14 - (كلا) ردع وزجر لقولهم ذلك (بل ران) غلب (على قلوبهم) فغشيها (ما كانوا يكسبون) من المعاصي فهو كالصدإ
وقوله : " كلا بل ران على قلوبهم " يقول تعالى ذكره مكذباً لهم في قيلهم ذلك : كلا ، ما ذلك كذلك ، ولكنه ران على قلوبهم يقول : غلب على قلوبهم وغمرها ، وأحاطت بها الذنوب فغطتها ، يقال منه : رانت الخمر على عقله ، فهي ترين عليه ريناً ، وذلك إذا سكر ، فغلبت على عقله ، ومنه قول أبي زبيد الطائي :
ثم لما رآه رانت به الخمـ ـر وأن لا ترينه باتقاء
يعني ترينه بمخافة ، يقول : سكر فهو لا ينتبه ، ومنه قول الراجز :
لم نرو حتى هجرت ورين بي ورين بالساقي الذي أمسى معي
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو خالد ، عن ابن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب صقل منها ، فإن عاد عادت حتى تعظم في قلبه " ، فذلك الران الذي قال الله " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا صفوان بن عيسى ، قال : ثنا ابن عجلان ، عن القعقاع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر صقلت قلبه ، فإن زاد زادت حتى تعلو قلبه ، فذلك الران الذي قال الله " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " " .
حدثني علي بن سهيل ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، عن محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، " عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إن العبد إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب منها صقل قلبه ، فإن زاد زادت ، فذلك قول الله : " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " " .
حدثني أبو صالح الضراري محمد بن إسماعيل ، قال : أخبرني طارق بن عبد العزيز ، عن ابن عجلان ، عن القعقاع ، عن أبي هريرة ، قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن العبد إذا أخطأ خطيئة كانت نكتة في قلبه ، فإن تاب واستغفر ونزع صقلت قلبه ، وذلك الران الذي ذكر الله " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " " ، قال أبو صالح : كذلك قال : صقلت ، وقال غيره : سقلت .
حدثني علي بن سهل الرملي ، قال : ثنا الوليد ، عن خليد ، عن الحسن ، قال : وقرأ " بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " قال : الذنب على الذنب حتى يموت قلبه .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله " بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " قال : الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت .
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : ثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن مجاهد " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " قال : العبد يعمل بالذنوب ، فتحيط بالقلب ، ثم ترتفع ، حتى تغشى القلب .
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، قال : أرانا مجاهد بيده ، قال : كانوا يرون القلب في مثل هذا ، يعني الكف ، فإذا أذنب العبد ذنباً ضم منه ، وقال بأصبعه الخنصر هكذا ، فإذا أذنب ضم أصبعاً أخرى ، فإذا أذنب ضم أصبعاً أخرى ، حتى ضم أصابعه كلها ، ثم يطبع عليه بطابع ، قال مجاهد : وكانوا يرون أن ذلك الرين .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، قال : القلب مثل الكف ، فإذا أذنب الذنب قبض أصبعاً ، حتى يقبض أصابعه كلها ، وإن أصحابنا يرون أنه الران .
حدثنا أبو كريب مرة أخرى بإسناده عن مجاهد ، قال : القلب مثل الكف ، وإذا أذنب انقبض وقبض أصبعه فإذا أذنب انقبض ، حتى ينقبض كله ، ثم يطبع عليه ، فكانوا يرون أن ذلك هو الران " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله " بل ران على قلوبهم " قال : الخطايا حتى غمرته .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " بل ران على قلوبهم " انبثت على قلبه الخطايا حتى غمرته .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " كلا بل ران على قلوبهم " يقول : يطبع .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " قال : طبع على قلوبهم ما كسبوا .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن طلحة ، عن عطاء ، " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " قال : غشيت على قلوبهم فهوت بها ، فلا يفزعون ، ولا يتحاشون .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الحسن " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " قال : هو الذنب حتى يموت القلب .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد " كلا بل ران على قلوبهم " قال : الران : الطبع يطبع القلب مثل الراحة ، فيذنب الذنب ، فيصير هكذا ، وعقد سفيان الخنصر ثم يذنب الذنب فيصير هكذا وقبض سفيان كفه فيطبع عليه .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " أعمال السوء ، أي والله ذنب على ذنب وذنب على ذنب ، حتى مات قلبه واسود .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله " كلا بل ران على قلوبهم " قال : هذا الذنب على الذنب ، حتى يرين على القلب فيسود .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " كلا بل ران على قلوبهم " قال : غلب على قلوبهم ذنوبهم ، فلا يخلص إليها معها خير .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " قال : الرجل يذنب الذنب ، فيحيط الذنب بقلبه ، حتى تغشى الذنوب عليه .
قال مجاهد : وهي مثل الآية التي في سورة البقرة " بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " [ البقرة : 81 ] .
قوله تعالى:" كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" : ((كلا)): ردع وزجر، أي ليس هو أساطير الأولين. وقال الحسن: معناها حقاً ((ران على قلوبهم)). وقيل: في الترمذي:
"عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إن العبد إذا أخطأ خطيئته نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر الله وتاب، صقل قلبه، فإن عاد زيد فيها، حتى تعلو على قلبه، وهو ((الران)) الذي ذكر الله في كتابه ((كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)). قال : هذا حديث حسن الصحيح." وكذا قال المفسرون: هو الذنب على الذنب حتى يسود القلب. قال مجاهد : هو الرجل يذنب الذنب، فيحيط الذنب بقلبه، ثم يذنب الذنب فيحيط الذنب بقلبه، حتى تغشي الذنوب قلبه. قال مجاهد: هي الآية التي في سورة البقرة: " بلى من كسب سيئة" ...[ البقرة:81] الآية. ونحوه عن الفراء، قال: يقول كثرت المعاصي منهم والذنوب، فأحاطت بقلوبهم، فذلك الرين عليها. وروي عن مجاهد أيضاً قال : القلب مثل الكهف ورفع كفه، فإذا أذنب العبد الذنب انقبض، وضم إصبعه، فإذا أذنب الذنب انقبض، وضم أخرى، حتى ضم أصابعه كلها، حتى يطبع على قلبه. قا ل: وكانوا يرون أن ذلك هو الرين، ثم قرأ" كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" ومثله عن حذيفة رضي الله عنه سواء. وقال بكر بن عبد الله: إن العبد إذا أذنب صار في قلبه كوخزة الإبرة، ثم صار إذا أذنب ثانياً صار كذلك، ثم إذا كثرت الذنوب صار القلب كالمنخل، أو كالغربال، لا يعي خيراً، ولا يثبت فيه صلاح. وقد بينا في ((البقرة)) القول في هذا المعنى بالأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا معنى لإعاداتها. وقد روى عبد الغني ين سعيد عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، وعن موسى عن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس شيئاً الله أعلم بصحته، قال: هو الران الذي يكون على الفخذين والساق والقدم، وهو الذي يلبس في الحرب. قال: وقال آخرون : الران : الخاطر الذي يخطر بقلب الرجل. وهذا مما لا يضمن عهدة صحته. والله أعلم. فأما عامة أهل التفسير فعلى ما قد مضى ذكره قبل هذا. وكذلك أهل اللغة عليه، يقال: ران على قلبه ذنبه يرين رينا وريونا أي غلب. قال أبو عبيدة في قوله: ((كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)) أي غلب، وقال أبو عبيد: كل ما غلبك وعلاك فقد ران بك، ورانك، وران عليك، وقال الشاعر:
وكم ران من ذنب على قلب فاجر فتاب من الذنب الذي ران وانجلى
ورانت الخمر على عقله: أي غلبته، وران عليه النعاس: إذا غطاه، ومنه قول عمر في الأسيفع - أسيفع جهينة -: فأصبح قد رين به. أي غلبته الديون، وكان يدان، ومنه قول أبي زبيد يصف رجلاً شرب حتى غلبه الشراب سكراً، فقال:
ثم لما رآه رانت به الخمـ ـر وأن لا ترينه باتقاء
فقوله: رانت به الخمر، أي غلبت على عقله وقلبه. وقال الأموي : قد أران القوم فهم مرينون: إذا هلكت مواشيهم وهزلت. وهذا من الأمر الذي أتاهم مما يغلبهم، فلا يستطيعون احتماله. قال ابو زيد يقال: قد رين بالرجل رينا: إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه، ولا قبل له وقال: أبو معاذ النحوي: الرين:أن يسود القلب من الذنوب، والطبع أن يطبع على القلب، وهذا أشد من الرين، والإقفال أشد من الطبع.الزجاج : الرين: هو كالصدأ يغشي القلب كالغيم الرقيق، ومثله الغين، يقال: غين على قلبه: غطي. والغين: شجر ملتف، الواحدة غيناء، أي خضراء كثيرة الورق، ملتفة الأغصان. وقد تقدم قول الفراء أنه إحاطة الذنب بالقلوب. وذكر الثعلبي عن ابن عباس: ((ران على قلوبهم)): أي غطى عليها. وهذا هو الصحيح عنه إن شاء الله. وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وأبو بكر والمفضل ((ران)) بالإمالة، لأن فاء الفعل الراء، وعينه الألف منقلبة من ياء، فحسنت الإمالة لذلك. ومن فتح فعلى الأصل، لأن باب فاء الفعل في (فعل) الفتح، مثل كال وباع ونحوه. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ووقف حفص((بل )) ثم يبتدئ ((ران)) وقفاً يبين اللام، لا للسكت.
يقول تعالى حقاً "إن كتاب الفجار لفي سجين" أي أن مصيرهم ومأواهم لفي سجين فعيل من السجن وهو الضيق, كما يقال: فسيق وشريب وخمير وسكير ونحو ذلك, ولهذا عظم أمره فقال تعالى: " وما أدراك ما سجين " أي هو أمر عظيم وسجن مقيم وعذاب أليم, ثم قد قال قائلون: هي تحت الأرض السابعة, وقد تقدم في حديث البراء بن عازب في حديثه الطويل: يقول الله عز وجل في روح الكافر اكتبوا كتابه في سجين. وسجين هي تحت الأرض السابعة, وقيل: صخرة تحت الأرض السابعة خضراء, وقيل بئر في جهنم, وقد ورى ابن جرير في ذلك حديثاً غريباً منكراً لا يصح فقال: حدثنا إسحاق بن وهب الواسطي , حدثنا مسعود بن موسى بن مسكان الواسطي , حدثنا نصر بن خزيمة الواسطي عن شعيب بن صفوان عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الفلق جب في جهنم مغطى وأما سجين فمفتوح" والصحيح أن سجيناً مأخوذ من السجن وهو الضيق, فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق وكل ما تعالى منها اتسع, فإن الأفلاك السبعة كل واحد منها أوسع وأعلى من الذي دونه, وكذلك الأرضون كل واحدة أوسع من التي دونها حتى ينتهي السفول المطلق والمحل الأضيق إلى المركز في وسط الأرض السابعة, ولما كان مصير الفجار إلى جهنم وهي أسفل السافلين كما قال تعالى: "ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" وقال ههنا: " كلا إن كتاب الفجار لفي سجين * وما أدراك ما سجين " وهو يجمع الضيق والسفول كما قال تعالى: "وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً".
وقوله تعالى: "كتاب مرقوم" ليس تفسيراً لقوله "وما أدراك ما سجين" وإنما هو تفسير لما كتب لهم من المصير إلى سجين أي مرقوم مكتوب مفروغ منه لا يزاد فيه أحد ولا ينقص منه أحد. قاله محمد بن كعب القرظي ثم قال تعالى: "ويل يومئذ للمكذبين" أي إذا صاروا يوم القيامة إلى ما أوعدهم الله من السجن والعذاب المهين, وقد تقدم الكلام على قوله ويل بما أغنى عن إعادته وأن المراد من ذلك الهلاك والدمار كما يقال: ويل لفلان, وكما جاء في المسند والسنن من رواية بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك الناس ويل له ويل له" ثم قال تعالى مفسراً للمكذبين الفجار الكفرة: "الذين يكذبون بيوم الدين" أي لا يصدقون بوقوعه ولا يعتقدون كونه ويستبعدون أمره, قال الله تعالى: "وما يكذب به إلا كل معتد أثيم" أي معتد في أفعاله من تعاطي الحرام والمجاوزة في تناول المباح والأثيم في أقواله إن حدث كذب, وإن وعد أخلف, وإن خاصم فجر.
وقوله تعالى: "إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين" أي إذا سمع كلام الله تعالى من الرسول يكذب به ويظن به ظن السوء فيعتقد أنه مفتعل مجموع من كتب الأوائل, كما قال تعالى: "وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم ؟ قالوا أساطير الأولين" وقال تعالى: "وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً" قال الله تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" أي ليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا إن هذا القرآن أساطير الأولين, بل هو كلام الله ووحيه وتنزيله على رسوله صلى الله عليه وسلم, وإنما حجب قلوبهم عن الإيمان به ما عليها من الرين الذي قد لبس قلوبهم من كثرة الذنوب والخطايا, ولهذا قال تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون".
والرين يعتري قلوب الكافرين, والغيم للأبرار والغين للمقربين, وقد روى ابن جرير والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه, فإن تاب منها صقل قلبه وإن زاد زادت, فذلك قول الله تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" " وقال الترمذي : حسن صحيح, ولفظ النسائي "إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة سوداء, فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه, فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فهو الران الذي قال الله تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " " .
وقال أحمد : حدثنا صفوان بن عيسى , أخبرنا ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه, فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه فإن زاد زادت حتى تعلو قلبه, وذاك الران الذي ذكر الله في القرآن "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"". وقال الحسن البصري : هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت, وكذا قال مجاهد بن جبير وقتادة وابن زيد وغيرهم. وقوله تعالى: "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" أي لهم يوم القيامة منزل ونزل سجين ثم هم يوم القيامة مع ذلك محجوبون عن رؤية ربهم وخالقهم, قال الإمام أبو عبد الله الشافعي : وفي هذه الاية دليل على أن المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ وهذا الذي قاله الإمام الشافعي رحمه الله في غاية الحسن وهو استدلال بمفهوم هذه الاية.
كما دل عليه منطوق قوله تعالى: " وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة " وكما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح المتواترة في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل في الدار الاخرة رؤية بالأبصار في عرصات القيامة وفي روضات الجنات الفاخرة. وقد قال ابن جرير : حدثنا أبو معمر المقري , حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن عمرو بن عبيد عن الحسن في قوله تعالى: "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" قال: يكشف الحجاب فينظر إليه المؤمنون والكافرون ثم يحجب عنه الكافرون وينظر إليه المؤمنون كل يوم غدوة وعشية أو كلاماً هذا معناه, وقوله تعالى: "ثم إنهم لصالوا الجحيم" أي ثم هم مع هذا الحرمان عن رؤية الرحمن من أهل النيران "ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون" أي يقال لهم ذلك على وجه التقريع والتوبيخ والتصغير والتحقير.
وقوله: 14- "كلا" للردع والزجر للمعتدي الأثيم عن ذلك القول الباطل وتكذيب له، وقوله: "بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" بيان للسبب الذي حملهم على قولهم بأن القرآن أساطير الأولين. قال أبو عبيدة: ران على قلوبهم: غلب عليها ريناً وريوناً، وكل ما غلبك وعلاك فقد ران بك وران عليك. قال الفراء: هو أنها كثرت منهم المعاصي والذنوب فأحاطب بقلوبهم، فذلك الرين عليها. قال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب. قال مجاهد: القلب مثل الكف، ورفع كفه فإذا أذنب انقبض وضم أصبعه، فإذا أذنب ذنباً آخر انقبض وضم أخرى حتى ضم أصابعه كلها حتى يطبع على قلبه. قال: وكانوا يرون أن ذلك هو الرين. ثم قرأ هذه الآية. قال أبو زيد: يقال قد رين بالرجل ريناً: إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ولا قبل له به. وقال أبو معاذ النحوي: الرين أن يسود القلب من الذنوب، والطبع أن يطبع على القلب هو أشد من الرين، والإقفال أشد من الطبع. قال الزجاج: الرين هو كالصدأ بغشى القلب كالغيم الرقيق، ومثله الغين.
14- "كلا"، قال مقاتل: أي لا يؤمنون، ثم استأنف: "بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون".
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي، حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي، أخبرنا إبراهيم بن حزيم الشاشي، أخبرنا أبو محمد عبد بن حميد الكشي، حدثنا صفوان بن عيسى، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منها، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"".
وأصل الرين: الغلبة، يقال: رانت الخمر على عقله ترين ريناً وريوناً إذا غلبت عليه فسكر. ومعنى الآية، غلبت على قلوبهم المعاصي وأحاطت بها. قال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يموت القلب. قال ابن عباس: "ران على قلوبهم": طبع عليها.
14-" كلا " ردع عن هذا القوك . " بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " رد لما قالوه وبيان لما أدى بهم إلى هذا القول ، بأن غلب عليهم حب المعاصي بالانهماك فيها حتى صار ذلك صدأ على قلوبهم فعمي عليهم معرفة الحق والباطل ، فإن كثرة الأفعال سبب لحصول الملكات كما قال عليه الصلاةوالسلام " إن العبد كلما أذنب حصل في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه " والرين الصدأ ، وقرأ حفص " بل ران" بإظهار اللام .
14. Nay, but that which they have earned is rust upon their hearts.
14 - By no means! But on their hearts is the stain of the (ill) which they do!