14 - (وما تفرقوا) أهل الأديان في الدين بأن وحد بعض وكفر بعض (إلا من بعد ما جاءهم العلم) بالتوحيد (بغيا) من الكافرين (بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك) بتأخير الجزاء (إلى أجل مسمى) يوم القيامة (لقضي بينهم) بتعذيب الكافرين في الدنيا (وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم) وهم اليهود والنصارى (لفي شك منه) من محمد صلى الله عليه وسلم (مريب) موقع في الريبة
يقول تعالى ذكره : وما تفرق المشركون بالله في أديانهم فصاروا أحزاباً ، إلا من بعد ما جاءهم العلم ، بأن الذي أمرهم الله به ، وبعث به نوحاً ، هو إقامة الدين الحق ، وأن لا تتفرقوا فيه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم " فقال : إياكم والفرقة فإنها هلكة " بغياً بينهم " يقول : بغياً من بعضكم على بعض حسداً وعداوة على طلب الدنيا " ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى " يقول جل ثناؤه : ولولا قول سبق يا محمد من ربك لا يعاجلهم بالعذاب ، ولكنه أخر ذلك إلى أجل مسمى ، وذلك الأجل المسمى فيما ذكر : يوم القيامة .
ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى " قال :يوم القيامة .
وقوله : " لقضي بينهم " يقول : لفرغ ربك من الحكم بين هؤلاء المختلفين في الحق الذي بعث به نبيه نوحاً من بعد علمهم به ، بإهلاكه أهل الباطل منهم ، وإظهاره أهل الحق عليهم .
وقوله : " وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم " يقول : وإن الذين أتاهم الله من بعد هؤلاء المختلفين في الحق كتابه التوراة والإنجيل " لفي شك منه مريب " يقول : لفي شك من الدين الذي وصى الله به نوحاً ، وأوحاه إليك يا محمد ، وأمركما بإقامته ، مريب .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : " وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم " قال : أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : " وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم " قال : اليهود والنصارى .
" وما تفرقوا " قال ابن عباس : يعني قريشاً ، " إلا من بعد ما جاءهم العلم " محمد صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يتمنون أن يبعث إليهم نبي ، دليله قوله تعالى في سورة فاطر : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير " [ فاطر : 42 ] ، نبيا ، وقال في سورة البقرة : " فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به " [ البقرة : 89 ] ، على ما تقدم بيانه هناك ، وقيل : اسم الأنبياء المتقدمين ، فإنهم فيما بينهم اختلفوا لما طال بهم المدى ، فآمن قوم وكفر قوم ، وقال ابن عباس أيضاً ، يعني أهل الكتاب ، دليله في سورة المنفكين : " وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة " [ البينة : 4 ] ، فالمشركون قالوا : لم خص بالنبوة ! واليهود حسدوه لما بعث ، وكذا النصارى ، " بغيا بينهم " أي بغياً من بعضهم على بعض طلباً للرياسة ، فليس تفرقهم لقصور في البيان والحجج ، ولكن للبغي والظلم والاشتغال بالدنيا ، " ولولا كلمة سبقت من ربك " في تأخير العقاب عن هؤلاء ، " إلى أجل مسمى " قيل : القيامة ، لقوله تعالى : " بل الساعة موعدهم " [ القمر : 46 ] ، وقيل : إلى الأجل الذي قضى فيه بعذابهم ، " لقضي بينهم "أي بين من آمن وبين من كفر بنزول العذاب"وإن الذين أورثوا الكتاب " يريد اليهود والنصارى ، " من بعدهم " أي من بعد المختلفين في الحق ، " لفي شك منه مريب " من الذي أوصى به الأنبياء ، والكتاب هنا التوراة والإنجيل ، وقيل : (( إن الذين أورثوا الكتاب )) قريش ، (( من بعدهم )) من بعد اليهود والنصارى ، (( لفي شك )) من القرآن أو من محمد ، وقال مجاهد : معنى (( من بعدهم )) من قبلهم ، يعني من قبل مشركي مكة ، وهو اليهود والنصارى .
يقول تعالى لهذه الأمة: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك" فذكر أول الرسل بعد آدم عليه السلام وهو نوح عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم . ثم ذكر من بين ذلك من أولي العزم وهم إبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وهذه الاية انتظمت ذكر الخمسة كما اشتملت آية الأحزاب عليهم في قوله تبارك وتعالى: " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم " الاية والدين الذي جاءت به الرسل كلهم هو عبادة الله وحده لا شريك له كما قال عز وجل: "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون". وفي الحديث "نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد" أي القدر المشترك بينهم هو عبادة الله وحده لا شريك له وإن اختلفت شرائعهم ومناهجهم كقوله جل جلاله: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً" ولهذا قال تعالى ههنا: "أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه" أي وصى الله تعالى جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالائتلاف والجماعة. ونهاهم عن الافتراق والاختلاف, وقوله عز وجل: "كبر على المشركين ما تدعوهم إليه" أي شق عليهم وأنكروا ما تدعوهم إليه يا محمد من التوحيد. ثم قال جل جلاله: "الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب" أي هو الذي يقدر الهداية لمن يستحقها ويكتب الضلالة على من آثرها على طريق الرشد, ولهذا قال تبارك وتعالى : " فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم " أي إنما كان مخالفتهم للحق بعد بلوغه إليهم وقيام الحجة عليهم وما حملهم على ذلك إلا البغي والعناد والمشقة ثم قال عز وجل: "ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى" أي لولا الكلمة السابقة من الله تعالى بإنظار العباد بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد لعجل عليهم العقوبة في الدنيا سريعاً. وقوله جلت عظمته: "وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم" يعني الجيل المتأخر بعد القرن الأول المكذب للحق "لفي شك منه مريب" أي ليسوا على يقين من أمرهم وإيمانهم وإنما هم مقلدون لابائهم وأسلافهم بلا دليل ولا برهان وهم في حيرة من أمرهم وشك مريب وشقاق بعيد.
ثم لما ذكر سبحانه ما شرعه لهم من إقامة الدين وعدم التفرق فيه ذكر ما وقع في التفرق والاختلاف فقال: 14- "وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم" أي ما تفرقوا إلا عن علم بأن الفرقة ضلالة، ففعلوا ذلك التفرق للبغي بينهم بطلب الرياسة وشدة الحمية، قيل المراد قريش هم الذين تفرقوا بعد ما جاءهم العلم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم "بغياً" منهم عليه، وقد كانوا يقولون ما حكاه الله عنهم بقوله: "وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير" الآية، وبقوله: "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به" وقيل المراد أمم الأنبياء المتقدمين، وأنهم فيما "بينهم" اختلفوا لما طال بهم المدى فآمن قوم وكفر قوم، وقيل اليهود والنصارى خاصة كما في قوله: "وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة"، "ولولا كلمة سبقت من ربك" وهي تأخير العقوبة "إلى أجل مسمى" وهو يوم القيامة كما في قوله: "بل الساعة موعدهم" وقيل إلى الأجل الذي قضاه الله لعذابهم في الدنيا بالقتل والأسر والذل والقهر " لقضي بينهم " أي لوقع القضاء بينهم بإنزال العقوبة بهم معجلة، وقيل لقضى بين من آمن منهم ومن كفر بنزول العذاب بالكافرين ونجاة المؤمنين "وإن الذين أورثوا الكتاب" من اليهود والنصارى "من بعدهم" من بعد من قبلهم من اليهود والنصارى "لفي شك منه" أي من القرآن، أو من محمد "مريب" موقع في الريب لذلك لم يؤمنوا. وقال مجاهد: معنى من بعدهم من قبلهم: يعني من قبل مشركي مكة، وهم اليهود والنصارى. وقيل المراد كفار المشركين من العرب الذين أورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب كتابهم، وصفهم بأنه في شك من القرآن مريب. قرأ الجمهور "أورثوا" وقرأ زيد بن علي ورثوا بالتشديد.
14. " وما تفرقوا "، يعني أهل الأديان المختلفة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني أهل الكتاب كما ذكر في سورة المنفكين. " إلا من بعد ما جاءهم العلم "، بأن الفرقة ضلالة ولكنهم فعلوا ذلك، " بغياً بينهم "، أي: للبغي، قال عطاء : يعني بغياً بينهم على محمد صلى الله عليه وسلم، " ولولا كلمة سبقت من ربك "، في تأخير العذاب عنهم، " إلى أجل مسمى "، وهو يوم القيامة، " لقضي بينهم "، بين من آمن وكفر، يعني أنزل العذاب بالمكذبين في الدنيا، " وإن الذين أورثوا الكتاب "، يعني اليهود والنصارى، " من بعدهم "، من بعد أنبيائهم، وقيل: من بعد الأمم الخالية. وقال قتادة : معناه من قبلهم أي: من قبل مشركي مكة. " لفي شك منه مريب "، أي: من محمد صلى الله عليه وسلم.
114-" وما تفرقوا " يعني الأمم السالفة . وقيل أهل الكتاب لقوله : " وما تفرق الذين أوتوا الكتاب " " إلا من بعد ما جاءهم العلم " العلم بأن التفرق ضلال متوعد عليه ، أو العلم بمبعث الرسل عليهم الصلاة والسلام ، أو أسباب العلم من الرسل والكتب وغيرهما فلم يلتفتوا إليها . " بغياً بينهم " عداوة أو طلباً للدنيا . " ولولا كلمة سبقت من ربك " بالإمهال . " إلى أجل مسمى " هو يوم القيامة أو آخر أعمارهم المقدرة . " لقضي بينهم " باستئصال المبطلين حين اقترفوا لعظم ما اقترفوا . " وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم " يعني أهل الكتاب الذين كانوا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو المشركين الذين أورثوا القرآن من بعد أهل الكتاب . وقرئ ورثوا و ورثوا . " لفي شك منه " من كتابهم لا يعلمونه كما هو أو لا يؤمنون به حق الإيمان ، أو من القرآن . " مريب " مقلق أو مدخل في الريبة .
14. And they were not divided until after the knowledge came unto them, through rivalry among themselves; and had it not been for a Word that had already gone forth from thy Lord for an appointed term, it surely had been judged between them. And those who were made to inherit the Scripture after them are verily in hopeless doubt concerning it.
14 - And they became divided only after knowledge reached them, through selfish envy as between themselves. Had it not been for a Word that went forth before from thy Lord, (tending) to a Term appointed, the matter would have been settled between them: but truly those who have inherited the Book after them are in suspicious (disquieting) doubt concerning it.