(أم) بل أ (حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما) لم (يعلم الله الذين جاهدوا منكم) علم ظهور (ويعلم الصابرين) في الشدائد
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: "أم حسبتم"، يا معشر أصحاب محمد، وظننتم، "أن تدخلوا الجنة"، وتنالوا كرامة ربكم ، وشرف المنازل عنده ، "ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم"، يقول: ولما يتبين لعبادي المؤمنين المجاهد منكم في سبيل الله على ما أمره به.
وقد بينت معنى قوله: "ولما يعلم الله"، "وليعلم الله"، وما أشبه ذلك ، بأدلته فيما مض ، بما أغنى عن إعادته.
وقوله: "ويعلم الصابرين"، يعني: الصابرين عند البأس على ما ينالهم في ذات الله من جرح وألم ومكروه ، كما:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة"، وتصيبوا من ثوابي الكرامة، ولم أختبركم بالشدة، وأبتليكم بالمكاره ، حتى أعلم صدق ذلك منكم بالإيمان بي، والصبر على ما أصابكم في.
ونصب "ويعلم الصابرين"، على الصرف. و الصرف، أن يجتمع فعلان ببعض حروف النسق ، وفي أوله ما لا يحسن إعادته مع حرف النسق ، فينصب الذي بعد حرف العطف على الصرف ، لأنه مصروف عن معنى الأول، ولكن يكون مع جحد أو استفهام أو نهي في أول الكلام. وذلك كقولهم: لا يسعني شيء ويضيق عنك، لأن لا التي مع يسعني، لا يحسن إعادتها مع قوله : ويضيق عنك، فلذلك نصب.
والقرأة في هذا الحرف على النصب.
وقد روي عن الحسن أنه كان يقرأ: ويعلم الصابرين، فيكسر الميم من "يعلم"، لأنه كان ينوي جزمها على العطف به على قوله: "ولما يعلم الله".
قوله تعالى:" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين"
(أم) بمعنى بل. وقيل: الميم زائدة. والمعنى أحسبتم يا من انهزم يوم أحد أن تدخلوا الجنة كما دخل الذين قتلوا وصبروا على ألم الجراح والقتل من غير أن تسلكوا طريقهم وتصبروا صبرهم، لا، حتى" يعلم الله الذين جاهدوا منكم" أي علم شهادة حتى يقع عليه الجزاء. والمعنى: ولم تجاهدوا فيعلم ذلك منكم، فلما بمعنى لم. وفرق سيبوية بين (لم) و(لما)، فزعم أن (لم يفعل) نفي فعل، وأن (لما فعل) نفي قد فعل. " ويعلم الصابرين" منصوب بإضمار أن، عن الخليل. وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر (يعلم الصابرين) بالجزم على النسق. وقرئ بالرفع على القطع، أي وهو يعلم. وروى هذه القراءة عبدا لوارث عن أبي عمرو. وقال الزجاج. الواو هنا بمعنى حتى، أي ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم حتى يعلم صبرهم كما تقدم آنفاً.
يقول تعالى مخاطباً عباده المؤمنين الذين أصيبوا يوم أحد وقتل منهم سبعون "قد خلت من قبلكم سنن" أي قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء, ثم كانت العاقبة لهم, والدائرة على الكافرين, ولهذا قال تعالى: "فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" ثم قال تعالى: "هذا بيان للناس" يعني القرآن فيه بيان الأمور على جليتها وكيف كان الأمم الأقدمون مع أعدائهم "وهدى وموعظة" يعني القرآن فيه خبر ما قبلكم. و "هدى" لقلوبكم, و "موعظة للمتقين"أي زاجر عن المحارم والمآثم. ثم قال تعالى مسلياً للمؤمنين "ولا تهنوا" أي لا تضعفوا بسبب ما جرى "ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" أي العاقبة والنصرة لكم أيها المؤمنون "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله" أي إن كنتم قد أصابتكم جراح وقتل منكم طائفة, فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح "وتلك الأيام نداولها بين الناس" أي نديل عليكم الأعداء تارة, وإن كانت لكم العاقبة لما لنا في ذلك من الحكمة, ولهذا قال تعالى: "وليعلم الله الذين آمنوا" قال ابن عباس : في مثل هذا لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء "ويتخذ منكم شهداء" يعني يقتلون في سبيله ويبذلون مهجهم في مرضاته "والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا" أي يكفر عنهم من ذنوبهم إن كانت لهم ذنوب. وإلا رفع لهم في درجاتهم بحسب ما أصيبوا به. وقوله "ويمحق الكافرين" أي فإنهم إذا ظفروا بغوا وبطروا فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم, ثم قال تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" أي أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد, كما قال تعالى في سورة البقرة "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا" الاية. وقال تعالى: " الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " الاية, ولهذا قال ههنا "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" أي لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله, والصابرين على مقاومة الأعداء. وقوله "ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون" أي قد كنتم أيها المؤمنون قبل هذا اليوم, تتمنون لقاء العدو وتتحرقون عليهم وتودون مناجزتهم ومصابرتهم, فها قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه, فدونكم فقاتلوا وصابروا, وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتمنوا لقاء العدو, وسلوا الله العافية, فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" ولهذا قال تعالى: "فقد رأيتموه" يعني الموت شاهدتموه وقت لمعان السيوف وحد الأسنة واشتباك الرماح وصفوف الرجال للقتال والمتكلمون يعبرون عن هذا بالتخييل. وهو مشاهدة ما ليس بمحسوس كالمحسوس كما تتخيل الشاة صداقة الكبش, وعداوة الذئب.
قوله 142- "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة" كلام مستأنف لبيان ما ذكر من التمييز، وأم هي المنقطعة، والهمزة للإنكار: أي بل أحسبتم، والواو في قوله "ولما يعلم الله" واو الحال. والجملة الحالية، وفيه تمثيل كالأول، أو علم يقع عليه الجزاء. وقوله " ويعلم الصابرين " منصوب بإضمار أن كما قال الخليل وغيره على أن الواو للجمع. وقال الزجاج: الواو بمعنى حتى، وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر ويعلم الصابرين بالجزم عطفاً على "ولما يعلم" وقرئ بالرفع على القطع، وقيل إن قوله "ولما يعلم" كناية عن نفي المعلوم، وهو الجهاد. والمعنى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة، والحال أنه لم يتحقق منكم الجهاد والصبر: أي الجمع بينهما، ومعنى "لما" معنى لم عند الجمهور، وفرق سيبويه بينهما فجعل لم لنفي الماضي، ولما لنفي الماضي والمتوقع.
142-"أم حسبتم " أحسبتم؟"أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله"(أي: ولم يعلم الله ) "الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين".
142" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة " بل أحسبتم ومعناه الإنكار. " ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم " ولما تجاهدون، وفيه دليل على أن الجهاد فرض كفاية والفرق بين "لما" ولم إن فيه توقع الفعل فيما يستقبل. وقرىء "يعلم" بفتح الميم على أن أصله يعلمن فحذفت النون " ويعلم الصابرين " نصب بإضمار أن على أن الواو للجمع. وقرىء بالرفع على أن الواو للحال كأنه قال: ولما تجاهدوا وأنتم صابرون.
142. Or deemed ye that ye would enter Paradise while yet Allah knoweth not those of you who really strive, nor knoweth those (of you) who are steadfast?
142 - Did ye think that ye would enter heaven without God testing those of you who fought hard (in his cause) and remained steadfast?