(وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله) بقضائه (كتاباً) مصدر أي: كتب الله ذلك (مؤجلاً) مؤقتاً لا يتقدم ولا يتأخر فلم انهزمتم! والهزيمة لا تدفع الموت والثبات لا يقطع الحياة (ومن يرد) بعمله (ثواب الدنيا) أي جزاءه منها (نؤته منها) ما قسم له ولاحظ له في الآخرة (ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها) أي من ثوابها (وسنجزي الشاكرين)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وما يموت محمد ولا غيره من خلق الله إلا بعد بلوغ أجله الذي جعله الله غاية لحياته وبقائه ، فإذا بلغ ذلك من الأجل الذي كتبه الله له ، وأذن له بالموت ، فحينئذ يموت. فأما قبل ذلك ، فلن يموت بكيد كائد ولا بحيلة محتال، كما:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق: "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا"، أي : إن لمحمد أجلاً هو بالغه، إذا أذن الله له في ذلك كان.
وقد قيل إن معنى ذلك: وما كانت نفس لتموت إلا بإذن الله.
وقد اختلف أهل العربية في معنى الناصب قوله: "كتابا مؤجلا".
فقال بعض نحويي البصرة : هو توكيد، ونصبه على : كتب الله كتاباً مؤجلاً. قال : وكذلك كل شيء في القرآن من قوله: (حقاً) إنما هو: أحق ذلك حقاً. وكذلك: "وعد الله" [النساء: 122- يونس: 4- لقمان: 9] و "رحمة من ربك" [الكهف: 82- القصص: 46- الدخان: 6] و "صنع الله الذي أتقن كل شيء" [النمل: 88]، و "كتاب الله عليكم" [النساء: 24]، إنما هو: صنع الله هكذا صنعاً. فهكذا تفسير كل شيء في القرآن من نحو هذا، فإنه كثير.
وقال بعض نحويي الكوفة في قوله: "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله"، معناه: كتب الله آجال النفوس ، ثم قيل: "كتابا مؤجلا"، فأخرج قوله: "كتابا مؤجلا"، نصباً من المعنى الذي في الكلام، إذ كان قوله: "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله"، قد أدى عن معنى: كتب. قال وكذلك سائر ما في القرآن من نظائر ذلك، فهو على هذا النحو.
وقال آخرون منهم: قول القائل: زيد قائم حقاً، بمعنى: أقول زيد قائم حقاً، لأن كل كلام قول، فأدى المقول عن القول، ثم خرج ما بعده منه ، كما تقول : أقول قولاً حقاً، وكذلك ظناً ويقيناً وكذلك : وعد الله، وما أشبهه.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي ، أن كل ذلك منصوب على المصدر من معنى الكلام الذي قبله ، لأن في كل ما قبل المصادر التي هي مخالفة ألفاظها ألفاظ ما قبلها من الكلام ، معاني ألفاظ المصادر وإن خالفها في اللفظ ، فنصبها من معاني ما قبلها دون ألفاظه.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : ومن يرد منكم، أيها المؤمنون ، بعمله جزاءً منه بعض أعراض الدنيا، دون ما عند الله من الكرامة لمن ابتغى بعمله ما عنده، "نؤته منها"، يقول: نعطه منها، يعني من الدنيا، يعني أنه يعطيه منها ما قسم له فيها من رزق أيام حياته ، ثم لا نصيب له في كرامة الله التي أعدها لمن أطاعه وطلب ما عنده في الآخرة، "ومن يرد ثواب الآخرة"، يقول : ومن يرد منكم بعمله جزاء منه ثواب الآخرة، يعني: ما عند الله من كرامته التي أعدها للعاملين له في الآخرة، "نؤته منها"، يقول: نعطه منها، يعني من الآخرة . والمعنى: من كرامة الله التي خص بها أهل طاعته في الآخرة . فخرج الكلام على الدنيا والآخرة، والمعني ما فيهما، كما:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق: "ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها"، أي : فمن كان منكم يريد الدنيا، ليست له رغبة في الآخرة، نؤته ما قسم لنا منها من رزق، ولا حظ له في الآخرة، "ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها" ما وعده ، مع ما يجرى عليه من رزقه في دنياه.
وأما قوله: "وسنجزي الشاكرين"، يقول: وسأثيب من شكر لي ما أوليته من إحساني إليه ، بطاعته إياي، وانتهائه إلى أمري ، وتجنبه محارمي ، في الآخرة مثل الذي وعدت أوليائي من الكرامة على شكرهم إياي.
وقال ابن إسحق في ذلك بما:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق: "وسنجزي الشاكرين"، أي: ذلك جزاء الشاكرين، يعني بذلك : إعطاء الله إياه ما وعده في الآخرة، مع ما يجري عليه من الرزق في الدنيا.
قوله تعالى : " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا " هذا حض على الجهاد ، وإعلام أن الموت لا بد منه وأن كل إنسان مقتول أو غير مقتول ميت إذا بلغ أجله المكتوب له ، لأن معنى " مؤجلا " إلى أجل ، ومعنى " بإذن الله " بقضاء الله وقدره ، و ( كتاباً ) نصب على المصدر ، أي كتب الله كتاباً مؤجلاً ، وأجل الموت هو الوقت الذي في معلومه سبحانه ، أن روح الحي تفارق جسده ، ومتى قتل العبد علمنا أن ذلك أجله ، ولا يصح أن يقال ، لو لم يقتل لعاش ، والدليل على قوله : " كتابا مؤجلا " " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " [ الأعراف : 34 ] ، " فإن أجل الله لآت " [ العنكبوت : 5 ] ، " لكل أجل كتاب " [ الرعد : 38 ] ، والمعتزلي يقول : يتقدم الأجل ويتأخر ، وأن من قتل فإنما يهلك قبل أجله ، وكذلك كل ما ذبح من الحيوان كان هلاكه قبل أجله ، لأنه يجب على القاتل الضمان والدية ، وقد بين الله تعالى في هذه الآية أنه لا تهلك نفس قبل أجلها ، وسيأتي لهذا مزيد بيان في الأعراف إن شاء الله تعالى . وفيه دليل على كتب العلم وتدوينه ، وسيأتي بيانه في طه ، عند قوله " قال علمها عند ربي في كتاب " [ طه : 52 ] ، إن شاء الله تعالى .
قوله تعالى : " ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها " يعني الغنيمة ، نزلت في الذين تركوا المركز طلباً للغنيمة وقيل : هي عامة في كل من أراد الدنيا دون الآخرة ، والمعنى نؤته منها ما قسم له ، وفي التنزيل : " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد " [ الأسراء : 18 ] ، " ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها " أي نؤته جزاء عمله ، على ما وصف الله تعالى من تضعيف الحسنات لمن يشاء ن وقيل : المراد منها عبد الله بن جبير ومن لزم المركز معه حتى قتلوا ن " وسنجزي الشاكرين " أي نؤتيهم الثواب الأبدي جزاء لهم على ترك الانهزام ، فهو تأكيد لما تقدم من إيتاء مزيد الآخرة ، وقيل : " وسنجزي الشاكرين " من الرزق في الدنيا لئلا يتوهم أن الشاكر يحرم ما قسم له مما يناله الكافر .
لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد وقتل من قتل منهم, نادى الشيطان: ألا إن محمداً قد قتل, ورجع ابن قميئة إلى المشركين, فقال لهم: قتلت محمداً, وإنما كان قد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشجه في رأسه, فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس واعتقدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل, وجوزوا عليه ذلك, كما قد قص الله عن كثير من الأنبياء عليهم السلام, فحصل ضعف ووهن وتأخر عن القتال, ففي ذلك أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" أي له أسوة بهم في الرسالة وفي جواز القتل عليه, قال ابن أبي نجيح عن أبيه : أن رجلاً من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه فقال له: يا فلان أشعرت أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد قتل, فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل فقد بلغ, فقاتلوا عن دينكم, فنزل "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة. ثم قال تعالى منكراً على من حصل له ضعف "أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم" أي رجعتم القهقرى "ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين" أي الذين قاموا بطاعته وقاتلوا عن دينه, واتبعوا رسوله حياً وميتاً. وكذلك ثبت في الصحاح والمساند والسنن وغيرها من كتب الإسلام من طرق متعددة تفيد القطع, وقد ذكرت ذلك في مسندي الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أن الصديق رضي الله عنه, تلا هذه الاية لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير , حدثنا الليث عن عقيل , عن ابن شهاب , أخبرني أبو سلمة أن عائشة رضي الله عنها, أخبرته أن أبا بكر رضي الله عنه, أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد, فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة , فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب حبرة, فكشف عن وجهه ثم أكب عليه وقبله وبكى, ثم قال: بأبي أنت وأمي والله لا يجمع الله عليك موتتين, أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها, وقال الزهري : حدثني أبو سلمة عن ابن عباس أن أبا بكر خرج و عمر يحدث الناس فقال: اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فأقبل الناس إليه وتركوا عمر , فقال أبو بكر : أما بعد من كان يعبد محمداً, فإن محمداً قد مات, ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. قال الله تعالى: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " قال: فو الله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الاية حتى تلاها عليهم أبو بكر , فتلقاها منه الناس كلهم فما سمعها بشر من الناس إلا تلاها, وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي, وحتى هويت إلى الأرض. وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا علي بن عبد العزيز , حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد , حدثنا أسباط بن نصر عن سماك بن حرب , عن عكرمة , عن ابن عباس , أن علياً كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم" والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله, والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت, والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه, فمن أحق به مني ؟ وقوله تعالى: "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً" أي لا يموت أحد إلا بقدر الله وحتى يستوفي المدة التي ضربها الله له, ولهذا قال "كتاباً مؤجلاً" كقوله "وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب" وكقوله "هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده" وهذه الاية فيها تشجيع للجبناء وترغيب لهم في القتال, فإن الإقدام والإحجام لا ينقص من العمر ولا يزيد فيه, كما قال ابن أبي حاتم : حدثنا العباس بن يزيد العبدي قال: سمعت أبا معاوية عن الأعمش عن حبيب بن صهبان , قال: قال رجل من المسلمين وهو حجر بن عدي : ما يمنعكم أن تعبروا إلى هؤلاء العدو هذه النطفة ـ يعني دجلة ـ "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً" ثم أقحم فرسه دجلة, فلما أقحم, أقحم الناس, فلما رآهم العدو قالوا: ديوان فهربوا. وقوله " ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها " أي من كان عمله للدنيا فقط نال منها ما قدره الله له, ولم يكن له في الاخرة نصيب, ومن قصد بعمله الدار الاخرة أعطاه الله منها مع ما قسم له في الدنيا, كما قال تعالى: " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب " وقال تعالى: " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا " ولهذا قال ههنا "وسنجزي الشاكرين" أي سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا في الدنيا والاخرة بحسب شكرهم وعملهم, ثم قال تعالى مسلياً للمؤمنين عما كان وقع في نفوسهم يوم أحد " وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير " قيل: معناه كم من نبي قتل وقتل معه ربيون من أصحابه كثير. وهذا القول هو اختيار ابن جرير فإنه قال: وأما الذين قرأوا " قاتل معه ربيون كثير " فإنهم قالوا: إنما عنى بالقتل النبي وبعض من معه من الربيين دون جميعهم, وإنما نفى الوهن والضعف عمن بقي من الربيين ممن لم يقتل, قال: ومن قرأ قاتل فإنه اختار ذلك, لأنه قال: لو قتلوا لم يكن لقول الله "فما وهنوا" وجه معروف لأنه يستحيل أن يوصفوا بأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا بعد ما قتلوا, ثم اختار قراءة من قرأ " قاتل معه ربيون كثير " لأن الله عاتب بهذه الايات والتي قبلها من انهزم يوم أحد وتركوا القتال لما سمعوا الصائح يصيح بأن محمداً قد قتل, فعذلهم الله على فرارهم وتركهم القتال, فقال لهم "أفإن مات أو قتل" أيها المؤمنون ارتددتم عن دينكم و"انقلبتم على أعقابكم" وقيل: وكم من نبي قتل بين يديه من أصحابه ربيون كثير, وكلام ابن إسحاق في السيرة يقتضي قولاً آخر, فإنه قال: وكأين من نبي أصابه القتل ومعه ربيون أي جماعات فما وهنوا بعد نبيهم, وما ضعفوا عن عدوهم, وما استكانوا لما أصابهم في الجهاد عن الله وعن دينهم, وذلك الصبر "والله يحب الصابرين" فجعل قوله "معه ربيون كثير" حالاً, وقد نصر هذا القول السهيلي وبالغ فيه, وله اتجاه لقوله "فما وهنوا لما أصابهم" الاية, وكذا حكاه الأموي في مغازيه عن كتاب محمد بن إبراهيم ولم يحك غيره, وقرأ بعضهم "قاتل معه ربيون كثير" قال سفيان الثوري , عن عاصم , عن زر عن ابن مسعود "ربيون كثير" أي ألوف, وقال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والحسن وقتادة والسدي والربيع وعطاء الخراساني : الربيون الجموع الكثيرة وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن "ربيون كثير" أي علماء كثير, وعنه أيضاً: علماء صبر أبرار وأتقياء. وحكى ابن جرير عن بعض نحاة البصرة أن الربيين هم الذين يعبدون الرب عز وجل, قال: ورد بعضهم عليه فقال: لو كان كذلك لقيل: الربيون بفتح الراء, وقال ابن زيد : الربيون الأتباع والرعية, والربانيون الولاة. "فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا"قال قتادة والربيع بن أنس "وما ضعفوا" بقتل نبيهم "وما استكانوا" يقول: فما ارتدوا عن بصيرتهم ولا عن دينهم أن قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله, وقال ابن عباس "وما استكانوا" تخشعوا, وقال السدي وابن زيد : وما ذلوا لعدوهم, وقال محمد بن إسحاق والسدي وقتادة : أي ما أصابهم ذلك حين قتل نبيهم "والله يحب الصابرين * وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين" أي لم يكن لهم هجير إلا ذلك "فآتاهم الله ثواب الدنيا" أي النصر والظفر والعاقبة " وحسن ثواب الآخرة " أي جمع لهم ذلك مع هذا "والله يحب المحسنين".
قوله 145- "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله" هذا كلام مستأنف يتضمن الحث على الجهاد والإعلام بأن الموت لا بد منه. ومعنى "بإذن الله" بقضاء الله وقدره، وقيل: إن هذه الجملة متضمنة للإنكار على من فشل بسبب ذلك الإرجاف بقتله صلى الله عليه وسلم، فبين لهم أن الموت بالقتل أو بغيره منوط بإذن الله، وإسناده إلى النفس مع كونها غير مختارة له للإيذان بانه لا ينبغي لأحد أن يقدم عليه إلا بإذن الله. وقوله "كتاباً" مصدر مؤكد لما قبله، لأن معناه كتب الله الموت كتاباً. والمؤجل: المؤقت الذي لا يتقدم على أجله ولا يتأخر. قوله "ومن يرد" أي بعلمه "ثواب الدنيا" كالغنيمة ونحوها، واللفظ يعم كل ما يسمى ثواب الدنيا، وإن كان السبب خاصاً "نؤته منها" أي: من ثوابها على حذف المضاف "ومن يرد" بعمله "ثواب الآخرة" وهو الجنة نؤته من ثوابها، ونضاعف له الحسنات أضعافاً كثيرة "وسنجزي الشاكرين" بامتثال ما أمرناهم به كالقتال، ونهيناهم عنه كالفرار وقبول الإرجاف.
145-"وما كان لنفس أن تموت" ، قال الأخفش : اللام في "النفس" منقولة تقديره : وما كانت نفس لتموت ،"إلا بإذن الله" ، بقضاء الله وقدره ، وقيل: بعلمة ، وقيل: بأمرة ،"كتاباً مؤجلاً"أي: كتب لكل نفس أجلاً لا يقدر أحد على تغييره وتأخيره ، ونصب الكتاب على المصدر، أي: كتب كتاباً،"ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها" يعني: من يرد بطاعته الدنيا ويعمل لها نؤته منها مايكون جزاء لعمله ، يريد نؤته منها مانشاء بما قدرناه له ، كما قال :" من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد " (سورة الإسراء -18) ، نزلت في الذين تركوا المركز يوم أحد طلباً للغنيمة ،"ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها" ، أي أراد بعمله الآخرة ، قيل:أراد الذين ثبتوا مع أميرهم عبد الله بن جبير حتى قتلوا.
"وسنجزي الشاكرين "، أي : المؤمنين المطيعين.
أخبرنا ابو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداوودي أخبرنا أبو الحسن أحمد بن موسى بن الصلت أنا أبو اسحاق ابراهيم عبد الصمد الهاشمي أنا أبو يحيى محمد بن عبد الله بن يزيد بن عبد الرحمن المقرئ أنا أبي أنا الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كانت نيته طلب الآخرة جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت نيته طلب الدنيا جعل الله الفقر بين عينيه وشتت عليه أمره ، ولا يأتيه منها إلا ما كتب له ".
أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد بن علي بن توبة الزراد أخبرنا أبو بكر محمد بن إدريس بن محمد الجرجاني وأبو أحمد محمد بن أحمد المعلم الهروي قالا أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى الماليني أخبرنا أبو العباس الحسن بن سفيان النسوي أخبرنا حيان بن موسى و عبد الله بن أسماء ابن اخي جويريةابن أسماءقال أخبرنا عبد الله بن المبارك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " .
145" وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله " إلا بمشيئة الله تعالى أو بإذنه لملك الموت عليه الصلاة والسلام في قبض روحه، والمعنى أن لكل نفس أجلاً مسمى في علمه تعالى وقضائه "لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" بالإحجام عن القتال والإقدام عليه. وفيه تحريض وتشجيع على القتال، ووعد للرسول صلى الله عليه وسلم بالحفظ وتأخير الأجل. "كتاباً" مصدر مؤكد إذ المعنى كتب الموت كتاباً. "مؤجلاً" صفة له أي مؤقتاً لا يتقدم ولا يتأخر. " ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها " تعريض لمن شغلتهم الغنائم يوم أحد، فإن المسلمين حملوا على المشركين وهزموهم وأخذوا ينهبون، فلما رأى الرماة ذلك أقبلوا على النهب وخلوا مكانهم فانتهز المشركون وحملوا عليهم من ورائهم فهزموهم. "ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها" أي من ثوابها. " وسنجزي الشاكرين " الذين شكروا نعمة الله فلم يشغلهم شيء عن الجهاد.
145. No soul can ever die except by Allah's leave and at a term appointed. Whoso desireth the reward of the world, We bestow on him thereof; and whoso desireth the reward of the Hereafter, thankful. We bestow on him thereof. We shall reward the
145 - Nor can a soul die except by God's leave, the term being fixed as by writing. if any do desire a reward in this life, we shall give it to him; and if any do desire a reward in the hereafter, we shall give it to him. and swiftly shall we reward those that (serve us with) gratitude.