14 - (ينادونهم ألم نكن معكم) على الطاعة (قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم) بالنفاق (وتربصتم) بالمؤمنين الدوائر (وارتبتم) شككتم في دين الإسلام (وغرتكم الأماني) الأطماع (حتى جاء أمر الله) الموت (وغركم بالله الغرور) الشيطان
وقوله : " ينادونهم ألم نكن معكم ؟ قالوا بلى " يقول تعالى ذكره : ينادي المنافقون المؤمنين حين حجز بينهم بالسور فبقوا في الظلمة والعذاب وصار المؤمنون في الجنة : ألم نكن معكم في الدنيا نصلي ونصوم ونناكحكم ونوارثكم ؟ قالوا : بلى يقول : قال المؤمنون بلى بل كنتم كذلك ولكنكم فتنتم أنفسكم فنافقتم وفتنتهم أنفسهم في هذا الموضع كانت النفاق .
وكذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " فتنتم أنفسكم " قال : النفاق وكان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم ويغشونهم ويعاشرونهم وكانوا معهم أمواتا ويعطون النور جميعا يوم القيامة فيطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور ويماز بينهم حينئذ .
وقوله : " وتربصتم " يقول : وتلبثتم بالإيمان ودافعتم بالإقرار بالله ورسوله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وتربصتم " قال : بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ : " فتربصوا إنا معكم متربصون " ( البقرة : 52 ( .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " وتربصتم " يقول : تربصوا بالحق وأهله وقوله " وارتبتم " يقول وشككتم في توحيد الله وفي نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
كما حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : ابن زيد في قوله " وارتبتم " شكوا .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " وارتبتم " كانوا في شك من الله .
وقوله : " وغرتكم الأماني " يقول : وخدعتكم أماني نفوسكم فصدتكم عن سبيل الله وأضلتكم " حتى جاء أمر الله " يقول : حتى جاء قضاء الله بمناياكم فاجتاحتكم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله : " وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله " كانوا على خدعة من الشيطان والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار .
وقوله " وغركم بالله الغرور " يقول : وخدعكم بالله الشيطان فأطمعكم بالنجاة من عقوبته والسلامة من عذابه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الغرور أي الشيطان .
حدثنا بشر قال : ثنا زيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " وغركم بالله الغرور " أي الشيطان .
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " وغركم بالله الغرور " : الشيطان .
قوله تعالى : " ينادونهم " أي ينادي المنافقون المؤمنين " ألم نكن معكم " في الدنيا يعني نصلي مثل ما تصلون ، ونغز مثل ماتغزون ،ونفعل مثل ما تعلون " قالوا بلى " أي يقول المؤمنون بلى قد كنتم معنا في الظاهر " ولكنكم فتنتم أنفسكم " أي استعملتموها في الفتنة .وقال مجاهد أهلكتموها بالنفاق .وقيل : بالمعاصي ، قاله أبو سنان .وقيل : بالشهوات واللذات ، رواه أبو نمير الهمداني ." وتربصتم وارتبتم " أي " وتربصتم " بالنبي صلىالله عليه وسلم الموت ، وبالمؤمنين الدوائر . وقيل : " وتربصتم " بالتوبة "وارتبتم " أي شككتم في التوحيح والنبوة " وغرتكم الأماني " أي الأباطيل . وقيل : طول الأمل . وقيل : هو ما كانوا يتمنونه من ضعف المؤمنين ونزول الدوائر بهم . وقال قتادة :الأماني هنا خدع الشيطان . وقيل : الدنيا ، قاله عبد الله بن عباس . وقال أبو سنان : هو قولهم يستغفر لنا.
وقال بلال بن سعد : ذكرك حسنات ونسيانك يسئاتك غرة . " حتى جاء أمر الله " يعني الموت . وقيل : نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم . وقال قتادة : إلقاؤهم في النار . " وغركم " أي خدعكم " بالله الغرور " أي الشيطان ، قاله عكرمة . وقيل :الدنيا ، قاله الضحاك .وقال بعض العلماء: إن للباقي بالماضي معتبرا ، وللآخر بالأول مزدجرا ، والسعيد من لا يغتر بالطمع ، ولا يركن إلى الخدع ،ومن ذكر المنية نسي الامنية ، ومن أطال الأمل يسي العمل ،وغفل عن الأجل .وجاء الغرور على لفظ المبالغة للكثرة .وقرأ أبو حيوة و محمد بن السميقع وسماك بن حرب الغرور بضم الغين يعني الأباطيل وهو مصدر .
و"عن ابن عباس :
أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خط لنا خطوطا ، وخط منها خطا ناحية فقال : أتدرون ما هذا ؟ هذا مثل ابن آدم ومثل التمني وتلك الخطوط الأمال بينما هو يتمنى إذا جاءه الموت . " و"عن ابن مسعود قال :
خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا مربعا ، وخط وسطه خطا وجعله خارجا منه ، وخط عن يمينه ويساره خطوطا صغار فقال : هذا ابن آدم وهذا أجله محيط به وهذا أمله قد جاوز أجله وهذا الخطوط الصغار الأعراض فإن أخطأ ه هذا يهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا ".
يقول تعالى مخبراً عن المؤمنين المتصدقين أنهم يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم في عرصات القيامة, بحسب أعمالهم كما قال عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: "يسعى نورهم بين أيديهم" قال: على قدر أعمالهم يمرون على الصراط, منهم من نوره مثل الجبل, ومنهم من نوره مثل النخلة ومنهم من نوره مثل الرجل القائم, وأدناهم نوراً من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ مرة, ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير, وقال قتادة: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول "من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء فدون ذلك حتى أن من المؤمنين من يضيء نوره موضع قدميه" وقال سفيان الثوري عن حصين, عن مجاهد, عن جنادة بن أبي أمية قال: إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم وسيماكم وحلالكم ونجواكم ومجالسكم, فإذا كان يوم القيامة, قيل: يافلان هذا نورك, يافلان لا نور لك, وقرأ "يسعى نورهم بين أيديهم".
وقال الضحاك: ليس أحد إلا يعطى نوراً يوم القيامة, فإذا انتهوا إلى الصراط طفىء نور المنافقين, فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم كما طفىء نور المنافقين فقالوا: ربنا أتمم لنا نورنا, وقال الحسن: "يسعى نورهم بين أيديهم" يعني على الصراط وقد قال ابن أبي حاتم رحمه الله: حدثنا أبو عبيد الله بن أخي ابن وهب, أخبرنا عمي عن يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن مسعود أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يحدث, أنه سمع أبا الدرداء وأبا ذر يخبران عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسجود, وأول من يؤذن له برفع رأسه, فأنظر من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم فقال له رجل: يانبي الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم ما بين نوح إلى أمتك ؟ فقال: أعرفهم محجلون من أثر الوضوء ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم, وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم, وأعرفهم بسيماهم في وجوههم, وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم".
وقوله "وبأيمانهم" قال الضحاك أي وبأيمانهم كتبهم كما قال: "فمن أوتي كتابه بيمينه" وقوله: "بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار" أي قال لهم: بشراكم اليوم جنات أي لكم البشارة بجنات تجري من تحتها الأنهار "خالدين فيها" أي ماكثين فيها أبداً "ذلك هو الفوز العظيم" وقوله: "يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم" وهذا إخبار منه تعالى عما يقع يوم القيامة في العرصات من الأهوال المزعجة والزلازل العظيمة, والأمور الفظيعة, وأنه لا ينجو يومئذ إلا من آمن بالله ورسوله وعمل بما أمر الله به وترك ما عنه زجر. قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبدة بن سليمان, حدثنا ابن المبارك, حدثنا صفوان بن عمرو, حدثني سليم بن عامر قال: خرجنا على جنازة في باب دمشق ومعنا أبو أمامة الباهلي, فلما صلى على الجنازة وأخذوا في دفنها قال أبو أمامة أيها الناس إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات, وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر وهو هذا ـ يشير إلى القبر ـ بيت الوحدة وبيت الظلمة وبيت الدود وبيت الضيق إلا ما وسع الله, ثم تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة, فإنكم في بعض تلك المواطن حتى يغشى الناس أمر من الله, فتبيض وجوه وتسود وجوه, ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر فيغشى الناس ظلمة شديدة, ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نوراً, ويترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئاً, وهو المثل الذي ضربه الله تعالى في كتابه فقال: "أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور" فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضيء الأعمى ببصر البصير, ويقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا "انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً" وهي خدعة الله التي يخدع بها المنافقين حيث قال: "يخادعون الله وهو خادعهم" فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئاً, فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم "بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب"
يقول سليم بن عامر: فما يزال المنافق مغتراً حتى يقسم النور ويميز الله بين المنافق والمؤمن, ثم قال: حدثنا أبي, حدثنا يحيى بن عثمان, حدثنا ابن حيوة, حدثنا أرطاة بن المنذر, حدثنا يوسف بن الحجاج عن أبي أمامة قال: يبعث الله ظلمة يوم القيامة فما من مؤمن ولا كافر يرى كفه حتى يبعث الله بالنور إلى المؤمنين بقدر أعمالهم فيتبعهم المنافقون فيقولون "انظرونا نقتبس من نوركم" وقال العوفي والضحاك وغيرهما عن ابن عباس: بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نوراً, فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه, وكان النور دليلاً من الله إلى الجنة, فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم فأظلم الله على المنافقين فقالوا حينئذ "انظرونا نقتبس من نوركم" فإنا كنا معكم في الدنيا قال المؤمنون "ارجعوا وراءكم" من حيث جئتم من الظلمة فالتمسوا هنالك النور. وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا الحسن بن عرفة بن علوية القطان, حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار, حدثنا إسحاق بن بشر بن حذيفة, حدثنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم ستراً منه على عباده, وأما عند الصراط فإن الله تعالى يعطي كل مؤمن نوراً وكل منافق نوراً, فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات, فقال المنافقون انظرونا نقتبس من نوركم وقال المؤمنون ربنا أتمم لنا نورنا فلا يذكر عند ذلك أحد أحداً".
وقوله تعالى: "فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب" قال الحسن وقتادة: هو حائط بين الجنة والنار, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هو الذي قال الله تعالى: "وبينهما حجاب" وهكذا روي عن مجاهد رحمه الله وغير واحد وهو الصحيح " باطنه فيه الرحمة " أي الجنة وما فيها " وظاهره من قبله العذاب " أي النار قاله قتادة وابن زيد وغيرهما, قال ابن جرير وقد قيل إن ذلك السور سور بيت المقدس عند وادي جهنم. ثم قال: حدثنا ابن البرقي, حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن سعيد بن عطية بن قيس عن أبي العوام مؤذن بيت المقدس قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: إن السور الذي ذكره الله في القرآن "فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب" وهو السور الشرقي باطنه المسجد وما يليه وظاهره وادي جهنم. ثم روي عن عبادة بن الصامت وكعب الأحبار وعلي بن الحسين زين العابدين نحو ذلك, وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب المعنى ومثالاً لذلك, لا أن هذا هو الذي أريد من القرآن هذا الجدار المعين نفسه ونفس المسجد, وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم, فإن الجنة في السموات في أعلى عليين والنار في الدركات أسفل سافلين, وقول كعب الأحبار إن الباب المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد فهذا من إسرائيلياته وترهاته, وإنما المراد بذلك السور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه, فإذا استكملوا دخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وجهل وشك وحيرة.
"ينادونهم ألم نكن معكم" أي ينادي المنافقون المؤمنين أما كنا معكم في الدار الدنيا نشهد معكم الجمعات ونصلي معكم الجماعات, ونقف معكم بعرفات, ونحضر معكم الغزوات ونؤدي معكم سائر الواجبات ؟ "قالوا بلى" أي فأجاب المؤمنون المنافقين قائلين: بلى قد كنتم معنا "ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني" قال بعض السلف: أي فتنتم أنفسكم باللذات والمعاصي والشهوات وتربصتم أي أخرتم التوبة من وقت إلى وقت. وقال قتادة: "تربصتم" بالحق وأهله "وارتبتم" أي بالبعث بعد الموت "وغرتكم الأماني" أي قلتم سيغفر لنا وقيل غرتكم الدنيا "حتى جاء أمر الله" أي مازلتم في هذا حتى جاءكم الموت "وغركم بالله الغرور" أي الشيطان قال قتادة: كانوا على خدعة من الشيطان والله مازالوا عليها حتى قذفهم الله في النار: ومعنى هذا الكلام من المؤمنين للمنافقين أنكم كنتم معنا أي بأبدان لا نية لها ولا قلوب معها, وإنما كنتم في حيرة وشك فكنتم تراؤون الناس ولا تذكرون الله إلا قليلاً, قال مجاهد: كان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم ويغشونهم ويعاشرونهم, وكانوا معهم أمواتاً ويعطون النور جميعاً يوم القيامة, ويطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور ويماز بينهم حينئذ.
وهذا القول من المؤمنين لا ينافي قولهم الذي أخبر الله تعالى به عنهم حيث يقول, وهو أصدق القائلين " كل نفس بما كسبت رهينة *إلا أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين " فهذا إنما خرج منهم على وجه التقريع لهم والتوبيخ. ثم قال تعالى: "فما تنفعهم شفاعة الشافعين" كما قال ههنا "فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا" أي لو جاء أحدكم اليوم بملء الأرض ذهباً ومثله معه ليفتدي به من عذاب الله ما قبل منه. وقوله تعالى: "مأواكم النار" أي هي مصيركم وإليها منقلبكم, وقوله تعالى: "هي مولاكم" أي هي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم وبئس المصير.
ولما ضرب بالسور بين المؤمنين والمنافقين أخبر الله سبحانه عما قاله المنافقون إذ ذاك فقال: 14- "ينادونهم ألم نكن معكم" أي موافقين لكم في الظاهر نصلي بصلاتكم في مساجدكم ونعمل بأعمال الإسلام مثلكم، والجملة مستأنفة كأنه قيل: فماذا قال المنافقون بعد ضرب السور بينهم وبين المنؤمنين؟ فقال: "ينادونهم"، ثم أخبر سبحانه عما أجابهم به المؤمنون فقال: "قالوا بلى" أي كنتم معنا في الظاهر "ولكنكم فتنتم أنفسكم" بالنفاق وإبطان الكفر. قال مجاهد أهلكتموها بالنفاق، وقيل بالشهوات واللذات "وتربصتم" بمحمد صلى الله عليه وسلم وبمن معه من المؤمنين حوادث الدهر، وقيل تربصتم بالتوبة، والأول أولى "وارتبتم" أي شككتم في أمر الدين ولم تصدقوا ما نزل من القرآن ولا بالمعجزات الظاهرة "وغرتكم الأماني" الباطلة التي من [جملتها] ما كنتم فيه من التربض، وقيل هو طول الأمل، وقيل ما كانوا يتمنونه من ضعف المؤمنين. وقال قتادة: الأماني هنا غرور الشيطان، وقيل الدنيا، وقيل هو طمعهم في المغفرة، وكل هذه الأشياء تدخل في مسمى الأماني "حتى جاء أمر الله" وهو الموت، وقيل نصره سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة: هو إلقاؤهم في النار "وغركم بالله الغرور" قرأ الجمهور "الغرور" بفتح الغين، وهو صفة على فعول، والمراد به الشيطان: أي خدعكم بحلم الله وإمهاله الشيطان. وقرأ أبو حيوة ومحمد بن السميفع وسماك بن حرب بضمها وهو مصدر.
14- "ينادونهم"، روي عن عبد الله بن عمر قال: إن السور الذي ذكر الله تعالى في القرآن "فضرب بينهم بسور له باب" هو سور بيت المقدس الشرقي، باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قبله العذاب، وادي جهنم.
وقال شريح: كان كعب يقول: في الباب الذي يسمى باب الرحمة في بيت المقدس: إنه الباب الذي قال الله عز وجل: "فضرب بينهم بسور له باب" الآية. "ينادونهم" يعني: ينادي المنافقون المؤمنين من وراء السور حين حجز بينهم بالسور وبقوا في الظلمة:
"ألم نكن معكم"، في الدنيا نصلي ونصوم؟ "قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم"/، أهلكتموها بالنفاق والكفر واستعملتموها في المعاصي والشهوات، وكلها فتنة، "وتربصتم"، بالإيمان والتوبة. قال مقاتل: وتربصتم بمحمد الموت وقلتم يوشك أن يموت فنستريح منه، "وارتبتم"، شككتم في نبوته وفيما أوعدكم به، "وغرتكم الأماني"، الأباطيل وما كنتم تتمنون من نزول الدوائر بالمؤمنين، "حتى جاء أمر الله"، يعني الموت، "وغركم بالله الغرور"، يعني الشيطان، قال قتادة: ما زالوا على خدعة من الشيطان حتى قذفهم الله في النار.
14-" ينادونهم ألم نكن معكم " يريدون موافقتهم في الطاهر . " قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم " بالنفاق . " وتربصتم " بالمؤمنين الدوائر " وارتبتم " وشككتم في الدين . " وغرتكم الأماني " كامتداد العمر " حتى جاء أمر الله " وهو الموت . " وغركم بالله الغرور " الشيطان أو الدنيا .
14. They will cry unto them (saying): Were we not with you? They will say: Yea, verily; but ye tempted one another, and hesitated, and doubted, and vain desires beguiled you till the ordinance of Allah came to pass; and the deceiver deceived you concerning Allah;
14 - (Those without) will call out, Were we not with you? (The others) will reply, True! but ye led yourselves into temptation; ye looked forward (to our ruin); ye doubted (God's Promise); and (your false) desires deceived you; until these issued the Command of God. And the Deceiver deceived you in respect of God.