يكون إشارة إلى اليوم، وأن يكون إشارة إلى العذاب.
ثم يقال لأهل النار -وقال مقاتل: إذا دخلوا النار قالت لهم الخزنة-:
14- "فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا"، أي: تركتم الإيمان به في الدنيا، "إنا نسيناكم"، تركناكم، "وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون"، من الكفر والتكذيب.
14ـ " فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا " فإنه من الوسائط والأسباب المقتضية له . " إنا نسيناكم " تركناكم من الرحمة ، أو في العذاب ترك المنسي وفي استئنافه وبناء افعل على أن واسمها تشديد في الانتقام منهم . " وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون " كرر الأمر للتأكيد ولما نيط به من التصريح بمفعوله وتعليله بأفعالهم السيئة من التكذيب والمعاصي كما علله بتركهم وتدبر أمر العاقبة والتفكير فيها دلالة على أن كلاً منهما يقتضي ذلك .
14. So taste (the evil of your deeds). Forasmuch as ye forgot the meeting of this your day, lo! We forget you. Taste the doom immortality because of what ye used to do.
14 - Taste ye then for ye forget the Meeting of this Day of yours, and Wee too will forget you taste ye the Penalty of Eternity for your (evil) deeds