142 - (و) أنشأ (من الأنعام حمولة) صالحة للحمل عليها كالإبل الكبار (وفَرْشا) لا تصلح له كالإبل الصغار والغنم سميت فرشا لأنها كالفرش للأرض لدنوها منها (كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان) طرائقه من التحريم والتحليل (إنه لكم عدو مبين) بين العداوة
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وأنشا من الأنعام حمولة وفرشاً، مع ما أنشأ من الجنات المعروشات وغير المعروشات .
والحمولة، ما حمل عليه من الإبل وغيرها.
والفرش ، صغار الإبل التي لم تدرك أن ئحمل عليها. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : الحمولة، ما عل عليه من كبار الإبل ومسانها، و(الفرش )، صغارها التي لا يحمل عليها لصغرها.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله في قوله : " حمولة وفرشا" ، قال : الحمولة، الكبار من الإبل ، و " فرشا"، الصغار من الإبل .
وقال ، حدثنا أبي ، عن أبي بكر الهذلي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : " حمولة" ، هي الكبار،والفرش ،الصغارمن الإبل .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد قال : الحمولة، ما حمل من الإبل ، والفرش ، ما لم يحمل .
وبه عن إسرائيل ، عن خصيف ، عن مجاهد : الحمولة، ما حمل من الإبل ، والفرش ، ما لم يحمل .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله :" وفرشا" ،قال :صغارالإبل .
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله في قوله : " حمولة وفرشا" ، قال : الحمولة! ، الكبار، و " الفراش " الصغار.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحق ، عن أبي الأحوص ، عن ابن مسعود في قوله : " حمولة وفرشا" ، الحمولة، ما حمل من الإبل ، و الفرش ، هن الصغار.
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحق ، عن أبي الأحوص ،عن عبدالله : أنه قال في هذه الآية : " حمولة وفرشا" ، قال : الحمولة، ما حمل عليه من الإبل ، و الفرش ، الصغار. قال ابن المثنى ، قال محمد ، قال شعبة : إنما كان حدثني سفيان ، عن أبي إسحق .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه قال ، قال الحسن : الحمولة ، من الإبل والبقر.
وقال بعضهم : الحمولة، من الإبل ، وما لم يكن من الحمولة، فهو الفرش .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن " حمولة وفرشا"، قال : الحمولة ، ما حمل عليه ، و الفرش حواشيها، يعني صغارها.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ومن الأنعام حمولة وفرشا" ، ف الحمولة، ما حمل من الإبل ، و الفرش ، صغار الإبل ، الفصيل وما دون ذلك مما لا يحمل .
ويقال : الحمولة ، من البقر والإبل ، و الفرش ، الغنم .
وقال آخرون : الحمولة، ، ما حمل عليه من الإبل والخيل والبغال وغير ذلك ، و الفرش ، الغنم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبدالله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " ومن الأنعام حمولة وفرشا"، فاما الحمولة، فالإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه ، وأما الفرش ، فالغنم .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبيد الله ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس : الحمولة، من الإبل والبقر، " وفرشا" ، المعز والضأن .
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ومن الأنعام حمولة وفرشا" ، قال : أما الحمولة ، فالإبل والبقر. قال : وأما الفرش ، فالغنم .
حدئنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : كان غير الحسن يقول : الحمولة ، الإبل والبقر، و الفرش ، الغنم .
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ومن الأنعام حمولة وفرشا" ، أما الحمولة ، فالإبل ، وأما الفرش ، فالفصلان والعجاجيل والغنم . وما حمل عليه فهوحمولة.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : " حمولة وفرشا" ، الحمولة ، الإبل ، و الفرش ، الغنم .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن : " وفرشا" ، قال : الفرش ، الغنم .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " حمولة وفرشا" ، قال : الحمولة ، ما تركبون ، و الفرش ، ما تأكلون وتحلبون ، شاة لا تحمل ، تأكلون لحمها ، وتتخذون من أصوافها لحافاً وفرشاً .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الحمولة، ير ما حمل من . الأنعام ، لأن ذلك من صفتها إذا حملت ، لا أنه اسم لها، كالإبل والخيل والبغال ، فإذا كانت إنما سميت حمولة لأنها تحمل ، فالواجب أن يكون كل ما حمل على ظهره من الأنعام فحمولة . وهي جمع لا واحد لها من لفظها، كالركوبة، و الجزورة. وكذلك الفرش ، إنما هو صفة لما لطف فقرب من الأرض جسمه ، ويقال له : الفرش . وأحسبها سميت بذلك تمثيلاً لها في استواء أسنانها ولطفها بالفرش من الأرض ، وهي الأرض المستوية التي يتوظؤها الناس .
فاما الحمولة ، بضم الحاء ، فإنها الأحمال ، وهي الحمول أيضا بضم الحاء .
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : كلوا مما رزقكم الله ، أيها المؤمنون ، فأحل لكم ثمرات حروثكم وغروسكم ، ولحوم أنعامكم ، إذ حرم بعض ذلك على أنفسهم المشركون بالله، فجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا وللشيطان مثله ، فقالوا : " هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا" ، " ولا تتبعوا خطوات الشيطان "، كما اتبعها باحرو البحيرة، ومسيبو السوائب ، فتحرموا على أنفسكم من طيب رزق الله الذي رزقكم ما حرموه ، فتطيعوا بذلك الشيطان ، وتعصوا به الرحمن ، كما :
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " ، لا تتبعوا طاعته ، هي ذنوب لكم ، وهي طاعة للخبيث . إن الشيطان لكم عدو يبغي هلاككم وصدكم عن سبيل ربكم ، " مبين " ، قد أبان لكم عداوته ، بمناصبته أباكم بالعداوة، حتى أخرجه من الجنة بكيده ، وخدعه حسداً منه له ، وبغياً عليه .
قوله تعالى: "ومن الأنعام حمولة وفرشا" عطف على ما تقدم. أي وأنشأ حمولة وفرشاً من الأنعام. وللعلماء في الأنعام ثلاثة أقوال: أحدها: أن الأنعام الإبل خاصة، وسيأتي في النحل بيانه. الثاني: أن الأنعام الإبل وحدها، وإذا كان معها بقر وغنم فهي أنعام أيضاً. الثالث: وهو أصحها قاله أحمد بن يحيى: الأنعام كل ما أحله الله عز وجل من الحيوان. ويدل على صحة هذا قوله تعالى: "أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم" [المائدة: 1] وقد تقدم. والحمولة ما أطاق الحمل والعمل، عن ابن مسعود وغيره. ثم قيل: يختص اللفظ بالإبل. وقيل: كل ما احتمل عليه الحي من حمار أو بغل أو بعير، عن أبي زيد، سواء كانت عليه الأحمال أو لم تكن. قال عنترة:
ما راعني إلا حمولة أهلها وسط الديار تسف حب الحمحم
وفعولة بفتح الفاء إذا كانت بمعنى الفاعل استوى فيها المؤنث والمذكر، نحو قولك: رجل فروقة وامرأة فروقة للجبان والخائف. ورجل صرورة وامرأة صرورة إذا لم يحجا، ولا جمع له. فإذا كانت بمعنى المفعول فرق بين المذكر والمؤنث بالهاء كالحلوبة والركوبة. والحمولة (بضم الحاء): الأحمال. وأما الحمول (بالضم بلا هاء) فهي الإبل التي عليها الهوادج، كان فيها نساء أو لم يكن، عن أبي زيد. وفرشاً قال الضحاك: الحمولة من الإبل والبقر. والفرش: الغنم. وقال ابن عباس: الحمولة كل ما حمل من الإبل والبقر والخيل والبغال والحمير. والفرش: الغنم. وقال ابن زيد: الحمولة ما يركب، والفرش ما يؤكل لحمه ويحلب، مثل الغنم والفصلان والعجاجيل، سميت فرشاً للطاقة أجسامها وقربها من الفرش، وهي الأرض المستوية التي يتوطأها الناس. قال الراجز:
أورثني حمولة وفرشاً أمشها في كل يوم مشا
وقال آخر:
وحوينا الفرش من أنعامكم والحمولات وربات الحجل
قال الأصمعي: لم أسمع له بجمع. قال: ويحتمل أن يكون مصدراً سمي به، من قولهم: فرشها الله فرشاً، أي بثها بثاً، والفرش: المفروش من متاع البيت. والفرش: الزرع إذا فرش. والفرش: الفضاء الواسع. والفرش في رجل البعير: اتساع قليل، وهو محمود. وافترش الشيء انبسط، فهو لفظ مشترك. وقد يرجع قوله تعالى: وفرشاً إلى هذا. قال النحاس: ومن أحسن ما قيل فيهما أن الحمولة المسخرة المذللة للحمل. والفرش ما خلقه الله عز وجل من الجلود والصوف مما يجلس عليه ويتمهد. وباقي الآية قد تقدم.
يقول تعالى مبيناً أنه الخالق لكل شيء من الزروع والثمار والأنعام التي تصرف فيها هؤلاء المشركون بآرائهم الفاسدة, وقسموها وجزؤوها فجعلوا منها حراماً وحلالاً, فقال "وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: معروشات مسموكات, وفي رواية فالمعروشات ما عرش الناس, وغير معروشات ما خرج في البر والجبال من الثمرات, وقال عطاء الخراساني عن ابن عباس: معروشات ما عرش من الكرم وغير معروشات ما لم يعرش من الكرم, وكذا قال السدي, وقال ابن جريج متشابهاً وغير متشابه, قال: متشابهاً في المنظر وغير متشابه في المطعم, وقال محمد بن كعب "كلوا من ثمره إذا أثمر" قال: من رطبه وعنبه, وقوله تعالى: "وآتوا حقه يوم حصاده" قال ابن جرير: قال بعضهم هي الزكاة المفروضة, حدثنا عمرو, حدثنا عبد الصمد, حدثنا يزيد بن درهم, قال: سمعت أنس بن مالك يقول "وآتوا حقه يوم حصاده" قال: الزكاة المفروضة.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وآتوا حقه يوم حصاده" يعني الزكاة المفروضة يوم يكال ويعلم كيله, وكذا قال سعيد بن المسيب, وقال العوفي عن ابن عباس "وآتوا حقه يوم حصاده" وذلك أن الرجل كان إذا زرع, فكان يوم حصاده لم يخرج مما حصد شيئاً فقال الله تعالى: "وآتوا حقه يوم حصاده" وذلك أن يعلم ما كيله وحقه من كل عشرة واحد, وما يلقط الناس من سنبله, وقد روى الإمام أحمد وأبو داود في سننه من حديث محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن يحيى بن حبان, عن عمه واسع بن حبان, عن جابر بن عبد الله, أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جاذ عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين, وهذا إسناد جيد قوي, وقال طاوس وأبو الشعثاء وقتادة والحسن والضحاك وابن جريج: هي الزكاة, وقال الحسن البصري: هي الصدقة من الحب والثمار, وكذا قال زيد بن أسلم, وقال آخرون: وهو حق آخر سوى الزكاة, وقال أشعث: عن محمد بن سيرين ونافع عن ابن عمر في قوله "وآتوا حقه يوم حصاده" قال: كانوا يعطون شيئاً سوى الزكاة رواه ابن مردويه وروى عبد الله بن المبارك وغيره عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح في قوله "وآتوا حقه يوم حصاده" قال: يعطي من حضره يومئذ ما تيسر, وليس بالزكاة, وقال مجاهد: إذا حضرك المساكين طرحت لهم منه, وقال عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد "وآتوا حقه يوم حصاده" قال: عند الزرع يعطي القبضة وعند الصرام يعطي القبضة, ويتركهم فيتبعون آثار الصرام, وقال الثوري: عن حماد عن إبراهيم النخعي قال: يعطي مثل الضغث, وقال ابن المبارك عن شريك عن سالم عن سعيد بن جبير "وآتوا حقه يوم حصاده" قال: كان هذا قبل الزكاة, للمساكين القبضة والضغث لعلف دابته, وفي حديث ابن لهيعة: عن دراج عن أبي الهيثم عن سعيد مرفوعاً, "وآتوا حقه يوم حصاده" قال "ما سقط من السنبل " رواه ابن مردويه, وقال آخرون: هذا شيء كان واجباً ثم نسخه الله بالعشر أو نصف العشر, حكاه ابن جرير عن ابن عباس ومحمد بن الحنفية وإبراهيم النخعي والحسن والسدي وعطية العوفي وغيرهم, واختاره ابن جرير رحمه الله, قلت: وفي تسمية هذا نسخاً نظر, لأنه قد كان شيئاً واجباً في الأصل ثم إنه فصل بيانه وبين مقدار المخرج وكميته, قالوا: وكان هذا في السنة الثانية من الهجرة, فالله أعلم.
وقد ذم الله سبحانه الذين يصرمون ولا يتصدقون كما ذكر عن أصحاب الجنة في سورة "ن" " إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين * ولا يستثنون * فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون * فأصبحت كالصريم " أي كالليل المدلهم سوداء محترقة " فتنادوا مصبحين * أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين * فانطلقوا وهم يتخافتون * أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين * وغدوا على حرد " أي قوة وجلد وهمة " قادرين * فلما رأوها قالوا إنا لضالون * بل نحن محرومون * قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون * قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين * فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون * قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين * عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون * كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ".
وقوله تعالى: "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" قيل معناه لا تسرفوا في الإعطاء فتعطوا فوق المعروف, وقال أبو العالية: كانوا يعطون يوم الحصاد شيئاً ثم تباروا فيه وأسرفوا, فأنزل الله "ولا تسرفوا" وقال ابن جريج: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس, جذ نخلاً له فقال: لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة, فأنزل الله تعالى: "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" رواه ابن جرير عنه, وقال ابن جريج عن عطاء: نهوا عن السرف في كل شيء, وقال إياس بن معاوية: ما جاوزت به أمر الله فهو سرف, وقال السدي في قوله "ولا تسرفوا" قال: لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء, وقال سعيد بن المسيب ومحمد بن كعب في قوله "ولا تسرفوا" قال: لا تمنعوا الصدقة فتعصوا ربكم, ثم اختار ابن جرير قول عطاء, أنه نهي عن الإسراف في كل شيء ولا شك أنه صحيح, لكن الظاهر والله أعلم من سياق الاية, حيث قال تعالى: "كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا" أن يكون عائداً على الأكل, أي لا تسرفوا في الأكل لما فيه من مضرة العقل والبدن, كقوله تعالى: "كلوا واشربوا ولا تسرفوا" الاية.
وفي صحيح البخاري تعليقاً "كلوا واشربوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة" وهذا من هذا, والله أعلم, وقوله عز وجل "ومن الأنعام حمولة وفرشاً" أي وأنشأ لكم من الأنعام ما هو حمولة وما هو فرش, قيل المراد بالحمولة ما يحمل عليه من الإبل, والفرش الصغار منها, كما قال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله في قوله: حمولة ما حمل عليه من الإبل وفرشاً الصغار من الإبل, رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه, وقال ابن عباس: الحمولة هي الكبار والفرش الصغار من الإبل, وكذا قال مجاهد, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "ومن الأنعام حمولة وفرشاً" أما الحمولة فالإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه, وأما الفرش فالغنم, واختاره ابن جرير قال: وأحسبه إنما سمي فرشاً لدنوه من الأرض, وقال الربيع بن أنس والحسن والضحاك وقتادة وغيره: الحمولة الإبل والبقر والفرش الغنم, وقال السدي: أما الحمولة فالإبل وأما الفرش فالفصلان والعجاجيل والغنم, وما حمل عليه فهو حمولة, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الحمولة ما تركبون والفرش ما تأكلون وتحلبون, شاة لا تحمل تأكلون لحمها وتتخذون من صوفها لحافاً وفرشاً, وهذا الذي قاله عبد الرحمن: في تفسير هذه الاية الكريمة حسن يشهد له قوله تعالى: " أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون " وقال تعالى: "وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين" إلى أن قال "ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين".
وقال تعالى: "الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون * ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون * ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون" وقوله تعالى: "كلوا مما رزقكم الله" أي من الثمار والزروع والأنعام فكلها خلقها الله وجعلها رزقاً لكم "ولا تتبعوا خطوات الشيطان" أي طريقه وأوامره كما اتبعها المشركون الذين حرموا ما رزقهم الله, أي من الثمار والزروع افتراء على الله, "إنه لكم" أي أن الشيطان أيها الناس لكم "عدو مبين" أي بين ظاهر العداوة, كما قال تعالى: "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير" وقال تعالى: "يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما" الاية, وقال تعالى: "أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً" والايات في هذا كثيرة في القرآن .
قوله: 142- "ومن الأنعام حمولة وفرشاً" معطوف على جنات: أي وأنشأ لكم من الأنعام حمولة وفرشاً، والحمولة ما يحمل عليها، وهو يختص بالإبل فهي فعولة بمعنى فاعلة، والفرش: ما يتخذ من الوبر والصوف والشعر فراشاً يفترشه الناس، وقيل: الحمولة الإبل، والفرش: الغنم: وقيل: الحمولة: كل ما حمل عليه من الإبل والبقر والخيل والبغال والحمير، والفرش: الغنم، وهذا لا يتم إلا على فرض صحة إطلاق اسم الأنعام على جميع هذه المذكورات، وقيل: الحمولة: ما تركب، والفرش: ما يؤكل لحمه "كلوا مما رزقكم" من هذه الأشياء "ولا تتبعوا خطوات الشيطان" كما فعل المشركون من تحريم ما لم يحرمه الله وتحليل ما لم يحلله "إنه" أي الشيطان "لكم عدو مبين" مظهر للعداوة ومكاشف بها.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وهو الذي أنشأ جنات معروشات" قال: المعروشات ما عرش الناس "وغير معروشات" ما خرج في الجبال والبرية من الثمار. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: معروشات بالعيدان والقصب وغير معروشات قال: الضاحي. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس "معروشات" قال: الكرم خاصة. وأخرج ابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وآتوا حقه يوم حصاده" قال: ما سقط من السنبل. وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وابن المنذر والنحاس والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر في قوله: "وآتوا حقه يوم حصاده" قال: كانوا يعطون من اعتز بهم شيئاً سوى الصدقة. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن مجاهد في الآية قال: إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران ويزيد الأصم قال: كان أهل المدينة إذا صرموا النخل يجيئون بالعذق فيضعونه في المسجد فيجيء السائل فيضربه بالعصا فيسقط منه، فهو قوله: "وآتوا حقه يوم حصاده". وأخرج أحمد وأبو داود في سننه من حديث جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل حادي عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين. وإسناده جيد. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: "وآتوا حقه يوم حصاده" نسخها العشر ونصف العشر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن المنذر عن السدي نحوه. وأخرج النحاس وأبو الشيخ والبيهقي عن سعيد بن جبير نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة نحوه. وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن الضحاك نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي قال: إن في المال حقاً سوى الزكاة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي العالية قال: ما كانوا يعطون شيئاً سوى الزكاة، ثم إنهم تباذروا وأسرفوا، فأنزل الله: "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس جد نخلاً فقال: لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته، فأطعم حتى أمسى وليس له تمرة، فأنزل الله: "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين". وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: لو أنفقت مثل أبي قبيس ذهباً في طاعة الله لم يكن إسرافاً، ولو أنفقت صاعاً في معصية الله كان إسرافاً، وللسلف في هذا مقالات طويلة. وأخرج الفريابي وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: الحمولة ما حمل عليه من الإبل، والفرش صغار الإبل التي لا تحمل. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: الحمولة الكبار من الإبل، والفرش الصغار من الإبل. وأخرج أبو الشيخ عنه قال: الحمولة ما حمل عليه، والفرش ما أكل منه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: الحمولة الإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه، والفرش الغنم. وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية قال: الحمولة الإبل والبقر، والفرش الضأن والمعز.
142- قوله عز وجل: " ومن الأنعام "، أي: وأنشأ من الأنعام "حمولةً "، وهي كل ما يحمل عليها من الإبل " وفرشاً "، هي الصغار من الإبل التي لا تحمل " كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان "، لا تسلكوا طريقه وآثاره في تحريم الحرث والأنعام، " إنه لكم عدو مبين ".
142" ومن الأنعام حمولةً وفرشاً " عطف على جنات أي وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال وما يفرش للذبح ، أو ما يفرش المنسوج من شعره وصوفه ووبره . وقيل الكبار الصالحة للحمل والصغار الدانية من الأرض مثل الفرش المفروش عليها " كلوا مما رزقكم الله " كلوا مما أحل لكم منه . " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " في التحليل والتحريم من عند أنفسكم " إنه لكم عدو مبين " ظاهرة العداوة .
142. And of the cattle (He produceth) some for burdens, some for food. Eat of that which Allah hath bestowed upon you, and follow not the footsteps of the devil, for lo! he is an open foe to you.
142 - Of the cattle are some for burden and some for meat: eat what God hath provided for you, and follow not the footsteps of Satan: for he is to you an avowed enemy.